الحمد لله ، والصلاة
والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله
وسلم ـ أما بعد ؛
فالإتباع هو : إتباع ما جاء به
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الكتاب والسنة ، وقد أوصى النبي ـ
صلى الله عليه وسلم ـ أمته بالتمسك بسنته ، وبين لهم أن الاختلاف سيكثر ، والأهواء
سوف تظهر ، والعصمة من ذلك إنما هي في التمسك بالكتاب والسنة ، فقال ـ صلى الله
عليه وسلم ـ : ( فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى
اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا
بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ
بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةً ) . رواه أحمد وأبو داود ،
وصححه الألباني .
وبيّن ـ صلى الله عليه
وسلم ـ أن خير الهدي هو هديه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وأن كل محدثة بدعة ، وقد
بيَّن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن الهداية إنما تكون بإتباعه ـ صلى الله عليه وسلم
ـ ، فقال تعالى : ( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُون ) الأعراف:158 ،
( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) النور:54 .
وحذر الله ـ سبحانه
وتعالى ـ من مخالفته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ( فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور:63 .
وتوعدهم الله ـ سبحانه
وتعالى ـ بالعذاب على مخالفة أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال تعالى : ( َيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ
عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يا ليتني اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يَا
وَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً ) الفرقان: 28-27
وقال-تعالى : ( يََوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا
أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ ) الأحزاب:66 ،
وهذا تندم المخالفين لهديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم القيامة.
وقال ـ صلى الله عليه
وسلم : ( مَنْ أَطَاعَنِي؛ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي؛ فَقَدْ
عَصى اللهَ ) متفق عليه ، وذلك لأن الله جعل طاعة الرسول طاعة له
ـ سبحانه ـ ؛ فقال تعالى : ( مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ
أَطَاعَ اللَّهَ ) النساء:80 .
وقال ـ صلى الله عليه
وسلم :
( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ
يَأْبَى؟ قَال : مَنْ أَطَاعَنِي ؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ
عَصَانِي؛ فَقَدْ أَبَى ) رواه أحمد والبخاري .
وقد حث أهل العلم على متابعة
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال الإمام أحمد : " من علم طريق الحق ؛ سهل عليه سلوكه ، ولا دليل على
الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحواله وأقواله
" .
وقال ابن القيم : " فمن صحب الكتاب
والسنة ، وتغرب عن نفسه وعن الخلق ، وهاجر بقلبه إلى الله ؛ فهو الصادق المصيب
" .
وقال ابن تيمية : " فكل من اتبع
الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ فالله كافيه ، وهاديه ، وناصره ، ورازقه " .
وقال ـ أيضًا ـ :
" من فارق الدليل ؛ ضل السبيل ، ولا دليل إلا بما جاء به الرسول ـ صلى الله
عليه وسلم " .
وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : " عليك بالاستقامة ، اتبع ولا تبتدع " .
وقال سهل التستري : " ما أحدث أحد في
العلم شيئًا إلا سئل عنه يوم القيامة ، فإن وافق السنة ؛ سلم، وإلا فلا " .
وقال الشافعي ـ رحمه الله ـ : " أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ؛ لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس " .
وقال ابن خزيمة : " ويحرم على العالم أن يخالف السنة بعد علمه بها
" .
وقال ابن عبد البر : " الحجة عند التنازع السنة ؛ فمن أدلى بها ؛ فقد أفلح
" .
وقال ابن شهاب : بلغنا عن رجال
من أهل العلم قالوا : الاعتصام بالسنة نجاة" .
وقال ابن القيم : " ولا
يحبك الله ؛ إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهرًا وباطنًا ، وصدقته خبرًا ، وأطعته أمرًا ،
وأحببته دعوة ، وآثرته طوعًا عن حكم غيره بحكمه " .
وقال الجنيد : " الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر
الرسول .
والإتباع ضد الابتداع ،
فالبدعة : طريقة في الدين مخترعة ، تضاهي الشريعة ، يقصد بالسلوك عليها : المبالغة
في التعبد لله ـ تعالى ـ : أي أن المبتدع ليس على هدي رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ ، وإنما هو آتٍ بشيء جديد، ليس له فيه سلف .
ومضرة البدع ، وهدمها
للدين ، ومنافاتها له أشد من عامة الفواحش ، والظلم ، والعدوان ، والبدع تؤدي إلى
ضياع ثواب الأعمال ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الخوارج الذين لم يكونوا
على السنة مع عظم عبادته : ( يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ ، وَصَوْمَهُ
مَعَ صَوْمِهِمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ
الرَّمِيَّة ) رواه ابن ماجة ، وصححه
الألباني .
ولذلك ؛ كان تحذير
السلف من البدع ، والمبتدعين ، قال الحسن البصري : " من وقر صاحب بدعة ؛ فقد
سعى في هدم الدين " وقال ـ أيضًا ـ : " لا تجلس إلى صاحب بدعة ، فإنه
يمرض قلبك ، ويفسد عليك دينك ، وخير أمور الدنيا ما كان سنة، وشر الأمور المحدثات
البدائع .
قال الأوزاعي : " ما ابتدع رجل بدعة ؛ إلا سلب الورع " .
وقال سفيان : " البدعة
أحب إلى إبليس من المعصية ، المعصية يتاب منها ، والبدعة لا يتاب منها .
قال ابن عباس : النظر إلى رجل
من أهل السنة يدعو إلى السنة ، والنهي عن البدعة عبادة " .
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في قوله تعالى : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) آل عمران:106 ، قال : " تبيض وجوه أهل السنة ، وتسود
وجوه أهل البدعة " .
وقال الفضيل بن عياض : " اتبع
طريق الهدى ، ولا يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق البدعة ، ولا تغتر بكثرة الهالكين
" .
والإتباع عند السلفيين إنما
يقصد به إتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح ، كما قال الإمام
أحمد : " الإتباع : أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،
وعن أصحابه ، ثم هو من بعد التابعين مخير ، وقال ـ رحمه الله ـ ( أصول السنة عندنا
: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والاقتداء بهم ،
وقد قال تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ
الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرً ) النساء:115 ،
فقوله تعالى: ( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) لا شك أنهم الذين ذكروا في الآية السابقة : ( مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) التوبة:100 .
فلا يجوز للمسلم ـ باسم إتباع
الكتاب والسنة ـ أن يتبع أراءً أو أقوالاً تخالف ما كان عليه سلفنا الصالح ، ذلك ؛
لأن ما كانوا عليه تبيانًا للكتاب والسنة ، فالسنة ليس لنا
طريق إلى الوصول إليها والتعرف عليها ؛ إلا من طريق أصحاب النبي ـ صلى الله عليه
وسلم ـ ، ولذلك ؛ فلا سبيل إلى أن يكون المسلم من أهل السنة ، ومن الفرقة الناجية
إلا بأن يتبع الكتاب والسنة على ما كان عليه السلف الصالح .
فعدم الرجوع إلى ما كان عليه
سلفنا الصالح من المفاهيم هو السبب الأصيل الذي جعل المسلمين يتفرقون إلى مذاهب
شتى ، وطرق قددًا ، فمن كان يريد ـ حقًّا
ـ الرجوع إلى الكتاب والسنة ؛ فيلزمه الرجوع إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ، والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان ، فما اتفقوا عليه ؛ لا يجوز لنا
مخالفته ، وما اختلفوا فيه على قولين ؛ فلا يجوز لنا إحداث قول ثالث ، فالدين ما
دانوا به ، والحق ما قاموا عليه ، قال تعالى : ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاق ) البقرة:137 .
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي