الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

اهدنا الصراط المستقيم

فإن الله -عز وجل- قد فرض علينا أن ندعوه في اليوم والليلة سبع عشرة مرة بعد ركعات الصلاة المفروضة بدعاء يعد من أهم الأدعية وأنفعها؛ وهو قوله -عز وجل- في سورة الفاتحة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، والصراط المستقيم هو الطريق إلى الجنة،...

اهدنا الصراط المستقيم
عـلى حــاتـم
الاثنين ٢٢ فبراير ٢٠١٠ - ٠٦:١٥ ص
5992

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- فإن الله -عز وجل- قد فرض علينا أن ندعوه في اليوم والليلة سبع عشرة مرة بعد ركعات الصلاة المفروضة بدعاء يعد من أهم الأدعية وأنفعها؛ وهو قوله -عز وجل- في سورة الفاتحة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، والصراط المستقيم هو الطريق إلى الجنة، والهداية إليه معناها: أن نعرف الحق وأن نعمل به، وهذه هي الهداية بنوعيها: هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والإسعاد.

- والله -عز وجل- لما أمرنا بهذا الدعاء: (اهْدِنَا) لم يترك العباد حيارى بحثـًا عن ماهية هذا الصراط، بل وضحه لهم في سورة الفاتحة بصفة إجمالية؛ فقال -عزَّ من قائل-: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، وحتى يكون أكثر إيضاحًا فصَّل الله -عز وجل- أصناف الذين أنعم عليهم في قوله -عزَّ من قائل-: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا(النساء:69-70).

- كما أنه -عز وجل- حذرنا من أن نسلك صراط أهل الكتاب، المغضوب عليهم وهم: اليهود ومن هم على شاكلتهم، والضالين وهم: النصارى ومن هم على شاكلتهم.

- ويلاحظ أن الله -عز وجل- استثنى هاتين الطائفتين: "اليهود والنصارى" من قوله: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)؛ ذلك أن الله -عز وجل- أنعم عليهم بإنزال الكتب وإرسال الرسل، ولكنهم لم يعرفوا قدر هذه النعمة فردوها وضلوا عنها، فاليهود عرفوا الحق وعلموه، ولكنهم جحدوا واستكبروا عن اتباعه، وأما النصارى فقد جهلوا الحق وأضلهم علماؤهم فكانت عبادتهم لله على غير علم وعلى غير هدى.

- ووصف الله -عز وجل- لأصحاب الصراط بقوله: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) يدلنا على أن هداية الله للعبد لصراطه المستقيم هي من أعظم النعم، فلا نعمة أعظم ولا أتم من أن يهدي الله عبده الصراط المستقيم، فيلزم العبد دين الله -تعالى- علمًا وعملاً.

- ولزوم دين الله "أي الإسلام" علمًا وعملاً لا يتم إلا بمعرفة الحق، والعمل به وذلك يقتضي أن يتعرف العبد على صفات الأصناف الأربعة الذين ذكرهم الله -تعالى- وبيَّن أنهم هم الذين أنعم عليهم وهداهم إلى صراطه المستقيم وهم: النبيون، والصديقون، والشهداء، والصالحون.

- ومعرفة صفات الأصناف الأربعة المذكورة إنما تكون بتدبر كتاب الله -عز وجل-؛ ليعرف العبد سيرة الأنبياء والصالحين وأخلاقهم وصفاتهم؛ فهم المتقون والصالحون والمتهدون، والخاشعون والصادقون، والمتوكلون على الله -تعالى- والمجاهدون في سبيله، وغير ذلك من الصفات الطيبة الحميدة.

- كما أن لزوم دين الإسلام علمًا وعملاً يقتضي أيضًا معرفة صفات اليهود والنصارى الذين حذرنا الله منهم حتى نتجنبها، وما أكثر هذه الصفات التي جلاها ربنا في كتابه الكريم، وبيَّنها أوضح بيان.

- وهذا التدبر لكتاب الله -تعالى- هو الذي يحقق للعبد "معرفة الحق"، وهو الشق الأول من معنى قول العبد: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، وهو ما يعبر عنه العلماء بـ"هداية الدلالة والإرشاد"، وبدون هذا التدبر لكتاب الله لا تتحقق هذه الهداية؛ حيث يصبح العبد معرضًا في عبادته لله -عز وجل- إلى العمل بجهل، أو العمل ببدعة، فيقع في خطر عظيم؛ قال الله -عز وجل-: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ(النساء:82)، وقال أيضًا: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ(ص:29).

أما الشق الثاني من معنى هذا الدعاء العظيم فهو العمل، أي العمل بهذا الحق الذي عرفه العبد، فلا يكفي أن يعرف العبد الحق من خلال تدبره لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، بل لابد من تحقيق المقصود الأعظم من هذا التدبر وهو العمل، وبذلك يكتمل للعبد سعيه في سبيل تحقيق الهداية بنوعيها: هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والإسعاد؛ فطلب العلم والسعي الجاد لنيله هو من أعظم أسباب تحقيق هداية الدلالة والإرشاد.

- وكل ما سبق ذكره يرد على كل متخاذل متكاسل يكتفي بهذا الدعاء: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، ويظن أنه قد فعل كلَّ ما في وسعه ولم يبقَ له شيء إلا أن يهديه الله صراطه المستقيم.

- نقول لهذا وأمثاله من الكسالى المتخاذلين: إن ذلك لن يحدث حتى نأخذ بأسباب هذه الهداية، وهي السعي في طلب العلم النافع المبني على كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك السعي الجاد في العمل بطاعة الله -عز وجل-.

- نقول لهذا وأمثاله: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهذا الدعاء عشرات المرات يوميًا في صلواته، كما كان يسأل الله دائمًا أن يرزقه الهدى والتقى، والعفاف والغنى، ومع ذلك كان -صلى الله عليه وسلم- أتقى الناس، وأشدهم خشية لله، وأخلصهم عملاً وطاعة، وكان خلقه القرآن.

- نقول لهذا وأمثاله: إن الذي يدعو الله أن يرزقه أولادًا؛ لابد له من أن يسعى إلى الزواج، وإن الذي يدعو الله أن يرزقه مالاً لابد له في أن يسعى في تحصيل أسباب الرزق.

قال الله -عز وجل-: (وَأَنْ لَيْسَ للإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى . ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى(النجم:39-41)، وقال -عز وجل- عن أهل الجنة بعد أن بيَّن ما هم فيه من نعيم: (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا(الإنسان:22).

عجبًا لهؤلاء الذين يزرعون شعيرًا ويريدون أن يحصدوا قمحًا.. !!

- إن من يطلب الهداية بنوعيها لزمه السعي في الأخذ بأسبابها، ولله در القائل:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها                     إن السفينة لا تجري على اليبس

- هذا وليعلم العبد وهو يسعى في الأخذ بأسباب الهداية علمًا وعملاً أن المؤمنين المتقين أهل الإيمان والتقوى.. أهل العلم والعمل.. هم المستحقون لهذه الهداية، وعلى قدر إيمانهم وعلى قدر تقواهم يكون نصيبهم من تلك الهداية؛ قال الله -عز وجل-: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(البقرة:2)، وقال أيضًا: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى(فصلت:44)، وقال أيضًا: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا(الإسراء:82).

- وليعلم العبد أنه في سعيه للأخذ بأسباب الهداية بنوعيها إنما يلتمس من الله -عز وجل- أن يقبل سعيه وأن ينعم عليه بنعمة الهداية، فالعبد أولاً وأخيرًا عليه أن يعلم أن الله -عز وجل- (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ(النحل:93)، يهدي من يشاء بمنـِّه وكرمه وفضله، ويضل من يشاء بعدله وحكمته (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(الأنبياء:23)، وله في ذلك الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.

وما أعظم ما قال خليل الرحمن وولده إسماعيل -عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام- وذلك حين نفذا أمر الله -تعالى- وقاما ببناء بيته الحرام؛ أول بيت وضع للناس في الأرض، قالا: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(البقرة:127).

والله وحده المستعان وعليه التكلان. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

www.salafvoice.com

تصنيفات المادة