السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ملخص مادة الحكم بما أنزل الله ( دورة القضايا الفكرية )

الأسئلة المتوقعة

ملخص مادة الحكم بما أنزل الله ( دورة القضايا الفكرية )
الخميس ٢٦ سبتمبر ٢٠١٣ - ٠٤:٤٢ ص
4743

ملخص مادة الحكم بما أنزل الله

( دورة القضايا الفكرية )

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وبعد :

س1 : متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أكبر ومتى يكون كفراً أصغر؟

جـ ـ يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أكبراً في ست حالات وهي :

  1. أن يجحد الحاكمُ بغير ما أنزل الله أحقيّة حُكمِ الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم؛ فإنّ الأصول المتقررة المتّفق عليها بينهم أنّ مَنْ جَحَدَ أصلاً من أصول الدين أو فرعًا مُجمعًا عليه، أو أنكر حرفًا مما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قطعيًّا، فإنّه كافر الكفرَ الناقل عن الملّة, فتكذيب المعلوم من الدين بالضرورة تكذيب لله ـ عز وجل ـ وتكذيب لرسله وكتبه, قال تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بئاياته إنه لا يفلح الظالمون ) .
  2. أنْ لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كونَ حُكم اللهِ ورسولِهِ حقًّا، لكن اعتقد أنّ حُكم غير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسنُ من حُكمه، وأتمّ وأشمللما يحتاجه الناسُ من الحُكم بينهم عند التنازع، إمّا مُطلقًا، أو بالنسبة إلى ما استجدّ من الحوادث التي نشأت عن تطوّر الزمان وتغير الأحوال، وهذا أيضًا لا ريب أنه كافرٌ؛ لتفضيله أحكامَ المخلوقين ـ التي هي محضُ زبالةِ الأذهانوصِرْفُ حُثالة الأفكار ـ على حُكم الحكيم الحميد قال تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) .
  3. أنْ لا يعتقد كونَه أحسن من حُكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنه مثله؛ فهذا كالنوعين اللذين قبله في كونه كافرًا الكفرالناقل عن الملّة؛ لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق والمناقضة والمعاندة لقوله عزّ وجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء)، وقوله تعالى على لسان أهل النار: (تالله إن كنا لفي ضلال مبين . إذ نسويكم برب العالمين) ونحوها من الآيات الكريمة الدالّة على تفرُّدِ الربّ بالكمال وتنزيهه عن مماثلة المخلوقين في الذات والصفات والأفعال والحُكم بين الناس فيما يتنازعون فيه .
  4. أنْ لا يعتقد كون حُكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله، فضلاً عن أنْ يعتقدَ كونه أحسن منه، لكن اعتقد جواز الحُكم بما يخالف حُكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا كالذي قبله يصدُقُ عليه ما يصدق عليه؛ لاعتقاده جوازَ ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه, قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتدا باتفاق الفقهاء ", وقال أيضا : " ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر, فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر " .
  5. المحاكم الوضعية التي تحكم بالقانون المُلفّق من شرائعَ شتى وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك، يحكُمُ حُكّامُها بين الناس بما يخالف حُكم السُنّة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتُلزمهم به، وتُقِرُّهم عليه، وتُحتِّمُه عليهم فيجب على العُقلاء أن يربئوا بنفوسهم عنه؛ لما فيه من الاستعباد لهموالتحكم فيهم بالأهواء والأغراض والأغلاط والأخطاء، فضلاً عن كونه كفرًا بنصِّ قوله تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون )
  6. ما يحكُم به كثيرٌ من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهممن حكايات آبائهم وأجدادهم، يتوارثون ذلك منهم، ويحكمون به ويحُضُّون على التحاكم إليه عند النـزاع، بقاء على أحكام الجاهلية، وإعراضًا ورغبةً عن حُكم الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله, قال تعالى : " يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً " ، " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً " .

ويكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغراً في حالة واحدة وهي :

ما لا يُخرجُ من الملة؛ فقد ورد عنابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عند تفسيره لقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (ومَنْ لَمْيَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون) فقال : (كُفر دون كفر)، وقوله أيضًا : (ليس بالكفر الذي تذهبون إليه) ووذلك بأن تكون السيادة للحكم بالشريعة، ولكن تَحْمِلَهُ شهوتُه وهواهُ على الحُكم في القضية بغير ما أنزل الله، مع اعتقاده أنّ حُكم الله ورسوله هو الحقّ، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى، وهذا ـ وإنْ لم يُخرِجْه كُفْرُه عن الملّة ـ فإنه معصية عُظمى أكبرُ من الكبائر، كالزنا وشُرب الخمروالسّرِقة واليمين الغموس وغيرها؛ فإنّ معصيةً سمّاها اللهُ في كتابه كفرًا أعظمُ من معصية لميُسمِّها كُفرًا .

س2 : ما الفرق بين مجالس الصلح ومجالس التحكيم ؟

جـ ـ

1 - مجالس الصلح : 

          ‌أ - يقوم الوسيط بعرض الصلح على الطرفين بأن يتنازل كل منهما عن شيء من حقه بشرط :

  • ألا يكون في حد من حدود الله .
  • ألا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً .

        ‌ب - يشترط أن يكون ذلك برضا الطرفين بعد علمهما بالحكم وهذا في الحقيقة ليس حكماً , بل عرض للصلح .

         ‌ج - إن رضي أحدهما أن يترك شيئًا من حقه من غير إلزام فلا بأس، وإن رفض فلا يلزم بالتنازل, ويجب أن يحكم بحقه كاملاً .

2 - مجالس التحكيم : 

                      ‌أ - أن يرضى كل طرف بفلان حكما فقط .

                    ‌ب - أن يحكم المحكم بينهما بما أنزل الله وجوباً .

                     ‌ج - لزوم حكم المحكم و وجوب نفاذه, ولا يشترط لنفاذه أن يرضيا به بعد علمهما به .

أما إذا حكم المحكم بينهما بغير ما أنزل الله, وألزم الناس بخلاف الشرع, فيلحق هذا الأمر بالنوع السادس من أنواع الكفر الأكبر في الحكم بغير ما أنزل الله .

س3 : عرف الطاغوت, واذكر كيفية الكفر به ؟

جـ ـ

  • تعريف الطاغوت :

يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : " الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع, فطاغوت كل قوم :

             ‌أ - من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله .

           ‌ب - أو يعبدونه من دون الله .

            ‌ج - أو يتبعونه على غير بصيرة من الله .

            ‌د - أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله .

  • كيفية الكفر به :
  1. اعتقاد بطلان ما ادعاه الطواغيت لأنفسهم من صفات الربوبية أو حقوق الألوهية .
  2. بغضهم باطناً ومعاداتهم ظاهراً .
  3. تكفير أهلها والتصريح بعداوتهم .
  4. السعي بكل ما يُقدر عليه باللسان واليد والمال لإبطال عبادة الطواغيت, حتى يكون الدين لله .

س4 : اذكر من الكتاب والسنة ارتباط قضية الحكم بأنواع التوحيد الثلاثة ؟

جـ ـ

  1. ارتباط قضية الحكم بتوحيد الأسماء والصفات :

          ‌أ - قال الله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) .

        ‌ب - قال تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) .

         ‌ج - قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إن الله هو الحكم، وإليه الحكم). فالحكم صفة ثابتة لله تعالى لا ينازعه فيها مخلوق .

  1. ارتباط قضية الحكم بتوحيد الربوبية :

          ‌أ - قال تعالى : (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) . 

        ‌ب - قال تعالى : (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) .

         ‌ج - قال تعالى : (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) .

          ‌د - عن عدي بن حاتم أنه أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقرأ هذه الآية، فقال : " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه " .

  1. ارتباط قضية الحكم بتوحيد الألوهية :

          ‌أ - قال تعالى : (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) .

        ‌ب - قال تعالى : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) .

         ‌ج - قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً) .

          ‌د - كان من دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الاستفتاح في صلاة التهجد : " وإليك حاكمت " .

س5 : اذكر دليل من الكتاب والسنة على أن الشرك في الحكم كالشرك في الدعاء ؟

  1. قال الله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ), هذا إخبار عن مجمل دعوة الرسل من الدعاء إلى العبادة بمفهومها العام، وهي كل ما يتقرب به العبد إلى الله على ألسنة رسله ، وليس ذلك مقصورًا على الدعاء فقط .
  2. أَوَليس من العبادة التزام أمر الله تعالى وعدم رده ؟
  3. قال الله تعالى : ( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ), ففصل لهم الأمر وبين لهم أن إفراد الله تعالى بالحكم كإفراده بالدعاء, بل فيه إشارة إلى أن سبب الشرك في العبادة شرك في الحكم برد أمر الله وعدم قبوله .
  4. قال الله تعالى عن بني إسرائيل : ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ), فجعل اتباعهم للأحبار والرهبان في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله قرينا لعبادتهم للمسيح عليه السلام ودعائهم إياه من دون الله .
  5. فعن عدي بن حاتم أنه أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقرأ الآية السابقة، فقال : " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه " .
  6. قال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في أضواء البيان : " فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته،  قال في حكمه : ( ولا يشرك في حكمه أحداً ) وفي قراءة ابن عامر من السبعة : ( ولا تشرك في حكمه أحداً ) بصيغة النهي, وقال في الإشراك به في عبادته : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ) فالأمران سواء .

س6 : كيف ترد على من يقول أن آيات تكفير من يحكم بغير ما أنزل الله نزلت في أهل الكتاب خاصة ؟

الجواب عن ذلك من وجوه :

الوجه الأول : العبرة بعموم اللفظ لا خصوص السبب :

  • إن الآيات التي بينت حكم من يحكم بغير ما أنزل الله جاءت بلفظ العموم؛ (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُالْكَافِرُونَ)، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُالظَّالِمُونَ)، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُالْفَاسِقُونَ) ، وكما هو معلوم في علم الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ولفظ (مَنْ) من أقوى صيغ العموم .
  • قال الطبري بعد ذكر ترجيحه أنها في أهل الكتاب : فإن قال قائل : فإن الله تعالى ذكره قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله, فكيف جعلته خاصا ؟

قيل : إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين, فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون, وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به, هو بالله كافر, كما قال ابن عباس, لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه انه أنزله في كتابه, نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي .

  • روى ابن جرير ـ رحمه الله ـ إنكار الصحابة والتابعين على من ظن اختصاص الحكم ببني إسرائيل, فروى عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ في قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قوله : نِعْمَ الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كانت لكم كل حلوة ولهم كل مرة, ولتسكلن طريقهم قِدَى الشراك ، وقال الحسن : نزلت في اليهود، وهي علينا واجبةٌ ، وقال إبراهيم النخعي : نزلت في بني إسرائيل، ورضي لكم بها .

الوجه الثاني : سبب النزول لم يكن في أهل الكتاب وحدهم, بل شمل المسلمين كذلك :

  • وهو يؤكد الوجه الأول, فنجد أن أول هذه الآيات نزل في اليهود الذين ردوا حكم الله تعالى, وفيمن تابعهم على ذلك ممن أظهر الإسلام من المنافقين, فأنزل الله ـ عز وجل ـ حكما بكفرهم, بل وصفهم بالمسارعة في الكفر, فقال ـ عز وجل ـ :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَايَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .

قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر، الخارجين عن طاعة الله ورسوله، المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله ـ عزوجل ـ ( مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) أي : أظهروا الإيمان بألسنتهم ، وقلوبهم خراب خاوية منه، وهؤلاء هم المنافقون، (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا) أعداء الإسلام وأهله ، وهؤلاء كلهم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) أي : يستجيبون له منفعلون عنه (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) أي : يستجيبون لأقوام آخرين لايأتون مجلسك يا محمد .

الوجه الثالث : قد حكم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه الآيات بعينها بين المسلمين :

  • وهذا يؤكد الوجهين السابقين, ويبين عموم حكم هذه الآيات وظهور دلالتها على المطلوب, سواء قلنا أن هذه الآيات نزلت عامة في أهل الكتاب والمسلمين, أو قلنا بأنها نزلت في أهل الكتاب خاصة, فعلى القول الأول فالأمر واضح, وعلى القول الثاني فشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه .
  • عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : كسرت الرُّبَيِّع - وهي عمة أنس بن مالك - ثنية جارية من الأنصار، فطلب القوم القصاص، فأتوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالقصاص ، فقال أنس بن النضر - عم أنس بن مالك - : لا والله لا تكسر سنها يا رسول الله . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :  (يا أنس ؛ كتاب الله القصاص )، فرضي القوم وقبلوا الأرش ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) .

قال النووي ـ رحمه الله ـ : وهذا وإن كان شرعًا لمن قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف مشهور للأصوليين، فإنما الخلاف إذا لم يرد شرعنا بتقريره وموافقته ، فإن ورد كان شرعاً لنا بلا خلاف ، وقد ورد شرعنا بتقريره في حديث أنس هذا ، والله أعلم .

الوجه الرابع : النهي عن التشبه بأهل الكتاب يقتضي عموم الحكم على من فعل مثلهم :

ومع كل ما سبق، فلو كان هذا الحكم خاصًا ببني إسرائيل, فإن الآيات والأحاديث الناهية عن التشبه بأهل الكتاب تقتضي انطباق هذا الحكم لمن تشبه بهم في ذاك الفعل ، وكذلك فإن الآيات الأخرى في إفراد الله بالحكم والتشريع تؤكد عمومه لمن عداهم, ويبقى الاستدلال بها صحيحاً, خاصة وأن كثيراً منها كان الخطاب فيها لمن تكلم بالإسلام وليس لأهل الكتاب .

س7 : كيف ترد على من يقول أن القوانين الوضعية معصية يشترط فيها الاستحلال ؟ وكيف توجه قول عبد الله بن عباس في آية المائدة أنها كفر دون كفر ؟

أولاً : الرد على من قال أن القوانين الوضعية معصية يشترط فيها الاستحلال :

الجواب عن ذلك من وجوه :

الوجه الأول : أصل الإيمان التصديق والانقياد, والكفر هو عدم الإيمان, سواء كان معه تكذيب أو استكبار أو إباء :

  • فكما أن أصل الإيمان هو الإقرار الذي يتضمن التصديق و الانقياد القلبي, فإن الاستحلال بمعناه العام يشمل كل صور انخرام الباطن من التكذيب المنافي للتصديق, أو الإعراض المنافي للانقياد إباء أو استكباراً .
  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : فأما أصل الإيمان الذي هو الإقرار بما جاءت به الرسل عن الله تصديقاً به وانقياداً له , فهذا أصل الإيمان الذي من لم يأت به فليس بمؤمن .

وقال رحمه الله : وقد قيل في قوله تعالى : ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ) إنه الكفر بذلك, فإن من كفر بالإقرار الذي هو : التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله, و الإسلام له المتضمن للاعتقاد و الانقياد لإيجاب الواجبات وتحريم المحرمات وإباحة المباحات فهو كافر .

  • قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ عما كان يحكم به التتار من السياسات الملكية : فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير .

وقال ـ رحمه الله ـ في البداية والنهاية : فمن ترك الشرع المحكم المنـزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك فقد كفر بإجماع المسلمين .

الوجه الثاني : وهو نتيجة للوجه الأول : الاستحلال بمعناه العام يشمل كل صور انخرام الباطن من التكذيب أو الإعراض إباء أو استكباراً :

  • قال الدكتور صلاح الصاوي ـ حفظه الله ـ : أما قولهم أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله, فذلك حق, ونحن نقول بموجبه, إلا أن الاستحلال يتخذ في الواقع العملي إحدى صورتين :
  • صورة تؤول إلى كفر التكذيب, وهي تكذيب الحكم الشرعي وعدم اعتقاد موجبه .
  • وصورة تؤول إلى كفر الرد, وهي رد الحكم الشرعي وعدم التزامه وإن اعتقد أن الله أوجبه وأن الرسول أمر به, فمن قال : إن هذا حكم الله ولكني أرده وأسخطه ولا أرى صلاحيته كان كمن كذب بهذا الحكم ابتداء سواء بسواء, بل قد يكون الأول أغلظ كفرا وأشد محادة لله ورسوله, ذلك أن الإيمان المجمل كما سبق تصديق الرسول فيما أخبر والانقياد له فيما أمر, فمن لم يحصل في قلبه التصديق والانقياد فهو كافر .
  • وعلى هذا الأصل يفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر في الحكم بغير ما أنزل الله, فإذا كان الدافع لترك حكم الله تعالى هو التكذيب أو الإعراض إباء واستكباراً كان ذلك كفراً أكبراً, فالتكذيب والإباء والاستكبار كلها من صور الاستحلال بمعناه العام الذي هو انخرام الباطن, ولا يقتصر الاستحلال على مجرد التكذيب فقط .

وإذا كان ترك حكم الله لغير ذلك من الشهوات مع الاعتراف بالذنب والإقرار بحكم الله تعالى تصديقاً وانقياداً كان ذلك كفراً أصغر .

  • قال شيخنا الدكتور ياسر برهامي ـ حفظه الله ـ : فمن المعلوم أن الكفر الأكبر في هذا الباب ( أي في باب وقوع الكفر بالجوارح ) وفى غيره هو الأقوال والأفعال التي تدل على انخرام الباطن لقوله تعالى : (وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا)، وهذه قد يعبر عنها بالاستحلال، ولكن متى ذكرنا الاستحلال بهذا المعنى فهو يشمل كل صور انخرام الباطن سواء بالتكذيب أو الإعراض أو الاستحلال .

 وأما من قصد الاستحلال على تسمية الحرام حلالاً فقط فيوجد أنواع من الكفر الأكبر لا ينطبق عليها وصف الاستحلال، كما في كفر إبليس الذي اعترض على الله ـ عز وجل ـ ورد حكمه، وإن لم يكذب ربه ـ عز وجل ـ ، ولم يُسم فعلَه حلالاً، ولكنه رأى أن حكمه هو أحسن من حكم الله؛ فهذا مما لا بد من التأكيد عليه في معنى الاستحلال .

ولا شك أن تبديل الشريعة لا يكون إلا استحلالاً بالمعنى الذي بيناه لكلمة الاستحلال، فإن المبدل للشرع كتشريع عام للناس لا يتصور أن يفعل ذلك إلا إذا كان يجحد أن لله حكماً في هذه المسألة التي يشرع فيها، أو يقر بوجود حكم في دين الله ولكن يرى أن هذا الحكم الوضعي أحسن منه، أو مساوٍ، أو على الأقل يرى أنه لا يلزمه أن يحكم بشرع الله، وكل هذا ينطبق عليه وصف الاستحلال .

وأما إذا ضم إلى ذلك إلزام الغير به، فهذا قد تجاوز مرحلة استحلال الحكم بغير ما أنزل الله إلى تحريم الحكم بما أنزل الله .

  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية : ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهى تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرها، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينـزلها الله سبحانه وتعالى كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر . فكثير من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار وإلا كانوا جهالاً .

الوجه الثالث : وهو توضيح لما سبق : كلام أهل العلم في التفريق باين الحكم بغير ما أنزل الله كتشريع عام والحكم به في القضايا العينية :

قال الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله تعالى ـ فى فتواه : أما الذي قيل فيه أنه كفر دون كفر ، إذا تحاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاصٍ وأنَّ حكم الله هو الحق ، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها‏. وأما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع ، فهوكُفرٌ وإن قالوا‏ أخطأنا وحكمُ الشرع أعدل ؛ فهذا كفر ناقل عن الملة .

 

قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في جواب عن مسألة الحكم بغير ما أنزل الله : الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين :  

القسم الأول : أن يُبطَل حكمُ الله ليحَل محله حكمٌ آخرُ طاغوتي ، بحيث يُلغى الحكم بالشريعة بين الناس ، ويُجعل بدله حكم آخر من وضع البشر، كالذين يُنحون الأحكام الشرعية في المعاملة بين الناس ، ويحلون محلها القوانين الوضعية ، فهذا لاشك أنه استبدال بشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها ، وهو كفر مخرج من الملة؛ لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله ، بل ما خالف حكم الله ـ عز وجل ـ وجعله الحكم الفاصل بين الخلق ، وقد سمى الله تعالى ذلك شركاً في قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّه)

القسم الثاني : أن تبقى أحكام الله ـ عز وجل ـ على ما هي عليه وتكون السلطة لها ، ويكون الحكم منوطاً بها، ولكن يأتي حاكم من الحكام في حكم بغير ما تقتضيه هذه الأحكام ، أي يحكم بغير ما أنزل الله : فهذا له ثلاث حالات :

الحالة الأولى : أن يحكم بما يخالف شريعة الله معتقداً أنذلك أفضل من حكم الله وأنفع لعباد الله ، أو معتقداً أنه مماثل لحكم الله ـ عز وجل ـ ، أو يعتقد أنه يجوز له الحكم بغير ما أنزل الله ، فهذا كفر يخرج به الحاكم من الملة، لأنه لم يرض بحكم الله ـ عز وجل ـ ، ولم يجعل الله حكماً بين عباده .

الحالة الثانية : أن يحكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباده ، لكنه خرج عنه ، وهو يشعر بأنه عاص لله ـ عز وجل ـ إنما يريد الجور والظلم للمحكوم عليه ، لما بينه وبينه من عداوة ، فهو يحكم بغير ما أنزل الله لا كراهةً لحكم الله ولا استبدالاً به ، ولا اعتقادًا بأنه أي الحكم الذي حكمبه أفضل من حكم الله أو مساوٍ له أو أنه يجوز الحكم به ، لكن من أجل الإضرار بالمحكوم عليه حكم بغير ما أنزل الله ، ففي هذه الحال لا نقول إن هذا الحاكم كافر ، بل نقول إنه ظالم معتد جائر .

الحالة الثالثة : أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباد الله ، وأنه بحكمه هذا عاص لله ـ عز وجل ـ ، لكنه حكم لهوى في نفسه ، لمصلحة تعود له أو للمحكوم له ، فهذا فسق وخروج عن طاعة الله ـ عز وجل ـ . 

وعلى هذه الأحوال الثلاث يتنـزل قول الله تعالى في ثلاث آيات :

(وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ، وهذا يتنـزل على الحالة الأولى .

(وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، يتنـزل على الحالة الثانية .

(وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، يتنـزل على الحالة الثالثة .

قال الدكتور عمرسليمان الأشقر حفظه الله :

ولعل مراد أبي عبيد القاسم بن سلام بقوله : (إن الحكم بغير ما أنزل الله ليس كفراً مخرجاً من الملة) هو حكم القاضي أو الحاكم المسلم في قضية ما بالهوى ، مع حكمه في بقية الأمور بحكم الله ، أما هؤلاء الذين جاؤونا بالقوانين الكافرة ، وطبقوها على الشعوب الإسلامية بقوة الحديد والنار ، وحاربوا وعذبوا كل من نادى بتطبيق الإسلام ، فهؤلاء ليسوا من الإسلام فيشيء (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) .

الوجه الرابع : إذا كان من سوغ اتباع شئ من الشرائع المنسوخة كافراً مرتداً بإجماع المسلمين, فكيف بمن سوغ اتباع البشر مما لم ينزله الله أصلاً ؟! فكيف بمن يلزم الناس بها, بل ويعاقب من يخالفها ؟!

  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب .

وقال رحمه الله : ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى .

وقال رحمه الله : والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرًا مرتدًا باتفاق الفقهاء .

  • قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ : وقد جاء القرآن وصح الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين قبله، وأن من التزم ما جاءت به التوراة والإنجيل ولم يتبع القرآن، فإنه كافر ، وقد أبطل الله كل شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل، وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام، فلا حرام إلا ما حرمه الإسلام، ولا فرض إلا ما أوجبه الإسلام .

  • قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) : ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتابٍ مجموعٍ من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدّمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يُحَكِّم سواه في قليل ولاكثير، قال تعالى : (أَفَحُكْمَ الجاهليةِ يَبْغون) أي : يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون، (ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يوقِنونَ) أي : ومن أعدل من الله في حكمه، لِمَن عَقَل عن الله شرعه وآمن به وأيقن، وعلِم أنّ الله أحكمُ الحاكمين، وأرحمُ بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء .

ثانياً : توجيه قول عبد الله بن عباس في آية المائدة أنها كفر دون كفر:

  • أنه ليس فيه دلالة على حصر الحكم بغير ما أنزل الله في الكفر الأصغر, إذ إنه من المتفق عليه وجود أنواع من الحكم بغير ما أنزل الله هي كفر أكبر كمن جحد حكم الله أو رده أو استكبر عنه .

وأما اتهام من فسر الكفر هاهنا بالكفر الأكبر بأنه من الخوارج, فمع أن هذا الإطلاق غير صحيح إلا أن هذا الاتهام اتهام باطل, إذ إنه لم يخالف تفسير ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في الصورة التي هي كفر دون كفر .

وحصر الكفر في الآية على الكفر الأصغر وتعميم ذلك على كل صور الحكم بغير ما أنزل الله مصادرة على المطلوب, وتقول على ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بما لم يقل .

  • قال الدكتور صلاح الصاوي ـ حفظه الله ـ : والذي نخلص إليه من ذلك كله أن قول بعض السلف ( كفر دون كفر ) في تفسير هذه الآية لا ينصرف مناطه إلى مناط التحاكم إل القوانين الوضعية التي أصبحت هي مرد الحكم في واقعنا المعاصر, ولا إلى هؤلاء الذين ينتحلون الفصل بين الدين والدولة ويرون عدم صلاحية أحكام الإسلام لسياسة مجتمعاتنا المعاصرة, ولا إلى هؤلاء الذين يهدرون سيادة الشريعة الإسلامية ابتداء بحيث أصبح رد القضاء والحكم إليها جريمة وخروجاً عن الشرعية وسبباً قاطعاً من أسباب بطلان الحكم ونقضه .

س8 : عرف الاستحلال, واذكر مناقضته لأصل الإيمان ؟

تعريف الاستحلال :

  • الاستحلال بمعناه العام يشمل كل صور انخرام الباطن من التكذيب المنافي للتصديق, أو الإعراض المنافي للانقياد إباء أو استكباراً .

 

مناقضته لأصل الإيمان :

  • أصل الإيمان هو الإقرار الذي يتضمن التصديق و الانقياد القلبي .

  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : فأما أصل الإيمان الذي هو الإقرار بما جاءت به الرسل عن الله تصديقاً به وانقياداً له , فهذا أصل الإيمان الذي من لم يأت به فليس بمؤمن .

  • قال الدكتور محمد يسري إبراهيم ـ حفظه الله ـ : والاستحلال الذي اتفق أهل السنة على تكفير صاحبه تارة يكون بعدم اعتقاد الحكم الشرعي, وهذا يؤول إلى كفر التكذيب, وهو ناقض لركن التصديق في الإيمان, وتارة يكون برد الحكم على الله ورسوله وعدم التزامه وقبوله, وهذا يؤول إلى كفر الإباء والاستكبار, وهو ناقض لركن الانقياد .


    www.anasalafy.com

    موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة