الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا

وهو عز وجل الذي يسلط الجبابرة على أممهم وشعوبهم أو على غيرهم، فيبتلوهم بأنواع العقوبات المدمرة المهلكة.

ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا
ياسر برهامي
السبت ٠٢ نوفمبر ٢٠١٣ - ١٥:٠٧ م
3532
29-ذو الحجة-1434هـ   2-نوفمبر-2013      

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالله -عز وجل- يسلِّط العباد بعضهم على بعض، ويولي بعض العباد بعضًا بما كانوا يكسبون كما قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(الأنعام:129).

وهو -عز وجل- لا يسلط علينا عدونا ظلمًا منه -عز وجل-، فإن الله -سبحانه- حكم قسط لا يظلم الناس شيئًا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وهو قدَّر على البشر أنواع النعيم والألم، وأنواع العز والذل، وأنواع الإحياء والإماتة بعدله وحكمته -سبحانه-، وجعل لذلك أسبابًا، وقدَّر هذه الأسباب وقدَّر نتائجها، وجعلها سنة ماضية في خلقه، قال -تعالى-: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً(فاطر:43).

فإذا تسلط العدو علينا نظرنا إلى ذنوبنا، قال -تعالى-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(آل عمران:165)، وقال -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(الشورى:30)، وقال -تعالى-: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسَانَ كَفُورٌ(الشورى:48).

ولذلك لابد أن يلتفت المسلمون إلى ما يصيبهم ويعلموا أن ذلك مِن جزاء أعمالهم كأمة وكمجتمع انتشرت فيه جمل من الأمراض... التي لو كان جزء منها في جيوش المسلمين الأوائل لارتبكوا وأصابهم الخبال "ولو كان فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون معه" كما قال -تعالى- عن المنافقين: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ(التوبة:47).

انظر كم من مبتغٍ للفتنة قديمًا وحديثًا... ! ولم يَصِرْ هؤلاء يخربون في المسلمين، بل صاروا هم الذين على رءوسهم يقودونهم إلى ما لا يحبه الله -عز وجل- ولا يرضاه! وينشرون أنواع الفتن من الشبهات والشهوات، وتُدفع إليها جموع المسلمين دفعًا -ولا حول ولا قوة إلا بالله-، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا(متفق عليه)، وأعجب العجب إن وجد فيمن ينتسب إلى العلم والدين والدعوة مَن يدعو إلى إجابتهم ولزوم متابعتهم!

فلابد لنا أن نعلم خطر النفاق، وخطر الفسوق والعصيان؛ هذه الأمراض التي إذا انتشرت في المجتمع ضرته أعظم الضرر، كما بيَّن -عز وجل- عندما أصاب المسلمين ما أصابهم في غزوة "أحد"، فقال: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ(آل عمران:152).

فقد كانت هناك طائفة تريد الدنيا ولم تكن من المنافقين في الحقيقة في ذلك الجيش، فإن المنافقين انسحبوا مع عبدالله بن أبي ابن سلول، ولكن إرادة الدنيا كانت أقوى في قلوب هذه الطائفة؛ فلأجل ذلك أصابهم ما أصابهم من الهزيمة والقتل والجراح، وهم خير خلق الله -عز وجل- بعد الأنبياء، ومعهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير خلق الله -عز وجل- منذ وجدت الخليقة.

فإذا انتشرت الأمراض في هذه الأمة، وأخطرها وأعظمها شرًّا "مرض النفاق": فإن ذلك مؤذن بتسلط أعدائها عليها، وبحصول الاستضعاف والذل، وأنواع البلايا والمحن التي يبتليهم الله -عز وجل- بها؛ ليرجعوا ويتوبوا إليه -عز وجل-، ويتضرعوا إليه ويدعوه ألا يسلط عليهم بذنوبهم مَن لا يرحمهم.

والله -عز وجل- هو الذي أعطى الأعداء القوة التي يتسلطون بها علينا؛ فإذا تسلطوا فبذنوبنا، وإن لم يرحمونا لكان ذلك من عملنا،والله -عز وجل- مالك السلطان كله، وهو -عز وجل- مالك الملك، وهو الذي قال: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(آل عمران:26)، وهو -عز وجل- الذي يسلِّط الجبابرة على أممهم وشعوبهم أو على غيرهم بأنواع العقوبات المدمرة المهلكة.

وهذا بيد الله -عز وجل- وحده لا بيد غيره؛ لذلك نحن نسأله ألا يسلط علينا بذنوبنا مَن لا يرحمنا، ونسأله -عز وجل- أن يرحمنا وأن يغفر لنا ذنوبنا، وألا يسلط علينا أعداءنا القساة الذين ليس في قلوبهم الرحمة بعباد الله المؤمنين.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة