ليس فى الدنيا والآخرة شرٌ
وداءٌ إلا وسببه الذنوب والمعاصى
قال بعضهم : المعاصى
سلسلة فى عنق العاصى ، لا يفكه منها إلا الاستغفار والتوبة .
وقال بعضهم الذنوب
جراحات ، وربَّ جرحٍِ جاء فى مقتل .
وقال بعضهم : أرقهم
قلوباَ أقلهم ذنوباً .
وقال بعضهم : ترك
الخطيئة أيسر من طلب التوبة .
وقال بعضهم : إذا أجمع
العبد على ترك الذنوب ، أتته الأمداد من الله عز وجل من كل جانب .
وقال بعضهم : من علامة
من غرق فى الذنوب ، أن لا ينشرح صدره لقيام الليل ، وصيام النهار .
وقيل لبعضهم : لا
نستطيع قيام الليل . قال : أبعدتكم الذنوب . وفى رواية كبلتكم خطاياكم .
قال ابن القيم رحمه
الله : فمما ينبغى أن يعلم أن الذنوب والمعاصى تضر ولا شك ، وأن ضررها فى القلوب
كضرر السموم فى الأبدان على اختلاف درجاتها فى الضرر ، وهل فى الدنيا والآخرة شرٌ
و داءٌ إلا وسببه الذنوب و المعاصى ، فما الذى أخرج الوالدين من الجنة ، دار اللذة
والنعيم والبهجة والسرور ، إلى دار الآلام و الأحزان والمصائب ؟ وما الذى أخرج
إبليس من ملكوت السماء ، وطرده ولعنه ، ومسخ ظاهره ، وباطنه ، فجعلت صورته أقبح
صورة و أشنعها ، وباطنه أقبح من صورته و أشنع ، وبدل بالقرب بعداَ ، وبالرحمة لعنة
،وبالجنة ناراَ تلظى ، وبالإيمان كفراَ ، وبموالاة الغنى الحميد أعظم عداوة ومشاقة
، وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجل الكفر والشرك والعصيان ، فهان على الله
غاية الهوان ، وسقط من رحمته غاية السقوط ، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه ،
ومقته أكبر المقت فأراده ، فصار قواداَ لكل فاسق ومجرم ، رضى لنفسه بالقيادة بعد
تلك العبادة والسيادة ، فعياذاَ بك اللهم من مخالفة أمرك ، وارتكاب نهيك .
وما الذى أغرق أهل الأرض كلهم ، حتى علا الماء فوق رأس الجبال
، وما الذى سلط الريح العقيم على قوم عادٍ ، حتى
ألقتهم موتى على وجه الارض كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية ، ودمرت ما
مرت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم ، حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم
القيامة ؟
وما الذى أرسل على قوم
ثمود الصيحة ، حتى قطعت قلويهم فى أجوافهم ، وماتوا عن آخرهم .
وما الذى رفع قرى
اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ، ثم قلبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها ، فأهلكهم
جميعاً ، ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء ، أمطرها عليهم ، فجمع عليهم من العقوبة
ما لم يجمعه على أمة غيرهم ، ولأخوانهم أمثالها ، وما هى من الظالمين ببعيد
وما الذى أرسل على قوم
شعيب سحاب العذاب كالظلل ، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى ؟
وما الذى أغرق فرعون
وقومه فى البحر ، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم ، فالأجساد للغرق ، والأرواح للحرق .
وما الذى خسف بقارون
وداره وماله واهله ؟
وما الذى أهلك القرون
من بعد نوح بأنواع العقوبات ، ودمرها تدميرا ؟
وما الذى بعث على بنى
إسرائيل قوماً أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذرارى
والنساء ، وأحرقوا الديار ، ونهبوا الأموال ، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية ، فأهلكوا
ما قدروا عليه ، وتبروا وا علوا تتبيرا .
وما الذى سلط عليهم
بأنواع العذاب والعقوبات ، مرة بالقتل والسبى وخراب البلاد ، ومرة بجور الملوك ،
ومرة بمسخهم قردة وخنازير ،وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى : ( لَيَبْعَثَنَّ
عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ )[ الأعراف :
167]
وقال رحمه الله فى
الفوائد :
نتائج المعصية : قلة
التوفيق ، وفساد الرأى ، وخفاء الحق ، وفساد القلب ، وخمول الذكر ، وإضاعة الوقت ،
ونفرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه ، ومنع إجابة الدعاء ، وقسوة القلب ، ومحق
البركة فى الرزق والعمر وحرمان العلم ، ولباس الذل ، وإهانة العدو ، وضيق الصدر ،
والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت ، وطول الهم والغم وضنك
المعيشة وكسف البال .