الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

سؤال للأستاذ "فهمي هويدي": ماذا لو كانت زيارة "شيخ الأزهر" إلى إيران؟!

حبذا لو دافع كل منا عن آرائه بصورة مباشرة، ونَقدَ ما يخالفها بصورة مباشرة؛ فمن كان ضد تحرك الأزهر لمقاومة المد الشيعي؛ فليعلن هذا! ومَن كان مُرحِّبًا بتوتر

سؤال للأستاذ "فهمي هويدي": ماذا لو كانت زيارة "شيخ الأزهر" إلى إيران؟!
عبد المنعم الشحات
الأحد ١٢ مايو ٢٠١٣ - ٢٢:١٢ م
3557
سؤال للأستاذ "فهمي هويدي": ماذا لو كانت زيارة "شيخ الأزهر" إلى إيران؟!
3-رجب-1434هـ   12-مايو-2013      

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كتب الأستاذ "فهمي هويدي" في عموده اليومي في الشروق السبت "11 مايو 2013م" مقالاً بعنوان: "رحلات شيخ الأزهر للخليج"، أبدى فيه قلقه من زيارات شيخ الأزهر للخليج واعتبرها عملاً سياسيًّا للأزهر قد يصب في مصلحة فصل الأزهر عن الدولة؛ لا سيما والإمارات ليست على وفاق مع الدولة المصرية.

كان هذا هو المتن الرئيسي للمقالة، وعلى هامشه كانت الكثير من الرسائل التي بيْن السطور، منها:

1- وجود قوى سياسية خارجية وداخلية تريد توظيف الأزهر لخدمة قضاياها.

2- استدعاء وجود خلاف بيْن "شيخ الأزهر والإخوان"، وإن تسلل ذلك الاستدعاء في كلام الأستاذ "هويدي" من خلال تحليله لتفكير بعض تلك القوى، ولكن الكلام يبقى مِن فكر وقلم الأستاذ "فهمي هويدي"؛ لأن كثيرًا من هذه القوى العالمانية "التي أشار إليها الأستاذ هويدي" يتبعون أسلوب: (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ(النور:49)، وقد هرعوا إلى "الأزهر" بعد الثورة مرات لم يستنكرها الأستاذ "فهمي هويدي"، بل استحسنها في الجملة!

الحاصل أن: الأستاذ "فهمي هويدي" قد استدعى الخلاف بين الأزهر والإخوان في نقطة تفرَّع عنها اثنتان، فصار المجموع ثلاثًا:

أ‌- ردُّ فعله الذي وصفه بالشدة التي كانت فوق مقتضيات الموقف في قضية مليشيات الأزهر إبان رئاسته لجامعة الأزهر، وأَرجع ذلك إلى أحد أمرين؛ وهما النقطتان الآتيتان.

ب‌- الضغوط الأمنية.

ت‌- الخلفية الصوفية لشيخ الأزهر.

3- ثم إن الأستاذ "فهمي هويدي" انتقل من الحاشية إلى حاشية الحاشية لينتقل من بيان الجذور القديمة لخلاف شيخ الأزهر مع الإخوان إلى أن من مظاهر ذلك تعمد إحراج الرئيس الإيراني أثناء زيارته لشيخ الأزهر!

وبعد هذا العرض لمقالة الأستاذ "فهمي هويدي" -والتي أرجو أن أكون قد نجحتُ في فك شفراتها وقراءة حواشيها- نتعرض لمناقشة بعض قضاياها.

فنقول -وبالله التوفيق-:

1- تفسير مواقف جميع الأحزاب والقوى "بل والدول" مِن القضايا المعروضة على الساحة على أنها تتم "من باب رفض الإخوان" هو نوع من الدخول في النوايا، وإغلاق لباب المناقشة الجادة التي تقتضي أن تَقبل من كل طرف حججه الظاهرة فتناقشها موكِلاً باطنه إلى الله -تعالى-، والكاتب الكبير له مواقف معارضة لتوجهات الرئيس الحالي (منها: موقفه من إيران قبل زيارة نجاد، وما أعلنه في زيارة السعودية من قيادة مصر والسعودية للعالم السني)؛ فهل يقبل أن يُصنَّف اعتراضه على أنه اعتراض على الإخوان لكونه مثلاً كان من داعمي الدكتور "أبو الفتوح"، وبالمقابل تُفسر موافقته للرئيس أن الإخوان قد اشتروا ولاءه كما يُقال عن كثيرين؟!

2- تعليل أن خلاف شيخ الأزهر مع الإخوان سببه انتماؤه إلى طريقة صوفية يبدو غريبًا جدًّا! وكأن الأستاذ "هويدي" لا يدرك أن الشيخ "حسن البنا" نفسه بدأ حياته في طريقة صوفية، وأنه وصف جماعته بأنها: "دعوة سلفية وطريقة صوفية!".

كان من الممكن أن أتفهم هذا الأمر لو كان الكلام متعلقًا بعلاقة شيخ الأزهر بالسلفية مع الخلاف بينهما في المنهج التربوي لكونه ينتمي إلى الصوفية، وفي المنهج العلمي لكونه ينتمي إلى الأشاعرة، وأما الإخوان فليس لديهم مشكلة في هاتين القضيتين!

3- ومن هنا فقد تلمح في تلك المقالة هامشًا أكثر عمقًا، وتساؤلاً مبطنًا عن علاقة "الدعوة السلفية" بشيخ الأزهر في ظل الخلاف في هاتين القضيتين.

فأقول -وبالله التوفيق-:

أ‌- مَن راجع كلام شيخ الإسلام "ابن تيمية" في "أبي حامد الغزالي" -رحمهما الله- وثناءه على فقهه، وعلى تصديه للفلاسفة والباطنية رغم أن الغزالي صوفي أشعري؛ يدرك قاعدة التعاون على البر والتقوى، وقبول الحق ممن جاء به التي يتبعها السلفيون دون أن يقروا بخلاف ما يعتقدون أو يسكتوا على شيء مما ينكرون.

ب‌- ومِن هذا، الوضع الأدبي الرائع الذي يحظى به "صلاح الدين الأيوبي" في أدبيات الحركة الإسلامية "ومنها أدبيات السلفيين"؛ رغم أنه خريج الحركة الإصلاحية التي قادها الوزير "نظام الملك" والإمام "الغزالي"، وخرج منها "عماد الدين زنكي" و"نور الدين محمود"، ومِن بعدهما "صلاح الدين الأيوبي" الذي طهَّر الله مصر على يديه من العبيديين المسمون زورًا بـ"الفاطميين"، فكان ذلك سبيلاً لتطهير بيت المقدس من الصليبيين.

ت‌- فيما يتعلق بالشيخ "أحمد الطيب" خاصة، فالرجل في هذه الآونة يرى عدم الخوض في الكلام على الصوفية؛ حتى إنه حينما طُرح عليه أن يتبنى التصوف السني "المسمى عند السف الأوائل بالزهد" قال: "إن البعد عن هذا الموضوع بالكلية أفضل"، كما أنه يُصرِّح أن "الماتريدية والأشاعرة وأهل الحديث" يمثلون أهل السنة، وهو موقف لا يمكن أن يَقبل به متعصبة الأشاعرة بينما يقره أهل الحديث عندما يُطلق في مواجهة البدعة الأكثر تفريقًا للأمة عبر تاريخها، وهي "الشيعة"، وتبقى أمورًا أخرى جوهرية مجالها الكتب العلمية.

وأما تعليله بأن شيخ الأزهر ربما تلقى تعليمات أمنية آنذاك، فرغم أننا في حينها أعربنا عن أن رد الفعل كان شديدًا بالفعل؛ إلا أن هذا لا يتيح مثل هذا الاتهام "لا سيما من كاتب شهد بعكس ذلك في تاريخ لاحق على الواقعة" إذ ذكر في معرض مطالبته لشيخ الأزهر بالاستقالة من لجنة السياسات بالحزب الوطني بعد تعيينه شيخًا للأزهر أنه يطالِب بهذا وهو يعلم أن الشيخ "أحمد الطيب" من المستحيل أن يقبل إملاءاتٍ، حيث قال: "فالرجل مشهود له بالاستقامة والنزاهة، ثم إنه "صعيدي" قح، لا يستطيع أحد أن يملي عليه ما ليس مقتنعًا به، علمًا بأنه زاهد في المناصب أصلاً، خصوصًا في المناصب الدينية التي تسبب له حرجًا بسبب دقة الموازنة أحيانًا بين الحلال والحرام".

كما أن جماعة الإخوان ذاتها طوت هذه الصفحة بعد الثورة بزيارة نادرة قام بها مرشد الإخوان شخصيًّا على رأس وفد من مكتب الإرشاد.

4- وأما تعمد إحراج الرئيس الإيراني فأمر أفرده الأستاذ "فهمي هويدي" بمقالة، ورد عليه الشيخ "حسن الشافعي" في اتصال هاتفي ذكر الأستاذ "هويدي" ملخصه وأبدى عدم اقتناعه؛ إلا أنه في النهاية "اعتذر من باب الأدب مع أهل العلم".

ولذلك فأنا أستشكل ذكر هذه الواقعة هنا؛ لا سيما وأنها جزء من هامش المقالة، نعم يمكن استيعاب ذلك إذا اعتبرنا أن هذا جزء مكمل للمتن، وهو ما سوف يتضح من مناقشة متن مقالة الأستاذ "هويدي"،.

والتي أصوغها في الأسئلة الآتية:

1- نشرت وكالة أنباء التقريب في "15 يونيو 2011م" هذا الخبر: "التقى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر صباح اليوم الأربعاء، المفكر الكبير والكاتب فهمي هويدي، حيث بحثا طرق التواصل مع كافة التيارات الإسلامية داخليًّا وخارجيًّا.

عقب اللقاء أكد هويدي أنه بحث مع فضيلته طرق التواصل مع كافة التيارات الإسلامية داخليًّا وخارجيًّا في سبيل عودة الأزهر لريادته العالمية، حيث يرغب الكثير من أبناء العالم الإسلامي داخليًّا وخارجيًّا إلى التواصل مع الأزهر.

كما أنه تحدث مع الإمام الأكبر حول أهمية تفعيل التقريب بين المذاهب الإسلامية التي نشأت على يد الراحل الشيخ محمود شلتوت بما يقضي على التنابذ الذي يمثل وسيلة للتدخل الخارجي في الشأن الإسلامي بإشعال الفتن بين السنة والشيعة".

والسؤال: أليس هذا محاولة من الأستاذ "هويدي" لإقناع شيخ الأزهر بتبني رؤيته الخاصة بالتقريب؟!

إن المتأمل سوف يتأكد أن كل صاحب قضية يراها عادلة يحاول أن يقنع بها الجميع من أفراد ومؤسسات ثم ينكر على غيره -لأنه لا يؤمن بعدالة قضيته- نفس الفعل! والصحيح أن ينكر عليه قضيته إن كانت تستحق الإنكار لا أن ينكر عليه سعيه لكسب التأييد لها.

2- كانت هذه الزيارة من الأستاذ "فهمي هويدي" لشيخ الأزهر، والتي طالبه فيها بالتواصل مع التيارات الإسلامية داخليًّا وخارجيًّا في ظل حكم المجلس العسكري وقبل التقارب المصري الإيراني الأخير؛ فهل كان الأستاذ "هويدي" يحرِّض الأزهر على الانفصال عن الدولة كما اتهمه في مقالته الأخيرة؟!

3- في حدود علمي فإن الأستاذ "هويدي" ينادي بدولة المؤسسات؛ فلماذا اختزل الدولة في سلطتها التنفيذية رغم أن ما يصدر عن الدولة ذاتها في الشأن الإيراني يتعلل أحيانًا بالحاجة الاقتصادية المؤقتة؟! وأما الشأن الإماراتي فالموقف الرسمي "للدولة" أنها ليست في خلاف مع الإمارات، بل إن الرئيس بعث برسالة شكر لرئيس الإمارات على حسن استقبال شيخ الأزهر.

4- في معرض مقالته التي عالج فيها الأستاذ "هويدي" زيارة "أحمدي نجاد"، والتي استنكر فيها "إحراجه" ختمها بقوله: "لاحقًا اكتشفتُ أن الأمر كله كان في حدود الأزهر، وأن زيارة الرئيس أحمدي نجاد لم تكن بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية التي فوجئتْ بما حدث واستنكرته، وكان ذلك هو الرد الذي سمعتُه حين تحريتُ الأمر في دوائر الرئاسة".

ونحن بدورنا نسأل الأستاذ "هويدي":

أيهما أولى بالاستنكار: دولة ترسل دعوة إلى مؤسسة وبوسع هذه المؤسسة أن تقبل أو ترفض أو أن تتشاور مع بقية المؤسسات مهما كان وراء هذه الدعوة من أغراض وبيْن ضيف ثقيل يأتي فيفرض على الدولة المُضيفة برنامجًا قسريًّا، ويحاول أن ينتزع من مؤسسة دعمًا رغمًا عنها، وهل تلام هذه المؤسسة إن حرصت على نفي "الدعم" الذي حاول الضيف الإيهام به أم نتركه ليصل إلى مقصوده "بسيف الحياء"؟!

وهل تحتمل تلك القضايا الكبرى مجاملات "وإن شئت سمها: ابتزازات دبلوماسية"؟!

5- السؤال الأخير: ماذا لو كانت رحلة شيخ الأزهر إلى إيران؟! ولتنقيح المناط أكثر أضيف: وماذا لو كانت قبل زيارة "نجاد" الأخيرة حيث كان الدكتور "مرسي" يرفض حتى لقاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية، هل كان الأستاذ "هويدي" سوف يعتبرها زيارة غير موفقة؛ لكونها إلى دولة لا يوجد توافق بينها وبين مؤسسة الرئاسة؟! أم كان سيعتبرها دليلاً على استقلال الأزهر وعودته إلى ريادته ودعمًا للوحدة الإسلامية و.... و.... ؟!

الخلاصة:

حبذا لو دافع كل منا عن آرائه بصورة مباشرة، ونَقدَ ما يخالفها بصورة مباشرة؛ فمن كان ضد تحرك الأزهر لمقاومة المد الشيعي؛ فليعلن هذا!

ومَن كان مُرحِّبًا بتوتر العلاقات المصرية العربية؛ لأنها تلقي مصر في الأحضان الإيرانية؛ فليعلن ذلك.

ومَن كان يرى أن الشيعة خطر داهم؛ فليعلن ذلك.

ومَن يرى أن العمق الإستراتيجي العربي لمصر لا يمكن قط أن يُساوم عليه "حتى وإن لم يتعارض مع التوجه العقدي"؛ فليعلن ذلك.

فإن الإعلان عن الأفكار بشفافية ووضوح أولى خطوات الحوار الجاد الهادف.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي