الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

إلى عقلاء الأمة... تمهلوا واستوصوا بمصر خيرًا

لابد من النظر إلى الأمور من جميع الزوايا والاتجاهات، لا تنظروا تحت أقدامكم، ولكن انظروا إلى المستقبل والمآل، لابد من الترجيح بين المصالح والمفاسد

إلى عقلاء الأمة... تمهلوا واستوصوا بمصر خيرًا
زين العابدين كامل
الخميس ٢٧ يونيو ٢٠١٣ - ٠٨:٤٢ ص
2209
19-شعبان-1434هـ   27-يونيو-2013      

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا يخفى على كل ذي عقل مدى الخطر الذي تتعرض له مصر في هذه المرحلة، لاسيما ونحن نتوقع خطرًا في الثلاثين من شهر يونيو، وخصوصًا ونحن نعاني من حالة خطيرة من الفوضى الفكرية والمراهقة السياسية، والانفلات الأمني الذي يعاني منه المجتمع، ولا يستطيع أحد أن يتوقع ما الذي سيحدث يومها؛ لذا أردت أن أرسل رسائل سريعة إلى المصريين العقلاء من أبناء مصر المخلصين الذين عاشوا على أرضها وتحت سمائها ونعموا بخيراتها، وكانت مصر ملاعب صباهم.

احذروا سفك الدماء... وتذكروا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا(رواه النسائي، وصححه الألباني).

فحرمة المسلم أعظم عند الله من زوال الدنيا أجمع، عن معاوية -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلا الرَّجُلُ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ مُتَعَمِّدًا أَوِ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا(رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ(رواه البخاري)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) (رواه البخاري).

تذكَّر أخي المسلم ما في الصحيحين من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بسيفهما فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ) قُلْتُ: هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: (إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ(متفق عليه)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا رَجُلٍ أَمِنَ رَجُلاً عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا)(رواه ابن حبان، وحسنه الألباني)، فلابد من التريث والتعقل والتمهل، سددوا وقاربوا، عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي أيوب: (أَلا أَدُلُّكَ عَلَى تِجَارَةٍ؟)، قَالَ: بَلَى، قَالَ: (صِلْ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا، وَقَرِّبْ بَيْنَهُمْ إِذَا تَبَاعَدُوا(رواه البزار، وقال الألباني: حسن لغيره).

دافعوا عن الحق الذي ترونه، ولكن لا تنسوا الضوابط الشرعية، ولا تتخلوا عن آداب الشريعة الإسلامية السمحاء، واحذروا من تزيين الشيطان وخطواته... تعاملوا مع مصر كأمٍ لكم لها عليكم واجب البر والإحسان، وتعاملوا مع الناس برفق ولين وحكمة مع تمسككم بحقكم، وإياكم والقرارات السريعة غير المدروسة، بل وغير المسئولة.

وإياكم والقرارات الفردية وعليكم بالجماعة، قال الله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(آل عمران:103-104)، وقال -تعالى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(الأنفال:46)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ(رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

والجماعة أن تكون على الحق ولو كنت وحدك، كما قال بعض السلف: "إذا كنت على الحق فأنت الجماعة ولو كنتَ وحدك"، مع أن الجماعةَ في العادة تقتضي شخوصًا كثيرين، لكن ما دُمتَ على الحق وتقفُ في هذا الغَرْز فأنتَ الجماعة وإن كنت وحدك، ونحن نرى أن الدعوة السلفية المباركة على المنهج الحق، وقد بارك الله فيها وانتشرت في بلدان العالم -ولله الحمد والمنة-، وقد ظهر ذلك جليًّا في مواقفها في هذه الفترة الحرجة.

حافظوا على مصر وشعبها وثرواتها، وإياكم والغلو في الأقوال والأفعال والتصريحات النارية التي تخر لها الجبال! فأنتم خيرة الشعوب فكونوا قدوة لغيركم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ، وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا(رواه أبو داود، وصححه الألباني)، فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، فلا تكن أول مَن يوقظ الفتنة ولا تشارك في إشعالها، واعلموا أنه لا غنى عنكم في المجتمع مهما كان انتماؤكم، فأنتم أبناء مصر لا تجعلوا الخلاف بينكم وبين غيركم يأكل الأخضر واليابس.

احذروا من أن تكونوا مظلة تُسفك تحتها الدماء وحافظوا على شباب مصر، وإياكم والغلو في التعبير عن آرائكم ووجهة نظركم، اجعلوا مصر فوق الجميع واجعلوها هدفًا وغاية لابد من المحافظة عليها، لا تكونوا أنتم من ضيعها وسعى في دمارها، فمصر هي الأم فتعاملوا معها بالبر والإحسان، لا تعتدوا عليها وتقتلوها بأيديكم.

لكم حق التعبير عن وجهة نظركم وآرائكم، ولكن احذروا من إحداث الفوضى في المجتمع، واجعلوا مصر أمامكم في تصرفاتكم،واحذروا من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ) فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: (الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ(رواه مسلم).

 تعاملوا مع مصر أُمكم بما يليق، واعلموا أن التغيير لابد أن يكون وفق القواعد التي حددها الدستور المصري الذي يمثل العقد الاجتماعي.

أقول للشعب المصري الأصيل: مهما اختلفنا لابد أن تجمعنا مصر تحت سمائها.

أقول لكل مصري يحب وطنه وبلده: استوصِ بمصر وأهلها خيرًا.

لابد من النظر إلى الأمور من جميع الزوايا والاتجاهات، لا تنظروا تحت أقدامكم، ولكن انظروا إلى المستقبل والمآل، لابد من الترجيح بين المصالح والمفاسد، واحذروا من نشر الفساد في الأرض والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، قالِ- تعالىِ-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ(البقرة:204-205).

ومن ذلك ما بينه -عليه الصلاة والسلام- للأمة في حجة الوداع حين قال: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا... وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟)، قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: (اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ) ثَلاثَ مَرَّاتٍ. (رواه مسلم).

اللهم احفظ مصر من الفتن، واجعلها آمنة مطمئنة ساكنة مستقرة، وسائر بلاد المسلمين.


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي