الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الرأسمالية

الرأسمالية
د / علاء بـكـر
الثلاثاء ١٠ يونيو ٢٠٠٨ - ٠٠:٠٠ ص
3028

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فالرأسمالية capitalism نظام اقتصادي عالمي يتوسع في مفهوم الحرية والملكية الفردية، فبمقتضاه لا تتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية للأفراد، وتطلق العنان لرأس المال لبسط نفوذه وسيطرته على وسائل الإنتاج وتعزيز الملكية الخاصة.

وشعار الرأسمالية: "دعه يعمل دعه يمر"، إذ الغاية تشجيع الأفراد على التكسب والإنتاج وتهيئة الظروف المناسبة لإظهار الكفاءات والابتكارات في ظل منافسة قوية تعود على الأمة بوفرة الإنتاج وجودته، فيزداد الاقتصاد الوطني قوة ويتجاوز حدود وطنه ببسط نفوذه في الأسواق العالمية.

وقد ساعد الرأسمالية في الدول الغربية على التمكن والتغلغل فيها ما تربت عليه أوروبا من العلمانية والفكر المادي الإلحادي، كما ساهمت الثورة الصناعية في أوروبا في تطوير النظام الرأسمالي، ليصل إلى ما وصل إليه في عالمنا المعاصر.

ورغم ما وصلت إليه الرأسمالية من الشيوع والانتشار في المدنية الغربية الحديثة فإن لها من المساوئ والويلات الكبيرة التي تعاني البشرية والإنسانية منها على المستوى الفردي والجماعي؛ حيث تسببت بغلوها في إطلاق الحريات ومراعاة الملكية الفردية في تحويل الحياة الإنسانية إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف، يسخـِّر الغني فيها الفقير لمصالحه.

فعلى مستوى الجماعات البشرية:

تقوم الرأسمالية على إباحة الربا، والربا من أشد المحرمات في الإسلام، وبسبب الربا صارت البشرية في حرب مع الله -تعالى-، وأصبحت الأكثرية الفقيرة من المجتمعات البشرية مثقلة بالديون للأقلية الغنية المرابية من الدول الكبرى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)(البقرة:278-279)، وقال -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)(البقرة:275)، وفي الحديث: (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه) رواه أحمد، وصححه الألباني.

والرأسمالية تبيح التكسب بشتى الوسائل والطرق، فلا تتقيد بشرع سماوي، أو مبادئ أخلاقية إلا في حدود ما يحقق لها المنفعة، والإسلام لا يبيح التكسب بالوسائل الغير شرعية ويجعله من أكل المال بغير وجه حق.

والرأسمالية تبيح الاحتكار والغلو فيه على مساوئه وإضراره بمصالح الجماعة، وكثيراً ما يلجأ المحتكرون الكبار إلى إتلاف الفائض عندهم خشية انخفاض أسعارها رغم انتشار المجاعات في المجتمعات الفقيرة.

وفي ظل الرأسمالية تستعمر الشعوب الغنية الدول الفقيرة، وتخضعها لسيطرتها السياسية والاقتصادية للحصول على الخامات الأولية المتوفرة فيها، لعدم القدرة على استغلالها، وللاستفادة من فتح أسواق هذه الدول الفقيرة لمنتجات الدول الغنية، وأسوأ من ذلك إثارة الحروب الإقليمية بين الشعوب الصغيرة لترويج تجارة السلاح، ومعلوم أن تجارة السلاح هي أكبر تجارة مربحة للدول الاستعمارية.

وعلى المستوى الفردي:

فالنظام الرأسمالي يبث روح الأنانية وحب النفس بين أفرد المجتمع الواحد، ففي سبيل تحقيق المنافع الشخصية لا يلتزم الأفراد الأخلاق إلا في حدود عرف المجتمع.

وإطلاق العنان للحريات في المجتمعات الرأسمالية أدى إلى فوضى في الاعتقاد والسلوك قاد أوروبا إلى الضياع الروحي والتفسخ الاجتماعي.

وفي ظل الرغبة في التمتع بالمكاسب المتزايدة يكون الإسراف في الإنفاق، والإغراق في الترف، وتناول الملذات المحرمة، وشيوع الفاحشة والانحراف، والمبالغة في التهافت على الكماليات، والدعاية المبهرة لها، مما يؤدي إلى الصراع بين الأغنياء والفقراء في ظل الحقد الدفين والبغض المتزايد نتيجة زيادة الأغنياء طغياناً وازدياد الفقراء حرماناً وجوعاً، ويزداد الأمر سوءً بسيطرة الأغنياء على مراكز السلطة والتشريع بالسيطرة على نتائج الانتخابات في النظم الديمقراطية والتي تؤهلهم للسيطرة على مقاليد الأمور.

www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

تصنيفات المادة