الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حكم السفر إلى ساحات الجهاد

الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام، كما قال -صلى الله عليه وسلم- (وأما ذروة سنامه فالجهاد في سبيل الله)(صححه الألباني)، وهو سبب عز المسلمين، وتركه سبيل لصغارهم وذلهم، فعن علي –رضي الله عنه-: "وما تركوا الجهاد إلا ذلوا"ومنذ أواخر عصر الدولة العثمانية، وزحف الجيوش الإسلامية لنشر دين الله، وإعلاء كلمته في الأرض متوقف، مما دفع كثيرا من الشباب المحب لدينه الذي يقرأ عن الجهاد وفضله، وعن الشهادة وشرفها يتشوف إلى هذه المكرمة التي سماها بعضهم بالفريضة الغائبة.

حكم السفر إلى ساحات الجهاد
موقع صوت السلف
السبت ٢٢ أغسطس ٢٠٠٩ - ١٦:٤٩ م
5071

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام، كما قال -صلى الله عليه وسلم- (وأما ذروة سنامه فالجهاد في سبيل الله)(صححه الألباني)، وهو سبب عز المسلمين، وتركه سبيل لصغارهم وذلهم، فعن علي –رضي الله عنه-: "وما تركوا الجهاد إلا ذلوا"ومنذ أواخر عصر الدولة العثمانية، وزحف الجيوش الإسلامية لنشر دين الله، وإعلاء كلمته في الأرض متوقف، مما دفع كثيرا من الشباب المحب لدينه الذي يقرأ عن الجهاد وفضله، وعن الشهادة وشرفها يتشوف إلى هذه المكرمة التي سماها بعضهم بالفريضة الغائبة.

ومن المعلوم شرعا أن تحديث النفس بالطاعات والعبادات كلها وإن خرجت عن المستطاع أمر مطلوب، تعويدا للنفس علي هذه الطاعات، ومسارعة لأمر الله ولو بالقلب، وعملا بأن نية المسلم أبلغ من عبادته.

"
تحديث النفس بالطاعات والعبادات كلها وإن خرجت عن المستطاع أمر مطلوب
"

ولما كان الجهاد خارجا عن المستطاع للأفراد في أحوال كثيرة لعدم الشوكة والعدة، لكنه يظل طاعة وعبادة ينطبق عليها ما ذكرنا سالفا عملا بقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من النفاق)(رواه مسلم).

إذن فتحديث النفس بالجهاد حتى تهيئة أسبابه أمر محمود، بل مطلوب شرعا، ولكن آفة الاستعجال ووضع الشيء في غير موضعه جعلت كثيرا من هذا الشباب المتحمس يفرغ طاقاته الجهادية في تصرفات طائشة تزهق بها أرواح المسلمين، وتسفك بها دماؤهم عن طريق وضع ما يعم ضرره في طرقات المسلمين مستهدفا بها سائحا أو سياسيا أو مفكرا من خصوم الدعوة الإسلامية، متجاهلا أحكام التكفير، وضوابط تكفير المعين، وأحكام الصلح والهدنة والأمان مع الكفار، وضاربا عرض الحائط بضرورة قياس المصالح والمفاسد، ومستهترا بدماء المسلمين الذين سيسقطون غالبا بجوار هدفه معزيا نفسه بأنهم سيبعثون على نياتهم.

ولقد عانت بلادنا من ذلك ردحا طويلا من الزمن حتى انقشعت هذه الفتنة عنها بفضل الله، ومع ذلك مازال البعض يكرر التجربة في بلاد أخرى، وربما في أماكن أخرى من بلادنا كسيناء، متجاهلا الضوابط الشرعية، ومعرضا عن الاتعاظ بمن سبقه.

وفى مقابل ما سبق، ظهرت حركات جهادية كثيرة في مواطن متفرقة من العالم كان تكييفها الشرعي من حيث الإطار العام -بعيدا عن التفاصيل-أنها حركات جهاد مشروع، ومقاومة شرعية للمحتل، وقد اكتسبت هذه الشرعية من:-

أولا: تمايز الصفوف، حيث أنها توجه ضد كفار معلنين بكفرهم كالشيوعيين في أفغانستان والشيشان، والصليبيين في البوسنة، والهندوس في كشمير، وقبل ذلك اليهود في الشام، وأخيرا الاحتلال الأمريكي البريطاني في العراق.

"
لا خلاف في وجوب التحاق المسلم الذي يقيم في أحد هذه البلاد التي داهمها العدو المستعلن بكفره بحركات الجهاد هناك
"

ثانيا: لغلبة الظن بحدوث المصلحة واندفاع المفسدة.

ومن أجل ذلك حصلت هذه الحركات الجهادية على دعم وتأييد معظم العلماء المعاصرين على اختلاف توجهاتهم، وفتاوى كبار العلماء السلفيين المعاصرين كالشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيميين، والشيخ الألباني -رحمهم الله تعالى-في دعم الجهاد الأفغاني والشيشاني، وغيرهما من صور الجهاد معلومة مشهورة، وكذلك معلوم موقف الشيخ القرضاوي وسائر الدعاة المحسوبين على فكر الإخوان المسلمين، وكذلك الفتاوى الرسمية من مصر من الأزهر بدعم الجهاد الأفغاني في حقبة الثمانينات، ودعم الجهاد الفلسطيني، وبل ودعم حزب الله الشيعي في مواجهاته الأخيرة مع إسرائيل، رغم الخلاف المذهبي مع الشيعة، والخلاف السياسي مع إيران الدولة الحاضنة لحزب الله، وكذلك وصف المقاومة العراقية بالجهاد، كما صدرت بذلك فتوى شيخ الأزهر والمفتي إبان الغزو الأمريكي للعراق.

وهذا كله مما أشعر الأمة بالتكامل، وأن طوائف منها تقوم بتلك الفريضة، ولم يعد الجهاد فريضة غائبة كما كان يراها البعض، وهذا بلا شك كان له أثر في انعدام، أو على الأقل انحسار الحركات الطائشة في بلاد المسلمين، والتي كان البعض يراها جهادا.

ولا خلاف في وجوب التحاق المسلم الذي يقيم في أحد هذه البلاد التي داهمها العدو المستعلن بكفره بحركات الجهاد هناك على أن يبحث قدر الإمكان عن حركات الجهاد السنية -ونعني هنا بالسنة ما هو أخص من مجرد عدم كونها شيعية بكونها ملتزمة بالسنة في كل أصول الإيمان وفروعه-، ومتى لم يجد، تعاون مع أقرب الحركات الجهادية إلى الحق.

ولكن الإشكال أن كثيرا من الشباب المسلم الغيور يقرأ في كتب أهل العلم أنه متى داهم العدو بلدا وجب على أهله الدفع تحصل الكفاية منهم، وإلا لزم البلاد الأخرى الأقرب فالأقرب، حتى تحصل الكفاية.

وهذه القاعدة صحيحة في ذاتها، حيث أن بلاد المسلمين، ودماءهم، وأعراضهم كلها متساوية في الحرمة، ولا أثر للحدود الجغرافية التي كانت تحد بلاد المسلمين قديما، ناهيك عن الحدود السياسية التي هي من صنع أعداء الأمة في هذه الحرمة، وإنما يجب الدفع على الأقرب من باب أن هذا هو الأيسر والأكثر تحقيقا للدفع، وبناء عليه وعندما تنقل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية صور العربدة، من قتل ونهب واغتصاب، تجد كثيرا من الشباب يظن أن المسلمين في بلاد المحنة لم يستطيعوا مواجهة العدو فأصبح الأمر فرضا على الأعيان في سائر بلاد المسلمين، ويغفل هؤلاء عن أن الغالب أن النقص في صفوف المجاهدين ليس عدديا، بل هو نقص في السلاح أو الخبرة، فضلا عن أن طبيعة حرب المجاهدين غالبا ما تكون مما يسمى بحرب العصابات، التي تعجز فيها جماعة المجاهدين عن حماية المدنيين الذين يكونون هدفا لكي يفرغ العدو فيهم طاقاته العدوانية، مما يجعل الإفتاء بفرضية العين على كل المسلمين في كل البلاد محل نظر.

"
الغالب أن النقص في صفوف المجاهدين ليس عدديا، بل هو نقص في السلاح أو الخبرة
"

ومن النقاط التي يغفل عنها هؤلاء أيضا أن كل بلاد المسلمين مستهدفة بحرب فكرية ضروس، وبتهديد وتلويح بحرب عسكرية، حتى البلاد التي كان يظن أن ثقلها السياسي والسكاني والإقليمي يعصمها من الوقوع فى دائرة الاستهداف قد صارت بالفعل منطقة اضطرابات، ومن ثم فمواجهة الحرب الفكرية والعمل على نشر وتوسيع القاعدة الملتزمة بالدين أصبح واجبا متعينا على عامة الأفراد والدعاة، لإبعاد شبح الحرب العسكرية التي يلوح بها بين الحين والآخر.   

وعلى ذلك فالذي نراه أن جهاد أعداء الله اليوم فرض عين على كل قادر بالسيف والسنان، وبالحجة والبيان في كل بقاع الأرض، وإن كانت البقعة التي يعيش فيها المسلم ينبغي أن تكون عنده أولى من غيرها، من باب أن كلا على ثغر من ثغور الإسلام، لا من باب العصبية الجاهلية قطعا.

يقول الدكتور بكر أبوزيد -حفظه الله-: "وعلى المتأهل أيضا أن لا يرى الدعوة في بلده نهاية المطاف منه لأمته، بل يجب حسب وسعه أن يتجاوز الحدود الجغرافية لبلده بالدعوة إلى الله، وإقامة الإسلام في نفوس العباد فوق أي أرض، وتحت أي سماء،ولكن هذا مشروط -وأيم الله-أن لا يخلي موقعه، فلينتبه لهذا الشرط، والله أعلم.".

ومن جملة الأمور التي يغفل عنها كثير من الشباب المتحمس للذهاب إلى ساحات الجهاد مخليا موقعه الدعوي في بلاده التي لم يداهمها العدو بعسكره، ولكنه يداهمها بأفكاره وسمومه، يغفلون أنه على التسليم بأن الجهاد هناك فرض عين على كل المسلمين -وليس الأمر كذلك-، أو على فرض أنه يعلم أنه فرض كفاية ولكنه اختار لنفسه أن يذهب إلى هناك، خلافا لما يراه أهل العلم أنه الأفضل إن لم يكن الواجب من البقاء في موقعه، فيغفلون عن قضية أمن الطريق، فتجدهم لا يبحثون في مسألة أمن الطريق، وغلبة الظن بالوصول، وليست المسألة مجرد الحصول على تأشيرة، وركوب طائرة، والتنقل بين عدد من المطارات، حيث إن التجربة أثبتت أن هذه الرحلات غالبا ما تنتهي في المطار الذي بدأت منه، ثم إلى...................

www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

تصنيفات المادة