الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

المنازل الإيمانية لطريق الحج المبرور (خطبة مقترحة)

يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسومًا وسرنا نحن أرواحًا

المنازل الإيمانية لطريق الحج المبرور (خطبة مقترحة)
سعيد محمود
الأربعاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٣ - ٠٠:٠٠ ص
2202
4-ذو الحجة-1434هـ   8-أكتوبر-2013      

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالغرض من الخطبة:

بيان فضل الحج ومنزلته، وإثارة شوق السامعين للسعي إلى هذه الرحلة إلى بيت الله لنيل أجر حج مبرور، وأهمية توافر بعض المعاني الإيمانية في ذلك.

مقدمة الخطبة:

- إقبال موسم الحج: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ(البقرة:197)، يكثر فيه النداء: "لبيك اللهم لبيك".

- توافد الحجيج تلبية للنداء: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ(الحج:27).

- أعظم اجتماع في أشرف البقاع: (انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا(رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني).

- فما أعظمها من رحلة! يمر فيها الحجيج بمنازل إيمانية عظيمة حتى يصلوا إلى بيت ربهم، وهي كمعالم الطريق لابد للسائر من معرفتها قبل القصد والرحلة، وفي كل منزلة تذكرة وعبرة.

المنزلة الأولى: فهم موقع الحج من الدين:

- الحج فريضة الله على عباده: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً(آل عمران:97).

- الحج من أفضل الأعمال: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (حَجٌّ مَبْرُورٌ(متفق عليه).

- الحج جهاد العاجز والمرأة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ(رواه أحمد والنسائي، وقال الألباني: حسن لغيره).

- الحج ولادة جديدة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ(متفق عليه).

- الحج عاقبته الجنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ(متفق عليه).

المنزلة الثانية: الشوق إليه:

- يراد من هذه: أن المؤمن المخلص إذا علم فضل الحج اشتاقت نفسه إليه.

وهذه بعض المعاني التي تزيد من شوقه:

- استحضار أن البيت هو بيت الله -عز وجل-، وقاصده قاصد إلى الله وزائر له: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: (الحُجَّاجُ والعُمَّارُ وَفْدُ الله دَعاهُمْ فأجابُوهُ وَسَأَلُوهُ فَأَعْطاهُمْ(رواه ابن ماجه والبزار، وحسنه الألباني).

- الجزاء من جنس العمل: عن سلمان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَهو زَائِرُ اللَّهِ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ(رواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني).

ـ جدير بمن زار بيته في الدنيا أن يُرزق الزيارة العظمى برؤية وجهه -سبحانه- يوم القيامة: عن صهيب الرومي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ -عَزَّ وَجَلَّ-) ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) (رواه مسلم).

المنزلة الثالثة: العزم عليه:

- يُراد من هذه: أن المؤمن المخلص إذا اشتاق للرحلة والزيارة عزم على السعي وإن انتفت الاستطاعة؛ فكيف بمن ملك الاستطاعة؟!

- صدق عاجز خير من سعي كاذب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ(رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟! قَالَ: (وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ(رواه البخاري). وقال شريح: "الحاج قليل، والركبان كثير".

وقال الشاعر:

يا راحلين إلى البيت العتيق لقد          سرتم جسومًا وسرنا نحن أرواحًا

إنا أقمـنا عـلى عـذر وقد رحلوا         ومَـن أقـام عــلى عــذر كمن راحا

- ولذا جعل الله البيت في أوعر البقاع وأمر عباده بالسعي إليه: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(إبراهيم:37)، (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ(الحج:27).

- ليتميز الصادقون بحبهم وبذلهم: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا(البقرة:125)، (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)(إبراهيم:37).

المنزلة الرابعة: قطع العلائق المانعة منه:

معناه: رد المظالم والتوبة الخالصة لله -تعالى- قبل السعي، فكل مظلمة مثل غريم متعلق بتلابيبه ينادي عليه: أتقصد بيت ملك الملوك وأنت مضيع أمره؟! ألا تستحي أن تقدم عليه كذلك فيردك ولا يقبلك؟! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا(رواه مسلم).

- ومِن العلائق: التعلق بالولد أو الأهل أو المال و نحوه بما يعوقه عن السعي: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإِسْلامِ فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ(رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

المنزلة الخامسة: إعداد الزاد والراحلة للسعي:

- ويقصد بذلك: الأسباب المادية الموصلة للبيت الحرام.

- أما الزاد فهو "النفقات اللازمة للحج": قال -تعالى-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى(البقرة:197).

- وليعلم أن زاد الدنيا ينقطع بالموت، أما زاد الآخرة... (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(الشعراء:88-89).

- وأما الراحلة فهي أنواع أيضًا: "الطائرة ـ السيارة - ... "، قال الله -تعالى-: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ(الحج:27).

- وليعلم أن ركوبة الدنيا تذكر بركوبة الآخرة "النعش"، وركوب الجنازة مقطوع به، وركوبة الدنيا "الراحلة" مشكوك فيها؛ فكيف يحتاط لهذا أكثر من ركوبة الآخرة "النعش"؟!

المنزلة السادسة: حضور الحرم والبيت والآيات:

ـ أحب البلاد إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-: عن عبد الله بن عدي -رضي الله عنه-

قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفًا عَلَى الحَزْوَرَةِ -راحلته-، فَقَالَ: (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ(رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

ـ أول المساجد وأعظمها: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96).

- بناء الملائكة والأنبياء: قيل: بناه آدم، وقيل: بنته الملائكة، قال الله -تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(البقرة:127).

- اختار الله مكانه: قال -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(الحج:26).

- فيه آيات بينات: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا(آل عمران:97)، "الحجر الأسود - زمزم - المقام - الملتزم- الصفا والمروة".

- العبادة فيه لا مثيل لها: قال -صلى الله عليه وسلم-: (صَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ(رواه أحمد، وصححه الألباني).


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي