الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

رسائل تطمين من نوع آخر

هكذا أوصل رسالة إلى كل غيور على المنهج أن الحسابات السياسية لن تثنينا عن المهمة الأولى للتيار السلفي

رسائل تطمين من نوع آخر
أحمد شكري
الخميس ١٢ يناير ٢٠١٢ - ١٩:٥٩ م
4258

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي ظل الحملة الإعلامية المسعورة للتخويف من التيار السلفي انشغل أتباع التيار السلفي بإرسال رسائل تطمين لجميع الفئات ردًا على ما يثار ضدهم من الشبهات فصرنا ليل نهار نقسم بالأيمان المغلظة أننا لن نقطع إذن أحد، ولن نسكب ماء النار على أحد، ولن نتحول بالبلاد تحولات مفاجئة غير مدروسة العواقب؛ فهذا غير مقدور، ولا مأمور، بل أمرنا الله -تعالى- بمراعاة المصالح والمفاسد، وسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كلها بلا استثناء عبارة عن موازنة بين المصالح والمفاسد.

وكان لزامًا على التيار السلفي أن لا ينسى تطمين النصارى على دينهم وشعائرهم وممتلكاتهم، وهذا ليس تفضلاً عليهم، بل هو محض حقهم، يجب علينا توفيتهم إياه، وتمكينهم منه- طالما لم يحاربونا في الدين-؛ انطلاقًا مِن ثوابتنا الدينية، والوطنية، قال الله -تعالى-: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(الممتحنة:8).

ومِن رسائل التطمين -أيضًا- التي احتاج التيار السلفي لإرسالها: رسائل التطمين للعالم الخارجي بأننا لن نجرَّ العالم بكامله إلى حرب عالمية أو إقليمية، ولن نغلق آذاننا عن الاستماع والحوار الجاد والمثمر مع الجميع.

وأزعم أن التيار السلفي قد نجح إلى حد كبير في صياغة الرسائل المناسبة لتطمين كل خائف من الإسلام وشريعته، وكانت نتيجة هذا النجاح أن أدلى واحد من كل أربعة أو ثلاثة في مصر بصوته لصالح التيار السلفي.

لكن هناك نوع آخر من رسائل التطمين ينبغي أن لا يغفل عنها قادة التيار السلفي وعلماؤه ودعاته، وهي رسائل تطمين للداخل السلفي؛ بمعنى أننا نحتاج -وبنفس الكثرة والغزارة والإلحاح- إرسال رسائل تطمين للشباب السلفي العاشق للتضحية، والذي تتعاظم عنده قيمة الثبات على المبدأ؛ لتتبوأ المكانة الاسمي بين القيم التي يقدرها ويلتف حولها، وتتحدد رموزه بناءً على مدى التحقق بها.

الشباب السلفي الذي لا أقول عانى من "أمن الدولة"، بل عانى منه أمن الدولة -حتى وضع يده في الشق-؛ بسبب ثباتهم على عقائدهم؛ برغم أنواع التعذيب، والسحل، والإقصاء التي تعرضوا لها.

الشباب السلفي الذي يجعل في مقدمة قادته رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي روي عنه أنه قال: "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته".

وبلال بن رباح -رضي الله عنه- الذي كان يقول: "أحد.. أحد". ويقول: "لو أعلم كلمة أغيظ لهم منها لقلتها". وأبو بكر -رضي الله عنه- الذي قال: "أينقص الدين وأنا حي".

وأحمد بن حنبل -رحمه الله- الذي خالف جميع القوى السياسية والفكرية في زمنه رافعًا ذلك الشعار السلفي الخالد: "ائتوني بآية من كتاب الله أو حديث عن رسول الله أقول به".

الشباب السلفي الذي لا.. ولم.. ولن يسكت عن نقد العلمانية والليبرالية، والدفاع عن الهوية الإسلامية في مواجهة محاولات الابتلاع والتذويب والتغريب تحت "ستار العولمة"، مقتدين في ذلك بأحد قادتهم، وهو شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله الأنصاري الهروي -رحمه الله تعالى-، الذي قال: "عُرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارْجع عن مذهبك، لكن اسكتْ عمن خالفك، فأقول : لا أسكت" (السير 18/509).

الشباب السلفي الذي لا يمل من تكرار ذلك السؤال الذي أوسعه خصومه استهزاءً بسببه، وزاده الاستهزاء تمسكًا به، وهو سؤال: "ما دليلك"، ممتثلين لنصح قائدهم سفيان الثوري الذي كان يقول: "إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بدليل فافعل"، مما يفرز لهم قادتهم بصورة طبيعية حيث إنه لا يُحسن الاستدلال لكل حادثة مِن نصوص الكتاب والسنة إلا الراسخون في العلم.

يحتاج هذا الشباب السلفي أن يرى مِن قادته كثرة التكرار للمفاهيم الإيمانية، والإلحاح على ترسيخ المبادئ العقدية بقدر تكرارها في القرآن، والإلحاح على ترسيخها في السنة، فمثلاً: قول الله -تعالى-: (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) (الكهف:)، أو في قراءة أخرى متواترة (وَلا تُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)، يجب أن يكون شعارًا، فالحرام هو ما حرمه الله، ولا يستطيع أهل الأرض -وإن اجتمعوا- على أن يبدلوا كلام الله فيحلوه.

ومِن المهم -أيضًا- تكرار أن المعنى المتبادر من كلمة التوحيد ومفتاح الدخول في الإسلام: "لا إله إلا الله"، المعنى الذي يفهمه الصغير والكبير، والعالم والجاهل -إذا سلمت الفطرة، وصحت النية- أنها تقتضي بطلان عبادة كل ما سوى الله -تعالى-، كما قال -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85).

وقد سعدتُ جدًا من أحد الدعاة السلفيين أنه لم يكتفِ بإرسال رسالة تطمين للخائفين من السلفية، بل أرسل رسالة تطمين أخرى للخائفين على السلفية؛ ففي أحد المؤتمرات لتأييد مرشحي "حزب النور" طُرِح سؤالٌ حول موقف السلفيين مِن الصوفية؟ فقال ذلك الداعية السلفي المحنك: "بداية مجلس الشعب ليس صالونًا ثقافيًا تُناقش فيه الأيديولوجيات المتناقضة، وإنما هو مؤسسة من مؤسسات دولة تُنهب منذ عقود، ووصلت إلى وضع اقتصادي مزري حتى صارت في ذيل الأمم، والمتوقع مِن هذا المجلس في المرحلة الحالية أن يتعاون الجميع على الخروج بالوطن من المأزق الراهن، فالمفترض أن يكون عضو مجلس الشعب خادمًا للجميع عاملاً على تحقيق المصلحة للجميع".

وكان يسعه السكوت عند هذا الحد فقد أرسل هذه الرسالة الواضحة للتطمين بدون تقديم تنازلات، لكنه ببصيرته الدعوية لاحظ أن هذه الرسالة لا تزيل الشكوك التي تعتري بعض الغيورين على صفاء المنهج، فأضاف إلى ذلك قوله: "فمثلاً أنا كطبيب سلفي يأتيني مرضى من كل أطياف المجتمع، وأقوم ببذل أقصى ما أملك من الجهود في سبيل تخفيف المعاناة عنهم، ثم بعد أن ييسر الله -تعالى- لهم الشفاء إذا قابلت أحدهم في الطريق أنصحه فيما أراه يقع فيه من أخطاء؛ ولذلك فالصوفية في مصر نعلم عن كثير منهم حبهم للرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإذا وضحت لهم سنته فلن يبغوا عنها حولاً؛ إذ من المتقرر عند كل مسلم أن خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلا مانع أبدًا من النقاش الهاديء، والمعتمد على الأدلة من الكتاب والسنة فما وافق الدليل قبلناه، وما خالفه رددناه، ولا شك أنه مع صدق النية، والتزام الأدب في الحوار؛ سنصل جميعًا إلى ما يرضي الله -تعالى-".

هكذا أوصل رسالة إلى كل غيور على المنهج أن الحسابات السياسية لن تثنينا عن المهمة الأولى للتيار السلفي، وهي: الحرص على نقاء المنهج، وتسليمه إلى الأجيال القادمة كاملاً لا نقص فيه، واضحًا لا لبس فيه، وربح في نفس الوقت ثقة الجماهير؛ لأنهم يحبون الصريح الذي لا يتلوَّن حسب المصلحة، وهذا الواقع يثبت أنه مِن الممكن أن يُجْمِع مَن يسمون أنفسهم خبراء بالدعاية الانتخابية على أمر هو في الحقيقة غير صحيح، وقد أثبتت التجربة أن الثبات على المبدأ هو أقصر الطرق لاكتساب احترام المخالف قبل الموافق.

وإذا كان مِن الضروري المبادرة بتكثيف إرسال هذا النوع من رسائل التطمين بمجرد إعلان الدعوة السلفية مشاركتها في العمل السياسي، فإن النجاح غير المتوقع الذي حققه التيار السلفي في الانتخابات زاد من هذه الضرورة؛ وذلك لعدة أسباب:

منها: أن قوة هذا التيار التي ظهرت من خلال نتائج الانتخابات أجبرت خصومه على تغيير إستراتيجية المواجهة من الإقصاء إلى الاحتواء، بمعنى: أن المجهودات الحالية موجهة إلى تغيير العقل السلفي مِن الداخل، وهذا يستدعي الإلحاح على تكرار هذه الثوابت.

ومنها: أن تضاعف أعداد الداخلين الجدد إلى "حزب النور" -الذراع السياسية للدعوة السلفية- يحتم تكرار إبراز هذه الثوابت؛ لأنها لن تكون مكررة بالنسبة للأعضاء الجدد، وهذه أعظم الفوائد على الإطلاق مِن دخول التيار السلفي للعمل السياسي، وهي التمكن من نشر المنهج بصورة أوسع وأعمق.

ومنها: الحفاظ على الجبهة الداخلية للحزب، فأول ملامح قوة الحزب استشعار كل فرد فيه أنه صاحب قضية، ومن المعلوم أن "الاجتماع على فكرة هو أقوى صور الاجتماع بين البشر"؛ لذلك يتمتع "حزب النور" بجبهة داخلية في غاية الصلابة؛ ولذلك يحرص الإعلام المغرض على التشكيك في ثبات قادة الحزب على المنهج، فيلتقطون أي كلمة أو شائعة ويروجون لها، كما قال -تعالى-: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم:9)، وقال: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) (النساء:89).

فالتركيز الشديد على شائعة تفاوض الحزب مع إسرائيل أو قيام فرد ملتحي -هنا أو هناك- بفعل يخالف "الثوابت السلفية"، وكذلك تصريح كثير مِن المحللين السياسيين وأتباع الأحزاب الأخرى أن العمل السياسي سيجبر السلفيين على تبني آراء أقل تشددًا -كما يزعمون-، كل ذلك يهدف إلى تمزيق الجبهة الداخلية للحزب.

والمخرج مِن هذا المأزق: الإلحاح على إرسال رسائل التطمين لكل غيور على الشريعة، وعلى المنهج السلفي أن تشوبه أدنى شائبة، وهذا ما أحسب أن قادة "حزب النور" على دراية شديدة به.

أسأل الله -تعالى- أن يوفقهم جميعًا إلى ما فيه صلاح ديننا ودنيانا. اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكنا بالإسلام حتى نلقاك عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً