الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

تطمينات الإسلاميين تثير الصف الداخلي ولا تطمئن الصف الخارجي

تطمينات الإسلاميين تثير الصف الداخلي ولا تطمئن الصف الخارجي
الاثنين ٢٨ يونيو ٢٠١٠ - ١٨:٣٠ م
2281

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،

إذا ما قرأت بيان جماعة الإخوان المسلمين، وبيان الجماعة الإسلامية، وتصريحات د.يوسف القرضاوي، ومقال الأستاذ جمال سلطان بمناسبة وفاة أديب "أولاد حارتنا" نجيب محفوظ، فقد تتوهم أن الذي مات هو الأستاذ سيد قطب -رحمه الله- الذي له بعض الأخطاء لا تمنع من الاستفادة من عبقريته الأدبية، وإيجابيته، وحبه للإسلام والاعتزاز به، أو ربما توهمت أنه الإمام الغزالي الذي دخل في الشك -توهمًا منه بأنه واجب شرعي-، وخرج منه إلى نصيحة الناس بدين عجائز نيسابور، ولكن بعد أن ترك لنا بعض الآثار السلبية لمنهجه مع حصيلة هائلة في التهذيب والسلوك لا يكاد يستغني عنها كل طالب علم.

فكل هذه التصريحات ذكرت لنا ثناء عظيمًا مع الإشارة إلى أن كل أحد له إيجابيات، وعليه سلبيات، ولم يوازنوا بين سلبيات الرجل وإيجابياته المزعومة، فنسوا أو تناسوا أن سلبياته وهي:

نشر ثقافة الإلحاد، وكانت أشد رواياته في ذلك -وليست الوحيدة- رواية أولاد حارتنا.

نشر ثقافة العهر والفجور، ولم تخل رواية من رواياته من ذكر الجنس إلا رواية أولاد حارتنا، وكأنه أرادها إلحادًا خالصًا.

إظهار أن تعاطي المخدرات الحشيش والأفيون شيء عادي جدًا، وتطبيق ذلك على نفسه عمليًا، وكما قال الأستاذ0 جمال سلطان يجلس على المقهى، ويضبط مزاجه بما يحل وبما لا يحل.

وأما إيجابياته: فأهمها عندهم هو عين سلبياته لمن تأمل، فأهم مزاياه عندهم موهبته الروائية الفذة، ولن نناقش هذا الأمر من الناحية الأدبية، ولكن سنسلم به جدلاً، فهل يمكن الثناء على من كان ذا بيان وأدب فجعل هذا وقفًا على سب الله ورسله -صلوات الله عليهم- وعلى إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا بأنه ذو موهبة فذة، إذن فلتثنوا على جميع دعاة الكفر والإلحاد من الذين بلا شك أوتوا مهارات فائقة بعضها أدبي وبعضها عسكري وبعضها سياسي. إن هذه الإيجابية هي عين سلبياته.

وأما الإيجابية الأخرى فهي أنه دعا إلى ٍإخراج الإخوان من السجون في الستينات، ودعا إلى إعطاء الجماعة الإسلامية مقومات شرعية في التسعينات.

والذي يعرف نجيب محفوظ يعرف أنه محارب جبان لا يحب مواجهة أحد حتى الإسلاميين، وهو من الناحية السياسية كان وفديًا قبل الثورة، ثوريًا بعدها، انفتاحيًا في عصر الانفتاح، لم يكتب شيئا عن مفاسد عصر الثورة إلا بعد انقضائه.

ومن ذلك موقفه من رواية أولاد حارتنا التي يصر على أنه لن يطبعها -في مصر- إلا بعد موافقة الأزهر، فهو لا يريد أن يتبرأ منها، كيف وهي أهم الأعمال التي أعطي من أجلها جائزة نوبل، ولكنه يريد أن يتحمل غيره المسئولية، وبالتالي لن يطبعها إلا بإذن الأزهر، مع أنه طبعها في لبنان، فهل هذه توبة ؟؟؟؟ كما يقول بيان الجماعة الإسلامية، ويقسمون على هذا فيقولون "وهذا والله نعتبره توبة". هل تاب هذا وأصلح وبَيّن، كما اشترط الله على دعاة الباطل؟؟؟ فليست توبتهم كتوبة غيرهم.

وهل إذا صرحت أي جهة مسئولة –جدلاً- بشيء فيه استهزاء منه بجميع الأديان -كما ذكر بيان الجماعة الإسلامية عن رواية أولاد حارتنا- يجعل نشر هذا الأمر مباحًا؟

إن امتناعه من نشر الرواية إلا بإذن الأزهر لا يفهم منه أي أحد إلا إصراره عليها، ولكنه فقط يجامل أو يداهن لطبيعته التي تخشى كل أحد، فمطالبته بإعطاء حقوق للإسلاميين لا تختلف عن امتناعه عن نشر أولاد حارتنا إلا بإذن الأزهر لا تختلف عن سائر فصول حياته.

إن الذي نفهمه من موقف الإخوان وموقف الجماعة الإسلامية هو حرص كل منهما على إرسال "رسائل تطمينية" إلى المجتمع، لاسيما وأن دوائر كثيرة تطالبهم بإرسال مثل هذه الرسائل.

فأما الإخوان فلدخولهم في حلبة الديمقراطية التي لا تعترف بإقصاء الآخر إلا عبر صناديق الانتخاب مع السماح له بالتعبير عن كل آرائه، بينما الإسلام جاء لإزالة المنكر، وإقصائه باليد واللسان والقلب، ويطالب بإزالة المنكر من على وجه الأرض وليس فقط من منصة التشريع، وقد اختار الإخوان تفسيرًا للإسلام يتماشى مع الديمقراطية، وخصومهم قلقون، وحق لهم أن يقلقوا، حيث أن نصوص الإسلام واضحة كتابًا وسنة، بل ونصوص علماء الإسلام على امتداد التاريخ، وبالتالي يطلب الآخرون من الإخوان تطمينات أنهم لن يرجعوا إلى هذا التفسير مرة ثانية، مما حدا بالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في زياراته لنجيب محفوظ قبل موته بعدة أشهر إلى أن يزعم أن هذه امضاء الآخر هو إسلام بدوي وهابي. قالوا بل هو إسلام سيد قطب. فاعتذر عنه بما حاصله أنه كان مريضًا نفسيًا. قالوا له هذا إسلام حسن البنا، فقال " إخوان جيل السبعينات غير إخوان البنا".

وهكذا الإخوان يرسلون رسائل تطمينية مناقضة للكتاب والسنة، وفيها طعن في تاريخهم كجماعة, وتاريخ الإسلام ككل.

والخصوم العلمانيون لا يطمئنون بينما الأتباع يموجون ويضطربون، وتحدث لديهم من أنواع الشكوك، والاضطراب ما لا يعلمه إلا الله.

وأما الجماعة الإسلامية فهي مطالبة عند هؤلاء القوم بقدر أكبر من التطمينات أنهم لن يعودوا إلى المواجهة المسلحة مع النظام، أو مع المفكرين العلمانيين، وقد أصدرت الجماعة كتب المبادرة الأربعة الأولى تبين الأساس الشرعي الذي قامت عليه مبادرتها من مراعاة ضوابط المصلحة والمفسدة، والقدرة والعجز، وهذا كان أمرًا واجبًا شرعًا، وكان هذا كافيًا لهؤلاء القوم ليعرفوا أن الجماعة الإسلامية لن تكرر مواجهات الماضي، وقد قبل القوم ذلك حتى في دوائر الكتاب العلمانيين، وبدأوا يطالبون الجماعة بإثبات ذلك عمليًا، لأن العمل سيكون أكثر أثرًا، فضلاً عن كونه أكثر انضباطًا بالشرع لو واجهت الجماعة الإسلامية الباطل والمنكر بعبارات صريحة واضحة كتلك التي كانت تستخدم قديمًا، ولكن مع ذلك تضع ضوابط استخدام القوة موضع التنفيذ من أن جماعات الدعوة إلى الله ليست لديها القدرة في حمل الناس على الحق، وليس أمامها إلا مطالبة أهل السلطان بذلك، وأما أن تسعى الجماعة الإسلامية إلى الخطاب المتردد بشأن أديب كنجيب محفوظ، وتدعي له توبة وهمية من رواية أولاد حارتنا، وتثني عليه بأن أعماله كلها أرخت للحارة المصرية، متناسية أنه صور هذه الحارة على أنها ماخور كبير.

وإذا كانت الجماعة الإسلامية قد انزعجت من تلميح الدكتور أيمن الظواهري بأنه يسعى إلى ضم عناصر من الجماعة، وخرجت التصريحات الواضحة التي لا مواربة فيها لمواجهة ذلك، فإن أهم صور مواجهة التسرب لأعضاء الجماعة الإسلامية هو الالتزام بجهاد الكلمة بعدما أثبتت التجربة الانحرافات التي كانت في جهاد اليد في مرحلة ما قبل المبادرة.

ولا ينبغي أن يطمأن قادة العمل الإسلامي أنفسهم بأن الشباب الإسلامي واعٍ ويعرف الظروف التي يقال فيها كل تصريح، فالأمر ليس كذلك، بل العكس هو الصحيح، فالتيار العلماني تيار عقيم لا يلد، ولا تزداد مساحة انتشاره على الصعيد الفكري إلا بمعدل أفراد محدودين، ولهم صالوناتهم، ومقاهيهم، وأماكن اجتماعاتهم الأخرى، يذكر فيها السابق اللاحق بالمعارك الفكرية والمواجهات الدموية التي دارت بينهم وبين الإسلاميين، ويرضع كبيرهم صغيرهم من لبان كره الإسلام، أو على الأقل كره الإسلاميين.

فلن تنجح هذه التطمينات الإسلامية في اختراق قصورهم العاجية، وأبراجهم العالية.

وأما الحركة الإسلامية فهي -بحمد الله- حركة متجددة ديناميكية، تعاني ظاهرة تسرب تحت ضغط الواقع إلى الفضاء الرحب للحياة، وتستقبل في ذات الوقت أعدادًا من الوافدين الجدد، ففي اللحظة التي تتبنى فيها موقفًا ما، تكون هذه هي اللحظة الأولى التي يسمع فيها كثير من المتابعين هذا الأمر.

فيا قادة العمل الإسلامي.... الله ...... الله في أتباعكم هم أمانة في أعناقكم

احرصوا أن تصلوا بهم إلى شاطئ السلامة العقدية والفكرية قبل حرصكم على تطمين من لم يطمئن قلبه لكتاب ربه، وسنة نبيه، فكيف يطمئنون لكم؟؟؟؟

www.salafvoice.com