الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

"الإخوان" و"الدعوة السلفية"... مفاهيم ومفترق طرق

ولذلك أصبح تقسيم النصوص الشرعية إلى قطعي وظني من المسائل الشائكة التي تحتاج لتفصيل

"الإخوان" و"الدعوة السلفية"... مفاهيم ومفترق طرق
أحمد الفيشاوي
الخميس ٠٥ ديسمبر ٢٠١٣ - ٢٠:٥٤ م
4381
2-صفر-1435هـ   5-ديسمبر-2013      

كتبه/ أحمد الفيشاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كان من أهم أسباب حرص "الدعوة السلفية" على المشاركة في دستور (2012م) هو رفضها الاكتفاء في الاحتكام للشريعة بما هو قطعي الثبوت والدلالة فقط، والذي قد يوحي به جزء مقتضب من حكم للمحكمة الدستورية عام (1996م) في تفسيرها لمبادئ الشريعة كما جاء ذكرها بالمادة الثانية في الدستور.

بينما ترى "الدعوة السلفية" وجوب الاحتكام إلى الشريعة كاملة سواء منها ما اصطلح بعض المتأخرين على تسميته: "بالقطعي" أو ما كان وفق هذا الاصطلاح يعتمد على دليل "ظني".

وترى "الدعوة السلفية" أن الاقتصار على الاحتكام لما هو قطعي الدلالة والثبوت يعني "الاحتكام لبعض الشريعة، والإعراض عن البعض الآخر"، وهو يخرج آلاف الأحكام الشرعية الثابتة عن دائرة التحكيم، كما أنه يبيح للبرلمان الاختيار من خارج اجتهادات فقهاء الأمة السالفين.

وبصرف النظر عن أن نص حكم المحكمة الدستورية في القضية المشار إليها قد أشار إلى أن الشريعة تتضمن أحكامًا اجتهادية ينبغي للمشرع التقيد بقواعد الاجتهاد فيها، إلا أن مجرد تقسيم الشريعة إلى ما هو قطعي وظني كثيرًا ما يُحدِث لبسًا وسوء فهم عند غير الدارسين والمتخصصين، فيظن البعض أن المراد من إطلاق صفة الظنية أنها لا ترقى للاحتجاج بها في مسائل الحلال والحرام.

وإنما المقصود من صفة الظنية هنا: أن الدليل في أصل مصدره لم يبلغ ناقلوه حد التواتر المعروف شروطه في علم الحديث، هذا من جهة الثبوت، أما من جهة الدلالة: أن تحتمل دلالة النص في أصل وضعه اللغوي معنى غير المعنى الظاهر المتبادر إلى الذهن.

ولا يعني هذا أو ذاك سقوط الاستدلال بهما، وحصر الاستدلال فيما كان متواترًا أو لا يحتمل لفظه وأصل وضعه اللغوي إلا معنى واحدًا، بل الواجب عند كافة أهل العلم من الصحابة والسلف، ومَن سار على منهجهم: الاحتجاج بالأحاديث النبوية ولو كان رواتها وناقلوها دون حد التواتر، وهو ما يُسمى بأحاديث الآحاد، والاستدلال بظاهر النص القرآني أو الحديث النبوي صحيح الإسناد حتى ولو احتمل اللفظ معنى آخر محتمل، ولا يصار إلى المعنى البعيد المحتمل وترك المعنى القريب الظاهر إلا بدليل خاص معتبر، وحينئذٍ فيصبح المعنى البعيد الاحتمال هو المعنى القريب الظاهر، ويصبح المعنى القريب الظاهر غير مراد في سياق هذا النص.

وهذه القواعد السالفة في وجوب الاحتجاج بما كان ظني الدلالة أو الثبوت من الكلام المنسوب إلى الله -تعالى- أو إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعدم جواز الإعراض عنه إلا بدليل أقوى منه يرد إسناده ويضعفه أو يصرف معناه عن ظاهره - من أهم قواعد الاجتهاد عند المذاهب الأربعة وغيرهم من العلماء في فهم النصوص الشرعية والتعامل معها والاحتجاج بها.

ولذلك أصبح مخالفة هذه القواعد على مر التاريخ سمة غالبة على أهل البدع عمومًا "وعلى المعتزلة خصوصًا"، وكان غالب مخالفة أهل البدع القدامى لهذه القاعدة في مسائل العقائد والأخبار، فيصرفون نصوص القرآن التي يحتج بها عليهم أهل السنة عن ظاهرها، ويضعـِّفون الأحاديث النبوية تحت دعوى أنها دون حد التواتر، فهي أحاديث آحاد ظنية الثبوت لا يحتج بها عندهم!

وقد رد عليهم العلماء المتبعون لمنهج الصحابة والسلف، وبيَّنوا أصل بدعتهم وسبب وقوعهم فيها، واللوازم الباطلة لأقوالهم.

ولذلك أصبح تقسيم النصوص الشرعية إلى قطعي وظني من المسائل الشائكة التي تحتاج لتفصيل، ومعرفة مراد مَن يقسِّمها؛ هل يقسمها لتسهيل الدراسة والتعليم لطلبة العلم، وبيان أنواع الدلالات واختلاف قوة الثبوت بين النصوص، وتحديد الموقف من المخالف، وحكم مخالفته: تكفيرًا، وتبديعًا، وتخطئة مع سعة الخلاف من عدمها؟ - فهذا لا بأس به، وقد درج عليه كافة العلماء المنتسبين إلى السنة والمنهج السلفي، أم أنه يستخدم هذا التقسيم لرد ما أوجب الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أن نقبله؟ فهذا هو طريق أهل البدع والضلال.

ولما كان استخدام هذا التقسيم يحتمل معنى صحيحًا وآخر ضلالاً؛ كان الواجب على كل مَن يستخدم هذا التقسيم أن يبين مراده ومنهجه.

وهذه المسألة قد أثارها بعض المنتسبين للعلم في العصر الحديث المخالفين لمنهج السلف في التعامل مع نصوص الكتاب والسنة النبوية، واستخدموا نفس التقسيم ونفس التأصيل الذي استخدمه أهل البدع عمومًا "والمعتزلة خصوصًا" في رد وتأويل نصوص الكتاب والسنة، مع فارق بين القدامى والمعاصرين، وهو أن القدامى اُشتهِر عنهم مخالفة هذه القاعدة السلفية في العقائد والأخبار والغيبيات، في حين أن المعاصرين اشتهر عنهم مخالفة هذه القاعدة في الأوامر والمنهيات، والحلال والحرام.

وبينما قال القدامى من هؤلاء أنه ينبغي الإعراض عن ظواهر هذه النصوص ورد ما كان منها دون التواتر لأجل مخالفة هذه النصوص للعقل الذي يعتبرونه أصرح وأثبت وأقوى في الاحتجاج من النصوص التي يصفونها على سبيل الذم والتضعيف أنها سمعيات ظنية - قال المعاصرون منهم في نصوص الحلال والحرام ما قاله القدامى، وأضافوا إليه أنه ينبغي أن تكون الأحكام الشرعية متناغمة مع أعراف وميول ورغبات المجتمع، وما يخالف ذلك من النصوص الشرعية فإن العقل -الذي هو مقدم عندهم على الأدلة السمعية- يحكم بضعف هذا الدليل ورده أو قبوله وتقديمه، فعزلوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن وظيفة البلاغ والإنذار وبيان الحلال من الحرام، وعيَّنوا بدلاً منه عقولهم في ذلك تحت دعوى: "تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان"، مع أن الكلام في الأحكام وليس في الفتوى، ومع أن الفتوى إنما تستقى ابتداءً من معرفة الحكم الشرعي الثابت بالكتاب والسنة النبوية.

ويعد من أبرز رموز هذه المدرسة ذات النزعة العقلانية الاعتزالية في عصرنا الحديث الشيخان: "القرضاوي" و"الغزالي" -عفا الله عنهما-، وقد رد عليهما العلماء المنتسبون لمنهج السلف في مواطن كثيرة، وأفردوا لذلك كتبًا وأبحاثًا.

ولسنا هنا في مقام الرد التفصيلي للجزئيات والأحكام والفتاوى التي استخدم فيها الشيخان قواعد المعتزلة في رد النصوص وإثبات الأحكام، ومؤلفات الشيخين وكتبهما وفتاويهما وكلامهما في ذلك مبذول لكل طالب يريد أن يستوثق من طريقة الشيخين في الإفتاء والاستنباط للأحكام الشرعية، فليس أخطر ما في فتاويهم هو الفتوى نفسها، بل الأخطر من ذلك تأصيلهم لقواعد يهدمون بها أكثر الشريعة تحت دعوى أنها أحكام مستنبطة من أدلة ظنية الدلالة أو الثبوت.

ولما كان الشيخان ينتميان في الأصل منذ شبابهما إلى جماعة الإخوان المسلمين فقد حازا منزلة ورمزية عند الجماعة، ليصبحا مرجعية فكرية ومنهجية للجماعة، وهو ما ألقى بظلاله على طرق تفكير أكثر المنتمين للجماعة، وطرق تعاملهم مع النصوص والأحكام الشرعية؛ حتى ربما سرى إلى كثير منهم ليس مجرد منهج المعتزلة في الفهم فقط، بل سرى إليهم نظرة الشيخ "الغزالي" للسلفيين وللمنهج السلفي في فهم النصوص والتعامل معها، وتهكمه في كثير من كتاباته بالسلفيين إلى درجة تصل أحيانًا إلى الاحتقار وسوء الأدب.

هذه المقدمة في بيان القاعدة السلفية في التعامل مع نصوص الكتاب والحديث النبوي، وبيان موقف رموز كبيرة لجماعة الإخوان المسلمين منها "لابد منها"؛ لنعرف ما هو حقيقة موقف الجماعة من المادة الثانية للدستور، وموقفها من تعديلها في دستور (2012م)، وموقفها من إضافة تفسير لها سواء في دستور (2012م) أو (2013م).

وهو تفصيل ليس الغرض منه التجني أو المزايدة على أحد، ولكنه وضع للأمور في نصابها.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن: مشاركة الإخوان بالعملية السياسية وبالانتخابات البرلمانية لم تتوقف في يوم من الأيام على المادة الثانية مفسَّرة أو غير مفسرة، بل تاريخ مشاركة الإخوان بالبرلمان يعود لأيام الشيخ حسن البنا -رحمه الله-، ولم يكن بدستور البلاد حينها نص المادة الثانية من الدستور الحالي ولا مضمونها، وكذلك شارك الإخوان المسلمون بانتخابات السبعينيات قبل تعديل المادة الثانية من (مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع) إلى: (مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي من مصادر التشريع).

أما على المستوى النظري: فقد أشرنا لموقف شيخين من أبرز الرموز العلمية للجماعة، أما مَن ليس عنده سعة لقراءة منهج الشيخين؛ فيكفيه أن يحاور عينة من أتباع الجماعة في بعض أمور الحلال والحرام، والأحكام الشرعية؛ ليتأكد بنفسه أن هذا المنهج قد سرى في عقول وقلوب أكثر المنتمين لها لدرجة يمكن أن يقال عنهم فيها أنهم "ملكيون أكثر من الملك "، حتى إنك لتقول إن الشيخين على فرط انتصارهما للمدرسة العقلانية الاعتزالية لم يقع في كلامهما من الضلال وفساد الاستدلال ما تسمعه ممن شربوا هذا المنهج على جهل مطبق.

ولذلك فقد سمعتُ -وسمع غيري- من بعضهم أثناء وضع دستور (2012م) استغراب وإنكار على "الدعوة السلفية" لمحاولتهم تعديل المادة الثانية، واستبدال لفظ "مبادئ" بـ"أحكام" أو وضع مادة مفسِّرة لها، وكان داعي الاستغراب والإنكار أننا يكفينا الاحتكام لما هو قطعي الثبوت والدلالة، وهو أمر تكفله المادة الثانية بلفظ المبادئ؛ لا سيما مع حكم المحكمة الدستورية سنة (1996م) المشار إليه سابقًا؛ فلماذا تفتعلون المشاكل والعراقيل؟!

وهذا الذي قالوه هو السر في أن أعضاء الجماعة داخل اللجنة التأسيسية لا يُؤثر عن واحد منهم أي كلمة في تعديل المادة الثانية أو حتى وضع مادة مفسِّرة لها!

والأمر ليس اجتهادًا فرديًّا من شاب هنا أو هناك يتقول على جماعته ما لا تتبناه، بل هذا ثابت وموثق على رموز ومواقع رسمية للجماعة، فمثلاً: كتب الدكتور "جمعة أمين عبد العزيز" ببوابة الحرية والعدالة بتاريخ (26-2-2013م) مقالاً بعنوان: "خلاف في ظلال الحب في الله" أشار فيه لتبنيه لهذا التقسيم، فقال: "... ولأجل تضييق هُوّة الخلاف بين الأفراد قرَر الشرع أن هناك دوائر أو مجالات لا يجوز الاختلاف حولها؛ لأنها من ثوابت هذا الدين ومرتكزاته، وتتمثل -إجمالاً- في القطعيات الشرعية، ويقصد بها ما كان قطعي الثبوت والدلالة؛ سواء أكان في باب العقائد أو العبادات أو الأخلاق... أما غير ما هو قطعي في الشرع فالاختلاف فيه واسع، وتنوع الأفكار والتصورات فيه وارد" اهـ.

فالقاعدة عنده أن ما كان ظني الثبوت والدلالة يسع فيه المخالفة وعدم الإنكار، وهذه القاعدة على هذا النحو هي من مخلـَّفات فكر المعتزلة!

وفي تاريخ (26-3-2011م) كتب "حازم علي ماهر" بالموقع الرسمي للجماعة "إخوان أون لاين" مقالاً بعنوان: "المادة الثانية بين الإلهاء والإلهام!"، ذكر فيه أنه لم يكتب هذا المقال إلا لما وجد الجدل حول المادة الثانية يتصاعد -على حد تعبيره-: "بشكل عبثي يبدو أنه يسعى إلى تحويلها إلى مصدر إلهاء لأبناء الوطن!". وكان هذا المقال في نفس الأيام التي دشنت فيها "الدعوة السلفية" حملتها للحفاظ على الهوية؛ نظرًا لما تراه من طمع أعداء الشريعة في تعديل الهوية الدستورية للدولة على خلفية أحداث الثورة.

ولما كانت "الدعوة السلفية" هي التي كانت تعتبر الكلام على المادة الثانية ليس إلهاءً، بل هو في غاية الأهمية عمومًا "وفي ظل الظروف التي كانت تمر بها البلاد خصوصًا"، فطبيعي أن ينتبه كاتب المقال إلى الاختلاف الجذري بين فهمه للشريعة وفهم هؤلاء السلفيين الذين يطالبون بـ"إلهاء الشعب!".

ولذلك لم ينسَ الكاتب أن يؤكِّد على مفهومه لمبادئ الشريعة، فقال: "ومبادئ الشريعة الإسلامية: أي كلياتها التي هي ليست محل خلاف بين الفقهاء، كما عرَّفها العلامة "عبد الرزاق السنهوري"، أول مَن وضع هذا المفهوم في النظام القانوني المصري، وبالتحديد في القانون المدني الذي صدر سنة (1947م)، والذي لا زال مطبقًا في مصر حتى الآن، وأنا أختار هنا كتعريف أدق من ذلك الذي وضعته المحكمة الدستورية العليا في أحكامها بأنها الأحكام الشرعية قطعية الثبوت والدلالة... ".

وتحت عنوان: "تفسيرات خاطئة" ذكر بعض المشاكل التي سماها بـ"الكبرى" حول مفهوم المادة الثانية، فذكر منها: "عدم التمييز بين الشريعة الإسلامية والفقه الآخذ عنها، سواء كان ذلك ناجمًا عن جهل أو تجاهل؛ وهو ما يحسب على الشريعة ما ليس منها، كالاعتماد على اجتهاد يتناسب مع زمنه، والسياق الاجتماعي والفكري المحيط به، ولا يتناسب مع زماننا!".

والتفريق بين "الشريعة" و"الفقه" هو تأصيل بشكل آخر لمسألة التفريق بين "القطعي" و"الظني"؛ بحيث يصبح الأول هو الملزم دون الثاني.

وهذا التفريق هو بعينه الذي ذكره د."محمد مرسي" عندما سئل عن تطبيق الشريعة والمادة الثانية، وقطع يد السارق، فقال: "إن مسالة قطع يد السارق من الفقه، وليست من الشريعة!".

مع أن قطع يد السارق -كما هو معلوم- مسألة مما يقال فيها إنها قطعية الثبوت والدلالة، إلا أن التشبع بهذا المنهج جعل مَن يتبناها يكررها دون ضابط حتى في المسائل القطعية، وهذا من مخاطر الالتجاء لهذا التقسيم؛ حيث لن يعجز كل مَن يريد التحلل من أحكام الشريعة أن يدعي أن المسألة الفلانية من الفقه وليست من الشريعة! وأن لفظها يحتمل أكثر من معنى، وأنه كان مقصود الشارع كذا... وكذا... إلى غير ذلك من أنواع التأويل الذي يُفسد دلالة النصوص.

وإذا قالوا هنا: "إنه يجب مراعاة الإجماع في التفريق بين ما هو قطعي وما هو ظني": فلا ينفعهم ذلك، فإن الذي يطعن في النصوص لن يعجز عن الطعن في الإجماع؛ إما في ثبوته وإما في دلالته، وهذا قد عهدناه وجربناه من أصحاب هذا الفكر في عشرات المسائل.

وفي التسريبات الأخيرة التي نشرتها "قناة اليوم السابع" على اليوتيوب لمجلس شورى الإخوان المسلمين؛ نجد تأكيدًا من الدكتور "محمد مرسي" على انتمائه لهذه المدرسة؛ فقد ذكر تفضيله للفظ: "مبادئ" الشريعة الاسلامية ورفضه لاستبدالها بلفظ: "أحكام"! وعلل ذلك بأن "مبادئ" تعني ما كان قطعي الثبوت والدلالة، أما "أحكام" فهي تعني أحكام الفقه، وهي بطبيعتها -حسب تعبيره- متغيرة، ويصرِّح د."مرسي" في هذا التسجيل أن هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها الإخوان مع السلفيين عندما تناقشا فيها، وكفى بهذا التصريح شهادة من د."محمد مرسي" على أن هناك فرقًا في فهم الشريعة بين الإخوان و"الدعوة السلفية"، وأن الإخوان أميل إلى التقيد بتعريف المادة الثانية بما كان قطعي الثبوت والدلالة وأن السلفيين هم الذين يرفضون ذلك.

إذن فالمشروع الإسلامي بفكر المدرسة العقلانية الاعتزالية الحديثة "والتي ينتمي إليها الطيف الأكبر من جماعة الإخوان المسلمين" لا يختلف جوهره في النواحي التشريعية ومسائل الحلال والحرام عما يدعو إليه بعض العلمانيين الموصوفين بأنهم "معتدلون" مِن الرجوع إلى الشريعة في روحها ومقاصدها ومغازيها، وكل ما يحوم حولها... إلا أننا -وفق معتقدهم- غير ملزمين بلفظها ونصها وفهمها الذي فهمه القدامى من السلف والتابعين!

والمتابعون لمنهج الجماعة والمدرسة العقلانية الحديثة يستشعرون ذلك جيدًا، ويعلمون مدى التقارب بينهم.

وفي دستور (2013م) كان مِن أهم أسباب مشاركة "الدعوة السلفية" في صياغته هو محاولة الحفاظ على مضمون المادة (219)، والتي تفرض على المشرع نوعًا من الالتزام بالمنهج الإسلامي في التقنين.

وقد كانت هذه المحاولة مهددة بالفشل بعد محاولة البعض -"منهم الكنيسة، والتيار الليبرالي"- الاكتفاء في اللجوء للشريعة بما هو منها قطعي الثبوت والدلالة، وكان (حزب النور) على وشك الانسحاب من (لجنة الخمسين)؛ بسبب ذلك، حتى قدَّر الله -تعالى- بتوفيقه التوافق على: "مجموع تفاسير المحكمة الدستورية لمبادئ الشريعة في أحكامها السابقة"، وهي في مجموعها لا تكاد تختلف عن مضمون نص المادة (219) الملغاة، بل هي -في بعض جوانبها - أصرح من المادة المحذوفة.

وبطبيعة الحال، فإن مجرد التنظير لا يعني أن الشريعة مطبقة أوتوماتيكيًّا بعد إقرار الدستور، بل إن ذلك يحتاج من المخلصين للشريعة مجهودًا جبارًا على مدار سنوات لا يعلم عددها إلا الله، ولعل هذا التنظير هو الذي يهيئ الطريق لمن يريد تقنين الشريعة في المستقبل.

فإلى مَن يطعن في "الدعوة السلفية" تحت دعوى أنها خانت المنهج السلفي، ورضخت لمفهوم القطعي والظني: راجِع أحكام المحكمة المحال إليها تفسير المادة الثانية، واعرف مضامينها جيدًا أولاً، ولا تتعجل في الظلم والبهتان، ولا تبخس الناس حقوقهم.

ثم ثانيًا: راجع منهج مَن تدافع عنهم، وتمعن في منهجهم، وتَبَيَّن مدى التقارب أو التباعد بيْن منهجهم وبين المنهج السلفي الذي تدعي الانتصار له، وتَبيَّن أيضًا مدى التقارب أو التباعد بيْن هذا المنهج الذي تدافع عن أصحابه وبيْن ما يقوله كثير من العلمانيين -المُسمَّيْن بالمعتدلين- في حق الشريعة التي تدافع عنها!


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي