الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفيون الجدد ..وتقديس" النموذج الثوري"

والمقالات المكتوبة في المدونات والمواقع الالكترونية يرى كيف يُسحل شيوخ وأعلام ورموز للدعوة...

السلفيون الجدد ..وتقديس" النموذج الثوري"
الاثنين ٢٦ مارس ٢٠١٢ - ٢٣:٢٥ م
4403

من رسائل الزوار

السلفيون الجدد ..وتقديس" النموذج الثوري"


لم يقف وهج الثورة المصرية عند إسقاط النظام فحسب ،بل تعداه إلى وجود ظاهرة عامة من التمرد ضد القيادات والرموز، والرغبة في الخروج عن بوتقة السمع والطاعة في الكيانات والجماعات الدينية والسياسية.
وكان التيار السلفي واحدا من التيارات التي اجتاحها طوفان التمرد على القيادات والرموز، لكن الذي يلفت في الأمر ليس هو مجرد الخروج عن سمت السمع والطاعة، أو مجرد عدم الاعتداد بأقوال الشيوخ والكبراء في النوازل السياسية الحادثة، أو مجرد شدة في النقد الذي يوجهونه لتلك القيادات ، أو حتى في تبنيهم النموذج الثوري - بل اللافت هو : المنهج الجديد الذي يتبعه هؤلاء الناقمون على قياداتهم ورموزهم ، حيث يجعلون النموذج الثوري مقدسا - بعلم أو بغير علم - يستلهمون منه، ويحتكمون إليه، ويوالون ويعادون عليه، ويقيسون الأشخاص والجماعات بقربهم منه أو بابتعادهم عنه .


وإذا كان التيار السلفي قد عرف من قبل طائفة تعرف بـ "المداخلة " يعظمون طاعة الحاكم ويصفون كل نقد له بالخروج عليه، ويتوسعون في معنى البدعة توسعا خطيرا ، ويبنون على ذلك تبديع المخالف لهم وهجره والتشهير به وإخراجه من السلفية ،بل تعدى الأمر إلى أنهم أسقطوا تسعة أعشار العلماء والدعاة والشيوخ الموجودين على الساحة اليوم ، إعمالا لقاعدتهم ذات الأصل التكفيري من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع ، فمن ثم خرج من السلفية ووقع في البدعة كثير من أعيان التيار السلفي كانت مشكلتهم الرئيسة أنهم لم يجاروا تلك الطائفة في تبديع فلان المبتدع عندهم ، أو ترحموا مرة عليه، وفي المقابل رفعوا من قيمة أشخاص لا تأثير حقيقا لهم في العلم أو الدعوة، وكل نتاجهم هو التماهي مع هذه الطائفة في التجريح والتبديع، أو إعلان الولاء المطلق للحكام مهما كانت بلاياهم وجرائمهم.


أقول: إذا كان المداخلة بهذه المثابة ، فالسلفيون الجدد يشابهونهم في المنهج وإن كانوا معهم على طرفي نقيض من حيث الأصل؛ فالسلفيون الجدد يعقدون الولاء والبراء على النموذج الثوري والاقتراب منه أو الابتعاد عنه؛ فمن اقترب – من العلماء أو الدعاة- من الثوري الذي يقدسونه صار عالما عاملا ربانيا مهما كانت مؤهلاته العلمية متواضعة، أو كانت جهوده الدعوية محدودة.

 ومن لم يقترب منه فليس بعالم رباني ، بل عالم لم ينفعه علمه، وربما نفوا عنه العلم أصلا ورموه بالجهل، أو أضافوه إلى صفوف الوعاظ والقصاصين ؛ فهم يزنون العالم بقدر صدامه مع السلطة الحاكمة ؛ فكلما كان أكثر تصادما كلما كان أكثر علمية وربانية عندهم، وكلما ابتعد عن ذلك نقص حظه من العلمية والربانية ، أما إذا أداه حظه العاثر إلى الاجتماع بالسلطة الحاكمة ولو كان للتشاور في النوازل أو بشأن فتنة طائفية، فقد يبلغ به ذلك أن يصبح عالم سلطة باع دينه بدينا غيره .

 وأما إذا تكلم الشيخ أو العالم برأي واجتهاد في نازلة ما كتظاهرة أو إضراب أو نحو ذلك ، ثم صادف أن وافق اجتهاده أو موقفه السياسي موقف السلطة الحاكمة ، فهذا يعني أن ذلك العالم سقط سقوطا لا نهوض له من بعده ، فهو منبطح عميل خائن للمنهج متزلف للأعداء ، عدو للمؤمنين ..إلخ.

 والذي يطالع مواقع التواصل الاجتماعي والمقالات المكتوبة في المدونات والمواقع الالكترونية يرى كيف يُسحل شيوخ وأعلام ورموز للدعوة- أفنوا عمرهم فيها وكانوا معروفين من قبل بصمودهم في وجه النظام البائد – وينكل بهم لا لشيء سوى مواقفهم السياسية في المرحلة الانتقالية ، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى نعت أحد الرموز بأنه فرعون السلفية وأنه لا بد من إسقاطه كما سقط فرعون مصر، وإلى إطلاق لفظ الكهنوت على مجلس الدعوة بالإسكندرية!!


ليست مشكلة السلفيين الجدد في إعجابهم باجتهادهم السياسي المائل دائما إلى الإقدام أو التصادم ، مع تجهيل الشيوخ بالسياسة تجهيلا ماحقا ، مع ضميمة دعوى بُعدهم عن الواقع ووقوعهم تحت ضغط السلطة التي تُملي القرارات من فوق ، وأنهم – أي: أولئك السلفيين الجدد - متحررون من كل تلك المؤثرات التي تحيط بالعلماء والقيادات.

 ليست هنا المشكلة ، بل المشكلة أنه مع ادعاء هؤلاء للسلفية- ومعروف عناية هذه المدرسة بالدليل وتعظيمها للنصوص لا للرأي- إلا أنهم لا يرجعون إلى النصوص الشريعة في النازلة ولا يُعمِلون أبجديات تكوين الحكم الشرعي ، بل يعمدون إلى المقدس  الثوري الذي اتخذوه مرجعا ، ويحاكمون الواقعة إليه ، فإن قضى الضمير الثوري بأمرٍ ركبوه غير ملتفتين إلى كون ذلك قد يتلاقى أحيانا مع الحكم الشرعي وقد يتناقض معه ؛ فقد يقضي الحكم الشرعي بمجابهة السلطة الحاكمة تارة ويقضي بترك ذلك تارة أخرى أو ربما يقضي بمؤازرتها ؛ وذلك بحسب النازلة ، وقد يقضي العدل الشرعي بأن السلطة الحاكمة ظالمة في هذا الموقف ومظلومة في موقف آخر، أو ظالمة في الموقفين أو مظلومة فيهما .

 بينما الضمير الثوري يقضي دائما بأن السلطة ظالمة في كل المواقف والثائر مظلوم فيها كلها. غير أنه من الأمانة هنا الإشارة إلى أن هؤلاء السلفيين الجدد- وإن انتموا اليوم إلى السلفية- ليسوا كلهم أبناء المدرسة السلفية ذات العناية بالدليل الشرعي المعظمة له فوق غيره من الاعتبارات الأخرى، بل فيهم من هم أبناء تنظيمات وتيارات أفلت شمسها وتفرق أتباعها، فانتسبوا إلى المدرسة السلفية ذات الحضور الواسع اليوم.


وعوداً إلى ما سبق، أقول: لم يكن عجبا بعد تحكيم الثوري وجعله المرجعية أن نرى تعاونا وتآزرا - وأحيانا - دفاعا ومناصرة من السلفيين الجدد لأعداء ألداء للتيار السلفي لاتفاقهم معهم في مجابهة السلطة الحاكمة ، وأدى ذلك إلى ضيق الصدر والغضاضة تجاه من ينتقد أولئك الأعداء تحت دعوى الانفتاح على الآخر والتسامح معه .

في ذات الوقت الذي نجد السلفيين الجدد يفتحون جبهات حرب غير محدودة تصل إلى التشهير والتحقير والإخراج من السلفية وربما من الدين مع أبناء جلدتهم في التيار السلفي ؛ لكونهم لا يسلكون مسلكهم الثوري في المرحلة الانتقالية أو يناقشونهم فيه .


والسبب نفسه – أعني عقد الولاء والبراء على الثوري- هو الذي أدى إلى ذلك التعصب الأعمى مع بعض الرموز التي عرفت باتجاهها الثوري ورفعه إلى أعلى المراتب من العلمية والربانية ، ثم محاولة النيل والازدراء والتنقيص والتخوين والتجهيل لا لكل من عارض هذه الرؤية ، بل لكل من لم يبادر وينخرط في تأييد هذه الرؤية ، والتعصب الزائد لبعض مرشحي الرئاسة نموذج واضح على ذلك.

علي حسن

تصنيفات المادة