السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفيون..وتحقيق الإتباع

ومضرة البدع ، وهدمها للدين ، ومنافاتها له أشد من عامة الفواحش ، والظلم ، والعدوان ، والبدع تؤدي إلى ضياع ثواب الأعمال

السلفيون..وتحقيق الإتباع
محمود عبد الحميد
الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠١٣ - ٢٠:٣٩ م
1995

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أما بعد ؛

فالإتباع هو : إتباع ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الكتاب والسنة ، وقد أوصى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته بالتمسك بسنته ، وبين لهم أن الاختلاف سيكثر ، والأهواء سوف تظهر ، والعصمة من ذلك إنما هي في التمسك بالكتاب والسنة ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةً ) . رواه أحمد وأبو داود ، وصححه الألباني .

وبيّن ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن خير الهدي هو هديه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وأن كل محدثة بدعة ، وقد بيَّن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن الهداية إنما تكون بإتباعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال تعالى : ( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون ) الأعراف:158  ، ( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) النور:54 .

وحذر الله ـ سبحانه وتعالى ـ من مخالفته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور:63 .

وتوعدهم الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالعذاب على مخالفة أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال تعالى : ( َيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يا ليتني اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يَا وَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً ) الفرقان: 28-27

وقال-تعالى : ( يََوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ ) الأحزاب:66 ، وهذا تندم المخالفين لهديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم القيامة

وقال ـ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَطَاعَنِي؛ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي؛ فَقَدْ عَصى اللهَ ) متفق عليه ، وذلك لأن الله جعل طاعة الرسول طاعة له ـ سبحانه ـ ؛ فقال تعالى : ( مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) النساء:80 .

وقال ـ صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَال : مَنْ أَطَاعَنِي ؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي؛ فَقَدْ أَبَى ) رواه أحمد والبخاري .

وقد حث أهل العلم على متابعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال الإمام أحمد : " من علم طريق الحق ؛ سهل عليه سلوكه ، ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحواله وأقواله " .

وقال ابن القيم : " فمن صحب الكتاب والسنة ، وتغرب عن نفسه وعن الخلق ، وهاجر بقلبه إلى الله ؛ فهو الصادق المصيب " .

وقال ابن تيمية : " فكل من اتبع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ فالله كافيه ، وهاديه ، وناصره ، ورازقه " .

وقال ـ أيضًا ـ : " من فارق الدليل ؛ ضل السبيل ، ولا دليل إلا بما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم " .

وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : " عليك بالاستقامة ، اتبع ولا تبتدع " .

وقال سهل التستري : " ما أحدث أحد في العلم شيئًا إلا سئل عنه يوم القيامة ، فإن وافق السنة ؛ سلم، وإلا فلا " .

وقال الشافعي ـ رحمه الله ـ : " أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس " .

وقال ابن خزيمة : " ويحرم على العالم أن يخالف السنة بعد علمه بها " .

وقال ابن عبد البر : " الحجة عند التنازع السنة ؛ فمن أدلى بها ؛ فقد أفلح " .

وقال ابن شهاب : بلغنا عن رجال من أهل العلم قالوا : الاعتصام بالسنة نجاة" .

وقال ابن القيم : " ولا يحبك الله ؛ إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهرًا وباطنًا ، وصدقته خبرًا ، وأطعته أمرًا ، وأحببته دعوة ، وآثرته طوعًا عن حكم غيره بحكمه " .

وقال الجنيد : " الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول .

والإتباع ضد الابتداع ، فالبدعة : طريقة في الدين مخترعة ، تضاهي الشريعة ، يقصد بالسلوك عليها : المبالغة في التعبد لله ـ تعالى ـ : أي أن المبتدع ليس على هدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وإنما هو آتٍ بشيء جديد، ليس له فيه سلف .

ومضرة البدع ، وهدمها للدين ، ومنافاتها له أشد من عامة الفواحش ، والظلم ، والعدوان ، والبدع تؤدي إلى ضياع ثواب الأعمال ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الخوارج الذين لم يكونوا على السنة مع عظم عبادته : ( يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ ، وَصَوْمَهُ مَعَ صَوْمِهِمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّة ) رواه ابن ماجة ، وصححه الألباني .

ولذلك ؛ كان تحذير السلف من البدع ، والمبتدعين ، قال الحسن البصري : " من وقر صاحب بدعة ؛ فقد سعى في هدم الدين " وقال ـ أيضًا ـ : " لا تجلس إلى صاحب بدعة ، فإنه يمرض قلبك ، ويفسد عليك دينك ، وخير أمور الدنيا ما كان سنة، وشر الأمور المحدثات البدائع .

قال الأوزاعي : " ما ابتدع رجل بدعة ؛ إلا سلب الورع " .

وقال سفيان : " البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ، المعصية يتاب منها ، والبدعة لا يتاب منها .

قال ابن عباس : النظر إلى رجل من أهل السنة يدعو إلى السنة ، والنهي عن البدعة عبادة " .

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في قوله تعالى : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) آل عمران:106 ، قال : " تبيض وجوه أهل السنة ، وتسود وجوه أهل البدعة " .

وقال الفضيل بن عياض : " اتبع طريق الهدى ، ولا يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق البدعة ، ولا تغتر بكثرة الهالكين " .

والإتباع عند السلفيين إنما يقصد به إتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح ، كما قال الإمام أحمد : " الإتباع : أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وعن أصحابه ، ثم هو من بعد التابعين مخير ، وقال ـ رحمه الله ـ ( أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والاقتداء بهم ، وقد قال تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرً ) النساء:115 ، فقوله تعالى: ( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) لا شك أنهم الذين ذكروا في الآية السابقة : ( مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) التوبة:100 .

فلا يجوز للمسلم ـ باسم إتباع الكتاب والسنة ـ أن يتبع أراءً أو أقوالاً تخالف ما كان عليه سلفنا الصالح ، ذلك ؛ لأن ما كانوا عليه تبيانًا للكتاب والسنة ، فالسنة ليس لنا طريق إلى الوصول إليها والتعرف عليها ؛ إلا من طريق أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولذلك ؛ فلا سبيل إلى أن يكون المسلم من أهل السنة ، ومن الفرقة الناجية إلا بأن يتبع الكتاب والسنة على ما كان عليه السلف الصالح .

فعدم الرجوع إلى ما كان عليه سلفنا الصالح من المفاهيم هو السبب الأصيل الذي جعل المسلمين يتفرقون إلى مذاهب شتى ، وطرق قددًا ، فمن كان يريد ـ حقًّا ـ الرجوع إلى الكتاب والسنة ؛ فيلزمه الرجوع إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان ، فما اتفقوا عليه ؛ لا يجوز لنا مخالفته ، وما اختلفوا فيه على قولين ؛ فلا يجوز لنا إحداث قول ثالث ، فالدين ما دانوا به ، والحق ما قاموا عليه ، قال تعالى : ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاق ) البقرة:137 .


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

الكلمات الدلالية