الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

في عيدنا..الإمبراطورية تحني رأسها

في عيدنا..الإمبراطورية تحني رأسها
الأربعاء ١٧ أكتوبر ٢٠٠٧ - ٠٠:٠٠ ص
2611

في عيدنا..الإمبراطورية تحني رأسها

كتبه أحمد عبد الحميد

التاريخ البشري مليئ بأخبار ممالك وعروش سادت ثم بادت، أغلبها كفرت بأنعم الله وبطرت معيشتها فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، ودارت بعدهم عجلة الدنيا لا تلقي لهم بالا (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (الدخان:29) ، فمن يبكي من ملأ الدنيا كفرا وفسادا؟!، فإن أغلب هذه الدول ما قامت إلا على ظلم الخلق والاعتداء على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، ناهيك عن أنواع الكفر والإلحاد والوثنية التي تنوعت أشكالها بين الشرق والغرب ولكن المحصلة واحدة في النهاية وهي الغواية عن سبيل الله، وحتى دول الإسلام وممالكه -التي قامت على توحيد الله ونشر نور الوحي وإقامة العدل بين الناس- لو تأملت في أسباب انهيارها ستجد أيضا أنواعا من الانحرافات العقدية أو السلوكية، فسنن الله لا تحابي أحدا (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الفتح:23).

أغلب هذه الدول ما قامت إلا على ظلم الخلق والاعتداء على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، ناهيك عن أنواع الكفر والإلحاد والوثنية

والقاسم المشترك بين هذه الإمبراطوريات والدول جميعا هو الغفلة عن سنن الله في الكون وعن الاتعاظ بحال ومآل من سبق حتى لو كانوا قريبي العهد أو المكان، (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (هود:89)، (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران:137)

وفي التاريخ الحديث نماذج لإمبراطوريات اتسعت جدا وبسطت نفوذها في البر والبحر - وفي الجو أحيانا-، وبرغم قوتها المادية الهائلة إلا أنه حق على الله ألا يرتفع شئ في هذه الدنيا إلا وضعه، فتراها وقد انضمت هي الأخرى إلى نادي الحضارات البائدة والذي ينتظر كل يوم المزيد، ومن الأمثلة على ذلك إمبراطوريات البرتغال، والأسبان، والإمبراطورية البريطانية التي غابت شمسها التي كانت لا تغيب عن أراضيها في يوم من سالف الأيام، والإمبراطورية الروسية وريثة القيصرية البائدة كانت آخر هذه الإمبراطوريات في التاريخ المعاصر، والتي تحولت من ند للولايات المتحدة الأمريكية إلى ما يشبه حال القط العجوز الذي يملك بعض الأظفار يخمش بها وجوه مشاكسيه إلا أنه يبقى قطا عجوزا برغم هذا، ويوشك أن يموت ليرثه قط مغرور آخر وهو عدوه اللدود، الولايات المتحدة غريمه القديم.

وهنا نلفت نظرك - أيها القارئ العزيز- إلى نشأة الولايات المتحدة في مدة وجيزة بالنسبة إلى تاريخ الحضارات، وبالطبع فإن سنن الكون جرت بأن يكون السقوط سريعا وبنفس سرعة الارتفاع، لاسيما وهذه الإمبراطورية تجمع في أعمدة بناءها من الأسباب التي تحتم انهيارها تماما كسابقاتها، وأهم هذه الأسباب محاولتها توسيع رقعتها ونفوذها وزيادة مواردها على حساب المسلمين، وما تكنه من حقد أعمى تجاه الإسلام وأهله، فضلا عن الغطرسة والغرور والإعجاب بالذات والتكبر لا على المسلمين فحسب بل على أمم الأرض كلها وما يتبع ذلك من أنواع الظلم والطغيان، وفضلا أيضا عن أنواع الانحراف السلوكي الذي لم تعرف له البشرية مثيلا بهذا الزخم وبهذه الكثافة.

حق على الله ألا يرتفع شئ في هذه الدنيا إلا وضعه

وكشأن كل الإمبراطوريات الهالكة تمضي الولايات المتحدة إلى بوارها وخرابها بغباء مرفوع الرأس وجهالة منتصبة الهامة وبسرعة محمومة تزيد كل يوم. وأحيانا حينما تضطر مثل هذه الإمبراطوريات إلى خفض رأسها نتيجة انكسار أو نوع من الهزيمة فإنها حينها تحاول أن توحي بأنها تخفض رأسها طواعية وبغير إجبار، وبرغم هذه القشرة الخارجية المختالة المتكبرة ترى عليها نوعا من الذلة لا يخفى على أحد (وجـُعلت الذلة والصغار على من خالف أمري).

ولنأخذ على سبيل المثال هذا الإعلان المتمحك والحفاوة الإعلامية الشديدة بالحدث الأول من نوعه في تاريخ أمريكا، وهو إضاءة الأنوار الخضراء لمدة ثلاثة أيام بدءا من يوم عيد الفطر(1428هـ) وذلك أعلى ناطحة السحاب Empire State ، ويعني اسمها - مقر الإمبراطورية-، وقد أخذت اسمها من ولاية نيويورك العاصمة السابقة للإمبراطورية الأمريكية حيث يطلق على نيويورك إلى الآن لقب (مقر الإمبراطورية)، وهذه الناطحة هي الأعلى في نيويورك والأشهر في أمريكا، وقد عادت لتنال هذه الألقاب بعد أن سحبها منها البرجان البائدان – مركز التجارة العالمي- قبل عدة عقود، وبزعمهم فإن هذه الإضاءة بمثابة إظهار للتضامن مع المسلمين في أمريكا.

و هذه هي الرسالة الظاهرة، أن أمريكا لا تعادي الإسلام وتحترم مقدسات المسلمين حتى أنها أضاءت أشهر ناطحة سحاب فيها بعد انهيار برجي مركز التجارة بفعل الإرهابيين الأشرار الذين دمروا إحدى رموز الحضارة، ولو بقي البرجان مكانها لأضاءتهما أمريكا لنفس السبب، ولكنها الظروف كما تعلمون جميعا.

وكما ترى فإن اختيار هذه الناطحة بالذات له دلالات رمزية غير خافية، بداية من اسمها مرورا بوصفها وانتهاءا بالتوقيت القريب جدا من ذكرى أحداث سبتمبر الشهيرة.

ولكن لأن الصهيونية الأمريكية جمعت ضلال النصارى وخبث اليهود، فإنها عمت وضلت عن أن مثل هذه الأنوار الخضراء لن تخدع إلا بلهاء العالم الذين لا يزال عندهم بقية من أمل في الحضارة الأمريكية، وهؤلاء البلهاء -وللمفارقة- أعدادهم في تناقص مستمر، فلم يعد الانبهار بأمريكا كسابق عهده حيث كانت الحلم ورمز الحياة وطوق النجاة بالنسبة لبؤساء الأرض.

ونحن نعتقد أن أمريكا عندها من الغباء ما يكفي لتوجيه مثل هذه الرسالة الخضراء العبقرية إلى أبناء المسلمين، والذين تذوب قلوبهم ألما وحسرة وهم يرون ألوانا أخرى في بلادهم وهي ألوان الدمار السوداء وألوان القتل الحمراء.

هل سيسعد المسلم بهذه الأنوار الخضراء وهو يرى في الصورة المجاورة لون الدم الأحمر لرجال ونساء وأطفال المسلمين وقد أريق في طرقات العراق على أيدي الأمريكان؟، أم هل سيسعد حينما يرى البؤس الأسود في عيون أطفال فقدوا من يعولهم ومن يحضر لهم لقمة تسد الجوع أو ثوبا يستر العورة؟، أم هل سنسعد بالأنوار الخضراء حينما يحل الظلام في قرى العراق وأفغانستان وفلسطين ولا تكون الإضاءة سوى وهج القنابل؟

الأنوار الخضراء لن تخدع إلا بلهاء العالم الذين لا يزال عندهم بقية من أمل في الحضارة الأمريكية

 

لا نرى في هذه الرسالة الخضراء إلا حقدا أسودا يملأ القلوب حتى ولو أشعلوا أنفسهم – لا مصابيحهم – مداهنة للمسلمين (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (البقرة:120).

لا نرى فيها إلا ذلا ونكالا نزل بأمريكا على أيدي المجاهدين في العراق وأفغانستان.

 

لا نرى فيها إلا هزيمة نفسية تجاه الإسلام الذي يزداد أتباعه يوما بعد يوم وبمعدل يفوق انتشار أي دين في العالم.

 

لا نرى فيها إلا إمبراطورية تحني رأسها للإسلام والمسلمين في عيد فطرهم، وكلما زاد الجهل والغي والطغيان كلما زادت الانحناءة -إن شاء الله- (وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (الأنعام:123).

وحتى تنكسر هذه الهامة التي أرادت أن تذل المسلمين وأن تستعبد الخلق فـ (لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)

نقول، وصلت الرسالة، وأما الرد عليها، فهو وفروا أموالكم ومصابيحكم، وكفوا عنا هداياكم المفخخة الخبيثة، فلا حاجة لنا بها فقد نهينا أن نأخذ زبد المشركين*.

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أي هديتهم، اللهم إلا إن كان هذا لمصلحة راجحة فتقبل كما قبلها النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن تكون بالمن والأذى فلا ولا كرامة.

 www.salafvoice.com

موقع صوت السلف

الكلمات الدلالية