الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الإرادة الشعبية

، وقد يتم تزييف وتزوير ما يسمى بإرادة الجماهير وتوجيه الشعوب والتأثير عليها وإيجاد ما يسمى بالرأى العام ثم الاحتجاج به!!

الإرادة الشعبية
سعيد عبد العظيم
الجمعة ١٠ فبراير ٢٠١٢ - ٢٠:٣٩ م
3110

الإرادة الشعبية

كتبه / سعيد عبد العظيم

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على اله و صحبه و من والاه:

أما بعد،،

فكلمة الإرادة الشعبية من الكلمات المتداولة على الألسنة و التى تستخدم كحجة دامغة تطرب لها الاذان و تصغى لها القلوب والعقول ، فإذا قال الميدان ( الشعب يريد إسقاط النظام ) إهتزت العروش ، و إذا قال أبو القاسم الشابى :

إذا الشعب يوما أراد الحياة  ::::  فلا بد أن يستجيب القدر

خرج الناس يغنون و يرددون ، و أحيانا نسمع من يقول : إرادة الشعب من إرادة الله ، و فى لقاء جمع الأستاذ مجدى الجلاد رئيس تحرير جريدة المصرى اليوم و الشاعر سيد حجاب و الدكتور علاء الأسوانى و المخرج خالد يوسف ، سأل الأول الأخير عن مشاريعة الفنية فقال بإمتعاض إذا كان الناس قد اختاروا أبناء التيار الإسلامي فلا بأس بقبول هذا الاختيار ، و هو – المخرج خالد يوسف – إيمانا منه بقيمة صاحب جائزة نوبل – نجيب محفوظ – رأى أن يحول روايته أولاد حارتنا إلى فيلم ، و أن الفيصل والحكم هو رضى وإرادة الجماهير ، فإذا قبل الناس هذا العمل الفني كان بمثابة استفتاء على رغم أنف القلة الرافضة والطاعنة في أولاد حارتنا!!

و من هنا كان لا بد من وقفة مع هذا التعبير و المصطلح الوافد و المستورد حتى يصطلح كل فريق على حقه ، فالإرادة الشعبية تستخدم على أوسع نطاق لتكون بديلا عن كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، و خطورتها قد استفحلت و خصوصا مع ترديد كثير من المتدينين لها ، يقول تعالى " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"(النساء – 65) فلم يأمر سبحانه بتحكيم العرف ولا العادة ولا الأكثرية ولا الإرادة الشعبية ، وقال سبحانه "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا"(الأحزاب – 36) ، وحكى الشافعي إجماع الصحابة فمن بعدهم على أنه من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس كائنا من كان ، و قال جل وعلا " أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا "(النساء – 59).

فعند ورود النزاع فإن فصل الخطاب فى رد المسألة للكتاب والسنة  لا للإرادة الشعبية ولا لغيرها ، وقد يتوهم البعض أن الإرادة الشعبية تعبر عن الإجماع المعتبر والأمر ليس كذلك فالإجماع الذى يحرم مخالفته هو إجماع العلماء المعتبرين فى عصر من العصور على حكم شرعى ، قال تعالى " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا "(النساء – 115) ، ولا يجوز الاحتجاج بهذا المصطلح على ارتكاب المخالفات والمعاصي والذنوب ، فالاحتجاج بالقدر إنما يكون فى المصائب لا فى المعايب ، الأمر الذى يعبر عن جهالة وخلط بين الإرادة الكونية و الإرادة الشرعية ، فالواجب على الحاكم والمحكوم والفرد والدولة أن يقيم الحق فى الخلق وأن نصدر عما جاء فى كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتخلية عن الذنوب مقدمة على التحلية بالفضائل ، والله تعالى لا راد لقضائه و لا معقب لحكمه ، فالحلال ما أحل والحرام ما حرم والدين ما شرع ، و ليس للأفراد والشعوب إلا أن يقولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

لقد حكى لنا القران قصص الأمم الهالكة كقوم نوح وعاد وثمود ، وقوم لوط الذين قالوا " فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ "(النمل – 56) ، كانوا يمارسون الشذوذ وكفروا بالله ، فهل يليق هنا أن يقال : الشعب يريد الشذوذ ، أو إرادة الشعب من إرادة الله ، أو إذا أراد الشعب يوما فلا بد أن يستجيب القدر!! فهذا التعبير لا يطلق على عواهنه بحيث يكرس للانفلات من الضوابط الشرعية ، وقد شاهدنا بعض الشباب يقفون بالميدان ويرفضون إجراء الانتخابات ويقولون (الميدان يريد) ، فتركنا نصوص الشريعة وعبرنا بالإرادة الشعبية والتي اختصرت بدورها في وقوف البعض بميدان التحرير.

و قد ورد فى الحديث " إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به " ، وذهب البعض إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له : " إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ." قال : " وقد وجدتموه ؟ " قالوا : نعم . قال " ذاك صريح الإيمان " ، وقال : "الحمد لله الذى رد كيده إلى الوسوسة" ، و قال :" قل امنت بالله ".

فالواجب علينا ضبط الأقوال والأفعال بل حتى الخواطر بالكتاب والسنة ، وقد يتم تزييف وتزوير ما يسمى بإرادة الجماهير وتوجيه الشعوب والتأثير عليها وإيجاد ما يسمى بالرأى العام ثم الاحتجاج به!!

فالحذر من العبارات التى تنطوي على مخالفات شرعية وفي مثل هذه الأحوال لا يقال : لا مشاحة فى الاصطلاح ، ولنحرص دوما على صبغ الأكثرية والأقلية بصبغة الكتاب والسنة "صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ"(البقرة – 138) ، فإن قهرونا ظلما و زورا بما يسمى بالإرادة الشعبية قلنا لهم "  وَقُل لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ اعمَلوا عَلى مَكانَتِكُم إِنّا عامِلونَ ﴿١٢١﴾وَانتَظِروا إِنّا مُنتَظِرونَ ﴿١٢٢﴾ وَلِلَّـهِ غَيبُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعبُدهُ وَتَوَكَّل عَلَيهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ ﴿١٢٣﴾ "(هود -121/123).

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،،

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي