الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أحكام العيد - تقبل الله منا ومنكم

فقد شرعت صلاة العيدين في السنة الأولى من الهجرة، وهي سنة مؤكدة واظب عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمر الرجال والنساء أن يخرجوا لها...

أحكام العيد - تقبل الله منا ومنكم
سعيد عبدالعظيم
الأربعاء ٢٥ نوفمبر ٢٠٠٩ - ١٨:٠٢ م
3017

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،


أما بعد،


فقد شرعت صلاة العيدين في السنة الأولى من الهجرة، وهي سنة مؤكدة واظب عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمر الرجال والنساء أن يخرجوا لها، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: (قَدِمَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟) قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الله قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الفِطْرِ) [رواه أبو داود، وأحمد، وصححه الألباني]


وفي حديث أم عطية، قالت: (أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ العَوَاتِقَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ)، وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ، قَالَ -أَوْ قَالَتِ-: (الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ) [رواه البخاري ومسلم]


ولما قال البعض منهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال -صلى الله عليه وسلم-: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا)، وعن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(كان يخرج نساءه وبناته في العيدين) [رواه ابن ماجه].


وعن ابن عباس قال: (خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ) [رواه البخاري ومسلم]


غير أن المرأة إذا خرجت من بيتها لمثل هذه الحاجة فعليها بالتأدب بالآداب الشرعية في ملبسها وغضِّ بصرها وأخذها حواف الطريق والبعد عن الاختلاط بالرجال.


التكبير: يندب إحياء ليلة العيد بالذكر والتكبير والدعاء والاستغفار والعطاء للبائسين.


ويبدأ التكبير في عيد الفطر من رؤية الهلال حتى يغدو الناس إلى المصلى وحتى يصعد الإمام على المنبر لقوله -تعالى-:﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة:185].


أما في عيد الأضحى فمن صبح يوم عرفة إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق لقوله -تعالى-: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ[البقرة:203]، قال ابن عباس: «هي أيام التشريق»، وهي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، والتكبير في أيام التشريق لا يختص استحبابه بوقت دون وقت، قال البخاري: «وكان عمر -رضي الله عنه- يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيرًا، وكان ابن عمر -رضي الله عنه-كبر بمنى تلك الأيام خلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعًا، وكانت ميمونة تكبر يوم النحر».


فالتكبير لا يقتصر على الثلاث مرات دبر الصلاة المكتوبة كما يصنع الناس في زماننا، هذا كما لا يقتصر على الرجال دون النساء.


الخروج إلى المصلى


عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى فِي يَوْمِ الْعِيدِ) [رواه البخاري]، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى)، ولم يزل الناس على ذلك. [رواه البخاري ومسلم]


والمصلى مكان يتسع لجموع المسلمين بعيدًا عن العمران؛ وذلك لإظهار شعائر الدين.


فالصلاة خارج البلد أفضل، ما عدا مكة فإن صلاة العيد في المسجد الحرام أفضل، فإذا كان هناك عذر مانع؛ كمطر ونحوه فلا بأس بتأديتها في المسجد، ويندب في هذه الصلاة المباركة لبس أجمل الثياب، ويستحب الغسل والتطيب للعيدين، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبس للعيدين أجمل ثيابه، وكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة.


كما يسن أكل تمرات وترًا قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر وتأخير ذلك في عيد الأضحى حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته إذا كان له أضحية.


قال أنس: (كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا) [رواه البخاري]


فإن لم يجد تمرًا أفطر على شيء مباح، فعن بريدة، قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ وَلا يَأْكُلُ يَوْمَ الأضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ) [رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي]


وفي «الموطأ» عن سعيد بن المسيب: (إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالأَكْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ يَوْمَ الْفِطْرِ).


كما يستحب مخالفة الطريق، فعن جابر -رضي الله عنه-  قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق) [رواه البخاري]، وعن أبي هريرة قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَرَجَ إِلَى الْعِيدَيْنِ رَجَعَ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ) [رواه أحمد، والترمذي]


فإذا وصل المسلم إلى المصلى جلس، إذ لم يثبت أن لصلاة العيد سنة قبلها ولا بعدها، قال ابن عباس: (خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها) [رواه البخاري ومسلم]، إلا أن من صلى بالمسجد عليه أن يؤدي تحية المسجد قبل جلوسه حتى وإن كان الوقت من أوقات الكراهة إذ تباح صلاة ذوات الأسباب في أوقات الكراهة والأدلة على ذلك كثيرة.


كذلك إذا أراد الإنسان أن يتنفل مطلقًا في المصلى في غير أوقات الكراهة فلا حرج في ذلك.


صــــلاة العيـــد


1- وقتهــا: يسن تقديم الأضحى ليتسع وقت الأضحية، وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر بلا خلاف بين العلماء، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي بهم الفطر والشمس على قيد رمحين، ويستمر وقتها حتى الزوال.


2- بلا آذان: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى) [رواه البخاري ومسلم]، وروى مسلم عن عطاء قال: (أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله الأنْصَارِيُّ أَنْ لا أَذَانَ لِلصَّلاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ يَخْرُجُ الأمَامُ وَلا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ، وَلا إِقَامَةَ وَلا نِدَاءَ وَلا شَيْءَ، لا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلا إِقَامَةَ)، وإذا كان الفعل سُنَّة فكذلك التركُ سُنَّة مع وجود المقتضي وانتفاء الموانع.


3- صلاة العيد: ركعتان كغيرها من النوافل غير أنه في الركعة الأولى وبعد تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة يكبر سبع تكبيرات: «الله أكبر» يفصل بين كل تكبيرتين بقدر قراءة آية قصيرة، ولم يحفظ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر معين بين التكبيرات، فلو حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- كما نقل عن ابن مسعود -رضي الله عنه- فلا بأس، وبعد أن ينتهي من التكبير يتعوذ ويقرأ الفاتحة وسورة، أما في الركعة الثانية فإنه بعد تكبيرة القيام يكبر خمس تكبيرات ثم يأخذ في القراءة، ويندب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة الأعلى، وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة الغاشية؛ لأن ذلك سُنَّة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتكبير سُنَّة لا تبطل الصلاة بتركه عمدًا ولا سهوًا.


4- خطبة العيد: عن عبد الله بن السائب قال: «شهدتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العيد، فلما قضى الصلاة قال: (إِنَّا نَخْطُبُ؛ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ) [رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني]


فالخطبة بعد صلاة العيد سُنَّة والاستماع إليها أيضًا سُنَّة، ويستحب افتتاح الخطبة بحمد الله تعالى، ولم يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير هذا، ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء كما قال النووي.


فبعد أن ينتهي الإمام من الصلاة يصعد المنبر ويخطب خطبة قصيرة يرشد الناس فيها إلى ما ينبغي عليهم فعله يوم العيد من البشاشة والصفاء والحب والولاء والتغاضي عن الهفوات والزلات، وأهمية صلة الأرحام، ويستحثهم على الصدقة وإدامة الطاعة والذكر، ويحذرهم فيها من المعاصي والبدع كالاختلاط والتبرج والذهاب إلى الشواطئ وحلاق السيدات، ويزجرهم عن سماع الأغاني ومشاهدة أفلام الفسق والفجور.


ومن الأخطاء الشائعة: حرص الرجال والنساء على زيارة القبور يوم العيد إما قبل الصلاة أو بعدها، ولم يكن ذلك من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


والسُنَّة التهنئة يوم العيد بـ: «تقبل الله منا ومنك» لا المعانقة، فعن جبير بن نفير قال: «كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك» [رواه البيهقي، وقال السيوطي: إسناده حسن].


ومن فاتته صلاة العيد يصلي ركعتين -كالنساء ومن في البيوت والقرى-.


والجماعة إذا فاتتها صلاة العيد بسبب عذر من الأعذار تخرج من الغد فتصلي العيد.


ثم اعلم -رحمك الله-، أن العيد لمن طاعاته تزيد ولمن غفرت له الذنوب وهو في ذات الوقت تذكرة بيوم المزيد، وعيد الأضحى هو أفضل العيدين، فهو محفوف بعيد قبله وأعياد بعده.


وأعيادنا الإسلامية هي من أعظم شعائر الدين التي يجب علينا أن نحرص على إظهارها وفق سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (دخل علينا أبو بكر في يوم العيد وعندنا جاريتان يذكران يوم بعاث -يوم قتل فيه صناديد الأوس والخزرج- فقال أبو بكر: عباد الله، احذروا الشيطان -قالها ثلاثًا- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ الْيَوْمَ عِيدُنَا) [رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ أحمد]، وقال: (لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ) [رواه أحمد، وصححه الألباني]


وبالتالي فالأعياد أمور توقيفية تؤخذ دون زيادة ودون نقصان، ولا يصح ابتداع أعياد أخرى كشم النسيم ومولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يجوز التشبه بأهل الكتاب في أعيادهم، ولا بيعهم ما يستعينون به على إظهارها، ولا قبول هداياهم المتعلقة بها؛ إذ أعيادهم من أعظم شعائر دينهم الباطل، وهم ودوا لو بذلوا الأموال العظيمة في سبيل مشاركة المسلمين لهم في أعيادهم.


كما لا يجوز تهنئتهم بها ولا حضورها، قال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان:72]، قال مجاهد وغيره: «هو أعياد المشركين»، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: «إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا علي المشركين يوم عيدهم في كنائسهم؛ فإن السخطة تتنزل عليهم»، وأعياد المشركين جمعت الشبهة والشهوة والباطل، ولا منفعة فيها في الدين، وما فيها من اللذة العاجلة فعاقبتها إلى نكد، فصارت زورًا وصار من وصف عباد الرحمن أنهم لا يشهدونها.


اللهم اجعلنا من الذين يصلحون ما أفسد الناس من السُّنَّة.


وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


ربما يهمك أيضاً