الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الانقلاب!

الانقلاب يشمل الكل ويعم الجميع؛ فلا يبقي ولا يذر، يقول

الانقلاب!
سعيد صابر
الجمعة ٠٨ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٦:١٣ ص
1820
الانقلاب!
4-محرم-1435هـ   7-نوفمبر-2013      

كتبه/ سعيد صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فهذه أسطر تتناول قضية "الانقلاب".

وليس المقصود هو ما يتبادر إلى الأذهان مما يُسمى بالانقلاب العسكري! وإنما هو انقلاب أعظم وأخطر وأهول؛ وهو انقلاب الخلائق لرب العالمين.

وقد ذكر الله هذا الانقلاب الهائل بقوله: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ . وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ(الزخرف:13-14).

ويا له مِن انقلاب... !

ويا له من يوم... !

يـوم القيامة لو عـلمتَ بهـوله                       لـفـررتَ من أهـل ومن أوطـان

يـوم تـشقـقـت السماء لـهـوله                       وتـشيـب فيه مفـارق الـولـدان

يـوم عـبـوس قـمطــرير شـره                        في الخلق منتشر عظيم الشان

وهو الحشر.

وذاك الانقلاب يشمل الكل ويعم الجميع؛ فلا يبقي ولا يذر، يقول -جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ(الأنعام:38).

أما صفة الحشر فقد ذكرها الله -تعالى- بقوله: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا . وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا(مريم:85-86). (وَفْدًا) أي: ركبانًا. (وِرْدًا) أي: عطاشًا قد بلغ بهم الظمأ كل مبلغ.

وعن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟! قَالَ: (أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟) قَالَ قَتَادَةُ: "بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّنَا" (متفق عليه). فنقول كما قال قتادة -رحمه الله-: "بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّنَا"، واقرؤوا إن شئتم: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا(الإسراء:97).

وعن عائشة -رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟! فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ)(متفق عليه).

والإيمان بالبعث والانقلاب للحساب أصل الإيمان، وقاسم مشترك بين رسل الله جميعًا -عليهم السلام-، وفي ذلك يقول الله -تعالى-: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ(الزمر:71).

وقد ذكر الله في القرآن أقوال المكذبين للبعث، وذمَّهم وتهددهم وتوعدهم بقوله -تعالى-: (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(الرعد:5).

وفي الحديث القدسي يقول الله -عز وجل-: (كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا!(رواه البخاري).

جمع عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- الناس يومًا فقال: "أنتم مع أمر البعث والانقلاب المهيب إلى الله أحد رجلين: إما مكذب هالك، وإما مصدق أحمق... !" -فجعل الناس يضربون أخماسًا في أسداس وإلا فكيف يوصف المصدق بالحمق؟!-.

وفك هذه الشفرة، وحلُّ هذا اللغز: أن المصدق لما وافق المكذب في الإثم والفسوق والعصيان كان من الحمق والغباء بمكان!

فلله در عمر!

ولله در شاعر الإسلام حيث كتب تحت عنوان: "رحلة الأهوال" قائلاً:

أمـا والـلـه لـو عـــلـم الأنـام                         لما خلقوا لَما غـفـلوا وناموا

لقـد خـلقـوا لما لـو أبـصرته                          عيون قلوبهم لتاهوا وهاموا

مـمـات ثـم قــبـر ثـم حــشـر                          وتـوبـيــخ وأهــوال عــظــام

ليوم الحشر قد عملت رجال                          فـصلـوا من مخافته وصاموا

ونـحـن إذا أمــرنا أو نهـيـنا                          كـأهــل الـكـهـف أيقاظ نـيـام

فعلينا أن نحسن المسير إلى الله، وأن نتقي يومًا نرجع فيه إلى الله، وليكن كل منا على باله قول الله -تعالى- في معرض بيان حكمة الانقلاب والغاية من البعث: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ(آل عمران:185).

وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

آن الرحيل!
866 ٢٦ يونيو ٢٠١٩
رحلة إلى الجنة!
658 ٠٧ مايو ٢٠١٩
رحلة إلى النار!
1172 ٠٤ مارس ٢٠١٩
كن منصفًا لا منسفًا!
751 ٠١ يناير ٢٠١٩
وحل الغفلة
1049 ٣١ مايو ٢٠١٧
مناجاة
2254 ١٩ مايو ٢٠١٤