السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

(2) الحبشة بين الإسلام والنصرانية

(2) الحبشة بين الإسلام والنصرانية
صوت السلف
الخميس ٢٠ مايو ٢٠١٠ - ٢٣:٣٢ م
4024

كيف دخلت النصرانية بلاد الحبشة؟

"بلاد الحبشة" هو الاسم الذي كان يطلق على هذه المنطقة من إفريقيا التي تشغلها إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال وأوغندا وكينيا والسودان، حيث تجمعهم سمرة البشرة وتقارب الأجناس وارتباطهم بمنابع الأنهار المعروفة في وسط إفريقيا، وكانت تجمعهم كذلك دياناتهم الوثنية سواء قبل دخول النصرانية أو بعدها، فقد كانت النصرانية التي دخلت الحبشة مجرد صورة أخرى من صور الوثنية، تتمسح بالإنجيل وعيسى ابن مريم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-، إلا أن النصرانية المحرفة ظل لها تواجد كبير في بلاد الحبشة وإلى الآن.

وتتضارب الروايات التي تقرر كيفية دخول النصرانية إلى الحبشة، فيؤكد الكاثوليك أن أول من أدخلها هو "متى" صاحب الإنجيل المزعوم وذلك بأمر من "بطرس" الذي بنى كنيسة روما، وذلك في عام62م، بينما يؤكد الأرثوذوكس الأقباط أن من أدخل النصرانية إلى بلاد الحبشة هو رجل يدعى "فرمنتيوس"، وهو الذي تمت رسامته من قبل "اثانيوس" بطريرك القبط الأرثوذوكس في الإسكندرية عام 350م، ليكون أول مطران قبطي لبلاد الحبشة ولتبدأ أولى حلقات الوصل بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة الحبشة التى تعتبر بمثابة وليدة لكنيسة الإسكندرية وفقا لهذه الرواية. وتأكدت الروابط بين الكنيسيتين بعد مجمع "نيقية" ثم مجمع "خلقيدونية" عام 451م الذي انفصلت فيه كنيسة الإسكندرية ومعها كنيسة الحبشة عن الكنيسة الغربية وبقية الكنائس النصرانية، وظلت العلاقات بين الكنيستين حتى عام 1929م حيث كان مطارنة الكنيسة الحبشية طوال هذه الفترة يعينون من القبط الأرثوذوكس.

لكن بعد هذا التاريخ جرت سنة الله في النصارى بتفرقهم شيعا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون، فأعلنت الكنيسة الحبشية انفصالها عن الكنيسة القبطية، ثم عينت أول أسقف حبشي عام 1948م، بموجب اتفاق بينها وبين كنيسة الإسكندرية التي أصبحت علاقتها بكنيسة الحبشة مجرد الإتفاق على أن للمسيح طبيعة واحدة ومشيئة واحدة وهي طبيعة ومشيئة إلهية -تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا-. ولم تكن الكنيسة القبطية هي اللاعب النصراني الوحيد في هذه البلاد، فقد كانت هذه البلاد ولاتزال قبلة لكل الكنائس النصرانية كالكنيسة السريانية، والكنيسة الكاثوليكية اللتان أسستا كنائس تابعة لهما في الحبشة وترتبط ببقية الكنائس في الدول الأخرى إلى الأن.

كيف دخل الإسلام بلاد الحبشة؟

دخل الإسلام إفريقيا عبر هذه المنطقة، وقبل أن تفتح مصر على يد عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، وكان أول دخول للمسلمين مع جعفر بن أبي طالب والسابقين إلى الإسلام الذين أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلى بلاد الحبشة، وأثرت دعوة الإسلام في النجاشي حيث أسلم، وصلى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة بعد وفاته.

هذا بالإضافة إلى القبائل العربية التى هاجرت إلى الحبشة فرارا بدينها من بطش القرامطة فى القرن الخامس الهجرى، ثم كان العامل الأكثر تأثيرا هو الأعداد الكبيرة من التجار المسلمين من اليمن والجزيرة العربية والهند، الذين كانوا بمثابة قنطرة واسعة لدخول الإسلام لهذه البلاد حيث استقرت أعداد كبيرة من هؤلاء التجار على الساحل الإفريقي، وأقاموا مع الوقت إمارات إسلامية صغيرة على الساحل امتدت بطوله لتشكل ما أطلق عليه "الطراز الإسلامي" لكونه بمثابة الطراز بالنسبة للبحر، وأصبحت هذه الإمارات العربية مزيجًا تجمع في أنظمتها بين تقاليد إفريقية أصلية وبين تقاليد عربية إسلامية.

ومن هذه الإمارات تأسست خلال القرن السابع الهجرى إمبراطورية "زيلع"، فشملت المسافة الممتدة من خليج عدن إلى مدينة "هرر"، وعرفت باسم إمبراطورية "عدل"، وفي القرن السادس عشر الميلادي انتقلت عاصمة الإمبراطورية إلى "هرر"، وكان أشهر حكامها الإمام "أحمد بن إبراهيم" 912-950هـ، 1506 - 1543م الذي نجح في اجتياح إثيوبيا، واضطر إمبراطور إثيوبيا أن يلجأ إلى الجبال بعد هزيمة قواته، واستعان بالبرتغاليين الذين استطاعوا هزيمة قوات إمبراطورية عدل مما أدى إلى نهاية الإمبراطورية.

امتدت علاقات المسلمين في الحبشة مع إخوانهم في بغداد دار الخلافة، أو في القاهرة التي ورثت مكانة بغداد لاحقا، وكذلك في مواسم الحج، حيث رحل كثير من أبناء الحبشة في طلب العلم إلى هذه العواصم الإسلامية، ثم عادوا ليقوموا بدور القضاة والمفتين والعلماء في بلاد الحبشة، ومنهم كثير ممن لقب بـ"الزيلعي" نسبة إلى "زيلع"، وكانت قد غلبت تسمية بلاد الحبشة ببلاد "الزيلع" نسبة إلى هذه الإمارة.

العلاقة بين المسلمين والنصارى:

سادت مشاعر العداء بطبيعة الحال بين المسلمين المنتشرين في بلاد الحبشة من جهة ومن جهة أخرى ملوك وأمراء النصارى في هذه البلاد، وكان العامل الرئيسي في ذلك هو أمر الدين والبراءة من الشرك وأهله، وثمة عامل آخر وهو شدة غيظ ملوك النصارى لسيطرة المسلمين على طرق التجارة واحتكارها حيث أن طرق التجارة البرية داخل القارة محفوفة بالمخاطر لكثرة الأحراش والسباع والقبائل الهمجية، ولهذه العوامل مجتمعة فإن ملوك النصارى لم يألوا جهدا في الكيد والإيذاء للمسلمين في هذه البلاد، وكذلك التآمر المستمر مع الصليبيين البرتغال واليونان والفرنسيين إبان الحملات الصليبية حيث كان هناك تعاون مستمر بينها من أجل تطويق العالم الإسلامي وفي قلبه مصر ودولة المماليك، لإحكام الطوق الصليبي على العالم الإسلامي من جهة، ومن جهة أخرى لإيجاد طرق تجارية بديلة عن البحر الأحمر وخليج عدن، الأمر الذي انتهى باكتشاف طريق "رأس الرجاء الصالح" الذي تكبد الصليبيون بالغ المشقة في اكتشافه أولا، ثم استخدامه بعد ذلك وذلك من أجل إيجاد طريق آمن للحملات الصليبية إلى بلاد المشرق وكذلك الحملات التجارية في الوقت ذاته.

 وقد جرت مراسلات عديدة بين ملوك الفرنجة وملوك الحبشة بهذا الشأن، ولم يغب نهر النيل عن هذه المؤامرات حيث طرحت فكرة تحويل مجرى النيل أكثر من مرة لخنق مصر، في وقت ألفونس الخامس ملك أرجونة حيث أرسل له قائد الأسطول البرتغالي بطلب إمداده بالعديد من العمال المهرة المدربين على قطع الصخور وحفر الأرض للعمل على تحويل مجرى النيل، وهكذا ترى أن الفكرة قديمة قدم التاريخ، وهذا يعطيك بعداً آخر لرؤية الصراع في هذه المنطقة الذي تظل أمريكا وإسرائيل من أكبر اللاعبين فيه، وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون.

المعلومات الواردة في الملف مستفادة من عدد من الأبحاث والموسوعات والمقالات المنشورة على شبكة الإنترنت مع تصرف من فريق العمل بالموقع.....أهم المصادر (الموسوعة العربية - الموسوعة القبطية - الجزيرة نت - مفكرة الإسلام - الإسلام اليوم - إسلام أون لاين)

 

www.salafvoice.com