الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تطبيق الشريعة بين الشعارات والحقيقة

فالمقصود من الشريعة في اصطلاحنا "هو الدين كله"؛ عقيدة وعبادة ومعاملة، وخلقًا وسلوكًا، ونظمًا للحياة في السياسة والقضاء، والحرب والسلم، والتعليم والإفتاء، والاقتصاد والنظام الاجتماعي ونظام العقاب.

تطبيق الشريعة بين الشعارات والحقيقة
كتبه/ ياسر برهامي
السبت ١٨ مايو ٢٠١٣ - ٢٠:١١ م
3364
9-رجب-1434هـ   18-مايو-2013      

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فترتبط قضية تطبيق الشريعة في ذهن أكثر من يُسمون بالإسلاميين فضلاً عن غيرهم من عموم المسلمين بقضية الحدود ارتباطـًا وثيقًا حيث إنهم يظنون أن مَن يطبق الحدود فهو يطبق الشريعة مهما كانت مواقفه الأخرى من القضايا العقدية والعملية والخلقية والسلوكية، وأن مَن لا يطبقها سواء كان عن معارضة للشريعة ورفض لها أو تسويف وتأجيل أو عجز فهو غير مطبق للشريعة!

وهذا الفهم لابد من إعادة النظر فيه في ضوء المفهوم الصحيح لماهية الشريعة: فالمقصود من الشريعة في اصطلاحنا "هو الدين كله"؛ عقيدة وعبادة ومعاملة، وخلقًا وسلوكًا، ونظمًا للحياة في السياسة والقضاء، والحرب والسلم، والتعليم والإفتاء، والاقتصاد والنظام الاجتماعي ونظام العقاب.

فمِن ضمن ذلك: نظام القضاء والعقوبات كما هو بيِّن، والتي من ضمنها: إقامة الحدود بلا شك، والتي بالفعل قد يكون الحاكم أو النظام عاجزًا عن إقامتها أو تكون غير مستوفاة للشروط الشرعية فلا تُكاد تقام، بل يكون هذا من إقامة الشريعة.

فالحاكم الذي امتنع من رجم الزانية لوجود حمل في بطنها، ثم لحاجة طفلها إلى الرضاع لمدة سنتين هو مطبق للشريعة.

والذي لم يقطع يد السارق الجائع الذي سرق لجوعه هو مطبق للشريعة.

ولو جلد حاكم زانيًا غير محصن بشهادة أربعة فساق هم أولى منه بإقامة الحد كان مضيعًا للشريعة، مع أن هناك صورًا لتطبيق الشريعة يفرط فيها الحكام وتفرط فيها الأنظمة، وإقامتها لا يترتب عليها فساد ولا ضرر ولا تطبق!

كما أن هناك مخالفات أخطر من ترك إقامة الحدود يقع فيها مَن ينتسب إلى المشروع الإسلامي ويرفع راية تطبيق الشريعة، بل ما انتخبه الناس إلا من أجل هذا الشعار، وهو في حس نفسه وحس أتباعه وحس من يوافقه ما زال موافقًا لهذا الشعار!

فالنظام الذي يؤيد بقاء الحاكم المرتد على شعب مسلم بالحديد والنار يسفك دماءهم وينتهك أعراضهم ويدمر أموالهم، بل وأموال البلاد كلها؛ من أجل مصالح وهمية مع نظام بدعي غالٍ في البدعة، ظهر حقده على المسلمين وعداوته لهم هو واقع في مغالاة خطِرة بالكفار المرتدين، فادحة في إقامة أصل الشريعة، مع كون الموقف السياسي يتسع لموقف مخالف تقف فيه أكثر دول العالم فضلاً عن الاتجاهات الإسلامية المختلفة؛ خصوصًا في هذه الأرض المحتلة، ولكنه خلل الأولويات والفهم المغلوط لقضية الشريعة!

والذي يصرِّح بأن معنى أن السيادة للشعب وأنه مصدر السلطات: أن مجالسه التشريعية هي وحدها التي لها حق التشريع دون أن تَعرض ذلك على هيئة إسلامية لتعرف موافقة ما سنته للشريعة أو مخالفته وإلا نكون قد أسسنا للدولة الدينية المذمومة؛ الذي يصرح بذلك يخالف في قضية من أوضح قضايا الشريعة وهي الحكم بما أنزل الله!

والذي يهمل أمر الناس بالطاعة والعبادة: كالصلوات الخمس، والتعامل بالحلال وترك الحرام: كالربا، والميسر، والعقود المحرمة التي تعين وتيسر المنكر كعقود الملاهي الليلية والخمارات وأماكن الفجور ويرخص ذلك؛ لهو أعظم شرًّا وضررًا ممن يترك إقامة الحدود لخوفه من مفسدة أعظم من إقامتها في ظنه.

والذي يكذب إذا حدث، ويخلف إذا وعد، ويخون إذا ائتمن، ويفجر إذا خاصم، ويرى جواز استعمال أية وسيلة لتشويه صورة خصمه ولو بالكذب والبهتان والريبة والنميمة بالباطل؛ فهو مخالف للشريعة مضيع لتطبيقها.

والذي يُمكِّن لأهل البدع لإفساد عقائد الناس وتوحيدهم، وعباداتهم وأخلاقهم، ويسمح بنشر الشرك والدعوة لعبادة القبور والغلو في الأئمة وأهل البيت، ونشر الكتب التي تدعو إلى الشرك والضلال، والذي يسمح بنشر الفواحش ولا يكتفي بذلك... بل ينهى الناس وينهي أهل العلم عن مهاجمة أهل البدع وإظهار فضائحهم وجرائمهم، ويُعدُّ هذا تدخلاً في السياسة التي يتولاها ولي الأمر ولا دخل لأهل الدين بها؛ لهو مخالف مخالفة صارخة للشريعة.

وكذلك الذي ينهى عن طاعة الله واتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الواجبة، ويقتحم البيوت بلا مراعاة لحرمتها، ودون التزام بضوابط الدستور والقانون التي في جملتها لا تخالف الشريعة في إثبات حقوق المواطنين.

والذي يعذب المسجونين حتى العمى، وتمزيق الجلود وإحداث الإصابات الفظيعة بأجسادهم، لهو من أعظم الناس مخالفة للشريعة وأبعد الناس عن تطبيقها.

والذي يسعى للسيطرة على أرزاق الناس والتحكم فيها، والانفراد بالأموال العامة وجعلها كلها تابعة لجماعته وطائفته؛ مهما أدى ذلك إلى فقدان الثقة في اقتصاد البلاد مما يعود بالضرر على حياة الناس العامة وقيمة عملتهم، وغير ذلك من صور التضييق اليومية عليهم، ولا يعبأ بآلامهم؛ لهو من أعظم الناس بعدًا عن تطبيق الشريعة.

فهذه صور كأمثلة من تطبيق الشريعة بعيدًا عن تطبيق الحدود، تحتاج إلى أن نعلم شعبنا وأمتنا أنها من الشريعة.

ولابد من العمل بها وتنفيذها الآن وليس غدًا، "وعلى الفور" وليس بالتدريج؛ لأنها لا تحتاج إلى التدريج.

نرجو الله أن نرى إقامتها قريبًا في بلدنا ومجتمعنا.

انا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة