الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

من محطات السلفية... "العلامة المقدم"

فلقد ساهمت أسباب كثيرة في ضعف أو عدم معرفة الناشئة أو الملتزمين حديثًا -ونحمد الله على هذه الصحوة ونسأله المزيد من فضله

من محطات السلفية... "العلامة المقدم"
عصام حسنين
الخميس ١٧ يناير ٢٠١٣ - ١٩:٥٩ م
4793
من محطات السلفية... "العلامة المقدم"


كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلقد ساهمت أسباب كثيرة في ضعف أو عدم معرفة الناشئة أو الملتزمين حديثًا -ونحمد الله على هذه الصحوة ونسأله المزيد من فضله- بعلمائهم الربانيين، خاصة من خصهم الله بأن يكونوا محطات للدعوة؛ نشرًا للعلم وتأصيلاً لمنهج التلقي السلفي الصافي وتربية الأمة عليه وإعداد الرجال إعداداً متكاملاً، وإقامة للدين في أنفسهم وفي غيرهم حتى آتت الدعوة أكلها، وطابت ثمارها -والحمد لله-.

فمن باب: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، و"من صنع إليكم معروفًا فكافئوه"، و"أعط كل ذي حق حقه"، ينبغي على الصفوف التي تربت على أيدي هؤلاء المشايخ أن يُعرفوا شبابنا هذه المحطات من العلماء؛ ليعرفوا فضلهم، ولينهلوا من بحر علمهم وأدبهم لا كما نرى من البعض جحودًا أو تطاولاً أو تركًا لسلم المرجعية أو التعدي فيه.

ومن هذه المحطات المباركة:

"فضيلة الشيخ العلامة محمد إسماعيل المقدم" أحد مؤسسي المدرسة السلفية بالإسكندرية سنة 1977م، وحكيمها وراعي مسارها مع إخوانه المشايخ الكبار الذين بعضهم ثمرة من ثمارها، قد ألقى الله له القبول في قلوب الجماعات العاملة في الساحة الدعوية، ويعترفون بفضله ومنزلته، وأحسب أن الله -تعالى- سيجمع أغلبهم على منزلته وفضله كما جمع أغلبهم من قبل على الأئمة الأعلام: ابن باز، والألباني، وابن عثيمين -رحمهم الله-؛ لاسيما عند الاختلاف والنوازل.

- قال عنه الشيخ سيد العفاني في كتابه: "زهر البساتين من مواقف العلماء والربانيين": "ومسك الختام، فارس الإسلام المدافع عن الهوية الإسلامية ومقدم السلفية بمصر وشيخها المبارك، ونصير المرأة المسلمة، صاحب عودة الحجاب قذى عيون المبتدعة شيخنا محمد إسماعيل المقدم -حفظه الله-، إيه يا أبا الفرج إيه يا شيخي وسيدي والله لا يكفي مجلد لكتابة أثرك وفضلك، إن أرجى أعمالي حبي لك في الله، أتقرب إلى ربي بهذا".

- حمل الشيخ على عاتقه نشر المنهج السلفي بعمق وتأصيل، وذكر عن نفسه أنه عوَّد نفسه ألا يتكلم في قضية إلا بعد أن يأتي على جميع جوانبها، وكانت تظهر في صورة بحث، وربما أجَّل فيها الحديث حتى يُتم دراستها!

- ومن عجيب أمره: التدقيق الشديد والدقة فيما يلقيه، ويظهر ذلك في المحاضرات المسجلة فلا يسمح بخروجها للناس إلا بعد مراجعته لها وربما غيَّر جملة أو صحح شيئًا -جزاه الله خيرًا-؛ بالإضافة إلى الأدب الجم واحترام أهل العلم، والتزامه الشديد بالأدب مع مخالفيه.

- كل ذلك جعل له قدم صدق عند جميع الطوائف ويتلهفون لسماع محاضراته وتتبع مؤلفاته، وآرائه في النوازل والمواقف؛ لعلمه الواسع بالواقع، وليس كما يظن البعض أنه يعيش بين بطون الكتب منفصلاً عن الواقع، بل والله إن تكلم في النازلة أتى بالعجب العجاب تحليلاً للأخبار كأنه محلل سياسي ويصور لك الواقع تصويرًا جيدًا، ثم يبين التصرف الشرعي حياله بطريقة بارعة تنم عن علم مؤصل وتسديد من الله وتوفيق.

- وكثيرًا ما رأيتُ شيخنا الشيخ "ياسر برهامي" يعجبه ذلك جدًّا ويستدل بكلامه ويجله ويحترمه، وكذا بقية إخوانه لفضله وسابقته،وفعلاً أعلم الناس بالسياسة الشرعية هم أعلم الناس بالشرع؛ لذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ(متفق عليه)، لا كما يظن البعض ويرمينا بالجهل أو عدم الخبرة! إلى غير ذلك مما يثبت الواقع عكسه.

فالمواقف السياسية للدعوة السلفية إلى الآن نابعة من السياسة الشرعية علمًا بالشرع وخبرة بالواقع وتطبيقًا للمقاصد، وذلك توفيق الله وفضله يؤتيه من يشاء، ومن ذلك:

- موقفه -الذي هو موقف الدعوة من "ثورة 25 يناير" والانفلات الأمني- لما ظهر من يريد حذف المادة الثانية من الدستور... فكان الموقف: الاجتماع مع مختلف الفصائل عند نقطة يلتقي عليها الجميع حتى الصوفية "الحفاظ على الهوية الإسلامية ومرجعية الشريعة لمختلف القوانين"، وكانت جملته المشهورة وقتئذٍ: "عند الشدائد تذهب الأحقاد".

- وموقفه من: المشاركة السياسية وإنشاء حزب وخوض الانتخابات، والانتقال بالدعوة إلى المؤسسية، واستفتاء "19 مارس"، والمجلس العسكري، والمبادئ فوق الدستورية ووضع الدستور.

وللعلم: محاضراته حول الهوية وتأصيلها كان قبل الثورة بسنين... وكذا فضح العلمانية وأقزامها، والتأصيل لقضية الشريعة والحكم بما أنزل الله من القضايا الأساسية في المنهج، وهذا يدل دلالة قاطعة على أنها دعوة واحدة مؤسسية.

كما ظهر إنصافه في التصريحات الأخيرة التي رد فيها على بعض الهدامين الذين يريدون أن يهدموا هذا الصرح للدعوة السلفية المباركة بهذه الأكذوبة، والتي جاءت تصريحات الشيخ قاتلة لهم، قاضية على مؤامراتهم؛ فماذا سيقولون الآن؟! إن كانوا منصفين فينبغي أن يراجعوا مواقفهم، وأن يسعوا في طريق الإصلاح والاجتماع.

- من مواقفه -التي أعتبرها الآن فارقة، قاضية على جميع الظنون-: موقفه من دعوة الفرقة والاختلاف بين التيار السلفي حيث دأب البعض على استخدام مصطلح أحدثوه؛ لغرض التفريق وهدم الكيان، وهو: "سلفية الإسكندرية"، وإن كان لابد من معرفة الفضل ونسبته لأهله كما ذكرتُ من قبل، وللعلم أيضًا: إن غالب علماء السلفية يعرفون ذلك، وجزاهم الله خيرًا على إنصافهم.

- ولقد رد الشيخ على هذه الفرية في ثنايا محاضرة له، ثم تأتي هذه التغريدة على تويتر قاطعة لها، ومفرحة لقلوب العاملين الداعين إلى الله بالمنهج السلفي كما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته عليه، تقول التغريدة: "لست من آسيا، أنا من أفريقيا ثم من مصر ثم من الإسكندرية تمامًا كانتمائي الديني، فأنا والحمد لله مسلم ثم سلفي ثم أنتمي إلى الدعوة السلفية بحكم التاريخ والجغرافيا والمنهج بدون أي تعارض بين هذه الانتماءات، ولائي (العام) لأهل الإسلام ثم (الخاص) لأهل السنة والجماعة على اختلاف مسمياتهم، ثم (الأخص) للاتجاه السلفي الذي تمثِّله المدرسة السلفية السكندرية". وأنا بدوري أشكر المذيعة -هداها الله بهداه- التي كانت سببًا في استخراج هذا المكنون الانتمائي المبارك.

- وكذا من مواقفه: موقفه من الفتنة الأخيرة التي وقعت داخل حزب النور، حيث سعى لرأب الصدع، ومع استمرار البعض في العناد كان الحل الوسط، ولما أظهر البعض ما يبطنه من السعي إلى الانفصال عن الحزب قال: "من يتسبب في الفرقة ويتسبب في تمزيق الكيان الموحد والمتناسق ويشمت بنا الأعداء ويعين من يريد إطفاء نور الإسلام لأهواء شخصية أو انتصارًا لنفسه (ولو على حساب الدعوة!) نذكِّره بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهُ قطعه الله(رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)... فهذه دعوة لتآلف القلوب واجتماعها والتجاوز عن الخلافات".

- ولما انفصلوا فعليًّا قال: "... إلى إخواني وأبنائي في حزب (الوطن) الوليد: قضي الأمر وحصل الانفصال عن حزب النور وهذا في عالم السياسة ليس مفاجأة (فتلك سبيل لست فيها بأوحد)، ولعل ما حصل هو أقل الخسائر الممكنة للطرفين، أرجو أن يكون (استقلالكم) إضافة وليس خصمًا من رصيد الدعوة، وأن يكون (اختلافكم) اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد و(تنافسكم) هو التنافس المأمور به في قوله -تعالى-: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ(المطففين:26)، وليس التنافس المنهي عنه في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَلا تَنَافَسُوا(متفق عليه)، فالأول هو التنافس على الجنة والآخر هو التنافس على الدنيا.

إني أحبكم في الله، فنحن جسد واحد ومنهج واحد، ولكني -في هذه النازلة- مضطر إلى أن أقول: إن الأصل بقاء ما كان على ما كان، أعني أن حزب (النور) هو الذراع السياسي للدعوة السلفية ولا مجال للمجاملة في هذا، أما حزب (الوطن) فهو على المحك: إن أثبتم أن (الوطن) إضافة إلى رصيد الدعوة، وأنه يبني ولا يهدم، يجمع ولا يفرق، يصون ولا يبدد، يُمسِّك -بضم الياء وتشديد السين المكسورة- بالمنهج السلفي ولا يفرط فيه، عندها فقط ستزول الغصة من حلوقنا وسنبتلع هذا الوضع قائلين: "لا بأس فإن الجسد له قلب واحد ولسان واحد، وله -في نفس الوقت- (ذراعان) تغسل إحداهما الأخرى وتتقاسم معها حمل العبء، وتشاركها (التصفيق).

أيها السلفيون كافة... إن الخلاف السياسي محتمل، واختلاف الرؤى الاجتهادية مقبول، لكن المرفوض هو تحوله إلى خلاف منهجي! احذروا سوء الظن والقيل والقال، والطعن في النيات بدون بينة، وتذكروا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ(رواه مسلم في مقدمة صحيحه)، وتعلمون مصير الذي يكذب الكذبة فتحمل عنه إلى الآفاق؛ فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم.

إخواني وأبنائي في حزب النور: تحروا أسباب هذا المصير؛ كي لا يحدث انشطار يسر العدو ويسوء الصديق، و(للغربال) فتحات واسعة بما يكفي لرؤية الأسباب ثم علاجها بحكمة، اتفقوا مع كافة الأحزاب الإسلامية -وفي مقدمتها حزب الوطن- على (ميثاق شرف) يحكم خلافاتكم ويحسمها بعدل وإنصاف وأخوة وتراحم".

وهنا سؤال لإخواننا في حزب الوطن -وكما قال الشيخ: أنتم على المحك، وأننا سنبتلع هذا الوضع بشرط أن تمسكوا بالمنهج السلفي-: ما رأيكم في تصريحات البعض -كما جاء مرئيًّا على قناة "سكاي نيوز":

- "رؤيتنا أوسع من رؤية الإخوة في حزب النور، نحن لا نعبِّر عن فئة ولا فكر ولسنا مقتصرين على منهج بذاته، نحن نعبر عن كل أطياف الوطن!

- نفرِّق بين الدعوي والحزبي؛ لأن الدعوي محصور في إطار الحلال والحرام، والحزبي في إطار الصواب والخطأ!

- نريد فصل الدعوي عن الحزبي؛ حتى لا نعيد إنتاج ولاية الفقيه!

- الخلط بين الدعوي والحزبي يفسدهما جميعًا"؟! انتهى.

- لابد من تصريحات مسئولة تخرج وتكذب هذا الكلام وإلا خرجتم تمامًا عن المرجعية السلفية ومِن ثَمَّ نعاملكم كأي حزب آخر لا كحزب سلفي! "ولي رد آخر -إن شاء الله- خاصة فيما يتعلق بولاية الفقيه".

- ثم يوجِّه -فضيلته- نصيحة غالية للأحزاب الإسلامية -أفلحوا إن أخذوا بها-: "إلى جميع الأحزاب الإسلامية: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ(الصف:4)، ليس هذا فحسب، بل (يحب الذين يصلون لوجهه صفًا كأنهم بنيان مرصوص) و(يحب الذين ينصرون دينه صفًا كأنهم بنيان مرصوص)، ولقد ذم الله -عز وجل- قومًا فقال: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى(الحشر:14)، ثم ذكر علة التفرق فقال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (الحشر:14).

فالفرقة دليل على عدم العقل، والتناحر دليل على مرض الهوى، والتصارع دليل على الأنانية، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ(الأنعام:159).

هل تريدون أن تعلموا ما يدور في أذهان أنصار الإسلام والقرآن والسنة في مصر هذه الأيام؟!

سأفشي لكم السر: إنهم يصرخون في وجوهكم بصوت مخنوق... والله لنكفرن بكم جميعًا ولننبذنكم جميعًا إذا أدى تنافسكم وتناحركم إلى (تكسير) الأصوات الإسلامية لصالح من يناصبون الإسلام العداء ويوحدون صفوفهم قائلين: (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى(طه:64)، ولنسحبن الثقة منكم جميعًا إذا تمحورتم حول ذواتكم، وتذكرتم -فقط- أنفسكم ونسيتم سائر أصحاب السفينة التي تخرقونها لتشربوا من الماء... فإن لم ترجعوا فإن أصغر خرق فيها سيتحول إلى أكبر قبر".

- صدقتَ يا شيخنا -جزاك الله خيرًا-... نريد تحالف رؤى من أجل تطبيق الدستور، وتحويله إلى واقع لا تحالف أجساد متنافرة، وإن لم نصل لذلك فلا أقل من تنسيق عادل محكم يأتي بأغلبية إسلامية في البرلمان لا تكسير أصوات لصالح أعداء الهوية الإسلامية والشريعة.

وأخيرًا: أرجو من الشيخ المسامحة، فإن حقك علينا أكثر من ذلك، وأدعو الله -تعالى- أن يجمع المتفرق على يديك. آمين.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة