الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

قناة الرحمة بين بيانيّ تأسيس

..إن الحملة على -قناة الرحمة- دون غيرها هو نوع من "جس النبض- لكي يروا ماذا سيكون رد فعل القنوات الإسلامية إذا تم التضييق عليها إلكترونيًا؛ هل سترفع "الراية البيضاء" وتغيِّر منهجها؟!" أم ستصمد -وإن وصل الأمر إلى الإغلاق-؟ أم ماذا سيكون في جعبتها؟ "

قناة الرحمة بين بيانيّ تأسيس
عبد المنعم الشحات
الخميس ٢٧ مايو ٢٠١٠ - ١٨:١٨ م
6011

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أصبحت القنوات الفضائية الإسلامية حاضرة في كل قارات الدنيا، ولم يعد الإعلام قاصرًا على الإعلام اليهودي في الخارج، العالماني في الداخل؛ ووضح ذلك جليًا في أثناء الحرب الإسرائيلية على "غزة" حيث قامت القنوات الفضائية الإسلامية بحشد الرأي العام ضد اليهود، ووُجِدت حالة تعاطف غير مسبوقة بين عوام الناس مع إخوانهم في "غزة"، وقامت "قناة الرحمة" بدور مشكور في هذا الصدد، وبثـَّت عددًا من الحلقات لمشرف القناة الشيخ "محمد حسان" وللشيخ "محمد حسين يعقوب"، وللدكتور "حازم شومان" وغيرهم...

ولم يكن "اليهود" بمنأى عن رصد هذه الحالة، ولكن يبدو أنهم فضلوا ألا يزيدوا من نقمة رجل الشارع عليهم في ذلك الوقت؛ فانتظروا حتى تهدأ الأمور، ثم بدؤوا في التحرك؛ فقد قام "المجلس البصري والسمعي" في "فرنسا" بتقديم شكوى في "قناة الرحمة الإسلامية"؛ لوقف بثها داخل "فرنسا"، وهذا ما تم بالفعل!

كما أخطر الجهات الفرنسية بمخاطبة "النيل سات"؛ لوقف بث "قناة الرحمة" عليه، وذلك لكون "النيل سات" مستضافـًا على قمر صناعي فرنسي.

وكانت الذريعة أن "قناة الرحمة" بثت مواد معادية للسامية! واستشهدوا بمقاطع لبعض حلقات "الشيخ يعقوب" والدكتور "حازم شومان" عن اليهود إبان "حرب غزة"!

وقد تمت الاستجابة الجزئية لهذا الأمر بتغيير تردد "قناة الرحمة" على "النايل سات"، وإعادة بثها بالتردد الجديد باسم: "نسائم الرحمة"، كما أنها تُبث أيضًا على "العرب سات" بدون تدخل من هذه الجهات.. "حتى الآن"!

ويبدو أن الاقتصار في الشكوى على "قناة الرحمة" دون غيرها من القنوات الإسلامية التي قامت بحملات إعلامية مماثلة في أثناء حرب غزة هو نوع من "جس النبض"؛ لكي يروا ماذا سيكون رد فعل القنوات الإسلامية إذا تم التضييق عليها إلكترونيًا؛ هل سترفع "الراية البيضاء" وتغيِّر منهجها؟!

"
إن تجربة القنوات الفضائية مثمرة -بفضل الله تعالى- حتى الآن، ولكنها ما زالت تحت الاختبار من قِبَل كل "المعنيين" بالشأن الإسلامي؛ مما يقتضي الحذر والحيطة من الشِراك التي تُنصب حولها
"

أم ستصمد -وإن وصل الأمر إلى الإغلاق-؟

أم ماذا سيكون في جعبتها؟

وقد ذكرنا في مقال: الفضائيات الإسلامية ومنزلق "التدجين" و"التهجين" أن تجربة القنوات الفضائية مثمرة -بفضل الله تعالى- حتى الآن، ولكنها ما زالت تحت الاختبار من قِبَل كل "المعنيين" بالشأن الإسلامي؛ مما يقتضي الحذر والحيطة من الشِراك التي تُنصب حولها؛ لاستخدامها في "تهجين الدين" وإلباسه ثوبًا "عالمانيًا"! ويبدو أننا الآن أمام أحد هذه الاختبارات من أشد هؤلاء "المعنيين" شراهة لـ"تهجين الدين" و"تدجين دعاته".

ولكن ماذا كان رد فعل "قناة الرحمة"؟!

لقد كان رد الفعل الرئيسي للقناة عبارة عن برنامجً خاصً بعنوان: "الرحمة باقية بإذن الله" قدَّمه الأستاذ "ملهم العيسوي" الذي استضاف فيه الأستاذ "محمود حسان" مدير القناة، والذي ألقى بدوره بيانًا ذكر فيه رسالة القناة ومنهجها، ثم تلا ذلك إذاعة تسجيل لبيان التأسيس الذي ألقاه الشيخ "محمد حسان" في الافتتاح الرسمي لـ"قناة الرحمة"، ثم تلا ذلك عددًا من المداخلات لبعض المشاهدين، ولبعض الشيوخ الذين يقدمون برامج في القناة.

وأول ما يلفت نظرك.. الاختلاف البيِّن بين خطاب الشيخ "محمد" وخطاب أخيه "محمود"؛ مما يجعل خطاب الأستاذ مدير القناة بمثابة خطاب التأسيس الثاني؛ لا سيما وأنه تكلم باسم "قناة الرحمة"، وتكلم من ورق معد مكتوب... إلى آخر هذه الأمور التي تمنع من اعتبار أمره "زلة لسان"، أو حتى موقف محدد لشخص وليس للقناة ككل!

لقد استخدم الشيخ "محمد حسان" خطابًا تميزت به معظم القنوات الإسلامية الموسومة بالـ"سلفية"، وهو محاولة ذكر الحق مع عدم التعرض الصريح للباطل ابتداءً من الأديان المحرفة إلى المناهج البدعية القديمة إلى بدع العالمانية وغيرها... !

وهو مسلك نراه خطيرًا؛ لا سيما مع اعتماد عدد كبير من المشاهدين على هذه القنوات كمصدر وحيد للمعرفة الدينية؛ إلا أنه يبقى في النهاية مسلكًا قابلاً للمناقشة والأخذ والرد، ولكنه مع هذا أبرز قضية أن "الإسلام هو الحق"، وأن اتباع منهج الصحابة هو الحق، وأن ما عدا هذا باطل؛ فقال بعد ذكره لالتزام القناة بالرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم الصحابة الكرام:

"إني أقول دائمًا: إن الحق معنا وإن الباطل مع غيرنا، ولكنا لا نحسن أن نشهد لهذا الحق شهادة عملية على أرض الواقع".

بالطبع لم يَفُت الشيخ "محمد حسان" أن يُكرِّر أن قناته لا تتبع حزبًا من الأحزاب ولا جماعة من الجماعات، وهو أمر دائم التكرار له وكأن الأحزاب عنده والجماعات صنوان، وهذا من الظلم البيِّن أن يقرن بينهما! فهو حتى إذا كان لا يرى مشروعية الجماعات فالبراءة من الأحزاب واجب أصيل؛ لما قامت عليه هذه الأحزاب من مبادئ عالمانية مخالفة لدين الإسلام؛ خلافـًا للجماعات الإسلامية التي لا يمكن أن ترقى اعتراضاته عليها إلى عشر ذلك أو معشاره(1).

ومع هذا فخطاب الشيخ "حسان" كان حتى هذه اللحظة من وجهة نظرنا مغمورًا في حسنات دخول هذه القنوات كل البيوت ووصول رسالة الالتزام إليهم؛ لا سيما وأن معظم هؤلاء لن يقرؤوا الرسائل التي بين السطور التي يقرؤها عادة المعنيون بها فقط.

وسارت القناة كغيرها من القنوات الإسلامية وسط ترحيب عام من الدعاة السلفيين بهذا المنبر الجديد، ولم يخل الأمر من نصيحة بكسر حاجز الصمت عن بعض قضايا الدين -ولو تلميحًا-، أو اعتراض على شخص أو موقف في قناة أو أخرى حتى جاء بيان الأستاذ "مدير القناة" ليسقط كالصاعقة على كل من اعتبر "قناة الرحمة" منبرًا سلفيًا بصورة أو بأخرى!

وإليك بيان بأخطر "سقطات بيان التأسيس الجديد" لـ"قناة الرحمة":

1- قال الأستاذ محمود: "ونعلم أن للآخر حقـًا علينا، ونحن لا نعادي اليهودي؛ لكونه يهوديًا ولا النصراني لكونه نصرانيًا، ولكن نعادي من يعادينا بأخلاق الإسلام، لا بأخلاق الآخر المعادي لنا"، ومن فرط شعوره بأهمية هذه الرسالة كررها مرتين، ثم عاد مضيفه الأستاذ "ملهم" فكررها مرة ثالثة في أثناء الحلقة.

كما أنه عاد فقال عن الإسلام -كما تفهمه "قناة الرحمة"-: "إن الإسلام يرفض الحرب التي تثيرها عصبية الدين أو الجنس أو اللغة"(2)، كما أنه ختم البيان بعبارة بيَّنت أن هذا المعنى هو بيت القصيد من البيان قائلاً: "هذا هو منهجنا الذي يحترم الآخر ويحفظ له حقوقه"(3).

وبالطبع فمعد هذا البيان قد خلط هذا الخلط الذي اعتدنا أن نسمعه من العالمانيين، ومن دار في فلكهم حينما ينطلقون من نقطة: "أن للكافر حقـًا في دين الله" إلى أن يجعلوا من هذا الحق "محبته وعدم معادته"، بل واحترام منهجه!

وكل ذلك باطل؛ فإن الله -تعالى- الذي جعل للمسالمين منهم حقـًا علينا أن نبرهم ونقسط إليهم، هو الذي قال: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ(المجادلة:22)، وهو الذي قال: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ(المائدة:51).

وهو -عز وجل- الذي وصف منهج الكفار بالـ"الغـَيّ" في سياق الأمر بعدم إكراههم على الدين، ولكن العالمانيين والمتأثرين بهم يقرؤونها على طريقة: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) (الماعون:4)، ولا يكملونها؛ فيقولون: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِثم لا يقرؤون: (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ(البقرة:256)!

كما أنه -سبحانه وتعالى- هو الذي أمر بجهاد الكفار من أجل كفرهم؛ فقال: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) (البقرة:193) أي: شرك. -وهذا بالطبع عند القدرة على ذلك-.

2- لم يكن محور مغازلة الآخر "اليهودي والنصراني" هو المحور الوحيد، بل كان محور مغازلة "الآخر القومي" و"الوطني" حاضرًا وبقوة؛ من أجل مناشدته عدم الاستجابة للضغوط الخارجية؛ فقال البيان: "إن من ضمن رسالتهم: "تنمية الحس الوطني القومي لدى المواطنين"!

وإن منها: "تنمية الحس الديمقراطي وممارسة الديمقراطية"!!

وزاد أحد الشيوخ في اتصاله الطين بلة؛ حينما فاخر بقيام المسئولين بدعم المنتخب القومي حتى نصره الله، وطالبهم بأن ينصروا "قناة الرحمة" كما نصروا "المنتخب الوطني"!!

والمعلوم أن الوقائع التي يشير إليها تلك التي احتفت بمواجهات المنتخب المصري مع نظيره الجزائري، والتي أججها الإعلام المدفوع بتحركات "الموساد" نارًا عصبية جاهلية ما زالت الأمة تكتوي بنارها حتى الآن، حتى همَّ بعض "اللاعبين" بمبادرة لإزالة هذا التوتر في الوقت الذي يُفاخر فيه بعض "الدعاة" بهذا العبث بثوابت الأمة، وبولائها للمسلمين في كل مكان كما عبث سابقه ببرائها من الكفار.

"
إن الحملة على "قناة الرحمة" دون غيرها هو نوع من "جس النبض"؛ لكي يروا ماذا سيكون رد فعل القنوات الإسلامية إذا تم التضييق عليها إلكترونيًا؛
هل سترفع "الراية البيضاء" وتغيِّر منهجها؟!"
أم ستصمد -وإن وصل الأمر إلى الإغلاق-؟
أم ماذا سيكون في جعبتها؟
"

والدعوة إلى القومية عصبية جاهلية، قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دَعُوهَا فِإنَّهَا مُنْتِنَةٌ(متفق عليه).

والديمقراطية "منهج منحرف" يعني: حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب، وهي تنافي قاعدة: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ(الأنعام:75)(4).

3- بينما كان بيان التأسيس الأول يفاخر بأن القناة ليست تابعة لحزب أو جماعة إلا أن حوار مدير القناة استثنى من ذلك الحزب الوطني حيث قال فرحًا مسرورًا: بـ"أن بيانات إحاطة قدمت في مجلس الشعب من عشرة نواب كلهم "وطنيون"! ثم استدرك قائلاً: "كلهم من الحزب الوطني لأنا بحمد الله لا نتبع جماعة ولا حزبًا"! ثم أضاف أحد الشيوخ في اتصال آخر: مناشدة الدولة التدخل؛ لأن "قناة الرحمة" جزء من النظام!

وفي الواقع نحن كنا من أسبق الناس نهيًا عن مصادمة الأنظمة في البلاد الإسلامية في وقت كانت العمليات المسلحة تحرق الأخضر واليابس مما لم يكن للخطباء الفرديين أي قدرة على مواجهة ذلك الطوفان، ولكننا ضد أن تخلط المفاهيم وتضطرب إلى هذا الحد.

فنحن نتعاون مع الأنظمة المدنية من باب تحقيق مصالح المسلمين، ونحلم باليوم الذي يرغب فيه أهل الحكم أن يتولوا باسم الإسلام ويحكموا بشريعته، والخلط بين النظاميين في توصيف الأمور يُظهِر أصحابه بمظهر المتملق والساذج في آن واحد!

فالنظام الديمقراطي الذي زعم البيان أن القناة ترسخه يفصل بين القنوات الإعلامية الحكومية والحزبية -بما في ذلك إعلام الحزب الحاكم- والمستقلة، ويعتبر انضمام أحدهم إلى الآخر إخلال بالشفافية الديمقراطية.

وأما "التبعية للإمام" و"الدوران في فلكه"؛ فمفردات لا وجود لها في القاموس الديمقراطي، والتصريح بها يضر كلاً من الطرفين.

وهذا أحد الطرائف التي يتندر بها العالمانيون على بعض الدعاة الذين يخلطون بين نظام الحكم في الإسلام والنظام الديمقراطي حتى إن أحدهم أفتى: "بأن من يرشح نفسه أمام الإمام خارجي"!

وتذاكى بعضهم فاعتبر أنه ليس خارجيًا؛ لأن الإمام هو من دعى إلى الانتخابات، فتذاكى الآخر أكثر وأكثر فقال: "إنما الطاعة في المعروف"، والإمام عاص بدعوته الآخرين إلى ترشيح أنفسهم؛ فلا يطاع في ذلك!

فنحن نناشد هؤلاء الدعاة: أن يكفوا عن هذا العبث، وأن يعرفوا أن المزج بين نظامين متعارضين يولـِّد مثل هذه المفارقات، وأن يكتفوا بدعوة عوام المسلمين إلى الحفاظ على أمن بلاد المسلمين وعدم تعريضها للخطر.

4- وفي التصريح السابق نوع من التعريض بنواب الإخوان(5)، ونوع من الرضا التام لعدم انضمامهم إلى "حملة الدفاع عن الرحمة" حتى لا توصم الرحمة بأنها تتبع حزب أو جماعة، وهو موقف مشين؛ لا سيما وقد رحَّبت القناة بدفاع أعضاء من "الحزب الوطني" عن القناة؛ فكان عليهم أن يستنكروا غياب الدفاع الإخواني لا أن يرحبوا به.

وإذا كنا نعيب على الإخوان اندماجهم في "العملية الديمقراطية" لما فيها من مخالفات شرعية فلا أدري ما هي مشكلة "قناة الرحمة" معهم بعد أن أصبحت منبرًا لتعليم الديمقراطية(6)، بعد أن عرفنا أن مديرها من المغرمين ببرنامج "عمرو أديب" أحد مناصري "أفلام العري" التي راجت في الآونة الأخيرة! كما ذكر هو ذلك في مداخلة له معه في برنامج "القاهرة اليوم".

كما أن القناة استقبلت اتصالاً هاتفيًا تضامنيًا من أحد المسئولين في "جريدة الفجر"، وقوبل بالترحاب الشديد من مقدِّم البرنامج، ومن مدير القناة! رغم أن شقيقه الشيخ "محمد حسان" كان قد قام -جزاه الله خيرًا- بحملة موفقة ضد هذه الجريدة التي نشرت إساءات لبعض الصحابة الكرام، منهم: "عائشة أم المؤمنين" -رضي الله عنهم جميعًا-؛ فهل التضامن مع القناة في منع "تغيير ترددها" يكفي لإذابة "جبال الجليد" مع أمثال "هؤلاء المجرمين"؟!

إن هذه الحلقة لا سيما البيان المكتوب الذي ألقاه "مدير القناة" تُمثِّل قفزة هائلة في سلم التنازلات، نسأل الله -تعالى- أن يتداركها القائمون على القناة سريعًا وعلى رأسهم الشيخ "محمد حسان".

ونذكرهم بأن عددًا كبيرًا من الصحف الغربية ما زالت تصر على إعادة نشر الرسوم المسيئة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- دفاعًا عن ثوابت الديمقراطية، وحرية الرأي والعالمانية! فلا أقل من أن تُعيد القناة بث الحلقات التي عوديت من أجلها حفاظا على ثوابتنا الإسلامية.

فإذا فعلت القناة ذلك استحقت حينئذ أن تتكاتف الجهود لنصرتها، وإن عجزت فالنصيحة لهم:

إنَّ وسائل نشر الحق كثيرة غير الفضائيات... وأين كان الإسلام قبل الفضائيات؟!

بل إنَّ وسائل بث الفضائيات كثيرة غير قاصرة على "القمر الفرنسي". فليستعينوا بالله وليصبروا على الحق دون أن يتراجعوا عن شئ منه.

وقد يقول قائل: إنه كان يتوقع منا مؤازرة للقناة في محنتها؟!

ونحن نقول: إن الصحوة الإسلامية ككل، ومِنْ ضمنها: الفضائيات التي تعتبر أحدث منابر الصحوة الإسلامية تخرج من محنة إلى محنة، وإنها تسبح عكس التيار الذي كنا نسميه قديمًا بـ"تيار التغريب والثقافة الوافدة" حيث كانت المعركة محلية بين الإسلاميين وبين دعاة التغريب ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وصار اليوم هو: "تيار العولمة" حيث ساحة المعركة هي العالم أجمع، وإن كانت الغاية الأساسية للأعداء واحدة، وهي: سلخ المسلمين عن دينهم وذوبانهم في غيرهم، وربما طمعوا في إخراج المسلمين تمامًا عن دينهم؛ مصداقـًا لقوله -تعالى-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ(البقرة:120)

"
إنَّ الأخوة الإيمانية تقتضي على السابحين ضد التيار معًا أن يشدوا من أزر من تعرض لـ"موجة عاتية" أو "دوَّامة مائية" بالدعاء والتشجيع حتى يتجاوز تلك الموجة العاتية، وأما إذا وجدوا أنه قرر السباحة مع التيار ظنًا منه أنه يمكنه أن يعاود السباحة في الاتجاه الصحيح إذا هدأ التيار فيجب عليهم آن يصرخوا فيه، وأن يحذروه...
"
.

إنَّ الأخوة الإيمانية تقتضي على السابحين ضد التيار معًا أن يشدوا من أزر من تعرض لـ"موجة عاتية" أو "دوَّامة مائية" بالدعاء والتشجيع حتى يتجاوز تلك الموجة العاتية، وأما إذا وجدوا أنه قرر السباحة مع التيار ظنًا منه أنه يمكنه أن يعاود السباحة في الاتجاه الصحيح إذا هدأ التيار فيجب عليهم آن يصرخوا فيه، وأن يحذروه...

فالتيار لا يهدأ، والأمواج متلاطمة، والسير مع التيار لا ينتهي إلا عند الشط، ولكنه شط الخيبة والخسران!

ولِما لا نحذر مما حذر الله منه رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون غيره على حذر من باب أولى حيث قال: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا . إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا(الإسراء:74-75)؟!

إنَّ النصرة الحقيقة لكل من تحدثه نفسه أن يسبح مع التيار -ولو قليلاً- أن تنادي فيه:

الثبات... الثبات...

والموت واقفًا للداعية أو لأحد مشروعاته خير ألف مرة من الحياة مُوَلـِّيًا.. !

والدين دين الله هو ناصره.

كما أننا نعلم أن كثيرا من الشيوخ الذين يظهرون في القناة ما زالوا ثابتين يقولون الحق ويدافعون عنه ونقدر لهم ذلك، بيد أننا نريد أن يكون ذلك منهجًا عامًا للقناة ككل. نسأل الله أن يُثبِّت ويُبقي "قناة الرحمة" قناة رحمة للعالمين؛ يخرج الله بهم الناس من الظلمات إلى النور، ورزق الله جميع العاملين في سبيله النور والبصيرة. اللهم آمين.

كتب ياسر برهامي:

- في الإجابة عن سؤال من أحد الدعاة المشرفين على قناة إسلامية قال: إنه يعلم بوجود خلل في القناة، وأنه يتركه من باب العمل بقوله -تعالى- عن الخضر: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا(الكهف:79)!

- قلت:

"فعل الخضر -عليه السلام- في السفينة في أمر دنيوي أصلحه هو في ساعة بأن وضع لوحًا وقعد على الخرق، وإذا مر الملك الظالم بالسفينة تركها، ثم أصلحوا سفينتهم؛ أما أمور الدين فلا يجوز لأحد -عالم أو داعية أو أي مسلم- أن يقول باطلاً أو أن يسكت عنه مع قدرته على تغييره وإزالته خاصة إذا كان ينسب إليه؛ لكونه مسئولاً عنه، فـ(كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ(متفق عليه)، وماذا يصنع هذا الداعية بالملايين الذين سمعوا كلامًا باطلاً في الولاء والبراء، وفي الحكم بما أنزل الله والثناء على من يحكم بغير ما أنزل الله، وفي عدم معاداة الكفار لدينهم؛ بل لأنهم يعادوننا!

وفي وصف المسلمين الذين يدافعون عن دينهم أمام اليهود بأنهم خوارج نقضوا العهود وقاتلوا في الشهر الحرام... ! وغير ذلك... وظنوا أن هذا من الدين، وأن هذا هو الحق الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يقم أحد بإصلاح ذلك، أو قام ولكن ما وصل إلى مسامعهم إذا انصرفوا بعد أن سمعوا الباطل، أو كان الذي يصلح ليس على قدر مَنْ أساء ونَسبَ إلى الشرع ما ليس منه، فالقياس هنا قياس باطل منكر".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أما ما يكون في مناهج بعض الجماعات الإسلامية من بدع؛ فواجب أن يُنكر سواء صدر من: فرد أو جماعة أو قناة فضائية، أو غير ذلك... وأما أن كون تنظيم الدعوة في حد ذاته بدعة؛ فهي رؤية لا تشفع أبدًا لمن رآها أن يسوي بينها وبين المناهج المنحرفة أو يقرن بينهما لا سيما بعد ما اتجه معظم القائلين بهذا القول إلى الفضائيات والتي تحتاج إلى تنظيم يفوق ما تحتاجه الدعوة إلى الله على ارض الواقع من تنظيم بمراحل، وحتى مسألة إذن السلطات التي كان البعض يراها هي الفارق الجوهري بين المشروع وغير المشروع من صور التنظيم الدعوي بدأت تتجاوز عندهم الإذن الرسمي إلى الإذن الواقعي، وهو ما يجعلها تلتقي تمامًا مع واقع جماعات الدعوة ذات التوجه السلمي.

وأما الخوف من "العصبية" للجماعة والتي تمثل أحد أهم الاعتراضات التي تُوجَّه لمشروعية العمل الجماعي؛ فقد رأينا من صور التعصب للقنوات الفضائية أن تحولت إلى راية تُعبأ الأمة من أجل عدم "تغيير ترددها"، بل ربما كان لسان حالهم أنه: "يتغير الدين ولا يتغير التردد"!

مما يدل أن تعصب المرء لصورة العمل الذي يندمج فيه مرض عام يحتاج إلى علاج بدلاً من استئصال الأعمال الدعوية واحدًا تلو الآخر؛ فرارًا من مرض هو من عوارض البشرية، وليس من عوارض عمل دون آخر!

(2) حاول مُعد البيان أن يتهرب فيما يبدو من نقد الدعاة إلى الله إليه فعقَّب بعد هذه العبارة، بعبارة ذهب فيها وجاء من غير فائدة؛ ذكر فيها: "إن رفض الإسلام للحروب المشار إليها بمعنى رفض الرغبة في الاستيلاء على ثروات الغير". وهي عبارة لا تنفعه عند الله ولا عند الناس بعد أن نفى مشروعية ما شهدت الأدلة بمشروعيته.

ولا أدري إذا كانت "قناة الرحمة" مضطرة من وجهة نظر القائمين عليها أن تدافع عن رسالتها الإعلامية فما الذي أقحمها في الكلام عن الجهاد ولم يندبهم أحد للكلام عنه؟!

(3) قارن بين هذا وبين قول "الشيخ حسان" في افتتاح القناة: "الحق معنا والباطل مع غيرنا" هذا مع أن كلام "الشيخ حسان" خلا من تسمية هذا الغير باسم ولا وصف إلا أن ذكر "الغير" في مقابلة المسلمين يجعله واضحًا وأما أن تقطع الآيات قطعا من أجل عدم النطق باسم اليهود والنصارى فأمر في غاية الاستفزاز كما قال أحد الشيوخ المتصلين بالبرنامج: كما قال -تعالى-: (لَنْ تَرْضَى عَنْكَ) (لَنْ تَرْضَى عَنْكَ) هكذا... وتحاشى أن يكمل الآية مع أنه جزمًا لم يذكر جزء من الآية يعتبر جملة مفيدة، ثم عاد فذكر من الآيات ما كان فاعله ضميرًا لا اسمًا؛ فقرأ قوله -تعالى-: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(التوبة:32).

(4) من عجيب تقليب الله للقلوب أن يخرج الشيخ "وجدي غنيم" – جزاه الله خيرًا- وهو من رموز الإخوان في موقعه على الانترنت مستنكرًا على الدكتور "عصام العريان" دعوته إلى ديمقراطية إسلامية في الوقت الذي تدعي فيه "قناة الرحمة" -الموسومة بالسلفية-: أن دورها هو ترسيخ الديمقراطية.

ثم هب أن القائمين على "قناة الرحمة" قد اقتنعوا فجأة بالديمقراطية: أيكون هذا دليلاً على أنهم بالفعل قد سعوا إلى تعميقها؟! أرجو أن يجد معد هذا البيان برنامجًا واحدًا قدمته القناة يمكن اعتباره دعوة للديمقراطية!

(5) سبق هذا تعريضًا أشد في صلب بيانه استخدم فيه أوصافًا سلبية جرت عادة الإعلام أن يلصقها بالدعاة ككل حيث قال فيه: "إن من أهداف القناة: "كشف المتاجرة بالدين واستغلاله لتحقيق مصالح أنانية شخصية ضيقة وطائفية ومذهبية، وضرورة إبراز الجوانب العقلانية في الدين الداعية إلى المحبة والإخاء والوحدة الوطنية".

ورحم الله أشرطة تفسير سورة مريم التي صنعت الداعية "محمد حسان"!

(6) في الواقع إن موقف الإخوان من "قناة الرحمة" ليس بأعجب من موقف القناة منهم فلا أدري لماذا لم يتبنوا الدفاع عن القناة؟! وهم يصرحون دائمًا أنهم نواب لكل الشعب حتى النصارى، وكثير من أعضائهم في مجلس الشعب الحالي استهل عمله في دائرته بزيارة بعض الكنائس للتعرف على مشاكلهم!!

www.salafvoice.com