الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

استعينوا بالله واصبروا (خطبة مقترحة)

ولن ينال أهل الإيمان المكانة العالية في الآخرة إلا بعد الامتحان في الدنيا

استعينوا بالله واصبروا (خطبة مقترحة)
سعيد محمود
الأربعاء ٢١ أغسطس ٢٠١٣ - ١٠:٣٠ ص
5316
14-شوال-1434هـ   20-أغسطس-2013      

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الخطبة:

تذكرة لأبناء التيار الإسلامي خصوصًا وللمسلمين عمومًا في هذه الفتن الدائرة بفضل عبادة الصبر.

المقدمة:

- بيان أن الصبر عند الشدائد والفتن يكون بعده النصر والفرج، وليس كما يظن كثير من المتعجلين بدافع الغيرة على الدين من غير بصيرة واستبصار للسنن الشرعية والكونية، قال الله -تعالى-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(يوسف:108).

- الدعوة إلى الله، والعمل لنصرة دينه بغير بصيرة يضر أكثر مما ينفع، والواقع والتاريخ يشهد بذلك، فكم من دعوات جَلبت على الدعوة الإسلامية المفاسد الكثيرة بسبب الغيرة والحماسة الخالية من البصيرة.

ومِن أبرز ذلك: اعتبار كثير من هؤلاء عبادة الصبر عند الفتن مِن الذل والتخاذل! على رغم أنها كانت من أبرز العبادات أثناء المرحلة المكية.

- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمر بأصحابه وهم يعذبون في أنحاء مكة، يقول لهم: (صَبْرًا يَا آلَ يَاسِرٍ؛ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ)(رواه الحاكم، وقال الألباني: حسن صحيح)، ويقول لمن تعجل: (وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ(رواه البخاري).

تمهيد للكلام عن الصبر:

اختبر الله -عز وجل- عباده بأنواع ثلاثة من الابتلاء:

النوع الأول: هو التكاليف الشرعية "الأمر والنهي" هل يطيع ربه فيما أمر، وينتهي عما نهى عنه وزجر؟

النوع الثاني: الأمور الخبرية، هل يؤمن بالغيب الذي أخبر الله -عز وجل- به، مما لم يقع تحت حواسه؟

النوع الثالث: هو القضاء والقدر، هل يسلم العبد لقضاء الله وقدره، ويصبر على ما قدره عليه مما يشق على النفوس مع سعيه في الأسباب المشروعة ليكون دائمًا على طريق الحق والهدى؟ "ينبه الخطيب على أن هذا النوع الأخير هو مقصود الحديث أكثر من سابقيه".

الابتلاء بالشدائد والفتن امتحان لابد منه:

- سنة الله في الناس ليظهر الصادق من الكاذب: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً(الكهف:7)، وقال الله -تعالى-: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ(العنكبوت:2).

- ولن ينال أهل الإيمان المكانة العالية في الآخرة إلا بعد الامتحان في الدنيا، قال الله -تعالى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ(آل عمران:142).

- وسنة الله أن حملة الدين هم أكثر الناس ابتلاءً بالشدائد، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ(الأنعام:34).

- لذا فهم أشد الناس حاجة إلى الصبر: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(لقمان:17)، فالداعي يجاهد في ميدانين: الأول: ميدان نفسه، يجاهدها بالصبر على الطاعات وترك المعاصي، والثاني: خارج نفسه، وهو صبره على البلاء والمحن والشدائد والأذى.

فضل الصبر والصابرين:

- الصابرون أهل معية الله: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(الأنفال:46).

- الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ(السجدة:24).

- الفلاح في الأمور متعلق بالصبر والمجاهدة في تحصيله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(آل عمران:200)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ(متفق عليه).

- الصبر والتقوى من أعظم ما يُواجَه به مكر الأعداء: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا)(آل عمران:120).

- الصبر على الشدائد عاقبته الجزاء الأوفر: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ(البقرة:155-157).

- فالصبر عاقبته خير للعبد في الدنيا والآخرة: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ(النحل:126)، وقال الله -تعالى-: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ(المؤمنون:111).

صور من صبر الأنبياء والصالحين:

- صبر نبي الله نوح -عليه السلام- على تكذيب قومه، قال الله -تعالى-: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا(العنكبوت:14)، وقال عنه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا . وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا(نوح:5-7).

- صبر نبي الله يوسف -عليه السلام- على المحن، ولا سيما بعد لقاء إخوته، وعظيم صبره وحلمه.

- صبر نبي الله موسى -عليه السلام- على ظلم فرعون، ووصية قومه بذلك: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(الأعراف:128).

- صبر نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- طوال الفترة المكية، ثم ما كان من صبره على كثير من المحن والشدائد في الفترة المدنية، والقرآن ينزل يأمره بالصبر: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ(الأنعام:34)، وقال -تعالى-: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً(المزمل:10)، "إشارة إلى الإيذاء والاضطهاد والاعتداء، بل وقتل بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم".

قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ-، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلاَلٌ، وَالْمِقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ- فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلاَّ بِلاَلاً، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ" (رواه أحمد وابن ماجه، وحسنه الألباني).

أسباب معينة على الصبر:

1- تدبر ما سبق من الآيات والأحاديث في فضل الصبر.

2- دراسة سِيَر الأنبياء والمرسلين؛ لا سيما الفترة المكية في حياة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

3- العلم بأن القدر سبق بذلك، وأن كل شيء قدَّره الله له فيه حكمة، فهو العليم الحكيم، قال الله -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) ثم قال: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ.. (الحديد:22-23).

4- أن يعلم العبد أن عواقب الأمور تتشابه في الغيوب، فرب محبوب في مكروه، ومكروه في محبوب، قال الله -تعالى-: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(البقرة:216).

5- المصائب تفتح على العبد أبوابًا مِن العبادات: "الدعاء - الإنابة - الافتقار"، كما قال الله -تعالى-: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ(الروم:33).

6- أن يعلم أن العاقبة والنصر للمؤمنين، ولكنها مراحل يقدِّرها الله لحكم كثيرة، قال الله -تعالى-: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)(آل عمران:141-141)، وقال الله -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور:55).

وقال الله -تعالى-: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(الأعراف:128)، وقال الله -تعالى-: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(القصص:5-6)، وقال الله -تعالى-: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(آل عمران:196-197).

فاللهم يا مثبت القلوب، ثبت قلوبنا على دينك حتى نلقاك.


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة