الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وذكرهم بأيام الله

إن جريان الحياة بشكل روتني مدة طويلة في حس البشر يجعل كثيرا من الناس يظن – وأحيانا يتأكد ، وربما أقسم – أنها ستستمر كذلك إلى مالا نهاية ، وأن موازين القوى ستبقى هكذا ، لصالح الأقوى

وذكرهم بأيام الله
ياسر برهامي
الجمعة ١٠ فبراير ٢٠١٢ - ١٩:٣٥ م
3685

وذكرهم بأيام الله

كتبه / ياسر برهامي

الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسوله ..صلى الله عليه وسلم .. أما بعد ..

فإن قراءة التاريخ قراءة إيمانية حاجة ضرورية للإنسان ، لكي تحصل له البصيرة ، ليعلم عاقبة الأحداث التي يراها أمامه ، فإن لله سنة في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنة الله تحويلا ، ولكي يحصل له اليقين بوعد الله ، وأنه الحق الذي لايخلف ، وليتعظ بمن سبقه ويتذكر حقائق الإيمان التي هي عند أهل الإيمان كالشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب .

وعندما تحصل له هذه يحدد مواقفه بناء على موازين السماء لا على موازين الأرض ، ويثبت على الحق ، ويبذل كل طاقته في السير على طريقه دون توان ، متوكلا على الله مستعينا به ، ليرضي الله ولو سخط الناس ، فيرضى الله عنه ويرضي عنه الناس ، وعند ذلك يكون الزمن في صالحه والانتظار سبيلا لحل كثير من المشكلات والموازنات التي لا يعرف لها حل ، ولا يحسن لها وزنًا ، قال تعالى : (وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ*وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ*وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ*وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود: 120: 123)

إن جريان الحياة بشكل روتني مدة طويلة في حس البشر يجعل كثيرا من الناس يظن – وأحيانا يتأكد ، وربما أقسم – أنها ستستمر كذلك إلى مالا نهاية ، وأن موازين القوى ستبقى هكذا ، لصالح الأقوى الممكن ، قال الله تعالى : (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ*وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ) (إبراهيم :44،45) .

فعند ذلك ينسى أيام الله ويفقد الاتعاظ والتذكر للحظات وأيام معدودة لكنها غيرت وجه التاريخ وموازين الأرض ، أعز الله فيها من شاء بطاعته ، وأزل من شاء بمعصيته ، ومكن للمستضعفين ، وكسر الجبارين ، وآتى ملكه من شاء ونزعه ممن شاء ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (إبراهيم: 5).

قص الله علينا قصة قوم نوح وكيف بقوا في حياتهم الروتينية تسعمائة وخمسين عاما في الظلم والطغيان ثم جاءت أيام الطوفان ، فتغير وجه الحياة على الأرض وانتصر الله للمغلوب المتضرع الدعي ؛ نوح عليه السلام .

وقص علينا قصة عاد قوم هود الذين لم يخلق مثلهم في البلاد ، وكانوا القوى العظمى الوحيدة دون منازع (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) (فصلت: 15) ثم جاءت سبع ليال وثمانية أيام حاسمة من الريح الصرصر العاتية ، فغيرت وجه الحياة ونصر الله هودًا والذين آمنوا معه .

وقص علينا قصة ثمود الذين جابوا الصخر بالواد ، وآثارهم أقدم من آثار الفراعنة ، وقصورهم في صخور الجبال منحوتة ، لاتزال إلى يومنا باقية ، ثم جاء يوم الصيحة والرجفة التي جعلتهم كهشيم المحتظر .

وقص علينا قصة قوم لوط في فجورهم وفحشهم الذي لم يسبقهم به أحد من العالمين ، ثم جاء صبح يوم جعل الله عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل منضود ، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد .

وقص علينا قصة فرعون وكيف بقي سنوات وعقودًا يستضعف بني إسرائيل يذبح أبناءهم ويسحيي نساءهم ويستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق حتى جاء يوم غرقهم في لحظات ، كان قبلها مباشرة يجزم أصحاب موسى أنهم لمدركون .

نقول لكل الطغاة ولمن يدور في فلكهم ينفذ مخططات الأعداء محاولا تمزيق الأمة وتدميرها ، يبيع دينه ووطنه ومواطنيه بالثمن البخس ، يستحل الدماء المعصومة ويستسهل الفوضى ، ويستهدف التخريب ، وينتهك الحرمات ، ويحارب شرع الله ، ويتصور أنه سيتمكن من مقصوده ، نقول لهم : في سوريا ، في فلسطين ، في العراق ، في أفغانستان ، في القوقاز ، ونقول لأذنابهم في بلادنا وفي كل مكان : تذكروا أيام الله ، تذكروا ملك من سبق وقد كان ذا أوتاد ، والسميع من وعظ بغيره ، ومن يغالب الله يغلب ، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف: 21)

www.anasalafy.com 

موقع أنا السلفي


 

تصنيفات المادة