الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

إنصاف المرأة بين النظرية والتطبيق

كلما ازداد التزام المسلمين بدينهم بصفة عامة كلما ازداد تطبيقهم للعدل بين الرجل والمرأة، ومِن ثَمَّ كانت أفضل

إنصاف المرأة بين النظرية والتطبيق
عبد المنعم الشحات
السبت ٣٠ مارس ٢٠١٣ - ٠٩:٢٢ ص
2567
إنصاف المرأة بين النظرية والتطبيق
18-جماد أول-1434هـ   29-مارس-2013      

مع مثال تطبيقي رائع من سيرة عمرو بن العاص -رضي الله عنه-

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تمهيد:

ما زلنا بصدد مقاومة طوفان التغريب في قضية المرأة خاصة، ونتعرض في هذا المقال لمعنى العدل وما يضاده من الظلم، وبيان أن الإسلام أنصف المرأة بينما وقع الظلم من المسلمين تجاه المرأة في بعض الأزمنة، وبيان أنه كلما ازداد التزام المسلمين بدينهم بصفة عامة كلما ازداد تطبيقهم للعدل بين الرجل والمرأة، ومِن ثَمَّ كانت أفضل أزمنة المسلمين في هذا الجانب هي أفضل أزمنتهم في الالتزام بالدين عمومًا -زمن القرون الثلاثة الفاضلة-، ونختم بنموذج تطبيقي من سيرة عمرو بن العاص -رضي الله عنه-.

العدل على المستوى النظري والعملي:

العدل في أي مجتمع يتم على مستويين:

الأول: الإطار النظري ممثلاً في القيم والمُثُل ويتفرع عليها القوانين المطبقة في هذا المجتمع.

الثاني: وهو فرع على الأول يتمثل في تطبيق هذه المُثل وتلك القوانين.

وينشأ الظلم في أي مجتمع على هذين المستويين أيضًا؛ فإذا كان الظلم على المستوى النظري كان أعمق وأشمل، وتبعه في الأعم الأغلب ظلم شامل على المستوى التطبيقي، ومثاله: "ثقافة التفرقة العنصرية على أساس اللون!"، والتي كانت سائدة كثقافة عامة في المجتمعات الغربية حتى وقت قريب، ومنها فيما يتعلق بالمرأة: ما كان يسود عندهم أن المرأة جسد بلا روح أو أن روحها روح شريرة!

وترتب على هذه الأفكار قوانين تترجم هذه الأفكار، كما كنتَ تجد في "أمريكا" حظر دخول السود في أماكن معينة، وحظر ركوبهم وسائل المواصلات التي يركبها البيض أو السماح لهم بركوبها على أن يلتزم الأسود بترك مقعده للأبيض إذا طلب ذلك، إلى آخر هذه الصور من الظلم المطبِق... !

ومنه في شأن المرأة: إعطاء الزوج حق بيع زوجته والتنازل عنها، واعتبار القوانين لها من جملة المتاع الذي يورَّث! وما شابه ذلك من التشريعات الجائرة.

وأما إذا كانت القوانين "المثل والقوانين" عادلة؛ فإن هذا وحده لا يكفي لتحقيق العدل؛ لأن كثيرًا من الأفراد قد يخالفون المُثُل والقوانين لأسباب، منها:

1- ميل مَن يملك القوة إلى استعمالها فيما يحقق أهدافه كما قال -تعالى-: (كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى(العلق:6-7).

2- عدم كفاية الخطاب التربوي لحمل الناس على الالتزام بهذه المثل.

3- عدم الحزم في تطبيق القوانين فيما يتعلق بالقانون.

ويمكنك أن تلحظ هذا جيدًا فيما عرضناه من أمثلة فيما يتعلق بقضية التفرقة بين الناس على أساس اللون، وكيف أن بقايا العنصرية ما زالت موجودة كواقع في المجتمع الأمريكي رغم أنهم تبرأوا من ذلك تمامًا على المستوى النظري.

وفي قضية المرأة رغم أنهم تطرفوا فيها إلى الناحية الأخرى إلا أن الإحصائيات ما زالت تشير إلى ارتفاع معدلات ضرب الزوجات والرفيقات؛ بالإضافة إلى الابتزاز الجنسي للمرؤوسات، وجرائم التحرش الجنسي والاغتصاب، وكل ذلك نابع من رغبات عارمة بالسيطرة أكثر من أي عامل آخر حيث تتصف هذه المجتمعات بالانحلال الجنسي.

المرأة بين الإسلام والمسلمين:

قد يَطرح البعض سؤالاً مفاده: هل ظلم الإسلام المرأة؟

وهو السؤال الذي لا نظن أن مسلمًا يطيق أن يسمعه فضلاً عن أن يجيب عليه بنعم!

ومِن ثَمَّ... فعادة ما يُطرح السؤال بالصيغة الأخرى: هل ظلم المسلمون المرأة؟

ورغم أن معظم مَن يطرح هذا السؤال يريدون أن يصلوا من خلاله إلى اتهام الإسلام ذاته أو -على الأقل- وصف شرائعه بأن فيها ظلمًا للمرأة؛ إلا أن هذا لا يمنعنا أن نجيب على السؤال إجابة منصفة وفي ضوء ما قدمناه من أن العدل في المجتمعات يتم على مستوى الطرح النظري ثم على مستوى التطبيق العملي.

فنقول: نعم وجد ظلم للمرأة في كثير من العصور، وهذا الظلم حينما يقع في المجتمعات الإسلامية يكون نابعًا من ضعف التربية وغياب الوازع الإيماني؛ حينئذٍ تدفع الرجال قوتهم إلى الطغيان، ومع ضعف واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينحرف بعض الرجال ويسكت الآخرون؛ مما يدفع المزيد من الرجال إلى التشبه بهم! ويكون ذلك بصور كثيرة، منها: العضل، ومنها: الإيذاء وسوء العشرة، ومنها: منعها حقها في الميراث، ومنها: إجبارها على الزواج ممن لا ترغب في الزواج منه إلى آخر هذه الصور.

إذن فيجب علينا أن نعترف أن بعض المجتمعات الإسلامية تظلم المرأة، ولكن العلاج يكمن في عودة هذه المجتمعات الإسلامية إلى الإسلام لا في أن نستورد مُثلاً وقيمًا غريبة على الإسلام تخل بدين أصحابها، وتؤدي إلى انهيار الأسرة المسلمة.

إن المسلم والمسلمة لديهما يقين كامل جازم في هذه القضية -وفي غيرها من القضايا- أن شرع الله كامل شامل، وأنه هو العدل المطلق (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ(المائدة:50)، ومِن ثَمَّ فإذا تعرضوا لأي قضية من هذه القضايا فإن بحثهم يقتصر دائمًا على معالجة الانحراف الحاصل من حيث التطبيق العملي.

بين العدل والمساواة:

ورغم وضوح المعنى الذي قررناه من أن المسلمين لا يعيدون النظر في الإسلام قط، وإنما يطالبون في سبيل حل مشكلاتهم بأن يلتزم المسلمون بشرائع الإسلام إلا إن الغرب استطاع أن يعبث بهذه الثوابت فيما يتعلق بقضية المرأة على الأقل.

وهذا على مستويين:

الأول: الوصول ببعض المنتسبين إلى الإسلام بقناعة أن الإسلام ظلمَ المرأة! كهؤلاء الذين يتبجحون بأن الحكم الشرعي الفلاني فيه ظلم للمرأة، وهؤلاء إذا بلغ بهم الحال إلى الطعن في حكم شرعي ثابت كآيات الميراث -مثلاً- خرجوا من الملة -والعياذ بالله-.

الثاني: تشكيك بعض المسلمين في كثير من الأحكام الشرعية الثابتة والطعن عليها باعتبارها جور لا تأتي الشريعة بمثله؛ رغم ثبوت هذه الأحكام بأدلة صحيحة.

ولعل "الثغرة الجوهرية" التي يَنفذ منها هؤلاء هي: "ظنهم أن العدل هو المساواة التامة بين الرجل والمرأة"، وانطلاقًا من هذه القاعدة يعتبرون كل تفرقة بين الجنسين هي خرق لهذه المساواة، رغم أنه وفق معيارهم فإن بعض هذه الأحكام كانت في صالح المرأة لا الرجل الذي ألزمته الشريعة بالمهر عند عقد الزواج، وبالإنفاق في الحياة الزوجية، وبالنفقة عند الطلاق، وهي أحكام تمثِّل واجبات على الرجل وحقوقًا للمرأة.

ومَن تأمل الشريعة وجد أنها تأمر بالعدل كما في قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا(النساء:58)، والعدل يكون في تقابل الحقوق والواجبات وليس في تطابقهما؛ وهذا يتجلى واضحًا في حال علاقة الرجال بالنساء فمع قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّما النِّساءُ شَقائِقُ الرِّجالِ(رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، قال -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ(البقرة:228)، وهذا يقرر مبدأ التقابل والتكامل بين الحقوق والواجبات، بل القوامة ذاتها التي ميز الله الرجال بها ليست حقًا محضًا، بل هي واجب أكثر منها حق حيث تستلزم النفقة والرعاية والدفاع والحماية.

ورغم سعي الغرب سعيًا حثيثًا لتحقيق المساواة التامة بين الجنسين فما زال يتخبط خبط عشواء في تحقيق تلك المساواة؛ حتى قرروا أن الدور الاجتماعي الذي يلعبه الإنسان يمكن أن يكون بمعزل عن الجنس البيولوجي الذي خُلق عليه، بل فتحوا باب التلاعب في الجنس البيولوجي بعمليات تحويل الجنس وعمليات تمكين الرجال من الحمل، وغيرها من صور التلاعب بالفطرة وتغيير خلق الله!

العدل بين الرجل والمرأة = المساواة في الإنسانية والتنوع المتكامل المتكافئ في الأدوار الاجتماعية:

إذا اتضح لك الفارق بين العدل والمساواة وتبيَّن لكَ أن المساواة لا تكون عدلاً إلا بيْن المتماثلين، ثم تأملتَ شرع الله -عز وجل- وما جاء في شأن الرجل والمرأة؛ سوف تجد أن الأمور التي تتعلق بالإنسان من حيث كونه إنسانًا تكون فيها المساواة التامة بين الرجل والمرأة، وأما الأمور التي قدَّر الله أن يكون دور الرجل فيها غير دور المرأة تجد التنوع والتكامل المتكافئ "وهذا هو العدل بعينه"، وما سواه فظلم وجور؛ وإن فرح به أصحابه وظنوه عدلاً!

فمن حيث المساواة في الإنسانية قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(الحجرات:13)، ومنه قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(النساء:1)، وقوله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(التوبة:71).

وأما الثاني: فيندرج تحته جميع الأحكام المختلفة، والتي ظنها البعض على خلاف العدل متناسيًا أنها مع اختلافها؛ فإن القاعدة الكلية التي تحكمها هي قوله -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ(البقرة228).

ويجمع بيْن الأمرين قوله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً(الروم:21)، وقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا... (الأعراف:189).

نموذج عزيز في الإنصاف من سيرة عمرو بن العاص -رضي الله عنه-:

إنه مما يندى له الجبين أن تكون الصورة الذهنية عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- التي استطاع الشيعة أن يقنعوا بها عددًا من الرموز الأدبية في الأمة -ومِن ثَمَّ قاموا بدورهم ببثها بين أبناء الأمة- هي صورة المخادع الذي يوظـِّف ذكاءه في التغرير بخصمه، ولم يشفع له عندنا نحن "أهل مصر" أن بلادنا قد نوَّرها الله بالإسلام على يديه، بينما منا من يمتن لأعداء الأمة لحفنة من المساعدات!

وفي الواقع: فإن تلك القصة التي نوردها هنا نذكرها لكي نبين كيف يمكن أن يهذب الإسلام النفوس، فتصل إلى حالات نادرة من العدل ولو على النفس أو الأقربين؛ ولندرك أن المجتمع الذي يطبق الإسلام تطبيقًا شاملاً في غنى عن استيراد حلول من عند غيره بعضها من باب الاستجارة من النار بالرمضاء، والبعض الآخر هو من قبيل الاستجارة من الرمضاء بالنار!

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (القَنِي بِهِ)، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: (كَيْفَ تَصُومُ؟) قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: (وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟)، قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ: (صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً، وَاقْرَإِ القُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ)، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الجُمُعَةِ)، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا) قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً(رواه البخاري). وعند أحمد بسند صحيح فَقَالَ عمرو -رضي الله عنه-: أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ذَاتَ حَسَبٍ، فَعَضَلْتَهَا، وَفَعَلْتَ، وَفَعَلْتَ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي-، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: (أَتَصُومُ النَّهَارَ؟) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَمَسُّ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي).

فهذه القصة فيها نموذج رائع للعدل والإنصاف مع المرأة؛ ليس فقط كأم وزوجة وبنت، بل كزوجة ابن حيث يميل البشر بطبيعتهم في مثل هذه الأحوال إلى محاباة ابنهم على زوجته وابنتهم على زوجها.

ولكن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- ضرب لنا في هذه القصة ذلك المثل الرائع المليء بالفوائد، والتي منها:

1- قيامه بحق ابنه عليه والزيادة على القدر الواجب من الإنفاق عليه حتى يستغني إلى مساندته في الزواج، وهذه الصورة من الرعاية الشاملة للأبناء لا تكاد توجد إلا في المجتمعات الإسلامية.

2- عندما توقع انشغال ابنه عن حق زوجته لم يتركها تواجه المشكلة وحدها ولم ينتظر حتى تشتكي، بل بادر بتلمس الأمر واستنطاقها بشكواها.

3- وجدت المرأة المسلمة من حسن الكنايات ما تعبِّر به عن شكواها دون أن تخسر حياءها؛ خلافًا لمن يريدون قتل حياء المرأة بصفة عامة، ثم لا يكادون يتذكرون هذا الحياء إلا في معرض الطعن على مبدأ أن المرأة المتضررة من تقصير زوجها في حقها يمكنها أن تشتكي إلى القاضي فيزعمون أن الحياء يمنعها، والبديل "عندهم" منح حق الطلاق للمرأة كالرجل!

4- لم يحاول عمرو -رضي الله عنه- أن يدافع عن ابنه ولو بتخفيف حدة الخطأ، بل أقرها على شكواها.

5- حاول عمرو -رضي الله عنه- أن يصلح الأمر بنصح ولده.

6- النقطة الأكثر إبهارًا في هذا الموقف أن عمرو -رضي الله عنه- بعد ما يأس من حمل ولده على رفع الظلم عن زوجته كان هو الوكيل عنها في شكوى ولده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!

خلاصة الأمر: أن الشريعة كاملة شاملة جاءت بالعدل بين البشر، وأن انحراف البعض عنها "الذي ربما يحدث بدوافع طيبة" -كما في هذه القصة- يُعالج عن طريق:

1- التعليم بأن يعرف كل طرف حقوقه وواجباته.

2- الموعظة لحمل المقصر على استشعار أنه ظالم أو مقصر في حقوق من يعاملهم، وانظر إلى تسمية عمرو -رضي الله عنه- لفعل ابنه "عضلاً"؛ تنفيرًا له عنه، ثم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في بعض الروايات: (يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟) قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَلاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا(متفق عليه).

3- شيوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصورة التي تجعل كل مطلع على خطأ يسعى لنصيحة المخطئ، وفي هذه القصة قام عمرو -رضي الله عنه- بتصويب موقف ابنه، وورد مثلها بين أبي الدرداء وسلمان -رضي الله عنهما-.

4- الشكوى إلى القاضي، وهذه يمكن أن تقوم بها المرأة بنفسها أو بواسطة بعض أقاربها، بل إذا كان المجتمع كمجتمع الصحابة -رضي الله عنهم- ربما قام بها بعض أقارب زوجها.

وفي النهاية: نطالب الغرب والمتغربين أن يرفعوا أيديهم عن المرأة المسلمة، ونطالب الدعاة والمصلحين أن يناصروا قضايا المرأة المسلمة، وأن يُنكروا ما يمكن أن تتعرض له من ظلم.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي