الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

لا تخف..ولا تحزن

وهذا وإن كان له ما يبرره من مظاهر عدة أضف إلى ذلك طبيعة البشر في الضعف أمام

لا تخف..ولا تحزن
وليد شكر
الأربعاء ٠٤ سبتمبر ٢٠١٣ - ١٢:١٣ م
2748

لا تخف ولا تحزن

كتبه / وليد شكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم ..وبعد

فالحزن على ما قد فات والخوف مما هو آت حالتان تكتنفان غالبية أبناء التيار الإسلامي اليوم

وهذا وإن كان له ما يبرره من مظاهر عدة أضف إلى ذلك طبيعة البشر في الضعف أمام هذين الأمرين أعنى الحزن والخوف إلا أن المسلم ينبغي ألا يستسلم أمام مثل تلك الأمور لأنه يملك في مواجهتها مالا يملكه غيره من البشر وإذا كنا نتحدث عن قوم أكثر علما بدينهم وأشد تمسكا به فالأمر في حقهم أولى وآكد

أيها الأحبة

كثيرا ما نقرا في وصف المؤمنين أنهم (( لا خوف عليهم ولاهم يحزنون )) وهذه الآيات وان كانت تتحدث عن حال المؤمنين في نهاية دنياهم والاقبال على أخراهم إلا انها تنطبق أيضا عليهم إذا أصابهم ما يوجب الحزن والخوف في الدنيا فهم كذلك لا خوف عليهم ولاهم يحزنون

والحزن الذى نخشاه ونحذر من مغبته وهو أبعد ما يكون عن المؤمن الحق هو ما يعترى البعض اليوم أن يحزن حزنا يحبطه ويقعده عن العمل وكذلك الخوف الذى يمنع من مواصلة الطريق ويفضى إلى الانزواء

وهذا الوصف للمؤمنين (( لا خوف عليهم ولاهم يحزنون )) ليس مجانا ولا يعطى لكل احد بل لا يأخذه إلا من سلك طريقه وأخذ بأسبابه

وسبيل المؤمن الذى لا يحزن معه هذا الحزن المذموم هو إيمانه بالقضاء والقدر فلا يحتاج المؤمن ليزيح عنه هذا الحزن إلا إلى أن يذكر نفسه بقوله تعالى ((كان ذلك في الكتاب مسطورا))

ويسلى نفسه بقول النبي صلى الله عليه وسلم (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك )

وأن ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن وأن ما يحزنك قد كتبه الله فى اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة

يذكر نفسه بقوله تعالى (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

ومن المعلوم ان القدر إنما يحتج به في المصائب لا في الاخطاء والمعائب لاسيما اذا كانت هذه المصائب من صنع غيرك وقد حاولت جهدك تجنبها فلم تستطع وأسديت النصح فلم يستجب لك .

وأما سبيل المؤمن الذى لا يخاف معه هذا الخوف المذموم فهو توكله على الله فالتوكل على الله أن تعتمد عليه سبحانه في أمر تعجز قواك عنه وما تعجز قواك عن مواجهته هو ما يخيفك في هذه الحياة والله عز وجل لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض انه كان عليما قديرا ومن علم قدرة ربه واستحضرها علم أن كل قوى دونه ضعيف وكل عزيز دونه ذليل وكيف لا وهو من يدبر أمر خلقه جميعا لا يخرجون عن ملكه وسلطانه طرفة عين سواء في ذلك من تخافه وما تخافه إذا شاء سبحانه سار العزيز منهم ذليلا وقد رأينا وصار الغنى فيهم فقيرا وقد رأينا وسار السليم فيهم سقيما وقد رأينا فمن تخاف اذا توكلت على من تخافه الملائكة العظام وتندك لتجليه الجبال الرواسي ويسبح الرعد بحمده قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : t; لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي رَأَيْتُ جِبْرِيلَ كالْحِلْسِ الْبَالِي مُلْقًى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ; .

أليس من هذا شانه قادرا على نصر دينه وتمكين شرعه وكيف تخاف على دين انزله هذا الرب العظيم وتكفل بحفظه وعلوه هذا الملك القدير

ان هذا المعنى الإيماني هو ما يجعل العاملين للدين يمضون في جهادهم لا يخافون الا الله ولا يرهبهم سطوة من سواه مهما اشتدت الفتن وعظمت الخطوب فقلوبهم مطمئنة ببرد اليقين الذى يجعله في قلوبهم القوى المتين فلا التواكل والعجز عرف إلى قلوبهم سبيلا ولا اليأس والخوف نال منهم فتيلا أو قطميرا إنما هو التوكل المفضي إلى العمل الموجب للأخذ بالأسباب الموصل في النهاية إلى نتيجة تقول ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ))

هذا هو عينه المعنى الذى سطره التاريخ عن صلاح الدين الأيوبي بقلم من نور عندما سأله احد أمراء الفرنجة وقد وقع أسيرا في أيدى المسلمين

كيف استطعتم ان تصمدوا أمامنا كل تلك السنين جيلا بعد جيل رغم قوتنا وضعفكم فأجابه

(قد يخاف المرء على نفسه كفرد ولكنه ابدا لا يخشى على معينه كأمة انه برد اليقين)

كما أن هذا النوع من الخوف ينسى معه العبد

أن حقيقة المعركة مع من يحاربون الاسلام ليست بين المستضعفين من المؤمنين والمتجبرين من الكارهين وإنما هي بين رب العالمين وبين فئة متمردة من عباده ومعركة كهذه معلومة النتائج محسومة العواقب وهذا ما يؤكده القرءان دوما في آياته قال تعالى ويمكرون ويمكر الله

وقال تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وقال تعالى يخادعون الله وهو خادعهم

هذا النوع من الخوف ينسى معه العبد

ان ما يحدث من ظهور للمعاندين لهذا الدين في فترة زمنية معينة ليست هي نهاية التاريخ وإنما هي صفحة سرعان ما تطوى وحلقة سرعان ما تنتهى وكم كانت من دول و كم وجدت من حضارات فزالت وبقى الاسلام واندحرت وثبت المسلمون والا فأين حضارة فارس والرومان وملوك اليمن والفراعنة

هذا النوع من الخوف ينسى معه العبد

ان وعد الله لا يتخلف وهو كائن لامحالة والله لا يخلف الميعاد وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا

وقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « إِنَّ اَللَّهَ زَوَى لِي اَلْأَرْضَ, فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا, وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا,

فهل آن لنا أيها الاحبة أن يجلو الايمان بالقدر قلوبنا فلا نحزن وان تطمئن بالتوكل على الله صدورنا فلا نخاف لنكون من أهل قوله تعالى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون

فاذا ما عصمنا الله من هذين الأمرين المريرين تفرغنا للعمل الذى نحن أحوج ما نكون إليه ولا سبيل لنا إليه إلا بالتخلص منهما فكما ذكر الخبير النفسي الدكتور احمد عكاشة أن تفكير الإنسان فيما يحزنه مما مضى وما يقلقله من مستقبله يقضى على أربعين بالمائة من طاقته هذا ان استطاع ان يقف عند هذا الحد المعقول من التفكير والا فهذا الحالان كفيلان أن يقضيا على الإنسان كلية اذا ما استرسل فيهما فاعمل بنصيحة نبيك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ - حديث صحيح رواه مسلم

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة