الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

على قلوب أقفالها حتى يفتحها الله عز وجل

العبد قد يمر بأوقات يزداد فيها إيمانه و يقينه ، ويصفو قلبه من الشواغل والشهوات والشبهات ، ويحصل له حضور قوى عند سماع القرآن ، فيمس القرآن شغاف قلبه ، فإذا به يستحضر الآخرة كأنه يرى ويشاهد ، ويحس بشىء من عظمة الله عز وجل الذى تكلم بهذا

على قلوب أقفالها حتى يفتحها الله عز وجل
الشيخ أحمد فريد
الاثنين ٠٣ سبتمبر ٢٠١٢ - ٠٠:٣٨ ص
2632


على قلوب أقفالها حتى يفتحها الله عز وجل

 سمع غلامٌ شهده عمر رضى الله عنه قوله تعالى :( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [محمد : 24] فقال اغلام : على قلوب أقفالها ، حتى يفتحها الله عز وجل ، فأعجب به عمر رضى الله عنه ، فلما استخلف استعمله . ومن تأمل حال السلف فى كثرة بكائهم عند سماع القرآن تعجب من حالهم سمع زرارة بن أبى أوفى قوله عز وجل :( فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ(8)فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ(9)عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)                                                                                                                                        [المدثر:8-10]    فشهق شهقة فمات .

 ولما نزل الموت بمحمد بن المنكدر بكى بكاءً شديداً فأحضروا له أبا حازم الزاهد فسأله أبو حازم عن سبب بكائه فقال : سمعت الله عز وجل يقول :( وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) [الزمر :47] . فأخاف أن يبدو لى من الله ما لم أكن أحتسب . فأخذ أبو حازم يبكى معه . فقالوا له : أتينا بك من أجل أن تخفف عنه ، فزدت فى بكائه ، فأخبرهم بما قال .

 وكان عمر رضى الله عنه يسمع الآية من القرآن فيمكث فى بيته ، ويعوده الناس . وكان الحسن كثير البكاء . فسأل عن كثرة بكائه فقال أخاف أن يطرحنى فى النار ولا يبالى .

 وكان يزيد الرقاس يبكى ويقول : يا يزيد من يبكى بعدك لك ، من يترضى ربك عنك .

 قال ابن الجوزى رحمه الله : من لم يكن له مثل تقواهم ، لم يعلم ما الذى أبكاهم .

 ومن لم يشاهد جمال يوسف عليه السلام ، لم يعلم ما الذى آلم قلب يعقوب عليه السلام .

مَنْ لم يَبِت وَالُحبُّ حَشْوُ فُؤاده         لم يَدْرِ كَيْفَ تُفَتَّتُ الأكْبَادُ

 قال ابن القيم رحمه الله : لابد من سنة الغفلة ، ورقاد الهوى ، ولكن كن خفيف النوم ،فحراس البلد يصيحون : دنا الصباح .

 فالعبد قد يمر بأوقات يزداد فيها إيمانه و يقينه ، ويصفو قلبه من الشواغل والشهوات والشبهات ، ويحصل له حضور قوى عند سماع القرآن ، فيمس القرآن شغاف قلبه ، فإذا به يستحضر الآخرة كأنه يرى ويشاهد ، ويحس بشىء من عظمة الله عز وجل الذى تكلم بهذا الكلام المعجز ، فلا يملك نفسه عن البكاء ، وهذة الحال الإيمانية تكرر عند الصالحين ، فكأنهم فى حضور دائم ، وخشوع كامل ، وقد تعرض للمخلطين من أمثالنا الذين خلطوا عملاً صالحاً مع آخر سَيّئاً ، وعسى الله أن يتوب عليهم فى نادر من أحوالهم ، فكان أقفال الغفلة على قلوبنا ، فإذا فتح الله عز وجل هذة الأقفال استشعرنا حلاوة الإيمان ، وعظمة القرآن .

 فكأن قفل الغفلة هو الذى عناه الغلام الذى أعجب عمر رضى الله عنه هو المراد فى قوله :( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )                                                                                                                                      [محمد : 24]

 قيل لعامر بن عبد قيس : أما تسهو فى صلاتك ؟ فقال : أى حديث أحبُّ إلىَّ من القرآن ، هيهات مناجاة الحبيب تستغرق الإحساس .

 وكان على بن الحسين بي زين العابدين إذا توضأ اصفر لونه . فقيل له : ما هذا الذى يعتريك عند الوضوء ؟ قال : أتدرون بين يدى مَنْ أُريدُ أن أقوم .

 وكان مسلم بن يسار أذا وقف فى الصلاة كأنه عودٌ من الخشوع تقف عليه الطير لا تحسبه إلا جذع شجرة ، ولقد انهدمت ناحية من المسجد ، وفزع لها أهل السوق وما التفت .

 سلام الله على تلك الأرواح ، ورحمة الله على هذة الأشباح ، لم يتبق منهم إلا أخبار و آثار .

 حسبك أن قوماً تحيا بذكرهم النفوس ، وأن قوما أحياء تقسو برؤيتهم القلوب . 

تصنيفات المادة