الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مناهج الإصلاح (1) مقدمة في مناهج الإصلاح

فهذه أهم المقدمات التي يلزم الإحاطة بها قبل التعرض لمنج الدعوة السلفية في إصلاح الفرد والمجتمع والدولة، وكذلك المناهج الأخرى

مناهج الإصلاح (1) مقدمة في مناهج الإصلاح
عبد المنعم الشحات
السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠١٣ - ٠٢:٣١ ص
8500
23-ذو القعدة-1434هـ   27-سبتمبر-2013      

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فسنتناول الحديث عن مناهج الإصلاح في ثلاث حلقات:

الأولى: مقدمة في مناهج الإصلاح.

الثانية: منهج الدعوة السلفية في إصلاح الفرد والمجتمع والدولة.

الثالثة: عرض مجمل لمناهج الإصلاح الأخرى.

وأما العرض التفصيلي للمناهج الأخرى فنحيل فيه على بحث "السلفية ومناهج التغيير".

وهذه هي الحلقة الأولى من هذه الدراسة -نسال الله التوفيق والرشاد-.

1- التغيير أم الإصلاح؟

جاء استعمال التغيير في قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ(الرعد:11)، وواضح أن الآية هنا تشمل التغيير من الحسن إلى السيئ، ومن السيئ إلى الحسن, وعندما ينادي إنسان بمنهج تغيير فإنه يزعم بطبيعة الحال أنه ينادي بالتغيير إلى الأحسن، وهذا يسمى "الإصلاح".

إذن التغيير والإصلاح يستعملان في هذا المجال بمعنى متقارب أو مترادف؛ لأنك إذا قلتَ تغييرًا فتعني تغييرًا إلى الأحسن الذي هو الإصلاح, وقد جاء في القرآن ما حكاه الله -تبارك وتعالى- عن شعيب -عليه السلام- قال: (إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ)(هود:88).

2- "مرجعية الصلاح - علم الصلاح - علم الإصلاح - ممارسة الإصلاح":

بطبيعة الحال فإن الذي نُعنى به هنا هو إصلاح المجتمع الإنساني (إصلاح الإنسان سواء كفرد أو كمجتمع)؛ إلا أن هذه العملية لا تختلف في آلياتها عن الإصلاح المادي الذي تجده في الطب، ويسمى: "العلاج"، وفي صيانة الأجهزة والمعدات ونحوها، ويسمى: "الإصلاح".

نأخذ مثالاً من الحياة المادية للإصلاح، وليكن مثال: الطب, فالطبيب قبل أن يتصدى لعلاج المرضى يجب أن يحصِّل علمًا نظريًّا، ويمكن أن نطلق عليه (علم الإصلاح)، وبعد تحصيل هذا العلم يُصرَّح له بـ (ممارسة الإصلاح).

وعلم الإصلاح يتضمن بدوره:

- دراسة حال الصلاح (علم الصلاح).

- ودراسة ما يطرأ على هذه الحال من انحرافات.

- وأساليب علاج هذه الانحرافات.

ومن جهة أخرى فإن علم الصلاح يحتاج إلى:

أولاً: تحديد المرجعية.

ثانيًا: الرجوع إلى تلك المرجعية لتعلم الوصف التفصيلي لحال الصلاح.

3- قواعد الصلاح مطلقة وطرق الإصلاح نسبية:

مما ينبغي أن يُنتبه إليه أن قواعد الصلاح مطلقة ومجردة؛ بمعنى أنها ليس لها علاقة بفلان المريض أو فلان الطبيب, أما عندما تأتي إلى ممارسة الإصلاح فتتحدث هنا عن قضايا أعيان، ففي مجال الطب تتحدث عن شخص بعينه، أو في إصلاح المعدات تتحدث عن جهاز بعينه.

ويكون ذلك من خلال خطوتين:

أولاً: تشخيص الانحراف الموجود: في هذا الشخص عن حال الصحة أو الانحراف الموجود في تلك المعدة عن الحالة القياسية أو عن التصميم الأصلي، فهذه هي مرحلة التشخيص.

ثانيًا: كتابة العلاج: وغني عن الذكر أن كل "روشتة" تخص صاحبها فقط.

ومن الأخطاء الشائعة أخذ مريض لروشتة كُتبت لآخر، ويشابهه في مجالنا تطبيق البعض للنصوص في غير مناسبتها كمن يأخذ قواعد دعوة الكفار فيطبقها على دعوة المسلمين, أو يأتي بأحكام تتحدث عن المجتمعات الكافرة ويطبقها على المجتمعات الإسلامية.

فائدة في التدرج:

وإذا استقر في الذهن أن قواعد الصلاح مطلقة ومجردة بينما روشتة الإصلاح تخص حالة بعينها فسوف تنحل لنا الكثير من المشكلات، ومنها قضية التدرج؛ ونعني به إجراء إصلاح جزئي كخطوة على طريق الإصلاح الكلي.

وله حالتان:

الأولى: عندما يكون ذلك الإصلاح -وإن كان جزئيًّا- هو غاية الممكن، وينطبق عليه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ(التغابن:16).

الثانية: أن يحدث لدى بعض الأفراد إرادة ضعيفة للإقلاع عن ذنب ما فلا تطاوعه نفسه إلا على الإقلاع التدريجي رغم إمكانية الإقلاع الفوري.

والناس في ذلك النوع طرفان ووسط:

فالطرف الأول: من يرى أن ذلك التغيير هو والعدم سواء طالما أن صاحبه لم يتب التوبة النصوح ويقلع الإقلاع التام عن المعاصي.

والطرف الثاني: مَن يرحب بهذا ويزيد عليه -لا سيما في المعاصي الواسعة الانتشار- أن ينسب إلى الدين إباحة درجات مخففة منها (كالموسيقى الهادئة على سبيل المثال!).

والوسط:

اعتبار هذا نوع من تقليل الشر والفساد، مع التأكيد على صاحبه أنه ما زال متلبسًا بمعصية، وإن كانت أقل خطرًا من الأخرى.

وحتى في حالة العجز الحقيقي عن الإصلاح الجذري الفوري لا يجوز أن نصف شيئًا مخالفًا للشرع بأنه شرعي لكونه هو (المتاح)، بل يجب أن يبقى وصفنا للشرع (مطلقًا مجردًا)، ووصفنا لحال كل شخص أو مجتمع يكون لكل حالة بما تقتضيه.

وحال مَن يحاول أن يصدر فتاوى بالترخص في بعض المخالفات لكون أن عامة الناس متمسكين بها أو لوجود واقع معين يحتم التدرج فيها كحال الطبيب الذي إذا لم يجد إلا علاجًا جزئيًّا يعود إلى كتب الطب ليعدل فيها وصف حال الصلاح القياسي؛ ليوهم نفسه ومريضه بأنه تناول العلاج الجذري الناجع، مع أن هذا على فرض حدوثه في عالم الطب سوف يضر بكثير من المرضى ممن يطيقون العلاج الناجع، بل إنه عندما يقاس به الصحيح يبدو عنده انحراف في الجانب الآخر، ومن هنا تدرك سر وصف أصحاب هذا المنهج لدعاة السلفية بالتطرف!

4- أسباب الاختلاف بين مدعي الإصلاح:

علمنا مما تقدم أن الإصلاح لابد فيه أولاً مِن تحديد مرجعية الإصلاح.

ثم ثانيًا: معرفة تفاصيل الإصلاح من هذه المرجعية.

ثم نتصدى للعلاج، فنحتاج ثالثًا: لتشخيص المرض.

ثم رابعًا: نكتب العلاج.

والخلل يمكن أن يكون في أي مرحلة من هذه المراحل, وغني عن الذكر أن الخلل في مرحلة مبكرة يكون أعظم من أن تكون في الذي بعده، وهكذا... فلو اختلفنا في مرجعية الصلاح فيكون هذا اختلافًا جذريًّا تمامًا, أما لو اتفقنا على المرجعية ثم اختلفنا في فهمنا لهذا الصلاح الموجود في تلك المرجعية لكان هذا الخلاف أخف مِن الذي قبله, وأشد من الذي بعده؛ وهو أن نتفق على المرجعية وعلى وصف حال الصلاح بعد الرجوع إلى هذه المرجعية ثم بعد ذلك نختلف في علاج حالة بعينها في التشخيص.

إذن الخلاف قد يكون خلافًا جذريًّا وشديدًا إذا بدأ من نقطة المرجعية (مرجعية الصلاح), أو إذا اتفقنا على المرجعية ثم اختلفنا في وصف الصلاح الموجود في هذه المرجعية التي اتفقنا عليها، هذا في علم الصلاح كمرجعية وكوصف تفصيلي.

وبطبيعة الحال فإننا إذا اختلفنا في مرجعية الصلاح سنكون مختلفين جزمًا في تعريف الصلاح وفي التشخيص, أما إذا اتفقنا في تعريف الصلاح فلا يلزم أن نتفق في كل تشخيص وفي كل علاج، ولكننا سنلاحظ عمومًا أن دائرة الخلاف ستكون أضيق.

5- الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين خلاف جذري في مرجعية الصلاح:

رغم أن موضوع الدراسة منصب بصفة أساسية على مناهج الإصلاح عند الحركة الإسلامية، ولكن لا بأس طالما أننا تناولنا الموضوع من أوله وقمنا بتحليل عناصر عملية الإصلاح أن نشير هنا إلى أن الخلاف بين مَن يسميهم الناس بالإسلاميين وبين العلمانيين هو في نقطة المرجعية؛ أي في أول نقطة.

وعلى هذا... فإن هذا الاختلاف جذري وجوهري, فالإسلاميون يقولون: إن حال الصلاح نعرفها بالرجوع إلى الإسلام, فالإسلام يصف لنا حال صلاح الفرد والمجتمع والدولة، ونحو ذلك، مع الأخذ في الاعتبار أن دائرة المباح في الإسلام واسعة، وهي أمور تحيل فيها الشريعة البشر على تجاربهم البشرية.

ومن هنا عبَّر البعض عن ذلك بأن الشريعة الإسلامية عند المسلمين تمثل "المرجعية العليا" حيث يمكن أن يكون هناك مرجعيات أخرى، ولكن بشرط ألا تتعارض مع تلك المرجعية, فالمرجعية العليا للصلاح عند الإسلاميين هي بالرجوع إلى الإسلام, والعلمانيون يقولون: إن المرجعية لصلاح المجتمع والدولة هي الرجوع إلى التجارب البشرية.

وكما ذكرنا فإن الإسلاميين لا يرفضون الرجوع إلى التجارب البشرية، ولكن شريطة ألا تتعارض مع المرجعية الأعلى التي هي "الشريعة", فإذا أحالتنا الشريعة في باب الزراعة أو الصناعة ونحو ذلك إلى وسائل وأمور مباحات، فنرجع فيها إلى تجارب المسلمين والكفار، ولا فرق طالما أنها في إطار المباح.

أما أن التجارب البشرية تقول جدلاً إن إقامة النظام الاقتصادي على الربا هو النظام الاقتصادي الناجح، فلا نعول على هذه التجربة، ونقول: لا، بل المرجعية الشرعية أعلى، أو يأتي أحد ويقول إنه يرى نزع الملكية الفردية... فكل هذه أمور لا تجوز, وهذه هي العلمانية باختصار؛ فهي تقول إنه فيما يتعلق بتنظيم شئون المجتمع والدولة: لا يُرجع إلى الدين!

وعلى هذا، فالاشتراكية والرأسمالية أو أي فكرة طالما لم تُستقَ من الدين فهي مقبولة من حيث المبدأ, فالرأسمالية والشيوعية كمذهبين اقتصاديين على العكس من بعضهم تمامًا, لكن كلاهما نابع من أنها تجربة بشرية، فإذا العلمانية تقول لك: إنه من حيث المبدأ عليك أن تدرس المذهبين على قدم المساواة ثم تتخير أيهما أفضل؟ إلى غير ذلك, بينما يقول الإسلاميون: إنه لا يمكن أن ندرس أي رأي أو أي نظرية إلا إذا كانت في المساحة التي أباحها الشرع, فلا تتعارض مع ما شرع الله -تبارك وتعالى-، فالإسلاميون يريدون أن يضعوا الإطار العام الذي يقول: إن الشريعة أولاً ثم بعد ذلك التجارب البشرية.

فإن قيل: إن التجارب البشرية مختلفة؛ فكيف نختار بينها؟!

نقول: لا بأس بآلية البرلمان أو بغيرها، لكن أهم شيء أن تثبت المرجعية العليا ثم الاختيار بين الأشياء.

6- الخلاف بين الإسلاميين في قضية الإصلاح:

قررنا أن الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين راجع للاختلاف في قضية المرجعية, وأما الخلاف بين الإسلاميين فيشمل صورًا؛ حيث إن منهم طائفة هي أقرب ما يكونون إلى العلمانيين، وهم مَن يسميهم الناس بالعقلانيين، وأشدهم غلوًّا مَن يسمون بالقرآنيين!

وهؤلاء بعد أن يقولوا بمرجعية الإسلام يرون أن مِن حقهم أن يتعقبوا نصوص الوحي بعقولهم! أو أن يقولوا: نكتفي بالقرآن ونترك السنة! فكيف نكتفي بالقرآن ونترك السنة مع قوله -تعالى-: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(النحل:44)؟!

فالذي أنزل القرآن أخبرنا بأن هذا القرآن يحتاج إلى بيان, وأن البيان موجود في ذكر آخر هو أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن يقول: سآخذه بغير بيانه فهو إذن متعمد للمخالفة تقريبًا؛ لأنه إذا كان معظمًا للقرآن ويريد اتباعه ففي القرآن أن ثمة بيان لهذا الذي في القرآن، وأنه محتاج في ذلك البيان لمصدر آخر قد أرشد القرآن نفسُه إليه؛ فالخلاف إذن في مسألة المرجعية.

وهؤلاء كان الخلاف معهم قديمًا في قضايا كانت تأخذ منحى عقديًّا, في مسائل الأسماء والصفات، ومسائل القضاء والقدر, والإيمان والكفر، ونحوها، وأما الآن فهم يطبقون المنهج نفسه في قضايا معاصرة حتى سماهم البعض أو سموا أنفسهم بـ"المعتزلة الجدد", مع أنهم لا عناية لهم تقريبًا بمسائل الأسماء والصفات، والقدر، والإيمان والكفر، والأشياء التي ميزت منهج المعتزلة في القديم, ولكن هم يقولون إن منهجهم هو نفس منهج الاستدلال عند المعتزلة ونفس المرجعية, وبالتالي فهم يطبقون هذا الكلام في مسائل سياسية كمسألة ولاية الكافر، وولاية المرأة، والعلاقات الدولية، وبعض الفتاوى الفقهية، إلى غير ذلك.

ويقابل هؤلاء مَن يقولون: إن مرجعيتهم هي الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فالكتاب تقريبا مُتفق عليه عند كل من يقول بمرجعية الإسلام, فأقل شيء أن يقول الكتاب.

فنقول: طالما بدأنا بالكتاب فحسنًا، لنلتزم إذن بما فيه، وقد وجدنا فيه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7)، ووجدنا فيه أن هناك ذكرًا آخر مبيِّنًا لهذا الذكر: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ(النحل:44)، فلزم أن نعود إلى السنة.

ثم وجدنا في الكتاب والسنة معًا لزوم اتباع فهم الصحابة؛ ففي الكتاب: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ(البقرة:137)، ووجدنا في السنة: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ(متفق عليه)، ووجدنا: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ(رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

إذن كما أرشد الكتاب إلى السنة، فإن الكتاب والسنة أرشدا إلى أنه لابد من التقيد بفهم السلف للقرآن والسنة، وهذا شيء منطقي وطبيعي, فكما أن السنة شارحة مفسرة للقرآن، فقد وجد الصحابة التطبيق العملي من الرسول -صلى الله عليه وسلم- للقرآن والسنة، فصاروا هم المرجع في أن ينقلوا لنا ذلك الأمر، فهذا في مرجعية الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

وبين هذه المرجعية السلفية والمرجعية العقلانية -أو التي تسمي بالعقلانية- مَن يقول بالرجوع إلى الكتاب والسنة ويسكت عن قيد "بفهم سلف الأمة", فتراه تارة أقرب ما يكون إلى السلفية, وتارة أقرب ما يكون إلى العقلانية!

- فربما يكون في الاتجاه ككل بعض أفراد أقرب ما يكونون إلى السلفية، وبعض أفراد أقرب ما يكونون إلى العقلانية, أي: أفراد هكذا وأفراد هكذا.

- وإما الاتجاه نفسه تارة كله يكون هكذا وتارة كله يكون العكس.

- وإما الشخص الواحد تارة يكون هكذا وتارة يكون العكس.

7- مكونات منهج الحركات الإسلامية:

رأينا فيما مضى أثر مناهج التلقي ومصادر الاستدلال على قضية مناهج التغيير، وفي الواقع إن لها أكبر الأثر على كل المكونات الفكرية لأي اتجاه بحيث يمكن اعتبارها هي قضية البدء في تحليل أي حركة إسلامية، وبصفة عامة يمكن تحليل منهج أي حركة إسلامية إلى:

1- المرجعية أو منهج الاستدلال أو مصادر التلقي:

وهذه المرجعية تنعكس على جميع ما تتعلمه منها ثم تعمل به, فالمرجعية كمسألة علمية مبدئية يتفرع عليها كل مسائل العلم والعمل بعد ذلك، لكن العلماء اهتموا بشكل خاص بعد ذلك بالمنهج العقدي، وهو الأمر الثاني:

2- المنهج العقدي:

والمنهج العقدي هو تطبيق لمنهج الاستدلال في قضايا الإيمان بالله، والملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقدر، والصحابة، والإمامة، وغيرها من مسائل الاعتقاد.

3- المنهج العملي: ويشمل:

أ‌- المنهج الفقهي.

ب‌- منهج الإصلاح: ويدخل فيه المنهج السلوكي والتربوي.

8- "الفرق الإسلامية - الحركات الإسلامية":

قدمنا أن الخلاف في مناهج الاستدلال هو أصل لكل خلاف بعده، وأن أبرز ميادين الخلاف بعد ذلك هو الجانب العقدي؛ لأن قضايا الاعتقاد قضايا كلية فيترتب على المخالفة فيها وصف صاحبها بأنه صاحب بدعة، فبناء عليه صنَّف العلماء الفرق الإسلامية بناءً على مناهجها في الاستدلال وفي العقيدة؛ وقالوا: هؤلاء ابتدعوا في مسائل الإيمان والكفر: كالقول بتكفير مرتكب الكبيرة، وسموهم: خوارج, وقالوا: هؤلاء أخرجوا العمل من مسمي الإيمان، وسموهم: مرجئة, وهؤلاء ذموا الصحابة أو غلوا في آل البيت وذموا الصحابة -رضي الله عنهم- فهؤلاء الشيعة, ومن هنا ظهرت الفرق الإسلامية, وكل منها يتميز ابتداءً بمنهج في الاستدلال والتلقي ثم تفرع عليها الخلاف في كل قضايا العقيدة أو بعضها, وصنفت الفرق على هذا الأساس.

أما في العصر الحديث، فالخلاف معظمه منصب على منهج الإصلاح أو منهج التغيير, وإن كان لا يمنع أن تجد في العصر الحديث خلافًا عقديًّا، فإن هناك "تكفير"، وهناك "توقف"، وكذا، وكذا, وكل هؤلاء عندهم خلاف في منهج الاستدلال، وخلاف في قضية عقدية، وخلاف في قضية عملية أو في قضية الإصلاح والتغيير, وهناك بعض الاتجاهات الإسلامية أو أكثر من اتجاه إسلامي متفقون في مصادر التلقي وفي القضايا العقدية، ولكن مختلفين في مناهج الإصلاح، فينبغي أن يُعطى كل خلاف حقه، ويُعامل بما يقتضيه.

فائدة حول كلمة: "سلفية المنهج عصرية المواجهة":

يطلق البعض عبارة: "سلفية المنهج عصرية المواجهة"، وهذه العبارة ملتبسة قد يُفهم منها أحد معنيين:

المعنى الأول: يعني الالتزام بالمنهج السلفي في الاستدلال عند التعامل مع قضايا العقيدة والتحلل منه عند التعامل مع قضايا الإصلاح والتغيير أو المواجهة، وهذا معنى فاسد لا يمكن التعويل عليه بحال من الأحوال، والنصوص التي أمرت باتباع الكتاب والسنة لم تفرق بين عقيدة وعمل ولا بين منهج ومواجهة، وهي تلزِم الجميع بالرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وقد ترتب على وجود هذا الفهم المغلوط تيارات ذات سمت سلفي، ولكن لها ممارسات لا تمت إلى السلفية بصلة.

وأما المعنى الثاني: والذي يراد به الإشارة إلى أن وسائل الدعوة غير توقيفية، فهو معنى صحيح في ذاته، ولكن يلزم التعبير عنه بعبارة غير ملتبسة.

وهذا يقودنا إلى الحديث حول مسألة أخرى، وهي: هل وسائل الدعوة توقيفية أم لا؟

وهي مسألة وثيقة الارتباط بمسألة مناهج الإصلاح، والناس فيها طرفان ووسط:

الطرف الأول: من يقول: "إن وسائل الدعوة توقيفية"، ومع كثرة القائلين بهذا إلا أننا لا نكاد نعلم أحدًا على وجه الأرض يلتزم به, وقد صرَّح بذلك الشيخ الألباني -رحمه الله- وهو أبرز القائلين بأن وسائل الدعوة توقيفية، فكان يقول: "مع أني أعلم أن هناك وسائل لم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نفعلها: كتأليف الكتب، وتسجيل الأشرطة، ونحو هذا، ولكن أخشى أن أقول غير توقيفية فيفتحوا الباب على مصراعيه في التمثيل وغيره من الآثام".

والطرف الآخر في المقابل: هناك مَن يقول: "وسائل الدعوة الأمر فيها واسع دون ضوابط"، وبالتالي أحيانًا يدخل حتى الكذب في وسائل الدعوة، فيقترب أو يحاكي تمامًا مبدأ: "الغاية تبرر الوسيلة".

والصحيح أن نقول: "إن الوسائل المباحة لها أحكام المقاصد"، وقيد (المباحة) هنا يغلق الباب على أصحاب قاعدة: "إن الغاية تبرر الوسيلة"، دون أن نغلق باب استعمال ما ينعم الله به على العباد من معرفة السنن الكونية في أفضل ما يمكن أن تستعمل فيه، وهي: " الدعوة إلى الله".

فهل يعقل أن يكون استعمال آلة تكبير الصوت مثلاً مباحًا إذا ما استعملت في تدريس علوم مباحة، ومحرمة إذا استعملت في تعليم علوم الدين؟!

بل الصحيح أنها حينئذٍ لا تبقى على إباحتها، بل تأخذ حكم مقصدها، ومِن ثَمَّ تدخل في الطاعات، ويثاب من يساهم في شرائها أو تشغيلها بغرض خدمة الدين، كما أن استعمالها في أمور محرمة كالموسيقى يعطيها حكم مقصدها أيضًا، وعلى هذا فقس.

وبعد، فهذه أهم المقدمات التي يلزم الإحاطة بها قبل التعرض لمنج الدعوة السلفية في إصلاح الفرد والمجتمع والدولة، وكذلك المناهج الأخرى.

وهو ما سنتناوله في المقالتين القادمتين -بإذن الله-.


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي