الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

منهج أهل الكفر والنفاق في مسألة الولاء والحب والنصرة !!

إن الضُلال أهل الكفر والفساد ما قبِلوا الحق، ولا عملوا به؛ إذ لم يكونوا محلاً قابلاً لذلك، فراحوا يعظمون الكفر، ويحاربون الإيمان، ويدعون لأنفسهم كل خير وفضيلة، وينسبون للأنبياء وأتباعهم كل شر ورذيلة.. ! و نحن نستكمل بتوفيق الله - تعالى - بعضًا من صور كفرهم وعنادهم ...

منهج أهل الكفر والنفاق في مسألة الولاء والحب والنصرة !!
علاء الدين عبد الهادي
السبت ١٨ ديسمبر ٢٠١٠ - ١٥:٣٤ م
2015

طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم (2)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فكما مر بنا سابقًا أن الضُلال أهل الكفر والفساد ما قبِلوا الحق، ولا عملوا به؛ إذ لم يكونوا محلاً قابلاً لذلك، فراحوا يعظمون الكفر، ويحاربون الإيمان، ويدعون لأنفسهم كل خير وفضيلة، وينسبون للأنبياء وأتباعهم كل شر ورذيلة.. !

وها نحن نستكمل بتوفيق الله -تعالى- بعضًا من صور كفرهم وعنادهم؛ لا سيما فيما يتعلق بالموالاة والمعاداة بمقاييس كفرهم وجاهليتهم، وكيف حرصوا هم على إذكاء الأخوة الشيطانية والبراءة من الإيمان!

فمن ذلك أنهم..

يمتلئون بغضًا للمؤمنين:

فنفوسهم الخبيثة وقلوبهم المريضة تكاد تحترق حزنًا وغيظًا على المؤمنين، وحسدًا لهم على إيمانهم واجتماعهم على دين الله؛ لذلك نادانا الله ونبهنا على ذلك بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران:118)، ولا يفتأون يحاولون إفساد أمركم، ومن سواد قلوبهم أيضًا: أن هؤلاء الكافرين (قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) تصريحًا وتلميحًا، وطعنًا وتلبيسًا، بل: (وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)؛ فانتبهوا وخذوا حذركم.. فما لغادر أمان (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).

ومن عجيب حال بعض الغافلين أنهم مع ذلك لا يجدون غضاضة في التقرب منهم وتقريبهم ومحبتهم (هَا أَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ) (آل عمران:119)، ولكن حيث إنه قد فسدت قلوبهم فقد قابلوا ذلك بنقيضه عداوة وكفرًا وعنادًا (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ) (آل عمران:119)، وذلك من شدة غضبهم وتحرق قلوبهم على المؤمنين المؤتلفة أفئدتهم، والمتحدة كلمتهم: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران:119)، ومن عداوتهم أيضًا أنهم: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) (آل عمران:120)، ولكن لا عليكم من شأنهم وعليكم بالحماية الربانية من كيدهم وشرورهم: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران:120).

وفي المقابل..

يحرصون على ولاية أعداء الله:

حيث يجتمع المتشاكلون سويًا ويأوي بعضهم إلى بعض فيستقوي كل كافر بأخيه وأتباعه وأقرانه، وكلهم على نفس الدرب سائرون، وهم في الكفر والانتكاس سواء (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) (التوبة:67)، وقد يختلف أحمرهم عن أبيضهم عن أسودهم كليًا في المذاهب والعقائد والأديان، ولكن تجمعهم إرادة الحفاظ على ملة الكفر الواحدة (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) (الجاثية:19)، بل قد يختلفون بينهم فيما من أجله تسعر الحروب وتراق الدماء، ولكن توحدهم الحرب على الإسلام وأهله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الحشر:11).

نعم كاذبون في ادعائهم إذ صدر هذا من قلوب خربة لا تعرف التضحية والإخلاص بصدق (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (الحشر:12)، فلا تنخدع بزعمهم ولا تغتر بادعائهم، بل هم (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (الحشر:14)، وما ذلك إلا بنسيانهم ما أمرهم الله به من سلوك طريق الحق: (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (المائدة:14).

وقد تكون هذه الموالاة الظاهرية طمعًا في دنيا يصيبونها أو عرض قليل يحوزونه (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة:52).

لذلك كله فالمؤمنون مأمورون بمخالفة أهل الكفر والفسوق والعصيان وأتباعهم وأذنابهم المتعاضدين، وألا يتخذوا منهم أخلاء محبين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51)، وأن يعادوا من عادى دين الله وأن يوالوا الله وأولياءه (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55)، وذكر جزاء هؤلاء الأولياء: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ) (المائدة:56).

هذا هو الحق الذي لا يصح غيره، فيكفي في بيان عداوتهم هذا اللعب الذي يبغونه والاستهزاء بدين الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ . وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (المائدة:57-58)، فليفتخر المؤمنون بإيمانهم وليعتزوا بعقيدتهم (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ) (المائدة:59)، والمؤمنون في هذا كله لهم في أبيهم إبراهيم المثل والقدوة (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4).

ومن هذه الولاية..

الاحتجاج بسنة الآباء:

فإن لهم أسلافًا من الآباء والعصبة، كما للمؤمنين أن أسلافًا من الأنبياء والصالحين، ولكن أسلاف المؤمنين سبقوهم في الإيمان وإسلام أنفسهم إلى ربهم فكانوا نعم المثل، أما هؤلاء فسبقهم أسلافهم إلى الكفر والصد والعناد فاستحقوا بجدارة لقب: "أهل الجاهلية الأولى"، وكانوا بصدق شر سلف لشر خلف: (فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ . إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) (المؤمنون:24-25)، دفعهم حسن ظنهم بآبائهم أن يتركوا ملة الأنبياء ويتشبثوا بعقائدهم الباطلة (وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ . مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ) (ص:6-7).

وأغراهم تعظيمهم لآبائهم -وإن ضلوا ضلالاً بعيدًا- أن يتبعوا طريقتهم الفاسدة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة:170)، وألا يحيدوا عنها قيد أنملة: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) (يونس:78).

لم يكن هذا دأب قوم بأعينهم؛ فملتمسو الهداية في عادات الأوائل وسننهم كثير (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ . وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ . قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) (الزخرف:22-24). فكيف كان عاقبتهم؟! (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الزخرف:25).

ولكن قارن بين موقف القوم مع آبائهم وموقف إبراهيم -عليه السلام- مع أبيه: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) (الزخرف:26-27)، فالمؤمنون له في هذا تبع (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الزخرف:28)؛ لذلك (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22).

نسأل الله -تعالى- الفلاح والنجاح، والثبات على الأمر كله, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وللحديث بقية -إن شاء الله تعالى-..

salafvoice