الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

أسباب الحياة الهنية (خطبة مقترحة)

الغرض من الخطبة: توجيه المجتمع: حكامًا ومحكومين لأسباب الحياة المستقرة؛ ليعمل الجميع على إيجادها.

أسباب الحياة الهنية (خطبة مقترحة)
سعيد محمود
الخميس ٢٢ مارس ٢٠١٢ - ١٧:٢١ م
4218

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالغرض من الخطبة:

توجيه المجتمع: حكامًا ومحكومين لأسباب الحياة المستقرة؛ ليعمل الجميع على إيجادها.

المقدمة:

- كلمات يسيرات ترسم صورة الحياة الهانئة المستقرة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

- معايير ثلاثة مادية من خلال توجيهات شرعية لمجتمع مستقر: "الأمن - الصحة - القوت"، وذلك مِن خلال التوجيه الشرعي "قال رسول الله"(1).

المعيار الأول: الأمن وضرورة الحفاظ عليه "الاستقرار الأمني":

- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (آمِنًا فِي سِرْبِهِ): قيل: في أهله وعياله. وقيل: في مسكنه وطريقه(2).

- الأمن مطلب شرعي ومادي للعبادة والحياة: أول ما سأل إبراهيم -عليه السلام-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) (إبراهيم:35). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

- نعمة لا يعرف قدرها إلا مَن حرم منها: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) (العنكبوت:67)، وقال -تعالى-: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش:3-4). "حال إخواننا في فلسطين، وسورية، والعراق".

- مِن أجل أمن المجتمع جاءت الشريعة بالعقوبة الرادعة: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33).

- السبيل الشرعي أعظم سبب لتحقيق الأمن: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55).

المعيار الثاني: عافية البدن "الرعاية الصحية":

- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مُعَافًى فِي جَسَدِهِ): أي صحيحًا سالمًا مِن العلل والأسقام.

- دوام العافية مطلب شرعي ومادي: كان -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه صباحًا ومساءً: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسألُكَ العَفْوَ وَالعَافِيةَ فِي ديني وَدُنْيَايَ وَأهْلِي وَمَالِي... ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، وكان يقول: (اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي... ) (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني).

- العافية من أعظم النعم بعد الدين: قال -صلى الله عليه وسلم-: (اسْأَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

- عافية البدن عون على الطاعات والأرزاق والمباحات: قال -صلى الله عليه وسلم-: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ) (متفق عليه). وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ" (رواه البخاري).

- عافية البدن وقوته مما تنال به معالي الأمور: (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) (البقرة:247). وقال: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين) (القصص:26).

- العافية تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى: قال -صلى الله عليه وسلم-: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) (رواه البخاري).

- انظر إلي عدد النعم التي يحويها بدنك: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم:34)(3).

- جماع النعمة "صحة القلب والبدن" بمراقبة الله: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) (الإسراء:36).

المعيار الثالث: القوت "الاستقرار الاقتصادي":

- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ): الوسط بين الغني المطغي والفقر المدقع.

- الغني مظنة الطغيان والإفساد بالمال الكثير: (كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) (العلق:6-7)(4).

- الفقر مظنة الاتكال على الغير وسؤال الناس، وحصول المذلة وفساد الأخلاق: قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ) (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني). وقال: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ) (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني).

- ولذا كان القوت باعثًا على الاستقرار: قال -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا) (متفق عليه). وقال ابن القيم -رحمه الله-: "إن النفس إذا حققت رزقها اطمأنت".

- الغنى أخوف علينا: قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَاللَّهِ مَا الْفَقْرُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ) (رواه البخاري ومسلم).

- قوت اليوم نعمة لا يراها إلا المحروم: قال -صلى الله عليه وسلم-: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى من هُوَ قوقكم فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُم) (رواه مسلم). وعَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَخْطُبُ، قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا، فَقَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي، مَا يَجِدُ دَقَلا يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ" (رواه مسلم).

- قوت يومكم يحتاج شكر ربكم: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا) (رواه مسلم).

خاتمة:

لا يجد هذه نعم تستحق الشكر إلا مَن استقام على دين ربه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- الذي نبهه لهذه النعم، قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97).

فاللهم أمِّنا في أوطاننا، وعافنا في أبداننا، وبارك لنا في أرزاقنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بدون هذه النعم الثلاث يتقلب الإنسان بين عدم الراحة وعدم الاستقرار، وإلا فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَصْبَحَ) إشارة إلى اليوم الجديد، ومدي توافر هذه النعم فيه أم لا؟

(2) إن إصباح المرء آمنًا في سربه لهو مِن أوائل بشائر يومه وغده، وما بعده مراحل تالية لأمنه.

(3) يقول أبو حامد الغزالي في الإحياء: "تزعم أنك فقير؟ أتبيع نعمة البصر بعشرة آلاف درهم؟! أتبيع نعمة السمع... ؟!" اهـ. قلت: ومِن المرضى مَن يود لو أنفق ماله كله لأجل عين أو أذن أو كُلى أو... فالحمد لله على نعمة العافية.

(4) الغنى يُحمد في الخير، ويذم في الشر: قال -تعالى-: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى... ) (الليل:5-7)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ) (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة