الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مناهج الإصلاح (7) عرض مجمل لمنهج الإصلاح ومناهج الإصلاح الأخرى

أن القدرة ليست مجرد القدرة على الفعل، ولكن أن تفعل دون أن يترتب على ذلك مفسدة،

مناهج الإصلاح (7) عرض مجمل لمنهج الإصلاح ومناهج الإصلاح الأخرى
عبد المنعم الشحات
السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠١٣ - ١٧:٢٨ م
2939
20-محرم-1435هـ   23-نوفمبر-2013      

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد انتهينا من عرض منهج الإصلاح الذي ندين لله به، وهو قائم على الأسس الآتية:

1- سعادة البشرية في الدنيا والنجاة في الآخرة، لا تحصل إلا بموافقة الشرع، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(طه:124).

2- الإسلام دين شامل كامل، أتى بما يصلح "الفرد - والمجتمع - والدولة": (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(الأنعام:162).

3- الإسلام قد أتى بإصلاح المجتمع والدولة في الإطار العام الذي يضبط هذه الأمور، في حين سكت عن كثير من التفاصيل، ومِن ثَمَّ أحال فيها الناس على التجربة البشرية.

4- وعلى هذا فإن الموضوع الرئيسي في الشريعة، هو: "الصلاح الإنساني" مع تهيئة المناخ للصلاح المادي، والذي يُقال فيه: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ(الملك:15).

5- الإسلام قد اعتنى بالفرد "قلبه - وعقله - وروحه - وجسده"، وهذه التشريعات موزعة على ما استقر عليه اصطلاح علوم الشريعة: "العقيدة - والعبادة - والأخلاق - والمعاملة".

6- صلاح الفرد يشمل أن يكون صالحًا في نفسه، وأن يكون فعالاً في إصلاح المجتمع، (وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(العصر).

7- ومن أهم ما يدخل في هذا "تكوين الوازع الذاتي"، الذي هو في النظام الإسلامي وازع إيماني.

8- صلاح المجتمع يكون بالحض على الأخوة الإيمانية، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحقيق التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع، والقيام في ظل ذلك بجميع فروض الكفايات، والتي تضم -بالإضافة إلى ما سبق-: "التعلم - والتعليم - والإفتاء"، كما تضم الحِرَف الدنيوية التي يَحتاج إليها المجتمع.

9- الإسلام يعني بالأسرة على اعتبار أنها اللبنة الأساسية للمجتمع.

10- أنه يعني بدور المسجد على اعتبار أنه المحضن التربوى الرئيسي.

11- صلاح الدولة بأن تكون مرجعيتها العليا هي الشريعة الإسلامية، وأن تكون الشورى هي الآلية الأساسية فيما لا نص فيه.

12- دور الدولة هي حراسة القيم، وإدارة الموارد، ملتزمة في ذلك بتحقيق "العدالة - والحرية - والمساواة" وفق الضوابط الشرعية التي لا يجور فيها أحد هذه المعاني على الآخر.

13- خلصنا من ذلك كله أنه انطلاقًا من المسجد كمحضن تربوي رئيسي يتم تربية الأفراد على الإيمان بمعانيه الشاملة من: "العقيدة - والعبادة - والأخلاق - والمعاملات".

14- مع تبصيرهم بمسئوليتهم تجاه أسرهم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ(متفق عليه).

15- كما يتم عبر آليات العمل الجماعي والتعاون على البر والتقوى، تعاون الأفراد في القيام بفروض الكفايات من التعلم والتعليم، والإفتاء، والقيام على حقوق الفقراء والمساكين.

16- كما يجب التصدي لنصيحة الأنظمة السياسية بتطبيق النموذج الإسلامي وإنكار مخالفاتها، وهذا القدر من إصلاح الدولة دون المشاركة في مؤسساتها هو نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يضبط إلا بضوابطه العامة.

17- وأما المشاركة السياسية في ظل الأنظمة الدستورية الحديثة؛ فتشرع المشاركة فيها متى غلب على الظن رجحان المصلحة، ومتى أمكن أن يتضمن الدستور إلزام مؤسسات الدولة بمرجعية الشريعة، وغرض هذه المشاركة هي التأثير في صناعة سياسات وقوانين وقرارات الدولة بمقدار ما يحدث في المجتمع من رصيد إصلاحي.

18- المشاركة السياسية بهذا الاعتبار تختلف بدرجة كبيرة عمن يعتبرها هي أساس منهجه في التغيير.

19- ومما سبق فإن مجالات الإصلاح الثلاثة: "الفرد - المجتمع - الدولة" يتأثر كلٌ منها بما قبله، وفى الوقت ذاته يجب أن نسير فيها بخطى متوازية بحيث يوجَّه الأفراد إلى تنظيم جهودهم الجماعية لإصلاح المجتمع، ويوجِّه طائفة منهم جهودهم في المشاركة السياسية حال توافر شروط مشروعيتها لترجمة رصيدهم أصلاً.

20- وفي هذا الإطار العام يُقبل من الوسائل ما كان مشروعًا: "كالخطب والمواعظ" أو كان مباحًا في الأصل: "كاستعمال وسائل الاتصال الحديثة في نقل هذه المواد"، وأما ما كان أصله الإباحة وخُشيت عواقبه: "كالمظاهرات"؛ فلابد فيه من الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد.

وبعد هذا الإجمال لما سبق بيانه من معالم منهج الإصلاح، نتعرض لأهم المناهج الأخرى التي تتبناها بعض الحركات الإسلامية العاملة على الساحة، والتي يمكن إجمالها فيما يأتي:

أولاً- أصحاب الاتجاه الفردي:

وهم مَن يقتصرون في منهجهم الإصلاحي على إصلاح الفرد، وهم أنواع، فمنهم:

1-  مَن يرى أن الإسلام مجرد علاقة بين العبد وربه: وقد سبق مناقشة هذه الفكرة، وإنما أعدنا ذكرها هنا من باب أن بعض المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية يتلبس بهذه الفكرة العالمانية الأصل، ويبني منهجه عليها!

2- مَن يفهم شمول الإسلام، ولكنه يرى تسليم شئون الشأن العام للحكام "مهما بلغ فسادهم!"، وهم بهذا يعطون للحكام حقًّا لم تعطه الأمة لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-.

3- مَن يكتفي بالتربية الفردية ظنًا منه أن العمل الجماعي غير مشروع أو ربما يقيده البعض بإذن الدولة.

4- وأمثلهم طريقة مَن يرى أنه يقوم بدوره في منظومة الإصلاح دون أن ينفي حاجة الأمة إلى باقي المجالات.

ومن المشكلات التي تواجه كثيرًا من أصحاب هذا الاتجاه: الاقتصار على بعض جوانب إصلاح الفرد دون الباقي، كالاقتصار على الجانب العلمي أو التربوي وحتى في الجانب العلمي قد يتم الاقتصار على بعض العلوم أو التخصص المبكر في بعضها دون الدراسة المناسبة لطالب العلم في العلوم الأخرى.

ثانيًا- أصحاب أن الإصلاح يبدأ من الدولة:

يرى البعض أن الأساس في الإصلاح هو الوصول إلى الدولة، ويستمد هؤلاء رؤيتهم من:

أ‌- النصوص التي تبين أهمية الإمامة، وغني عن الذكر أن أهميتها لا تعني أنها أهم من غيرها أو أنها يمكن أن تقوم بغير مقدماتها الشرعية والكونية.

ب‌- تجارب تاريخية، ومنها: الفتوح الإسلامية التي دخلت فيها بلاد إلى حكم الإسلام على يد مجموعة من المجاهدين وعلاها حكم الإسلام، مع أن غالب أهلها لم يكونوا كذلك، وهذه استعارة من تجارب تاريخية كانت فيها بعض شعوب العالم تُحكم بواسطة غيرها، وهذه الصورة تلاشت تماما من الواقع وصارت الشعوب تحكم من داخلها، ولا يمكن أن يَفرض الحاكم شيئًا يرفضه معظم الشعب، بالإضافة إلى أن الصورة المشار إليها هي في ذاتها صورة مؤقتة سرعان ما كانت تنتهي بدخول معظم الناس في الإسلام أو خروج المسلمين من هذه البلاد.

ت‌- تجارب سياسية لأمم أخرى قد يكون الإصلاح عندهم لا يعني إلا إصلاح نظام الدولة في حين أنهم يريدون منها أن تقهر الفرد على نمط معين وأن تطلق له العنان؛ مما يعني عند كل من الفريقين عدم وجود حاجة إلى مناهج تربوية، وإنما تعبئة جماهيرية نحو الهدف المنشود.

وهؤلاء يمكن تصنيفهم إلى:

1- أصحاب الحل البرلماني: ونعني به هنا مَن يرون أن الأصل في منهجهم هو الوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات البرلمانية، ويختلف هؤلاء عما تقدَّم طرحه من مشروعية المشاركة السياسية لإصلاح الدولة في أمور، أهمها:

- اختلاف تكامل المشروع الإصلاحي عندهم.

- الخطاب الفردي لديهم تعبوي أكثر منه تربوي.

- غالبًا ما يهمل هؤلاء ضوابط المشاركة السياسية، فيغلِّبون المشاركة حتى في حال عدم توافر هذه الضوابط.

- غالبًا ما يصاب هؤلاء بحالة من انعدام الوزن عند فشل تجاربهم السياسية فيتجهون إلى المشاريع الثورية أو العسكرية.

2- أصحاب المواجهة المسلحة: ويقوم فكر هؤلاء على فكرة الصراع المسلح مع السلطات الحاكمة، ويرون هذا جهادًا!

وبعضهم يجعله من باب: "قتال الطائفة الممتنعة"، أي: يواجِه المواجهة المسلحة دون تكفير لأجهزة الدولة.

والبعض الآخر يعتبر هذا القتال قتالاً للمرتدين، فيكفِّر الحكام والجيش والشرطة، مع أن هذا الغلو في التكفير لا يسعفه في تقرير جواز مثل هذا القتال؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يبدأ المشركين المتفق على كفرهم بالقتال، وإنما بالدعوة والبيان، ولأن العمليات التي يمكن أن تقوم بها هذه التنظيمات غالبًا ما تكون بوضع ما يعم ضرره في طرقات المسلمين، فإن بعضها يتبنى تكفير عموم المجتمع أو يتبنى تأويلات شاذة للاستهانة بالدماء، ومِن ثَمَّ فهذا التوجه من أكثر التوجهات بُعدًا عن الشريعة، وعن تحقيق الهدف المأمول في الوقت ذاته.

وينبغي في هذا الصدد أن نفرِّق بيْن هذه الحالة التي وصفنا وبين وجود حركات جهادية تقاتل الغازي أو المحتل في بقاع من الأرض، ووفق حسابات شرعية تجعل مصلحة هذا القتال تفوق مفسدته، حتى ولو كان بعض القائمين بهذه الصورة الشرعية قد يساهمون في الصورة غير الشرعية؛ فلا تزر وزارة وزر أخرى.

3- أصحاب الحل الثوري: قدمنا أننا ننادى بالإصلاح ونعني به المعنى الشرعي الشامل لإصلاح الفرد والمجتمع والدولة، ولكن في العلوم السياسية يقسمون التيارات التي تنادي بالتغيير إلى تيارات إصلاحية تؤمن بالتغيير التراكمي المتدرج، وتيارات ثورية تؤمن بالتغيير الجذري الفوري، ونحن بهذا المصطلح ننتمي إلى الفكر الموصوف بالإصلاح أيضًا.

وينبغي هنا أن ندرك أن الثورات هي حالات فوران مؤقتة تسقط نظام الحكم، ومِن ثَمَّ فإنه لا التيارات الإصلاحية، ولا التيارات الثورية تصنع الثورة، وإنما تنشأ الثورة حينما تنسد كل طرق الإصلاح، ويصل المجتمع ككل إلى حالة الغليان، ومِن ثَمَّ فقد تنفجر الثورة كرد فعل لحادث تكررت حوادث من جنسه أو ربما أفدح منه.

وإذا كانت الثورة كحدث لا يستطيع أحد تحديد لحظة انفجارها، فيبقى الفرق بين التيارات الإصلاحية والتيارات الثورية في آليات العمل؛ فالتيارات الإصلاحية تسعى لتحقيق القدر الممكن من الإصلاح "ولا تعتبره هو سقف آمالها"، وإنما تنطلق لتحقيق مزيدٍ من الإصلاح، بينما تسعى التيارات الثورية إلى تأزيم المواقف أملاً في الوصول إلى حالة الثورة!

ومن هذا العرض يتبين أن: القضية ليست في تبني آليات إنكار واضحة كالمظاهرات أو الاعتصامات والإضرابات، ولكن في الهدف من وراء هذه الفاعليات وغيرها.

وعلى الرغم من وجود تيارات تؤمن بالحل العسكري في أوساط الصحوة الإسلامية ظنًا منهم أن هذا نوع من الجهاد، فإنه لم يكن يوجد من يدعي حالة الثورية حتى قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير، وعلى الرغم من أن ثورة الخامس والعشرين من يناير بدأت بفعل إصلاحي -مظاهرات محدودة تطالب بمطلب محدد وهو عدم التوريث-، والأهم من ذلك أنها كانت نتاج عمل إصلاحي تراكمي؛ إلا أن انقلابها إلى ثورة ثم نجاحها أغرى بعض الكيانات الإسلامية وبعض الشباب الإسلامي أن يصف نفسه بالثورية! مع أنه لا يلزم من المشاركة في ثورة متى اندلعت استمرار ذلك؛ لا سيما إذا اندلعت كنتاج لتراكم إصلاحي لا يوجب على مَن شارك فيها أن يبقى ثائرًا أو يرفع شعار: (كل مطالبي وإلا فالثورة مستمرة!)، وقد عانى فريق من الإسلاميين حينما وصل إلى السلطة من استمرار (حالة التثوير) المستمرة.

ناهيك عما تستلزمه الحالة الثورية من بعض التأويلات في الأحكام والدماء التي تتشابه إلى حد ما مع تأويلات تيارات المواجهة المسلحة، بل ربما تتطابق معها حينما يقف الجيش مع النظام السياسي الحاكم أو عندما تكون المواجهة معه أصلاً، فلا مجال للكلام هنا عن ثورة سلمية، بل لابد من تحولها إلى مواجهة مسلحة بناءً على ما تم رصده عبر التاريخ من أنه لا تنتصر ثورة سلمية إلا بتأييد الجيش أو حياده على الأقل.

وثمة ملاحظة أخرى، وهي: أن الحراك الثوري يستند إلى تراكم إصلاحي ولابد، غير أنه قد يسرع من وتيرته أحيانًا (كما في حالة 25 يناير في مصر)، وإن كان البعض يتشكك تاريخيًّا في هل يتحقق إسراع حقيقي بعملية التغيير أم أن الاضطراب الذي يصاحب الثورات من الممكن أن يلغى أثر ذلك الإسراع.

وأيًّا ما يكن، فلا يُتصور منهج دعوي يتبنى استمرار الحالة الثورية، فإن قُبِل هذا من التيارات التي ترى أن الأصل في المجتمع هو صراع الطبقات، وليس لديها مشروع تربوي فردي؛ فلا يمكن قبوله من دعوة تريد أن تربي الأفراد، وتخاطب فيهم القلب والعقل، وتدعو إلى مجتمع الحب والتكافل والتراحم.

ثالثًا- الجماعات التي تتبنى تغيير المنكر باليد:

وهي تيارات تتبنى المنهج الدعوي الإصلاحي، ولكن مع القول بجواز أو لزوم تغيير المنكر باليد بدون ضوابط شرعية، استدلالاً بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ(رواه مسلم).

مع أن الاستطاعة المقصودة في الحديث ليست مجرد أن تقدر على الفعل، بل تشمل أيضًا عدم غلبة الظن بترتب مفسدة أكبر على هذا الفعل، ويشهد لهذا امتناع النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتل مَن ظهر نفاقه؛ معللاً ذلك بقوله: (لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ(متفق عليه)، وامتناعه من إعادة بناء الكعبة (على قواعد إبراهيم) خشية الفتنة.

ومن هنا علمنا: أن القدرة ليست مجرد القدرة على الفعل، ولكن أن تفعل دون أن يترتب على ذلك مفسدة، فبعض الاتجاهات الإسلامية كانت تتبنى فكرة أنه ما دام يقدر أن يغير المنكر فلا يهمه ماذا سوف ينتج بعدها, فمثلاً يكسر محال الخمور، ويمنع الراقصات -وغيرهن- في الأفراح، فيتمكن مِن منع الفعل, ولكن الفاعل الذي كان يفعل المنكر ومُنع يذهب يستعين بالدولة, فيضع هؤلاء في مواجهة الدولة، فتقع المواجهة حتمًا.

فلا يمكن لأحد أن يتبنى تغيير منكر باليد ثم يزعم أنه ليس في منهجه المواجهة, لأن هذه متلازمة معروفة؛ تغيير منكر باليد يحتاج إلى قدرة، والقدرة في المجتمع العام هي الدولة, لكن يمكن تغيير المنكر باليد في المجتمعات الخاصة: كالأسرة، والقبيلة.

وعندما تتعقب الدولة من قام بهذا تبدأ فكرة ما يُسمى بـ"قوة الردع"، وتتخلى الدعوة تمامًا عن طورها الإصلاحي، وتتحول إلى طور المواجهة المسلحة على خلاف ما تنظر به لنفسها.

ومن الجدير بالذكر: أن مواجهة الدعوات لتهديد شعبي، ومواجهة هذا بتكوين "قوات ردع" أشد خطرًا على الدعوة من فكرة قوات الردع لدى جماعات تغيير المنكر باليد؛ لأنها تضع الدعوات في مواجهة المجتمع بأسره مما يعوق الدعوة، ويخلق أجواءً عدائية تجاهها.

ومن الجدير بالذكر أن نوضح أن: "الجماعة الإسلامية" بمصر، والتي كانت تتبنى تغيير المنكر باليد كانت قد أعلنت مراجعات فكرية حول هذا الموضوع، كما أن تنظيم الجهاد في مصر قام بعضه بمراجعات، وأعلن البعض الآخر إيقاف عملياته بمصر، ولكن أحداث (30 يونيو) وما بعدها ساهمت في ظهور أفكار مشابهة تحت مسميات مختلفة، والعبرة ليست في المسمى.

وبعد، فهذه نظرة إجمالية مختصرة لما نراه من منهج إصلاحي، مع عرض موجز للمناهج الأخرى التي نرجو أن نتمكن من مناقشة تفصيلية لها لاحقًا -إن شاء الله-.


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي