الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حظر التحول

وحري أن نلتمس أسباب الثبات ونتشبث بها قبل أن تعصف رياح وزعازع الفتن وأول ذلك العض على الوحيين

حظر التحول
سعيد صابر
الأحد ٢٩ سبتمبر ٢٠١٣ - ١٩:٤٩ م
2193
25-ذو القعدة-1434هـ   29-سبتمبر-2013      

كتبه/ سعيد صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد وصف الله كل مَن تحول عن الحق وحاد عنه بقوله: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ(الأنعام:157).

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بالله من الحَوْر بعد الكوْر، وهو التحول من الإيمان إلى الكفر، ومن النور إلى الظلمات؛ وإذا كانت أمواج الفتن وبراكين الفتن وزلازل الفتن اليوم على أشدها فحري أن نبحث لأنفسنا عن الملاذ الآمن الذي نتحصن به من عواصف وأعاصير الفتن.

وحري أن نلتمس أسباب الثبات ونتشبث بها قبل أن تعصف رياح وزعازع الفتن وأول ذلك العض على الوحيين، يقول الله -تعالى- في معرض بيان مثبتات الإيمان: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ(هود:120)، وفي الحديث: (تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَدًا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي(رواه الحاكم، وحسنه الألباني).

- ومن أسباب الثبات: كثرة ذكر الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(الأنفال:45).

- ومنها: صدق اللجء إلى الله: وهذا شأن الكُمَّل من المؤمنين؛ سيما عند النوازل والشدائد وتفجر الفتن، يقول الله -تعالى-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(آل عمران:146-147).

- ومن آكد أسباب الثبات: العمل بطاعة الله: يقول الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا . وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا . وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا(النساء:166-168).

وما طلب العبد لنفسه حصنًا ولا مأمنًا بمثل طاعة الله والإيمان به: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(الأنعام:82).

وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: "إني لا أعد للحادث الذي يحدث سوى طاعة الله ورسوله، هذا الذي بلغنا به ما بلغنا".

متى ما تخلف العبد عن معنى من معاني الإيمان طلبًا وطمعًا في السلامة والعافية عومل بنقيض قصده، وكان المعنِي بقول القائل: "فر من الموت وفي الموت وقع".

ووالله وتالله وبالله ما استجلب العبد على نفسه الشر والشقاء والضنك والرعب والبلاء بمثل معصية الله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)(النحل:112).

إن الثبات على الحق صفة أهل الحق؛ ولذلك لما سأل هرقل أبا سفيان عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل يرتد أحد منهم عن دينه سخطة له بعد أن يدخل فيه؟ قال له: لا، فقال هرقل: كذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب.

ولا يشترط حتى يرتد المرء عن دينه أن يكون ذلك دفعه واحدة يؤخذ المرء على إثرها من الدار إلى النار، وإنما قد يرتد ويتخلف أولاً عن السنن ثم الواجبات، ويتجرأ بداية على الشبهات ثم على المكروهات ثم على الحرام، ثم تكون الانتكاسة العظمى... وسلم التنازلات لا يقف بصاحبه عند حد، ورحلة الألف ميل إلى الهاوية تبدأ بخطوة واحدة!

ما أحوجنا ونحن في معامع الفتن إلى الثبات وأن يربط الله على قلوبنا، وإلا فما سمي القلب قلبًا إلا لكثرة تقلبه، ولقد كان أكثر حلفه -عليه الصلاة والسلام-: (لا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ(رواه البخاري).

ومن آكد أسباب الثبات في أزمة التلون والتحول: النظر في ثبات الأثبات، وكيف كان شعارهم: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

ومنهم سحرة فرعون الذين لما تهددهم السفاح قائلاً: (لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ . قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ(الأعراف:124-125).

ومنهم خبيب بن عدي -رضي الله عنه- الذي سامه المشركون سوء العذاب ثم قالوا: أتحب أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- مكانك وأنك معافى في أهلك ومالك؟! فقال: ما أحب أنني معافى في أهلي ومالي ويشاك محمد -صلى الله عليه وسلم- بشوكة!".

وفي ذلك يقول شاعر الإسلام:

أســـرت قـــريـــش مــســلـمـًا            فـمـضى بـلا وجـل إلى السياف

سـألـوه هل يرضيك أنك سـالم           ولك الـنبـي فـدى مـن الإتـلاف

فأجاب كلا لا سلمت من الردى          ويـصاب أنـف مـحـمـد برعاف

ثم لما خرجوا به إلى التنعيم ليقتلوه، قال: دعوني أصلى ركعتين، فكان أول من سن الركعتين عند القتل، وجعل يدعو قائلاً: "اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا".

ثم صمهم بقوله:

ولسـت أبالي حـيـن أقـتـل مـسـلمـًا                  على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلـك فــي ذات الإلــه وإن يــشـــأ                  يـبارك عـلى أوصـال شـلـو مـمـزع

وكما قال الشاعر الذي لم يثنيه عن ثباته تلفيق التهم ولا غياهب السجون، وكان آخر عهده بالحياة تلك الدرر وهذه اليواقيت التي يقول فيها:

أخـي أنـت حـر وراء الـسدود                        أخي أنـت حـر بتـلـك الـقيـود

إذا كـنــت بالـلـه مستـعـصـمًا                         فـمـاذا يـضـرك كـيـد العـبـيـد

أخـي ستـبـيد جـيـوش الظلام                         ويشرق في الكون فجر جديد

أخي إن نـمُـت نـلـقَ أحـبابـنا                         فـروضـات ربـي أعــدت لـنـا

وأطـيـارها رفـرفــت حــولـنا                         فـطـوبى لـنا في ديار الخـلـود

أخـي إن ذرفت عـلي الدمـوع                        وبـلـلت قبري بها في خشوع

فأوقد لهم من رفاتي الشموع                        وسيروا بها نحو مجـد تـليـد

فاللهم ثبتنا ومِن نحب حتى نلقاك على ما تحب، ونعوذ بك من الحور بعد الكور، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

آن الرحيل!
868 ٢٦ يونيو ٢٠١٩
رحلة إلى الجنة!
661 ٠٧ مايو ٢٠١٩
رحلة إلى النار!
1179 ٠٤ مارس ٢٠١٩
كن منصفًا لا منسفًا!
753 ٠١ يناير ٢٠١٩
وحل الغفلة
1051 ٣١ مايو ٢٠١٧
مناجاة
2255 ١٩ مايو ٢٠١٤