الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

فخ الاتفاقيات الدولية... "السيداو" أنموذجًا

وليس هذا فحسب، بل مَن يخرج على هذه الإلزامات التي تصطدم مع ثقافاته ودينه يُجر إلى المحاكم الدولية التي بالطبع

فخ الاتفاقيات الدولية... "السيداو" أنموذجًا
إيهاب إبراهيم
الثلاثاء ٢٣ أكتوبر ٢٠١٢ - ٢٣:١٨ م
2569
فخ الاتفاقيات الدولية... "السيداو" أنموذجًا

كتبه/ إيهاب إبراهيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالاتفاقيات الدولية مصطلح اكتسب مهابة عند سماعه لدى كثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بيد أنه لا يحظى بمثلها ولا ما يقترب منها لدى الغربيين الذين أوصوا به ووضعوه.

وتعد الاتفاقيات الدولية في الفترة الأخيرة وسيلة ناجعة واحترافية في السيطرة على الدول والشعوب بالتدخل السافر في قوانينها وثقافتها وخصائصها الاجتماعية والاقتصادية، ولكن بشكل حضاري ومقنن؛ إذ يكون الاتفاق فيها على تعريف مفهوم معين واتخاذ التدابير القانونية لحمايته أو نبذه على حسب مضمونه ومحتواه.

إن تنوع الثقافات والشرائع والاعتقادات والمستوى الثقافي والاقتصادي في مختلف دول العالم حائل لا محالة، ومانع من إبرام هذه الاتفاقيات، ويتطلب أمرًا من اثنين لا ثالث لهما: إما التوقيع والتحفظ على ما يخالف ثقافة البلد "وهذا يفقد الاتفاقية هدفها". وإما تغيير الثقافة أو الشريعة أو النظام الاقتصادي حتى يتلاءم مع الاتفاقية "وهذا قد يستحيل أحيانًا؛ خصوصًا لو تعلق الأمر بالاعتقادات والبنية الاجتماعية للدولة، ولكنه هو عين المقصود لأصحاب الاتفاقيات".

وحتى يتضح الأمر أكثر... سوف نتناول اتفاقية دولية كبيرة ونطبق عليها هذه النظرة، ونتطرق لأبعادها، وهي: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو "السيداو".

هذه الاتفاقية اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق، والانضمام بقرارها 34/180 المؤرخ في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1979، وتقوم الاتفاقية على رفض جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

ولكن ما هو مفهومها عن هذا التمييز؟

تقرر الاتفاقية في ديباجتها أنه -مصطلح التمييز ضد المرأة-: أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس، ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها بصرف النظر عن حالتها الزوجية، وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.

هذا هو المفهوم الذي تقوم عليه الاتفاقية... ولنا معه وقفات:

1- مَن قرر هذا المفهوم؟ ومَن أعطاه الحق في فرض فهمه لقضية ما على الدول والشعوب؟!

2- هذا المفهوم لا يراعي الشرائع المختلفة والتي يختلف وضع المرأة بها؛ ليس الشريعة الإسلامية فحسب -وسنرى هنا دولاً من ديانات أخرى تحفظت على ذلك-.

3- يقرر المفهوم أن: "الرجل والمرأة متساويان في كل شيء، ولا يصح التمييز على أساس الجنس". وهذا مخالف للفطرة والواقع والشرائع، وهو في الحقيقة تمثيل واضح للعقيدة العلمانية في النظرة للعلاقة بين الرجل والمرأة.

إذن فقضية المفهوم الذي تقوم عليه الاتفاقية غالبًا ما يكون محل خلاف بين الشعوب تبعًا لاختلاف ثقافاتها، ولكن قد يقول البعض: إنه هناك مفاهيم يتفق البشر جميعًا عليها، مثل: "الحرية". وهذا قد يكون صحيحًا، ولكن كمفهوم عام؛ إذ أن هذه الحرية وتطبيقاتها أمر نسبي بين الدول والثقافات، فما يكون حرية تعبير عند الغرب ربما يكون انحلالاً عند مجتمع آخر.

والاتفاقيات الدولية تفسر المفهوم وتلزم الشعوب به، بل وتُلزم بتشريعات وقوانين تكون سيفًا على الرقاب.

ونضرب مثلاً -أيضًا- باتفاقية "السيداو":

تنص الاتفاقية على: "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها؛ لمكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة، واستغلال بغاء المرأة". في هذا البند تلزم الاتفاقية الدول الموقعة والمصادقة عليها بسن تشريعات لمكافحة الاتجار بالمرأة.

ولكن ما هو الاتجار بالمرأة في مفهوم الأمم المتحدة؟!

يشمل مفهوم الاتجار بالمرأة عند الأمم المتحدة تزويج الفتاة عند سن أقل من 18 سنة! وهذا يتصادم مع كثير من العادات والشرائع، مثل: الشريعة الإسلامية، واليهودية.

وكذلك يتصادم مع طبيعة كثير من الشعوب وثقافة أبنائها، فمثلاً: المجتمع الأسباني يرى أن الفتاة مؤهلة للزواج من سن 14 سنة وسنوا تشريعاتهم على أساس ذلك، بل في الولايات المتحدة الأمريكية يختلف سن الزواج من ولاية لأخرى؛ لاختلاف ثقافة أهلها، ويتراوح ما بين 16 و18 سنة، ووضعت اليابان 16 سنة لسن الزواج. كما أن هذا المفهوم والتصور عن سن زواج المرأة لا يراعي التنوع الفسيولوجي حتى للبلاد، بل للقارات؛ فهناك فرق بين نساء أوروبا وأفريقيا.

وتنص الاتفاقية -أيضًا- على المساواة في "الحق في الاستحقاقات العائلية": ورغم أن النص فضفاض ومتشابه، ويحمل الكثير من المعاني، ومنها ما يصطدم أيضًا مع الفطرة، ولكن سوف نكتفي بأنه يعطي للمرأة حق الإرث مثل الرجل حيث إنه استحقاق عائلي بامتياز، وهذا مخالف لنص "القرآن الكريم". إذن يجب على الدولة المسلم أن تغير من شريعتها ودينها لتنال شرف الالتزام بالاتفاقيات الدولية!

وليس هذا فحسب، بل مَن يخرج على هذه الإلزامات التي تصطدم مع ثقافاته ودينه يُجر إلى المحاكم الدولية التي بالطبع لها قوانينها الخاصة، والتي في الغالب لم تشارك هذه الدول في سنها حيث تنص الاتفاقية على: "يعرض للتحكيم أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية -لا يسوى عن طريق المفاوضات-، وذلك بناءً على طلب واحدة من هذه الدول، فإذا لم يتمكن الأطراف خلال ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم من الوصول إلى اتفاق على تنظيم أمر التحكيم؛ جاز لأي من أولئك الأطراف إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية بطلب يقدم وفقًا للنظام الأساسي للمحكمة!".

إنها مؤامرة مكتملة الأركان... حيكت بمهارة، ويروج لها "أبناء أعدائنا منا" على أرض وطننا، وفي كل وطن، حيث يوضع لك مفهوم يتصادم مع دينك وعقيدتك، ثم تُلزَم بأن توافق عليه؛ وإلا صرت متخلفًا خارجًا عن السرب الدولي، ثم تُلزم بتغيير شريعتك وقوانينك، وإن لم تفعل تُجر إلى المحاكم الدولية!

وإليكم المفاجأة: لم يصادق على هذه الاتفاقية الولايات المتحدة الأمريكية، ولا إسرائيل، ولا الفاتيكان، وبلدان أخرى... بل وقعت عليها هذه الدول ولم تصادق، ولا تكون ملزمة إلا بالمصادقة، ومعظم مَن وقَّع وصادق عليها الدول النامية -كما يسمونها-.

وقَّعتْ مصر وصادقت على الاتفاقية، ولكن كان لها تحفظات مهمة على ما يخالف الشريعة الإسلامية، وهذا جيد، ولكن هناك بنود خطيرة لم تتحفظ عليها.

والسؤال: إن كنا سنتحفظ فلماذا التوقيع أصلاً؟! وما الفائدة منه؟! هل نحن عاجزون عن أن نضع قوانيننا ومفاهيمنا بما يتوافق مع ديننا وعقيدتنا؟!

هل نحتاج للأمم المتحدة لكي تلزمنا بمفاهيمها وتفرضها علينا؟!

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي