الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

نظرة الإخوان الأولين للأحزاب السياسية

أليس الحال الذي وصلتْ إليه البلد الآن يتطلب من كل غيور على البلد أن

نظرة الإخوان الأولين للأحزاب السياسية
عصام حسنين
الخميس ٠٣ أكتوبر ٢٠١٣ - ٠٩:٢٥ ص
2721
نظرة الإخوان الأولين للأحزاب السياسية
28-ذو القعدة-1434هـ   2-أكتوبر-2013      

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيقوم نظام الحكم في النظم الديمقراطية النيابية على إقامة الأحزاب وتعددها، فتعددها هو روحها المحركة لها وإلا فهي موات، والحزب السياسي على مفهومها هو: "طائفة متحدة من الناس تعمل بمختلف الوسائل الديمقراطية للفوز بالحكم بقصد تنفيذ برنامج سياسي معين".

وذكروا مِن مميزاتها: تعميق الوعي السياسي لدي الشعب بما تقوم به من طرح المشاكل وسبل علاجها، وأنها همزة الوصل بين الحاكم والمحكوم، وتحقق الاستقرار السياسي نتيجة تعبير كل حزب عن رأيه دون مصادرة فيحول دون أعمال العنف ونشأة الجيوب السرية التي تهدد أمن المجتمع.

وذكروا من عيوبها: تشرذم الأمة؛ لأن كل حزب يهاجم الآخر بغية إضعافه، وتفريق الأمة، وإشاعة الأحقاد؛ مما يبدد جهود الدولة ويشتت قواها بانقسام الشعب إلى مؤيدين ومعارضين، والكل يتربص بالآخر لإضعافه!

وهذه العيوب مشاهدة لكل ذي عينين، ولا شك أن الإسلام يمنع منها كقوله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا(آل عمران:103)، لكن إن كان المقصود من تعدد الأحزاب تقديم النصيحة للحكام وتقديم المصالح العليا للبلاد على المصالح الحزبية الضيقة، ومراعاة الحقوق والواجبات فقد أجازها بعض العلماء المعاصرين.

وما ذكرناه كان هو نظرة الإخوان الأولين للأحزاب السياسية، لكن المتأخرون منهم تغيرت نظرته، بل وجدناه يتلبس بما أنكره الأولون: كالأثرة، والمزاحمة، والعيب، والتشهير، وغيره من الصفات المذمومة في ديننا!

ولنترك المجال للأستاذ "محمود عبد الحليم" -رحمه الله- يحدثنا عن ذلك، والتعليق متروك لكل لبيب يتابع الأحداث جيدًا، والله المستعان.

وليعلم القارئ أن المقصود من هذه الدراسة هو استفادة الحاضر من الماضي، واستفادة المستقبل من الحاضر، لذلك على كل مؤرخ وعالم وكاتب أن يدرس التجربة السياسية من بعد ثورة "25 يناير" إلى يومنا هذا جيدًا؛ لتستفيد الأجيال اللاحقة منها كما نستفيد نحن الآن من كتاب: "الإخوان المسلمون: أحداث صنعتْ التاريخ" وغيره، ولو كانت قيادات الجماعة درست تاريخها جيدًا لجنبت جماعتها والعمل الإسلامي كله هذه الكوارث! ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً.

قال الأستاذ "محمود عبد الحليم" -رحمه الله-:

"وزارة إسماعيل صدقي: كان إسماعيل صدقي أحد كبار الساسة المصريين القديرين، وكان يرى نفسه أكبر من أن يكون تابعًا لحزب، فعاش ما عاش شخصية مستقلة؛ إلا أنه كان يُعد عدوًا لحزب الوفد، وكان الوفد يخشى بأسه؛ لأنه كان قديرًا في عمله، جريئًا في إجراءاته، وكان الوفد حريصًا على تشويه كل إصلاح يأتي عن طريقه معتمدًا على شعبيته وعلى جهل أكثر المواطنين، ولا زلتُ أذكر وأنا صغير كيف شوهت مجلات الوفد مشروع خزان جبل الأولياء الذي أنشأه هذا الرجل على النيل في السودان، فتصور المجلة شخصًا مصريًّا يطلب كوب ماء من عامل مقهى فيقدم له العامل الكوب ويقول له: بعد إتمام خزان جبل الأولياء سيكون ثمن هذا الكوب قرش صاغ، وكان القرش صاغ في ذلك الوقت ثمنًا باهظًا، وتم هذا المشروع فعاد بأعظم الفوائد.

وهكذا كانت الحياة الحزبية في مصر نوعًا من أنواع الدجل والاستغلال، فهي أحزاب لا برامج لها، وهدفها جميعًا الوصول إلى الحكم لا لشيء إلا لترشو أنصارها بالإغداق عليهم من خزانة الدولة حتى تضمن أن يكونوا بجانبها إذا أبعدوا عن الحكم أملاً في الرجوع إليه مرة أخرى يعوضون خلالها ما فاتهم من مغانم!

فالإصلاح مثلاً في نظر حزب من هذه الأحزاب لا يكون إصلاحًا إلا إذا أتي عن طريقه، وتم على يديه وفي أيام حكمه، فإذا تم إصلاح على يد حزب آخر؛ فلابد من تشويهه والتمويه عليه! ولذا فإن الإخوان كانوا حريصين دائمًا على المطالبة بإلغاء هذا النوع من الحزبية المدمرة، وما من مؤتمر من مؤتمرات الإخوان إلا وتعرض لهذا المعني.

ولهذا كان الإخوان أبعد الناس عن أن يقيدوا أنفسهم بالولاء لحزب من هذه الأحزاب أو بالارتباط معه أو بالانحياز إليه، وكانت العلاقة بينهم وبين هذه الأحزاب تتلخص في شيء واحد هو أن يؤيدوا الخطوة التي يتخذها حزب منها ويراها الإخوان في مصلحة البلاد.

بيان واضح عن موقف الإخوان من هذه الوزارة:

بعد أن لخصنا موقف الإخوان من وزارة صدقي باشا نعود فنتناول هذا الموقف بشيء من التفصيل؛ نظرًا إلى أن هذا الموقف كان حدثًا تاريخيًّا غير مسبوق، ومفاجأة في عالم السياسة المصرية لم يسبق لها مثيل!

ولهذا وقف الشعب إزاءها مشدوهًا، وانقسم في نظرته إليه ثلاثة أقسام:

1- قسم فهم الإسلام حق الفهم: فعرف أنه دعوة تدور مع الحق حيث يدور فلا تبالي أن تؤيد من رفع راية الحق وإن كان عدوًا، ولا تبالي أن تضرب على يد من يجادل بالباطل وإن كان صديقًا: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(المائدة:8)، (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا). فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: (تَمنعهُ من الظُّلم فَذَاك نصرك إِيَّاه(متفق عليه)، وهذا القسم تابع خطوات الإخوان مع هذه الوزارة بكل الاقتناع منذ ظاهر الإخوان هذه الوزارة حتى عملوا على إسقاطها.

2- وقسم كانت له السيطرة الشعبية على السياسة المصرية: فرأى في مساندة الإخوان لهذه الوزارة انتقاصًا من سيطرته؛ فسخَّر وسائل إعلامه لتشويه هذه المساندة والخروج بها عن معانيها الإسلامية السامية إلى معانٍ مادية حقيرة آملاً من وراء ذلك في استعادة ما فقد من سيطرة شعبية.

3- وقسم ثالث خُدع بما أذاعته وسائل إعلام القسم الثاني: إما لأنه كان ساذجًا لم يستطع متابعة الأحداث وتفهمها تفهمًا سليمًا، وإما لأنه رأى في التجاوب مع ما أذاعته هذه الوسائل تفاديًا لخطر محدق به أو تقربًا من هدف يرمي إليه.

وكان القسم الثاني هو حزب الوفد الذي كان يملك من وسائل الدعاية ما لا يملك الإخوان عشر معشـاره، ودوافع الوفد إلى ذلك سنرجئ الحديث عنها حتى يجيء دورها، وهذا القسم لا يعنينا أمره، وليس هو المقصود بهذا التوضيح الذي نحن الآن بصدده، وإنما المقصودون بهذا التوضيح هو القسم الثالث الذي خدعته وسائل القسم الثاني!

وإذا كان أصحاب النظرة السطحية للأمور مِن هذا القسم يُلتمس لهم وجه العذر فهم محتاجون إلى مَن يأخذ بأيديهم، فقد لا يلتمس وجه عذر لمن سايروا وسائل الدعاية لمجرد تفادي عقبة أمامهم أو الخروج من مأزق، ولكننا مع ذلك سنلتمس العذر للجميع ونتصدى لإبانة واضحة لهذا الموقف تبدد ضباب اللبس، وتمزق حجب الاقتران والتضليل...

نظرة الإخوان إلى الأحزاب:

سبق أن أومأنا إلى هذه النظرة من قبل، ونعود إلى الحديث عنها بتفصيل، فنقول: إن هذه الأحزاب لم تكن إلا أسماءً على غير مسميات، أنشأتها الأهواء والمطامع الشخصية، وآلت كلها بعد قليل إلى أن أصبحت نعالاً ينتعل منها المستعمر ما يشاء ليطأ بها كرامة المصريين، ويرغم أنوفهم!

أما نظرة الإخوان إلى الوفد: فإنهم يرونه حزبًا قائمًا على قاعدة شعبية بلا شك، لكنهم لا يرون في تاريخه ما يؤهله لقيادة شعب يريد تحقيق آماله في الحرية ويصل حاضره بماضيه.

فإذا كانت هذه هي نظرتنا إلى الأحزاب المصرية في ذلك الوقت ونظرتنا إلى حزب الوفد، فهل نحن مقيدون بعد ذلك بأن نقيس الأمور بمقياسهم أو أن نزن الأشخاص بميزانهم أو أن نعالج الأحداث بطريقتهم؟ هل إذا كرهوا شخصًا كان علينا أن نكرهه، وإذا ناصبوه عداءً فعلينا أن نناصبه أو قاطعوه فعلينا أن نقاطعه؟!

ولما كان كل حزب بما لديهم فرحون ظن حزب الوفد أن اختلاف معالجتنا للأحداث عن معالجته لها هو نوع من العقوق الذي يستحق العقاب ويستوجب التأديب، لاسيما وهو لم يجرب من قبل خروجًا على أسلوبه إلا ممن يناصبونه العداء الشخصي، ولما كان هو ومنافسوه التقليديون لا يعرفون للقيم مكانًا لا في أخلاقهم ولا في تعاملهم؛ فقد استباح لنفسه في هجومه علينا الكذب والافتراء، والزور والبهتان مستغلاً في ذلك كل ما يسر له من وسائل الدعاية والإعلام" (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ 1/ 363-369).

قلتُ: فلمَ تطلبون منا -وكذا غيركم- أن نكون كهذا الوصف الذي أنكره الأستاذ "محمود" على حزب الوفد وقتئذٍ؟! ولمَ تعاقبوننا بالعقاب نفسه الذي أُنكر على حزب الوفد؟!

إنا لله وإنا إليه راجعون.

"وزارة النقراشي الثانية:

بعد سقوط وزارة صدقي باشا كان الناس ينتظرون أن تسند الوزارة إلى شخصية قوية ذات تاريخ وطني مشرف، وكان آخر ما يخطر بالبال أن يُستدعى لتأليفها رجل تخاذل أمام الإنجليز بمذكرته الضعيفة المتهالكة التي سجلت عليه الخزي والتفريط في حقوق الوطن... ولكن الذي حدث كان عجيبًا فقد استدعي فعلاً محمود فهمي النقراشي باشا فألف وزارته الثانية كأن البلاد قد أقفرت من الرجال.

ومع ما في هذا التصرف الملكي من تحدٍ لمشاعر الشعب عامة -ومشاعر الإخوان خاصة-، فإن الإخوان -إنقاذًا لقضية البلاد وتلافيًا لضياع الوقت الثمين- تناسوا تاريخ الرجل وسابق فشله وسوء تصرفه، وتقدموا إليه بخطة كاملة ونصيحة مخلصة؛ فقد بعثوا إليه في "5-1-1947م" بالخطاب الآتي:

"دولة النقراشي باشا رئيس الوزراء.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد وصل الموقف في الداخل والخارج إلى الحال التي تعلمونها دولتكم من الضيق والحرج، وأصبح من الحتم اللازم على كل غيور على مصلحة هذا البلد أن ينسى نفسه وحزبه، ويذكر شيئًا واحدًا؛ هو خير هذا الوطن، والعمل السريع الحازم لعلاج هذه الحال"(السابق:1/ 387).

وكذلك كان الموقف نفسه لما قارب معتقل 54 على الانتهاء: "اجتمع إخوان الهيئة التأسيسية الذين بالمعتقل، وناقشوا قضية كان لابد من مناقشتها؛ تلك هي أنهم حين يخرجون إلى الحياة سيجدون مجتمعًا ذا صبغة معينة، وسيجدون حكومة هي وليدة الصراع الذي كان بينهم وبين الثورة، فما كان موقفهم منها ومِن هذا المجتمع؟ هل يقفون منها موقف المقاومة؟ أم سلبيًّا؟ أم يتجاوبون معها؟!

وقد تمخض نقاشهم عن قرار مؤداه أننا مهما كان رأينا في الحكومة فإن الشعب الذي تحكمه هو شعبنا، ومسئوليتنا عن مصالحه لا تقل عن مسئوليتها؛ فعلينا أن نتعاون معها فيما يعود على هذا الشعب بالخير، مُنحيِّن جانبًا ما بيننا وبينها من خلاف سياسي، وبذلك نكون في كل أحوالنا متجاوبين فيما عدا الاتجاه السياسي" (السابق:3/ 453).

قلتُ: أليس الحال الذي وصلتْ إليه البلد الآن يتطلب من كل غيور على البلد أن ينسى نفسه وحزبه، ويذكر شيئًا واحدًا هو: "خير هذا الوطن"، والعمل السريع الحازم لعلاج هذا الحال؟!

الله المستعان.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً