الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مبادرة "حزب النور"... محاولة لحقن الدماء

هذا الموقف لا علاقة له بمقدار انحراف الطرف الآخر أو حسن أو سوء ظنه فالطرف الآخر في هذه الواقعة متلبس بثلاث جرائم مجتمعة وهي

مبادرة "حزب النور"... محاولة لحقن الدماء
عبد المنعم الشحات
الخميس ٣١ يناير ٢٠١٣ - ١٧:٠٠ م
6286
مبادرة "حزب النور"... محاولة لحقن الدماء
20-ربيع أول-1434هـ   31-يناير-2013      

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فجميع الإسلاميين يحفظون عن ظهر قلب الدروس المستفادة من صلح الحديبية، وعلى رأسها: أن حقن الدماء ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً من أهم مقاصد الشريعة حيث رضي -بأمر الوحي- النبي -صلى الله عليه وسلم- بتقديم تنازلات للكفار الذين صدوه عن البيت الحرام رغم ما توارثوه من ميثاق غليظ ألا يصدوا أحدًا عن البيت! ومع استطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدخل عليهم مكة عنوة، ولكن أمره الله بالرضا بتأجيل العمرة رغم انعقاد إحرامها سنة كاملة؛ لأن ذلك مع حفظ الدماء أولى من إتمامها مع احتمال إراقة الدماء.

وعندما وجد الصحابة -رضي الله عنهم- في أنفسهم من ذلك أنزل الله مبينًا لهم ذلك: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(الفتح:25).

ومما نستفيده أيضًا من هذه القصة:

- أن هذا الموقف لا علاقة له بمقدار انحراف الطرف الآخر أو حسن أو سوء ظنه، فالطرف الآخر في هذه الواقعة متلبس بثلاث جرائم مجتمعة وهي "الكفر - الصد عن سبيل الله - منع الهدي من بلوغ محله"، وإنما تجري الموازنة بين مآلات الحال لكل تصرف نقدم عليه نحن.

- أن التنازل اختياريًّا عن حق لك هربًا من مفسدة أكبر -لا سيما إذا كان الخصم يلجئك إلى ذلك إلجاءً- أمر مقبول جدًّا عقلاً، ولكنه شاق على النفوس؛ إلا أن هذه المشقة تزول بتلاوة الآيات واليقين بأن النصر هو في اتباع السنن الشرعية "وإن بدا للبعض في خلافها!".

- محاولة استثارة الخير الكامن في بعض المخالفين وإن كان جزئيًّا أمر محمود، ومن ذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة أن يرسلوا الهدي بين يدي سهيل بن عمرو؛ لأنه من قوم يعظمون الهدي؛ أملاً في أن يدفعه هذا لابداء موقف أكثر مرونة.

- أن تصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الواقعة مع فداحة ما تلبس به الطرف الآخر يجعلها تصلح قاعدة عامة من باب أنها من التنبيه بالأعلى على الأدنى.

وانطلاقًا من هذه القاعدة العامة تصرفت "الدعوة السلفية" ومِن بعدها ذراعها السياسي: "حزب النور" في مواقف كثيرة، وبالطبع وُجد في كل موقف مَن يعترض علينا من باب أنه لا بأس بالتضحية ببعض الدماء "رغم القدرة على حقنها!"، وعندما نحاول أن نتلمس مواطن إنكارهم علينا يصعب في كثير من الأحيان علينا معرفة وجه الاعتراض:

- هل اعتراضه على الحكم ذاته؟

- أم أن اعتراضه على أن تلك الواقعة -موضوع الاعتراض- شاب تطبيق الحكم فيها خلل فيرشدنا إليه؟

وفي كلا الحالتين... فالواجب على المسلم هو حسن الظن التزامًا بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)(الحجرات:12).

ولكن الذي يحدث في كثير من الأحيان هو الخروج عن التقييم الموضوعي إلى الطعن في النوايا، والذي كثيرًا ما يتجاوز فيه صاحبه من التعبير عما يجيش في نفسه من سوء ظن إلى الحكاية بصيغة الجزم عن مؤامرات أعدها فلان... واتصالات أجراها علان... وكأنها كانت واقعًا يراه بعيني رأسه! وهي أمور نربأ بإخواننا عنها، ونسأل الله لنا ولهم غفران الذنوب وستر الخطايا، وإقالة العثرات.

ومع تكرار هذه الحوادث... إلا أنه كان من الأمور المستغربة استغرابًا شديدًا أن تثور هذه الأمور تعليقًا على "مبادرة حزب النور" للخروج من الأزمة الراهنة، والتي بلغت أوجها في "الذكرى الثانية للثورة"، والتي تزامنت مع الحكم في قضية "مجزرة بورسعيد" التي أسفرت عن وجود عدة بؤر ملتهبة، أبرزها: "مدن القناة الثلاثة، والقاهرة والإسكندرية"، وأصبح عدد القتلى والجرحى في تزايد يومي بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر، وظهرت جماعات "البلاك بلوك" وروَّعت الآمنين، وأصيب المواطن غير المُسيَّس بحالة من الفزع والسخط على الجميع؛ صحيح أن سخطه على المخربين أشد إلا أنه في ذات الوقت يطالب نظام الحكم بأن يحل له المشكلة.

وكررت مؤسسة الرئاسة نداءها للجميع بالانضمام إلى الحوار الوطني، وخصت بالذكر كلاً من الدكتور "البرادعي" والأستاذ "حمدين صباحي" من جبهة الإنقاذ، والتي يُتهم "حزب النور" بالخيانة العظمى؛ لأنه تحاور معهم!

وقبل أن نبين تفاصيل ذلك الحوار نريد أن نؤكد على عدة معانٍ:

1- لم يسبق لحزب النور التحالف مع أي حزب غير إسلامي، ومع هذا فلم نشنع على من أداه اجتهاده إلى التحالف مع أحزاب غير إسلامية، ومن المعلوم أن "حزب الوفد" و"حزب الكرامة" بقيادة "حمدين صباحي" آنذاك كانا ضمن التحالف الديمقراطي بقيادة "الحرية والعدالة"، ومن خلال هذا التحالف نجح الدكتور "وحيد عبد المجيد" و"أبو عيطة" و"أمين إسكندر" و"منير فخري عبد النور"، وغيرهم ممن هم رموز في الجبهة الآن.

2- كان أداء ممثلي حزب النور داخل التأسيسية هو المجادلة بالتي هي أحسن والمرونة في إيجاد الحلول طالما تحقق المقصود؛ مما أسهم في حسن العلاقة مع رموز الجبهة، ولكنهم لما حاولوا الوصول إلى أقل من طموحات أبناء التيار الإسلامي في هذه المرحلة كان لـ"حزب النور" وقفة يعلمها الجميع -نسأل الله أن يجعلها في ميزان الحسنات-.

3- منذ أن تكونت جبهة الإنقاذ على إثر الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس "مرسي" والذي تحفظت عليه "الدعوة السلفية" و"حزب النور" ومع هذا عندما صدرت من داخل الجبهة وخارجها دعاوى بإسقاط الرئيس "مرسي" - شاركت الدعوة في "مليونية 1 ديسمبر" بشكل يعلمه الجميع، وكان هذا بعد تشكيل الحكومة والتي يرى البعض أن ما لا يروقه من تصرفاتنا راجع إلى غضبنا من عدم تمثيلنا في الحكومة.

4- قبل أسبوعين من الآن عقد الشيخ "محمد حسان" والشيخ "محمد حسين يعقوب" اجتماعًا مع جبهة الإنقاذ، وصرَّح الشيخ "حسان" بأن الرئاسة كانت على علم به وتقبلناه جميعًا بأنها محاولة شرعية للخروج من الأزمة.

5- بعد الأحداث الدامية في ذكرى الثورة، وقبل خطاب الرئيس تقدم الدكتور "أبو الفتوح" باقتراح تشكيل مجلس رئاسي معاون للرئيس يضم "البرادعي" و"صباحي" و"الشاطر" و"الكتاتني"، ورغم خطورة هذا الاقتراح من وجهة نظرنا؛ إلا أن حزب "الحرية والعدالة" رحَّب به من حيث المبدأ دون أن يعترض أحد من المعترضين الآن!

وبعد هذه المقدمات... يبقى أيضًا أن ندرك أهمية الوصول إلى تفاهم وليس إلى انتصار على المعارضة في هذه الآونة؛ وذلك للأسباب الآتية:

1- الغطاء السياسي الذي توفره المعارضة للعنف رغم تبرؤها منه لا يمكن حله إلا بنقل المعارضة من خانة التظاهر إلى خانة الحوار؛ ليبقى العنف بلا أي ظهير بغض النظر عن حقيقة الرابطة بين منظمي الاحتجاجات والعنف، وهذا إجراء لابد منه لإيقاف حمام الدم بدلاً من أن تحملهم المسئولية فيلقونها عليكَ مرة أخرى والدماء تسيل... والناس تزداد حيرة واضطرابًا!

2- إن الجميع يعول على انتخابات البرلمان القادم للوصول إلى حالة الاستقرار، ولا أظن أن هذه الحالة سوف تحصل دون محاولة الوصول بالمعارضين للمشروع الإسلامي إلى الرضا بنتيجة الصندوق مرة ثانية، وإلى إعطاء رسالة تطمينية لهم بحياد هذا الصندوق؛ ولو من باب قطع المعاذير بحيث نصل إلى احتمالية أكبر لتسليمهم بنتائج الانتخابات حال عدم حصولهم فيها على نسبة مُرضية.

3- استثمار حالات المد والجذر في مطالب المعارضة أمر في غاية الأهمية، فعلى صعيد "قضية النائب العام" يمثـِّل مطلب عودة النائب العام السابق مطلبًا يراه الإسلاميون وكثير من القوى الثورية "نكسة كبيرة للثورة"، وأما مطلب تعيين نائب عام جديد يزيل احتقان مؤسسة القضاء والغصة التي وجدت في حلوق بعضهم فأمر يقبل النقاش؛ لا سيما وأن المجلس الأعلى للقضاء الذي سوف يختار النائب العام حال الاتفاق على ذلك كان أداؤه في غاية الرقي والتفهم في أزمة الإعلان الدستوري.

وأما العقبات الدستورية التي تحول دون ذلك فيجب أن نلاحظ أننا نتحدث عن أزمة تبحث عن حل سياسي طالما أمكن إيجاد الإجراء المناسب له.

- فإذا كانت إقالة النائب العام غير دستورية فيوجد خيار الاستقالة.

- وإذا كان الدستور يعطي الحق لمجلس القضاء الأعلى في تسمية شخص واحد يُلزم رئيس الجمهورية بتعيينه، ونريد أن نشرك رئيس الجمهورية في اختيار النائب العام فلا مانع؛ حيث إن الدستور لم يحذر على مجلس القضاء الأعلى التشاور مع رئيس الجمهورية بهذا الشأن أو تقديم ترشيحات يختار منها واحدًا بطريقة ودية ثم يجري مجلس القضاء تسميته رسميًّا، ومِن ثَمَّ يعينه رئيس الجمهورية أو يعترض معترض على المبادرة في هذه الجزئية وتعدل وفق الدستور.

- وعلى صعيد الحكومة فإن إغلاق ملف الطعن في شرعية الرئيس بذرائع متعددة وتوجه الإرادة إلى تغيير الحكومة لا سيما مع اعتراف الجميع بوجود أوجه قصور في أداء رئيس الحكومة الحالي وكثير من وزرائها مما حتم إجراء تعديل وزاري منذ أسابيع قليلة وفي ظل احتمالية تأخر موعد الانتخابات بناءً على موقف المحكمة الدستورية من قانون الانتخابات فإن الأمر يتسع لإجراء مثل هذا التعديل.

وعلى أي فقبول الطلبات التي لا تمثل تراجعًا عن مبدأ من المبادئ أمر ينبئ برغبة جدية في الحوار وفي استيعاب الطرف الآخر، ثم إذا اصطدم التطبيق بعوائق خارجة عن إرادة الطرفين فسوف يحتِّم الأمر إيجاد بدائل والتي يمكن أن يكون منها مثلاً اعتبار الحكومة الحالية حكومة تسيير أعمال إلى أن تجرى الانتخابات، ومن هذا المنطلق كانت مبادرة "حزب النور"، والتي كانت جزءًا من الاستجابة لدعوة الرئيس للحوار.

والتي نوجز ما تم فيها في النقاط الآتية:

1- عقب أحداث العنف خرج الرئيس "محمد مرسي" ودعا إلى حوار وطني شامل دعا فيه أحزابًا من أحزاب الجبهة وأفرادًا آخرين منهم لم تمثل أحزابهم، منهم: د."البرادعي" والأستاذ "حمدين صباحي".

2- لبى "حزب النور" الدعوة وقدَّم رؤيته في الحوار كما حضرت الأحزاب الإسلامية وبعض الأحزاب الأخرى في حين قاطعت "جبهة الإنقاذ" الحوار!

3- تم الاتفاق بين الرئيس والدكتور "أيمن نور" على محاولة إقناع المتخلفين خاصة جبهة الإنقاذ بالحضور، وأعلن ذلك في بيانات رسمية.

4- صدرت تصريحات من الرئاسة ومن جميع الإسلاميين تنكر على الجبهة مقاطعة الحوار، وصرَّح الدكتور "أيمن" على مستشار الرئيس أن الرئاسة سوف تكرر الدعوة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً؛ لأنه لا حل إلا بالحوار.

5- لبيان جدية الحوار ولكسر حالة الرفض ولإشراك الرأي العام على الأقل في ضرورة نزع الغطاء السياسي عن العنف طرح "حزب النور" رؤيته للخروج من الأزمة، وهي بلا شك مطروحة للأخذ والرد والتعديل.

6- بعد عرض المبادرة فوجئ الحزب كما فوجئ غيره بسرعة استجابة الجبهة للمبادرة فوافق الحزب على الفور.

7- وهنا صدرت تصريحات متناثرة من هنا ومن هناك تلوم "وتسب" الحزب ولم نتبين في معظمها أين الجريمة... ؟! هل هي الحوار والذي دعا إليه هو الرئيس ونحن جميعًا شجبنا المتخلفين عنه؟!

هل هي عرض الرؤية على المجتمع... والحوار يعني كونه حوارًا مجتمعيًّا مفتوحًا؟! هل هي استجابة الجبهة وتفاعلها مع المبادرة؟ وهل كان أحد يريد من الجبهة غير ذلك "مهما بلغ اختلافه معها"؟!

هل هي استجابة الحزب لاستجابة الجبهة؟ وهل يمكن أن تدعو إلى حوار فإذا استجاب الآخر أعرضت عنه؟! وهل نسينا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا(رواه البخاري).

شبهات حول مبادرة "حزب النور" وجوابها:

- البعض يقول: إن الحوار الآن بمثابة طوق نجاة لهم بعد ما لفظهم الشعب وعرف أنهم وراء أحداث الشغب.

ونسي أن حزب النور ليس هو من دعا إلى الحوار في ذلك اليوم تحديدًا، وإنما دعت إليه الرئاسة وكان الحزب -ونحن- جزءًا منه شأنه شأن غيره، فمن يريد أن يوجِّه هذا الاعتراض فليوجهه إلى الرئاسة والتي ما زالت تصر على الحوار، وإلى كل الأحزاب التي حضرت الحوار الرئاسي وهي تعلم أن الجبهة مدعوة فيه، ومنها: "الحرية والعدالة" و"البناء والتنمية" و"الوسط".

وفي حالة توجيه هذا الاعتراض بهذه الصورة فإننا سوف نصر على أنه لو أمكن إيقاف نزيف الدم حالاً فهو الواجب بدلاً من انتظار أن يدرك كل الشعب الحقيقة وتتمكن الشرطة من بسط نفوذها ويُحكم الجيش السيطرة "في حين أن الجيش يطلق التحذير تلو الآخر من انهيار الدولة".

بل إن أحد من استنكر على "حزب النور" هذه المبادرة كان الدكتور "البلتاجي" الذي تصادف أن يكشف الدكتور "مصطفى النجار" في مقال له بعنوان: "عشاء الماريوت وجريمة البحث عن التوافق" عن لقاء جمعه وآخرين من زعماء الجبهة مع رموز من الجانب الإسلامي كان منهم الدكتور "البلتاجى" والدكتور "حلمي الجزار" (طبعًا حدود الحوار والقبول والتوافق عند الدكتور حلمي تتخطى هذا المقدار بكثير كما يعلم ذلك المتابع، ولا أريد أن أخوض في هذا الأمر أكثر من ذلك!)، وكان معهم أيضًا "نادر بكار" وهذا أمر جيد، ولكن لماذا ينكر عين ما كان يفعله؛ لا سيما وأن دعوى عدم إعلان الأمر في الإعلام كان في هذه المرة من نصيب محاولة الدكتور "البلتاجي" بينما ونتيجة انتقادات وجهت في مواقف أخرى حرص "حزب النور" أن يعلن عن تفاصيل لقائه بالجبهة.

- البعض يسمي هذا تحالفًا!

ولا ندري أين ومتى ذكرت كلمة التحالف أو وجد في سلوك المجتمعين ما فيه شبهة تحالف، وفي أي سياق فهم هذا؟!

وإذا كان هناك من قامت لديه شبهة على وجود تحالف؛ فهلا استفصل قبل أن يذم من باب العمل بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(الحجرات:6).

 ثم إن ثبت ذلك عند أحد فهل يجوز له الطعن في غيره "ويطعن في نيته بأثر رجعي!"؛ لا سيما إذا كان قد سبق له نصح الناس بالتصويت لقائمة التحالف الوطني، وفيها عدد ممن هم الآن رموز في جبهة الإنقاذ الوطني!

- البعض يقول: إن مبادرة حزب النور تضمنت التنازل عن ثوابت.

وقد كنا نظن أن قضيتنا هي الإطاحة بالنائب العام الذي تستر على الفساد لا أن هناك شخصًا بعينه لا يمكن أن نقبل بغيره وأن أدى ذلك إلى توتر العلاقة مع مؤسسة القضاء "مع كامل احترامنا للنائب العام الحالي".

ولم نكن نظن أن المطالبة بتغيير شخص رئيس الوزراء منكر شرعي لا سيما وأنه في حالة الاستجابة لهذا المطلب سوف يطالب الحزب بشخصية اقتصادية تكنوقراط كما سبق وأن طالب "النور" و"الحرية والعدالة" بالدكتور "الجنزوري" أيام المجلس العسكري قبل أن يتراجع "الحرية والعدالة" ويطالب بإسقاطه قبل الانتخابات بأقل من شهرين؛ لسوء أداء بعض وزرائه، وحينها طالب "حزب النور" بتغيير هؤلاء الوزراء بينما أصر "الحرية والعدالة" على تغيير الدكتور "الجنزوري" نفسه، وهي الظروف التي تم فيها حل مجلس الشعب السابق.

إن هذه المواقف تدل على أن المواقف السياسية يجب أن تؤخذ بدرجة من سعة الصدر وأدب الاختلاف، و"حزب النور" لم يطالب أحدًا أن يؤيد مبادرته وإن خالفت اجتهاده، بل إن الحزب لم يطرح الكثير من مطالبها إلا لرؤيته أن هذه المطالب كفيلة بنزع فتيل الأزمة.

- البعض الآخر يتخوف من القبول بمبدأ تعديل الدستور.

مع أن هذا الأمر وعدٌ قطعه الرئيس على نفسه قبل الاستفتاء الدستوري وكرره عدة مرات، وأصدر قرارًا بتشكيل لجانه وأصبح في حكم الواقع فقبله الحزب من حيث المبدأ، ولكن لن يتم هذا إلا بمناقشات في هذه اللجان ثم في مجلس النواب القادم وبعدها استفتاء شعبي، وسنظل ندافع عن مواد الهوية -بإذن الله تعالى-؛ إلا أن هناك أمورًا في الدستور قابلة للنقاش كتشكيل بعض الهيئات، وطريقة اختيار بعض المناصب، وتجويد صياغة بعض المواد.

البعض يقول: ولكن المبادرة لم تقدم لذوي الشأن.

وإذا استصحبنا أن ذوي الشأن هنا هي مؤسسة الرئاسة فإن الأمر تم استجابة لطلبها وقُدم إليها، وأما "حزب الحرية والعدالة" فقد دعا إلى الحوار مثله في ذلك مثل "حزب النور" وغيرهما من الأحزاب، وقدم "الحرية والعدالة" رؤيته التي منها مثلاً: استعداده لإعادة التصويت لصالح المادة التي تلزم بوضع المرأة في النصف الأول من القوائم! بينما أعلن "حزب النور" رفضه لهذا الأمر دونما تشغيب على أحد، وتم الاتفاق على أن يعلن كل حزب رؤيته في هذه الجزئية وفي غيرها على الرأي العام.

الرئاسة ترحب... الإخوان يرحبون... فهل يدرك المعترضون؟!

أعجب ما في الموضوع أنه بعد هذه الحرب الشرسة من شباب يدعي أنه من شباب الإخوان على الإنترنت ومن بعض رموزهم، بل من بعض الدعاة! خرجت مؤسسة الرئاسة على لسان الدكتور "أيمن علي" في مداخلة مع الشيخ "خالد عبد الله" لتثمِّن تلك المبادرة، ولتصف هذا السلوك بأنه السلوك الذي يتمناه لممارسة المعارضة الصادقة الناصحة، وعندما سأله الشيخ "خالد عبد الله" عن تعليقه على رفض جبهة الإنقاذ للحوار للمرة الثلاثين -كان البرنامج بعد إعلان مبادرة النور وقبل إعلان جبهة الإنقاذ استعدادهم للحوار حولها-؟ أجاب الدكتور "أيمن" بأن مؤسسة الرئاسة لن تسأم من توجيه الدعوة للحوار ولو للمرة الستين والسبعين...

وبعد أن تم اللقاء بين "حزب النور والجبهة" خرج المتحدث الإعلامي باسم الإخوان ليثمن المبادرة وليثني على قبول "جبهة الإنقاذ" للحوار بعد طول تمنُّع!

بقي أن تعرف -أخي الكريم-... أن "حزب النور" قد عقد جلسات أخرى مع حزب "الحرية والعدالة" وحزب "البناء والتنمية"، وسوف يعقد لقاءات أخرى مع بقية الأحزاب.

هذه مبادرة "حزب النور" فإن وُفق إلى حقن الدماء وعودة الاستقرار ووضع المعارضة -مهما اختلفت توجهاتها- في إطارها السلمي؛ فهي نعمة من الله وفضل، وإن كانت الأخرى فيكفي شرف المحاولة، ويكفي حسنات وهبها لهم إخوان لهم بما نالوا من عرضهم، ولكن الذي نتمنى أن يوجد بين الاتجاهات الإسلامية لا سيما في الأمور التي تتفاوت فيها تقديرات المصلحة والمفسدة أن تتسع الصدور للخلاف، وأن نقدم للدنيا صورة جيدة عن كيفية إدارة خلافاتنا الداخلية.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي