الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هل خذل حزب النور د.مرسي ؟

وفي الواقع أن د."مرسي" تمسك بالنقطة الثالثة، وإن كان لم يقم بالنقطتين الأولتين مع أنهما أكثر، ولا ينبغي التمسك بها على حسابهما

هل خذل حزب النور د.مرسي ؟
أنا السلفي
الأحد ٢١ يوليو ٢٠١٣ - ٠٠:٠٧ ص
10435
14-رمضان-1434هـ   21-يوليو-2013      

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيواجِه "حزب النور" اتهامات بالتخلي عن د."مرسي"، والتي يُضاف إليها ترديد الكثير من الظنون والاتهامات الباطلة "وهذا في حد ذاته سبب من أسباب الفشل"، والحزب يكتفي في ذلك كله ببيان مواقفه بأوجز عبارة دون أن يعرض الكثير من التفاصيل؛ حتى لا يزيد عرضها هوة الخلاف، ولأن عرض هذه التفاصيل قد يصب في خانة اللوم في وقت الشدة وهو أمر نترفع عنه.

إلا أن الأمر ازداد بدخول كثير من الدعاة إلى الحلبة لينشروا بياناتٍ زاعمين فيها تبرؤ علماء السلفية من "حزب النور" مع أن كثيرًا منهم من جماعة الإخوان، وكثيرًا منهم من التنظيمات السرورية!

والنصيحة وإن كانت مقبولة مِن كل أحد إلا أننا نريد أن نذكِّر دعاة الاتجاه السروري أنهم رفضوا كثيرًا من فتاوى علماء ومشايخ كانوا يعدونهم أئمة العصر؛ بدعوى جهلهم بالواقع، فلماذا يتسرعون ها هنا بالكلام على واقع لا يدرونه لا سيما وأن معظمهم يلوم على "حزب النور" أن يستقل بقراره رغم حداثة عهده بالسياسة، ومِن ثَمَّ ينصحونه أن يبقى في صف التيار الإسلامي؟!

وإذا حللتَ خطابهم وجدتَ أن كلامهم يعني الانقياد خلف الاجتهادات السياسية لجماعة الإخوان، والصف الإسلامي هو من قبل هذا الأمر؛ لأن كل مَن سواهم -الإخوان- حديث عهد بالسياسة.

ثم إن الناصح نفسه -في معظم الأحيان- لا يُعلم عنه اشتغال بالسياسة في بلده، ومَن كان مشتغلاً بها في بلده لا يَعرف تفاصيل الواقع المصري، فتجد أن حاصل نصيحته هي تقليد لاجتهاد الإخوان، بل تقليد لاجتهاد مجموعة معينة من قيادات الإخوان سبق لهم -هذا الاجتهاد- بأعيانهم -بالاشتراك مع آخرين توفاهم الله- في قيادة الإخوان في خمسينات وستينات القرن الماضي، وهو تاريخ لا نود أن نفتحه الآن؛ حتى لا نوغر الصدور، ولكن نكتفي بالإشارة إلى ضرورة التعلم من أخطاء الماضي.

خلاصة الأزمة:

1- لا شك أن جماعة الإخوان يوم أخذت قرارها بتقديم مرشح رئاسي كانت تعلم حجم المشكلات التي تمر بها، وكانت تعلم بوجود الدولة العميقة وانتشار الفساد وانهيار الاقتصاد، وقام نوابها في البرلمان قبيل الانتخابات الرئاسية بالرد على بيان الحكومة بأن طموحات الإصلاح الاقتصادي في البيان دون المستوى المطلوب.

وتركزت الدعاية الانتخابية للمهندس "خيرت" وللدكتور "مرسي" مِن بعده على أن الجماعة قادرة على تثبيت مشاكل الطاقة والكهرباء، والأمن والنظافة، وهي المشكلات التي وصفتها بالمفتعلة وإنها تحتاج "100 يومًا" من استقرار الوضع في هذه المجالات ومنع التلاعب؛ التي زعمت الجماعة معرفتها التامة بآليات التلاعب فيها.

طبعًا هذه نقطة في غاية الأهمية؛ لأن هذا هو المفتاح الذي استطاع خصوم الجماعة أن يسقطوها من خلاله؛ لا سيما أن الجماعة بالغت في دعوة الناس إلى التظاهر والخروج والتنديد و... إذا فشلت في وعودها حتى إن د."مرسي" قال في إحدى حواراته: إنه لو تظاهر ضده العشرات فسوف يترك الحكم.

2- فشل مشروع "الـ100 يومًا" فشلاً ذريعًا، وأدركت الجماعة عجزها عن مقاومة الدولة العميقة، وحاول معارضو الدكتور "مرسي" استثمار ذلك في إسقاطه مبكرًا، ولكن التيار الإسلامي "ومنه الدعوة السلفية" استطاع إقناع الناس بعدم الوقوف عند وعود "الـ100 يومًا"؛ لقصر المدة، ولأن الدستور لم يك قد أقر بعد.

3- صدر الإعلان الدستوري الذي ما زال حتى الآن ابنًا لقيطًا؛ كل الأطراف تتبرأ منه! وقد أيدنا فحواه ورفضنا بعض بنوده تم تعديلها فيما بعد؛ ليتم إخراج الدستور، ولكن كان هذا الإعلان كفيلاً بخلق جبهة معارضة "هي جبهة الإنقاذ"، وإن كان التيار الإسلامي استطاع التغلب عليها في قضية الدستور.

4- كان من المنتظر بعد الدستور: أن يتم محاولة استيعاب جميع مؤسسات الدولة، واستيعاب المعارضة ودفعها إلى العملية السياسية، وفتح الباب أمام عودة ملايين ممن انتسبوا إلى النظام السابق في الدخول إلى الحلبة "بضوابط أخلاقية جديدة"، ولكن في المقابل تم تمرير مادة "العزل السياسي" في الدستور من خلال تحالف "الوسط - والحرية والعدالة"، في حين طالب الكثير من العقلاء بتبني العزل الشعبي لكي يطبق على الفاسدين فسادًا حقيقيًّا دون أن نشعِر قطاعًا واسعًا من الشعب أنهم لم يعد لهم مكان في بلدهم.

5- كان من المنتظر بعد الانتهاء من الدستور: تشكيل حكومة قوية غير حكومة د."هشام قنديل"، وتعيين نائب عام من خلال مجلس القضاء الأعلى، وهي طلبات منطقية وألمحت كثير من تصريحات الإخوان أنها سوف تتم تلقائيًّا، وتم طرح اسم مهندس "خيرت الشاطر" كرئيس للوزراء، وغير ذلك من التصريحات التي اكتفى بها الجميع ولم ينص عليها في الأحكام الانتقالية في الدستور، ليفاجأ الجميع بتأجيل جميع الخطوات إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية التي لا يمكن أن تتم إلا بعد إقرار القانون من المحكمة الدستورية، والتي كانت بطبيعة الحال تشعر بحالة تربص تجاهها!

6- ورغم أن المبرر المُعلَن من إحالة التشريع إلى مجلس الشورى كان هو إنجاز قانون انتخابات البرلمان: إلا أن جماعة الإخوان لجأت إلى تمرير عدد ضخم من القوانين أشعرَ المجتمع كله بالخطر، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه القوانين خلت من أي قانون يحقق العدالة الاجتماعية، وأي قانون يحقق قدرًا من التدرج في تطبيق الشريعة، باستثناء "قانون الصكوك" الذي رفضت الهيئة البرلمانية لحزب "الحرية والعدالة" عرضه على "هيئة كبار العلماء" في أول الأمر حتى تدخل الرئيس!

7- ثم زاد الطين بلة قانون السلطة القضائية الذي جيَّش مؤسسة القضاء تجييشًا شاملاً ضد الرئيس والحكومة.

8- وجدت قناعة لدى الرئيس والحكومة أن الحل الوحيد لمحاولة إنقاذ الوضع الخدمي المتدهور هو زرع أفراد ينتمون إلى الحرية والعدالة أو قريبين منهم على الأقل في الجهاز الإداري.

مما كان له أثر في:

- وجود شعور لدى المواطن العادي -ومنهم مؤيدون للتيار الإسلامي- بأنه أمام حزب وطني آخر.

- وجود فرصة للدولة العميقة لإحداث انهيارات تنسب إلى الإخوان صراحة، ومن أوضح الأمثلة على ذلك: تفاقم أزمات البترول والكهرباء بعد آخر تغييرات في الحكومة، والتي أتت بوزراء محسوبون على الإخوان.

9- بهذا الأداء أصبح لدينا وضع في حالة التأزم، وهو:

- وجود عداء بين الرئيس والحكومة من جهة، وبيْن مؤسسات هامة، مثل: القضاء والمخابرات وغيرها... من جهة أخرى.

- تصاعد السخط الشعبي تدريجيًّا، وزكَّاه الإعلام الذي واجهه الإعلام المساند للرئيس بطريقة خصمت من رصيد الرئيس لا العكس!

10- في هذا الصدد يبرز السؤال الأهم حول دور المؤسسة العسكرية؟ وحتى يعلم الجميع: فإن شبح تكرار "سيناريو 54" سيطر على عقل كثير من الإسلاميين، وتم طرحه للمناقشة عدة مرات مع قيادات الإخوان، ومع غيرهم... ويمكننا أن نقول: إن الإخوان بعد "ثورة 25 يناير" وعوا الدرس جيدًا من ضرورة البعد عن الصدام مع الجيش، ولكنهم لم ينتبهوا إلى أن الجيش هو الذي أنشأ باقي مؤسسات الدولة بعد ثورة يوليو، وأنه يعتبر نفسه حامي لهذه المؤسسات ولن يقف مكتوفًا أمام حالة التربص ضد مؤسسات الدولة "لاسيما القضاء والمخابرات"، كما أنه اكتسب صفة حامي الشعب -مِن استبداد حكامه- بعد ثورة يناير، وأنه لن يصبر كثيرًا بإزاء دعوات التدخل التي تكررت من فصائل المعارضة متذرعين بالانسداد السياسي بينهم وبين الحكم.

لقد بدأ الجيش يدخل في اللعبة بالدعوة إلى حوار سياسي لنزع فتيل الأزمة، في ذلك الوقت كانت مشكلة الرئاسة مع مؤسسات الدولة ومع المعارضة، ولم تكن حالة السخط الشعبي قد وصلت إلى ما وصلت إليه في مطلع شهر يونيو، ثم قامت الرئاسة بإلغاء الحوار، ومنذ ذلك الحين والجيش يتحدث عن أنه لن يتدخل إلا إذا تعرض الأمن القومي للخطر، ثم مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية تحدث عن أن دوره هو الحفاظ على الإرادة الشعبية.

إذن فقد كان الجيش يرى مبررات للتدخل، وكان يرسل رسائل لم تتعامل معها الرئاسة بالجدية الكافية، وبغض النظر عن مدى اتساق هذا مع الدستور من عدمه؛ إلا أن هذا كان واقعًا ونبهنا على ذلك مرارًا.

لقد حاولنا كثيرًا أن نقنع الإخوان برؤيتنا حول دور الجيش، ولكنهم ظلوا حتى يوم "3 يوليو" يراهنون على أن الجيش قد طلق السياسة إلى الأبد.

11- ومع بداية حملة "تمرد" والحملة الإعلامية المصاحبة لها عرضنا على الإخوان أن احتمالات تدخال الجيش تتزايد.

وأن علينا أن نقوم بالآتي:

- تغيير الحكومة والإتيان بحكومة قادرة على حل المشاكل مع محاولة استرضاء الشارع.

- عدم تعيين أي أحد من الإخوان في هذه الفترة.

- عمل مصالحة مع المؤسسات.

بينما بنى الإخوان إستراتيجيتيهم على الآتي:

- استحالة تدخل الجيش!

- إنكار وجود سخط شعبي، وحصر السخط في النصارى والعالمانيين!

وبناءً عليه كانت إستراتيجيتهم تقوم على:

- إظهار التماسك بمزيد من تعيينات المحافظين الإخوان.

- تجييش الإسلاميين ضد الرافضين بوصفهم بالنصارى والعالمانيين، وظهر هذا على هيئة خطاب فيه تلويح بالتكفير وتصريح بالعنف!

- حشد الإسلاميين بالقرب من قصر الاتحادية "ميدان رابعة العدوية"؛ لمنع اقتحام المتظاهرين للقصر.

وبناءً عليه كان رفضنا للاشتراك في هذه الحملة للأسباب الآتية:

- قناعتنا التامة بعدم صحة الحسابات التي بنيت عليها.

- إدراكنا لعمق السخط في الشارع، والذي شمل قطاعًا كبيرًا من المتعاطفين مع الإسلاميين.

- خطاب التكفير والعنف يمثِّل محظورًا شرعيًّا ودعويًّا لا يمكن قبوله.

- مسألة حماية قصر الاتحادية "لا محل لها من الإعراب"؛ حيث إن الجيش إما أن يتدخل بنفسه وهو ما استبعده الإخوان تمامًا، وإما أنه لن يسمح مطلقًا باقتحام القصر الرئاسي؛ لأن هذا ينافي كرامته العسكرية.

وقام الحزب بما يستطيع القيام به من الخطة التي طرحها، وهي محاولة استيعاب الناس وتفريغ شحنة الغضب تجاه التيار الإسلامي.

12- وفي وقت متأخر جدًّا أدركت الرئاسة أن هناك مشكلة، وخرج الرئيس بخطاب...

ولكن الخطاب جاء بآثار عكسية لأسباب، منها:

- خطاب التكفير والعنف الذي خرج من أنصاره قبْلها.

- عدم احتواء الخطاب على أية حلول! حيث كان ملخصه في أزمة الوقود مثلاً أن وزارة البترول تضخ الكميات المطلوبة وزيادة، وفي ذات الوقت أثنى على وزير التموين الذي "يعتبره الإخوان أنجح وزرائهم"، كما بالغ في مدح أداء الداخلية، ومثل ذلك في مشكلة الكهرباء وغيرها من المشاكل!

- الإجراءات الاستثنائية التي أشار إليها الخطاب زادت من توتر الشارع، فتفويض الوزراء بفصل كل مَن يرون أنه يتلاعب، وسحب رخصة أي محطة وقود تتلاعب، مما كان سيفتح الباب أمام مزيد من التخبط واصطياد بعض الضحايا، ويبقى المتلاعبون الحقيقيون لا تستطيع الحكومة -أو لا يريد بعض رجالها- الوصول إليهم!

13- خرج الإخوان -ومَن حالفهم- في مليونية يوم "21-6-2013م" ويوم "28-6-2013م"، وبقوا في ميدان "رابعة العدوية" إلى يوم "30-6-2013م"، وخرجت جموع الناس يوم "30-6-2013م" ولم يحدث ما توقعه الإخوان، ولم يحاول المتظاهرون اقتحام القصر، وتضامنت جميع وسائل الإعلام مع المتظاهرين بما في ذلك تليفزيون الدولة "وهذا يدل على أن مقاليد الدولة خرجت من أيدي الرئيس بالفعل".

واختتم اليوم بمهلة 48 ساعة من قِبَل القوات المسلحة بإنهاء الأزمة؛ وإلا سوف تتدخل القوات المسلحة، وهذا لا يمكن صدروه إلا والجيش مسيطر بالفعل على مقاليد البلاد.

14- في ظل هذا الوضع العملي ناشدت الدعوة الرئيس بالقبول بانتخابات رئاسية مبكرة حيث اتضح أن الدولة بالفعل خرجت مِن يد الرئيس والحكومة، وكالعادة قوبل هذا الأمر بالرفض من الرئيس والإخوان، وتم اتهامنا بالعمالة والخيانة كالعادة!

15- خرج الرئيس بخطاب يستجيب فيه لحلول سبق أن طرحناها عليه قبل خمسة أشهر ووصفتْ حينها بالخيانة، وكانت بالطبع حلولاً قد تجاوزتها الأحداث.

16- بعد الخطاب قام الجيش بعزل الرئيس "مرسي" فعليًّا، والسيطرة على كل مفاصل الدولة.

ومنها:

- القصر الرئاسي.

- مبنى التليفزيون الذي خرج عن طوع وزير الإعلام -رغم أنه من الإخوان- قبلها بأسبوع.

- الوزارات الهامة، ومنها: وزارة البترول التي استطاعت الإدارة الجديدة وبدون الوزير حل مشكلات البنزين والسولار "مما يدل على القدرة على الإدارة بغض النظر عن سبب المشكلة، وإذا كانت مؤامرة وتم إيقافها أو كانت بمعونات عربية... غرضنا فقط إثبات السيطرة".

- انحياز كل قوات الشرطة إلى المعارضين للرئيس.

- انحياز كل قوات الجيش للمعارضين.

ومن المعروف من الناحية الواقعية أن بعض هذه المظاهر كافٍ لاعتبار هذه الإدارة سلطة فعلية في البلاد.

وكان الاختيار بيْن:

- مواجهة هذه السلطة.

- مقاطعة هذه السلطة.

- المشاركة بغرض تقليل الشر والفساد.

أما المواجهة: فمن المعلوم الرفض القاطع "للدعوة السلفية" لخيار المواجهة المسلحة، وما زال الخطر الأكبر الذي يتهدد الدعوة الآن هو احتمال تورط الحركة الإسلامية في خيار المواجهة المسلحة والدخول في النموذج الجزائري.

وفي الواقع: فبالإضافة إلى ما استقر في كتاباتنا من الكلام عن مفاسد المواجهة المسلحة، فإن الخطورة هنا تزداد من عدة أمور:

- أن المواجهة المسلحة الآن مع الجيش، وهو الجيش الوحيد الذي يقف في مواجهة إسرائيل، وعندما نفكر في مواجهة الجيش أو التعويل على إحداث انشقاق داخله ينبغي أن ندرس أثر ذلك على المصالح العليا، وليس فقط الموقف الآني.

- وأما المواجهة السلمية عن طريق الاعتصامات والمظاهرات ففيها بعض الأمور، منها:

1- عدم ضمان الحفاظ على السلمية في ظل ما أعلن عن استعداد للعنف، وهو أمر يجعل العنف قاب قوسين أو أدنى من الحدوث، وقد حدث في الحرس الجمهوري مع إدانتنا لما حدث.

2- استمرار وجود حالة السخط الشعبي على حكم د. "مرسي"، والاعتصامات والمظاهرات سوف تظهِر الإسلاميين في مظهر الحريصين على الحكم، وهو ما حدث بالفعل.

وفي الواقع: إن تقييمنا للمشاركة في الحكم كوسيلة جانبية مساعدة على منهج الإصلاح في مقابل مَن يرى أن الوصول إلى الحكم هو الأصل - جعل التقييم مختلفًا؛ وإن كان حتى عند مَن يرى أن الحكم هو أهم شيء فمن الصعب جدًّا -وربما كان مستحيلاً- الاستمرار في الحكم في ظل هذه الدرجة من المعارضة والممانعة من طوائف كبيرة من الشعب ومن المؤسسات، فالذين يختارون سبيل المواجهة السلمية من أجل إعادة الرئيس "مرسي" نسألهم: هب أنه عاد اليوم، كيف سيدير الدولة في ظل الخلاف الحاد بينه وبين الجيش والشرطة والمخابرات والقضاء، وقطاع واسع من الشعب؟!

ماذا سيفعل عندما تعود "الدولة العميقة" بأوراق البنزين والسولار، وغيرها... ؟! وهي ملفات لا تستطيع الحكومة ضبطها إلا بمعاونة المخابرات والداخلية، مما يعني أن بمجرد عودة د."مرسي" ستعود هذه الأزمات بأعنف مما كانت عليه؛ فماذا سيفعل الشعب بنا وقتها؟!

- وأما خيار الانسحاب: فقد يكلف الحركة الإسلامية الاختفاء وتسليم الناس إلى أصحاب الأيديولوجيات المخالفة، وانسحاب الإخوان وحلفاؤهم من المشهد لصالح المقاومة.

- فكان خيار المشاركة: بغرض الحفاظ على كل ما نستطيع الحفاظ عليه، ويبقى أن نناقش بعض الاعتراضات التي وُجهت لموقف الحزب.

1- لماذا لم يشارك الحزب في مظاهرات "21-6-2013م" لتأييد د."مرسي"؟!

ج- ليس لأحد أن يلزمنا باجتهاده، وقد كان اجتهادنا -وما زال- أننا لم نكن نرغب في تعميق انقسام الشارع إلى إسلاميين وغير إسلاميين، وأننا كنا في حاجة إلى تفريغ شحنة الغضب لدى العامة "لاسيما وأن لها ما يبررها" كما أننا طالبنا منظمي هذه الفاعليات بإيقاف خطاب التكفير والعنف، واعتذروا بالحرج من مطالبة الرموز التي تنتهج هذا الخطاب بإيقافه! وهذا قضى على أي احتمال لإعادة دراسة الموقف من مليونية "21 ـ 6 ـ 2013م".

2- لماذا لم يشارك الحزب في مظاهرات "28-6-2013م"؟!

ج- تم الاتفاق مع مكتب الإرشاد على عدم النزول يوم "28-6-2013م" بناءً على أن رؤيتهم أن الجيش من المستحيل أن يتخلى عن د."مرسي"، ونحن كنا نرى أنه من المستحيل أن يتخلى عن القصر وإن كان مِن الممكن أن ينحاز إلى المتظاهرين إذا زاد عددهم عن حد معين "وهو ما حدث"؛ ولم يكن لمعتصمي "رابعة" أي دور حتى تم إعلان "3 يوليو".

3- الرئيس له في أعناقنا بيعة توجب نصرته...

والجواب عن هذه الشبهة من جهتين:

الأولى: هل للرئيس بيعة مثل بيعة الإمام؟ وأين هي؟ ومتى تمت؟!

الجواب: هو إنزال الانتخابات منزلة البيعة، وهذا يعني الالتزام بالدستور كما هي شعارات أنصار د. "مرسي" الآن، وهذا الدستور يبيح المظاهرات ووسائل التعبير السلمي، وهو ما قام به المخالفون فلم نكن نستطيع منعهم من ذلك، وغاية ما فعلناه هو أننا لم نشارك ضده؛ ولكن التصدي لمن خرج ضده أمر يخالف الدستور.

ثم إن قلنا: إنه وإن كان قد وصل للرئاسة بالانتخابات فهي وسيلة يمكن تخريجها شرعًا على التغلب، ومِن ثَمَّ يمكن اعتباره إمامًا متغلبًا، وبناءً على هذا التعريف يكون تغلبه قد حصل لطاعة الجيش والشرطة له بصفته الرئيس الأعلى لهم، ومِن ثَمَّ يزول عنه وصف التغلب إذا خرج الجيش والشرطة عن طوعه؛ وهذا الأمر يجعل خروج الجيش والشرطة عن طوعه -وإن أنكرتَه ابتداءً-، لكن في حالة حدوثه واستمراره فيكون حكم المتغلب حينئذٍ من نصيبهم.

- وقد قدمنا لك أن الجيش قد تدرج في تغلبه، ولكن بلغ الأمر ذروته في الإعلان الذي سبق "30-6-2013م" بأسبوع؛ ثم الذي كان "1 يوليو"، وتم الإعلان عنه في "3 يوليو".

- فالحاصل: إننا لم نخرج عليه، ولم نعاون الخارجين عليه، ولم نتعامل مع السلطة القائمة بعده إلا بعد ما تغلبت "ومن أجل المصلحة العامة".

- وغني عن الذكر أن الإخوان يتعاملون مع هذه السلطة على الأقل فيما يتعلق بأمر ملاحقة قادتهم -نسأل الله أن يفرج عنهم-، وفي أمر تأمين مقراتهم، وفي أمر حماية متظاهريهم من البلطجية، ونحن نقوم في ذلك بجزء كبير -بفضل الله عز وجل-.

4- ما القول في الإجماع على وجوب إنقاذ الإمام إذا أُسِر؟!

ج- في الواقع: إن هذا الإجماع هو فرع عن الإجماع على وجوب السعي في فك أسر أي مسلم، وإلقاء القبض على الدعاة إلى الله من قِبَل السلطات الحاكمة والذي كان يتم قبل "25 يناير" هو نوع من الأسر، ومع ذلك كنا نتبع في ذلك الأساليب القانونية، ونُعمِل في ذلك المصالح والمفاسد، والذي حدث هو أنه تغلب متغلب على الحكم، وقام بتحديد إقامة د."مرسي"، ويجب السعي في فك أسره وفق القواعد الشرعية المعتبرة.

وبالطبع في حالة وجود إمام أو حتى رئيس قد أُسر من عدو خارجي، فإن نائبه يقوم مقامه أو تبايع الأمة غيره ثم تسعى إلى إعادته.

وأما في حالة تغلب متغلب وأسره للحاكم الذي قبله، فيجب أيضًا العمل على إطلاق سراحه كما يسعى إلى إطلاق سراح آحاد المسلمين المظلومين الذين يقعون في حبس سلطة مسلمة متغلبة، ولقد كان العلماء عبر التاريخ يرون مَن يخرج على مَن قبله ويقتله أو يحبسه ويتعاملون مع المتغلب حقيقة.

مع الأخذ في الاعتبار أن الإخوان، ومنهم د."مرسي" والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التي أمينها العام د."محمد يسري" الذي نادى بتطبيق كلام الماوردي في إنقاذ الإمام إذا وقع في الأسر على د."مرسي" - سبق لهم التعامل مع المجلس العسكري كسلطة متغلبة، بل كان السبب الرئيسي لخلاف الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح مع الشيخ "حازم أبو إسماعيل" هو موقفه المناوئ للمجلس العسكري في أحداث "محمد محمود" الأولى، وقد كان تعليل د."محمد يسري" خاصة بأن ذلك يؤدي بنا إلى المسار السوري.

ونحن ما زلنا على إصرارنا على رفض المسار السوري وإن كان ذلك على حساب المسار الديمقراطي.

ومن الملفت للنظر هنا: أن بعض الدعاة السلفيين يخاطبوننا بخطاب شرعي كالوفاء ببيعة الإمام، وكالحرص على تطبيق الشريعة في حين أن "منصة رابعة" تتحدث عن الرئيس المنتخب والمشروع الديمقراطي، وأن القضية ليست عودة الرئيس "مرسي"؛ مما يعني أن القضية ليست قضية بيعة، وإنما القضية هي تثبيت التجربة الديمقراطية!

5- وهذا يقودنا إلى الشبهة التي بعدها، وهي: كيف تقبلون بأن تكونوا في صف العالمانيين والنصارى؟ وكيف يمكن أن يُسمح لبابا النصارى بعزل رئيس مسلم حافظ للقرآن؟!

ج- وقد تقدمت الإجابة أن مَن عزله هو الجيش، وأن إجراءات العزل تمت ببطء والرئيس عاجز حيالها؛ مما يؤكد عجزه وتغلب الطرف الآخر.

وأما وجودنا بعد تمام العزل: فالقاصي والداني يعلم أننا ما تواجدنا إلا للحفاظ على "الهوية الإسلامية" في الدستور، وبقاء حزب سياسي إسلامي يمكن أن يحافظ على مكاسب التيار الإسلامي ككل، بل والمطالبة والسعي إلى بقاء حزب الحرية والعدالة في الساحة السياسية.

ومرة أخرى: فإن "منصة رابعة" لا تفتأ تعلن أن اعتصامهم ليس للإسلاميين، وأن فيه نصارى وعلمانيين وليبراليين... ! وأن القضية مَن مع الانقلاب، ومَن ضد الانقلاب!

وفي الواقع: أنه وبغض النظر عن قضية مسمى الانقلاب، فقد تم التغلب التام أمام سمع وبصر الرئيس على مراحل -كما بيَّنا-.

6- وهل تضمنون الحفاظ على كل المكاسب؟

ج- نحن نتوكل على الله، ونأخذ بالأسباب وفق غلبة الظن، وبما يتوافر من اقتراحات يحصل بها غلبة الظن أنها سوف تؤدي إلى مصالح أعلى، أما الفرار إلى صدامات فضلاً أن تكون هذه المصادمات مع جيش وشعب وشرطة... فلا ينبغي أن يدفعنا الخوف من المستقبل إلى ارتكاب حماقات في الحاضر سوف يُحاسب عليها صاحبها في الدنيا والآخرة.

ومن المواقف التي يُستدل بها على هذا الموقف: قصة تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية -رضي الله عن الجميع- وليس المقصود التطابق التام بين الموقفين، وإنما المقصود بيان مشروعية ارتكاب أدنى المفسدتين "تنازل الحسن" رغم أنه مبايع بالخلافة، ورغم أنه أفضل من معاوية -رضي الله عنهما- من أجل دفع أكبرهما "وهي القتال بين المسلمين".

ومن المواقف التي استدل بها كلٌ من الفريقين: قصة تنازل عثمان -رضي الله عنه-، وفي الواقع أن القصة في ثلاثة مواقف:

1- مناقشته للخارجين عليه وإزالة شبهاتهم.

2- رفضه أن يدافع الصحابة عنه حتى لا يُراق دم في سبيله، واستدعاؤه لعدد كبير من الجند من الشام حتى يستطيعوا القضاء على الخارجين عليه بدون دماء.

3- رفضه التنازل عن الخلافة.

وفي الواقع أن د."مرسي" تمسك بالنقطة الثالثة، وإن كان لم يقم بالنقطتين الأولتين مع أنهما أكثر، ولا ينبغي التمسك بها على حسابهما؛ بدليل فعل الحسن مع معاوية -رضي الله عنهما-، وقد اعترض البعض على هذه الأمثلة من أساسها على أساس أن المقارنة هنا بين نظام حكم إسلامي ونظام حكم عالماني.

وفي الواقع: إن هذا يقال في حالة الاختيار، وقد قدَّمنا أن تغلب المجلس العسكري قد حصل، ويبقى المشاركة فيما وراء ذلك، كما أن التجربة أثبتت أن المحددات الواقعية التي تمارس على الرئيس الإسلامي؛ لا سيما إذا كان إخوانيًّا تجعل وجوده في السلطة التنفيذية وإن كان مفيدًا؛ إلا أنه لا يستطيع من الناحية العملية أن يغير تغييرًا ذا بال.

فاللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وسلم بلادنا -وبلاد المسلمين- مِن كل سوء وشر.

www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة