الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عواصم من الفتن (خطبة مقترحة)

المقصود بالعواصم: أسباب النجاة، والفتن: أصل معناها من الابتلاء والامتحان

عواصم من الفتن (خطبة مقترحة)
سعيد محمود
الأربعاء ٠٩ مايو ٢٠١٢ - ١٣:٢١ م
3151

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- المقصود بالعواصم: أسباب النجاة، والفتن: أصل معناها من الابتلاء والامتحان.

- الفتن واقعة لا محالة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا: الْفِتَنُ وَالزَّلازِلُ وَالْقَتْلُ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

- كثرة الفتن بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسلمين: عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ قَالَ: (هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ) (متفق عليه)، وذلك إشارة إلى الحروب التي جرت بينهم: "كوقعة الجمل، وصفين، والحرة، وقتل عثمان، ومقتل الحسين".

- شدة الفتن في زماننا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلا بَلاءٌ وَفِتْنَةٌ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، وَلا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ) (رواه مسلم). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (تَكُونُ فِتْنَةٌ تَعْرُجُ فِيهَا عُقُولُ الرِّجَالِ حَتَّى مَا تَكَادُ تَرَى رَجُلاً عَاقِلاً) (رواه نعيم بن حماد في الفتن، وصححه الهندي في كنز العمال)؛ وذلك لأن من طبائع الفتن أنها تتزين للناس في مباديها، وسرعان ما تتطور وتخرج عن السيطرة، وتستخف الرجال العقلاء.

عواصم من الفتن:

1- الصبر والحلم والترفق:

- أمر الله بالصبر عند الشدائد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153).

- ويتأكد فضل الصبر عند الفتن: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ، وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني). وَاهًا: كلمة تعني التلهف أو يعبر بها عن الإعجاب بالشيء.

- الرفق محمود والطيش والتعجل مذموم لا سيما في زمن الفتنة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مِنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ) (رواه مسلم)، وقال: (التَّأَنِّي مِن الله، والعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطانِ) (رواه أبو يعلى والبيهقي، وحسنه الألباني). ولعل من الابتلاء والفتنة من باب العجلة والطيش ما أصبح بين الناس وصفًا محمودًا على إطلاقه وهو "الثوري" ونحوه...

2- الاسترشاد بالعلماء والاستبصار برأيهم:

- العلماء سفينة نوح: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43)، وقال: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً) (النساء:83).

- الانصراف عن العلماء نشر للجهل والفتن: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لأَيَّامًا، يَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ) وَالهَرْجُ: القَتْلُ. (متفق عليه).

- العلماء أبصر الناس بأحوال الفتن: قال الحسن البصري -رحمه الله-: "إذا أقبلت الفتنة عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".

- مواقف للعلماء في منع الفتن قبل انتشارها: "أبو بكر الصديق يوم الردة - أحمد بن حنبل يوم المحنة - ابن تيمية يوم التتر - ابن باز يوم المهدي القحطاني".

3- لزوم الجماعة:

- الجماعة عصمة من الضلال: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ الله -تَعَالَى- لا يَجْمَعُ أُمَّتِي على ضَلالَةٍ، ويَدُ الله على الجَماعَةِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- الجماعة راحة، والفرقة عنت ومشقة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (الجَماعَةُ رَحْمَةٌ، والفُرْقَةُ عَذابٌ) (رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند، وحسنه الألباني).

- حرص السلف على الاجتماع: "صلاة ابن مسعود أربعًا خلف عثمان في منى - تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية جمعًا للمسلمين".

- وقال الله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2)، وجاء في تفسير قوله -تعالى-: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ... ) (آل عمران:106): تبيض وجوه أهل السنة والاجتماع، وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف.

4- الإكثار من العبادة والعمل الصالح:

- هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- مواجهة الفتن بكثرة الأعمال الصالحة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا) (رواه مسلم).

- حلول الفتن يستلزم التحصن بالطاعات: قالت أم سلمة -رضي الله عنها-: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً فَزِعًا، يَقُولُ: (سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ -يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ- رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ) (رواه البخاري).

- أُمِر سيد الطائعين بكثرة السجود عند الفتن والشدائد: قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (الحجر:97-98).

- فضل التعبد في زمن الفتن: قال -صلى الله عليه وسلم-: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) (رواه مسلم).

- في مواطن الفتن والنوازل ينشغل كثير من الناس بتتبع الأخبار، ومِن ثَمَّ يغلب على أحاديث المجالس: "سمعت ورأيت، أتوقع... " مما يصرف هممهم عن النوافل، وربما فرطوا في الطاعات والواجبات، بل والسهر والإغراق في تصفح الجرائد ومتابعة القنوات إلى حد الإدمان.

5- الدعاء والتضرع:

- الدعاء والتضرع من أسباب كشف الفتنة: قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:42-43).

- سلاح الأنبياء والصالحين: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:83-84).

- اطلب الرشاد في زمن الفتن بالدعاء: قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ) (رواه مسلم).

- الدعاء من سبل الهداية إلى الحق عند الاختلاف: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو: (اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (رواه مسلم).

فاللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

ملحوظة: انظر كتاب "بصائر في الفتن" للشيخ "محمد إسماعيل المقدم" -حفظه الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة