الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

طلب العلم من أسباب زيادة الإيمان

فمما لا شك فيه أن طلب العلم وحضور مجالسه مما يزيد القلب رقة وإيمانًا، كيف لا وبالعلم تعرف صفات الرب -جلَّ وعلا-، وبالعلم يُعرف الحلال من الحرام، وبه تعلو الدرجات؟! (يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة:11).

الخميس ٢٢ أبريل ٢٠١٠ - ٢١:١٨ م
2078

كتبه/ ماهر السيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمما لا شك فيه أن طلب العلم وحضور مجالسه مما يزيد القلب رقة وإيمانًا، كيف لا وبالعلم تعرف صفات الرب -جلَّ وعلا-، وبالعلم يُعرف الحلال من الحرام، وبه تعلو الدرجات؟! (يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(المجادلة:11).

بالعلم يزداد الإيمان فتقع خشية الله -عز وجل- في القلوب؛ كما أخبر الله في كتابه الكريم: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ(فاطر:28).

وكما قال -سبحانه-: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(الحج:54).

وكيف لا يزداد الإيمان بطلب العلم ومجالس العلم هي مجالس ذكر تـُتلى فيها آيات الله ويُتعلم فيها كيف يعظم الرب ويمجد وكيف يعبد، وتدرس فيها أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-؟!

ومثل هذه المجالس تحضرها الملائكة كما بيَّن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ فَضْلاً عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ فَإِذَا وَجَدُوا أَقْوَامًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى بُغْيَتِكُمْ فَيَجِيئُونَ فَيَحُفُّونَ بِهِمْ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ اللَّهُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَرَكْتُمْ عِبَادِي يَصْنَعُونَ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ يَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ وَيَذْكُرُونَكَ. قَالَ: فَيَقُولُ: فَهَلْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لاَ. قَالَ: فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ لَكَانُوا أَشَدَّ تَحْمِيدًا وَأَشَدَّ تَمْجِيدًا وَأَشَدَّ لَكَ ذِكْرًا. قَالَ: فَيَقُولُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يَطْلُبُونَ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: يَطْلُبُونَ الْجَنَّةَ. قَالَ: فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لاَ. قَالَ: فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا لَهَا أَشَدَّ طَلَبًا وَأَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا. قَالَ: فَيَقُولُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالُوا: يَتَعَوَّذُونَ مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لاَ. فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوَ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا مِنْهَا أَشَدَّ هَرَبًا وَأَشَدَّ مِنْهَا خَوْفًا وَأَشَدَّ مِنْهَا تَعَوُّذًا. قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَيَقُولُونَ: إِنَّ فِيهِمْ فُلاَنًا الْخَطَّاءَ لَمْ يُرِدْهُمْ إِنَّمَا جَاءَهُمْ لِحَاجَةٍ. فَيَقُولُ: هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى لَهُمْ جَلِيسٌ(رواه البخاري، ومسلم، والترمذي واللفظ له).

كيف لا يزداد إيمان العلماء وطلاب العلم وهم حين اجتمعوا لمدارسة العلم قد نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده؟!

وكيف لا يزداد إيمان من هو في كل مرة يزداد فيها علمًا إنما يزداد نورًا وبصيرة؟!

وقد جعل الله العَمى الحقيقي الجهلَ الذي هو في مقابلة العلم؛ فالعلم نورٌ للبصائر والجهل ظلمة وعمى؛ (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ(الرعد:19)، وقال الله -تعالى- مُبينـًا سبيل نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(يوسف:108).

وكيف لا يزداد إيمان من أراد الله -تعالى- به خيرًا بسلوكه سبيلَ العلم والفقه في الدين، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ(متفق عليه)؟!

وكيف لا يزداد إيمان ورثة الأنبياء والمرسلين؛ حيث قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثة الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ(رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني)؟!

بل كيف لا يزداد إيمان من علَّم الناس الخير حتى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ(رواه الترمذي، وصححه الألباني)؟!

ومن كرم أهل العلم على الله -تعالى- أن جعلهم شهداء على أعظم مشهود عليه، كما قال -تعالى-: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(آل عمران:18).

وكيف لا يزداد إيمان من دعا لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ(رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني)؟!

إن أهل العلم يسلكون سبيل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسبيله هو النور الذي به يبصر العبد أمر دينه ودنياه وآخرته، وبه يعيش حياة السعداء الموفقين المؤمنين، وقد وصف الله نبيه بذلك فقال: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(المائدة:15-16).

ومن أجل كل هذه الفضائل وغيرها ولأن العلم من أعظم أسباب زيادة الإيمان فقد أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يسأل ربه -تعالى- منه المزيد: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا(طـه:114).

فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه أن يعلمه العلم النافع: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا(رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الألباني).

فاللهم زدنا إيمانًا وعلمًا، واجعل ما علمتنا حجة لنا لا علينا، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً