الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الشيخ "الشعراوي" و"د. مصطفى محمود" وعودة الكرة إلى حجمها الطبيعي

قلت هذا... وأنا أعلم يقينًا أنه لن يرضي الكثيرين؛ وإن كان هو "حكم الشرع"، فضلاً أنه أيضًا يمثـِّل نداء كثير مِن العقلاء.

الشيخ "الشعراوي" و"د. مصطفى محمود" وعودة الكرة إلى حجمها الطبيعي
عبد المنعم الشحات
الاثنين ٢٠ فبراير ٢٠١٢ - ٠٠:٠٠ ص
5079
الشيخ "الشعراوي" و"د. مصطفى محمود" وعودة الكرة إلى حجمها الطبيعي
 
27-ربيع أول-1433هـ - 19-فبراير-2012      

 

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تناولتُ "أحداث بورسعيد" في خطبة جمعة، وفي برنامج "مفاهيم" الذي أقدمه على قناة الناس كل يوم خميس، وفي ندوة مشتركة مع عدد من المشايخ الأجلاء.

وقد دارت كلماتي حول عدة محاور:

الأول: الترحم على الضحايا، ومطالبة المجتمع بالقصاص لهم.

الثاني: مواساة أسر الضحايا وتعزيتهم.

الثالث: الإشارة بأصابع الاتهام إلى عناصر لا علاقة لها بكرة القدم، ولا بتشجيعها؛ لأن المباراة انتهت بفوز فريق المصري البورسعيدي، وبالتالي فهي من الناحية الكروية تستوجب احتفالاً لا انتقامًا! وقلتُ: إنهم عناصر مِن بقايا النظام السابق، وبعض المتواطئين من الشرطة.

الرابع: ذكرتُ أننا مَن مهَّد لذلك حينما حوَّلنا اللهو إلى حرفة، وسمحنا بوجود التعصب الكروي كفرع عليه!

وبيَّـنْتُ أن الشرع قَصَر المسابقة بعوض -"أو الاحتراف بلغة عصرنا"- على ثلاثة أنواع من الرياضات، هي الواردة في حديث: (لا سَبَقَ إِلا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)

"
الشرع قَصَر المسابقة بعوض -أو الاحتراف بلغة عصرنا- على ثلاثة أنواع من الرياضات
"

.

وقلتُ: إن باقي الرياضات مثل "كرة القدم" يجوز لعبها بلا مكافأة، وبيَّـنْتُ الآثار الاجتماعية والاقتصادية الضارة لتحويل لعبة "كرة القدم" إلى مهنة تـُنفق فيها الملايين في حين يتقاضى الطبيب، والمهندس، والمعلم الملاليم! كما أن ضعف رواتب ضباط الشرطة أحد أهم أسباب انحراف بعضهم.

قلت هذا... وأنا أعلم يقينًا أنه لن يرضي الكثيرين؛ وإن كان هو "حكم الشرع"، فضلاً أنه أيضًا يمثـِّل نداء كثير مِن العقلاء.

ومِن ثَمَّ تصدى بعض مَن أغضبه هذا الكلام؛ فحرَّفه، وقال: إنني قلت: إن ضحايا حادث بورسعيد ليسوا شهداء؛ لأنهم قـُتِلوا في سبيل اللهو المحرم، وأن لعب الكرة حرام!

وقد بيَّـنْتُ -فيما سبق- نص ما قلتُه، وهو مصادم تمامًا لما ادعته أكثر مِن خمسة مواقع إلكترونية، ومثلها أو يزيد من القنوات الفضائية!

والشيء الوحيد الذي يقترب مما قلتُه، أنني لم أنعت الضحايا بوصف الشهادة، وإن كان ثمة فرق جوهري بيْن أن تمتنع سلبيًا عن وصف ما ترى أن له ضوابط شرعية في إطلاقه، وتلجأ إلى غيره مِن أوصاف المواساة والتعزية -كما فعلت أنا-، وبيْن أن تعمد إلى النفي، وبعبارات خارجة -كما حاولوا جميعًا أن ينسبوا إليَّ، وإلى الله المشتكى!-.

"
وبيَّـنْتُ الآثار الاجتماعية والاقتصادية الضارة لتحويل لعبة كرة القدم إلى مهنة تـُنفق فيها الملايين في حين يتقاضى الطبيب، والمهندس، والمعلم الملاليم!
"

وكنتُ دائمًا ما أحيل في هذا الباب على رسالة "بغية المشتاق في حكم اللهو واللعب والسباق" للأستاذ الدكتور "حمدي شلبي"، وهو أستاذ في كلية الشريعة جامعة الأزهر فرع دمنهور، وهو بدوره يستدل بمقال رائع للدكتور "مصطفى محمود" نشره مستنكرًا الاحتفالات المُبَالغ فيها عقب انتصار مصر على الجزائر عام 1990م، والمقال منشور في جريدة "أخبار اليوم" السبت: 13-1-1990م، بعنوان: "تأملات على هامش الكرة"، أقتبس لك منه هذه الفقرات:

يقول: "لم يشهد انتصار أكتوبر الحفاوة الشعبية التي شهدها انتصارنا في مباراة الجزائر، وكأننا فتحنا العالم أو عبرنا الفضاء إلى القمر!".

ويقول: "إن اللعب مطلوب، ولكن على ألا يتجاوز مكانه في سلم الأولويات، فهو ساعة في يوم إجازة، وتسبقه ستة أيام عمل تحتاج إلى حماس مضاعف بمقدار ست مرات، وبهذا تكون النفس سوية تعرف لكل شيء مقدراه... وينهي كلمته بقوله: أما الشعب الذي ينفق أحشاءه وهمته وحماسه في هدف كروي، ثم يعود إلى بيته جثة خاوية جوفاء ليس فيها همة لشيء؛ فهو شعب يحتاج إلى تحليل نفسي".

ويقول: "إن جدول الأولويات في بلادنا مختل، ومقلوب على رأسه... اللعب في أول القائمة، والجد في آخرها؛ هذا إن وُجد له مكان. والإستراتيجية الغالبة على نظامنا هي: إستراتيجية التفاريح... والسعادة في قاموسنا: انفجار، وفرح وحشي، وتهريج... وسوف يوافقني علماء النفس على أن هذا النوع مِن الفرح هو تعبير عن الكبت، وعن الحرمان، ولا يمت إلى السعادة بسبب، وقد شاهدنا النتيجة... شاهدنا الشارع ينفجر، ثم يهمد... والفريق الجزائري الذي انفجر على طريقته راح يضرب الناس، ويفقأ عيونهم!".

كما يحاول بعض الفضلاء -جزاهم الله خيرًا- مواصلة الدعوة؛ لأن الدعوة التي هي البيان والإرشاد لا تتم إلا بتضافر جهود على هذه المهمة مِن إزالة لبس أو توضيح مشكل؛ لا سيما إذا فرض عليك حادث نفسه فلزم البيان فيه، أو عرض عليك خصم معركة بكذب أو تحريف، فكان مما نشره بعضهم على الإنترنت حديثًا تلفزيونيًا للشيخ "الشعراوي" يتحدث فيه بلهجة أخشى إن نقلتها عنه أن تثيرهم مرة أخرى؛ فليراجعها على الإنترنت مَن شاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نشرت بجريدة "الفتح" بتاريخ الجمعة 25 ربيع الأول 1433هـ - 17 فبراير 2012م.