الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ألاَ تنام يا ربيعُ؟!

إنه شابٌ أبصر حقيقة الطريق ، وباشر أسباب النجاة ، فنصح أبناء جلدته ، ورفقاء دربه ، وأقران سِنه ، فقال :

ألاَ تنام يا ربيعُ؟!
مصطفى دياب
السبت ٠٤ يناير ٢٠١٤ - ٠٠:٣٨ ص
2799

ألاَ تنام يا ربيعُ ؟!

كتبه/ مصطفى دياب

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد ؛

صيحةٌ من جوف الليل لأُمٍ حنون ، على ولدها الذي نشأ شاباً يافعاً منذ نعومة أظفاره في طاعة الله ، وفطم نفسه منذ حداثتها على تقواه ، ويقول لها : كيف يستطيع النومَ من جَنّ عليه الليل ، وهو يخشى هجوم الخصوم ؟  لقد أرقها كثرة تضرعه ، وشدة نحيبه في عتمات الليل ، والناس نيام ، حتى ظنت به الظنون ، فقالت : ما الذي أصابك يا بُني ؟ لعلك أتيتَ جُرماً !!!  لعلك قتلتَ نفساً !!!

فقال لها نعم ، قتلتُ نفساً فقالت في لهفةٍ : ومَن هذا القتيل ؟ لعلهم يعفون عنك ؟ والله لو علم أهل القتيل ما تعاني من البكاء ، وما تكابد من السهر لرحموك .

فقال : لا تكلمي أحداً ، فإنما قتلتُ نفسي ، قتلتها بالذنوب .

وإذا خلوتَ بريبةِ في ظلمةٍ ، والنفس داعيةٌ إلى الطغيان ، فاستحِي من نظر الإله وقل لها : إن الذي خلق الظلام يراني .

أخي الحبيب :

أنت ذلك الشاب .. الربيع بن خُثيّم ، لك شهوة مثله تُرهقهُ وتُأرقه ، ويبحثُ لها عن مخرجٍ مباح فلا يجد لها متنفساً ، وتتسارع في قلبه إرادةُ وجه الله ورضاه ، وإرادة النفس وشهواتها ورضاها .

لكنه شابٌ مهمومٌ بذنوبه ، يستجلب رحمةُ ربه ، فلما يسأله أحدهم كيف أصبحت ؟؟

فيقول أصبحتُ ضعيفاً مذنباً ، يأكل رزقه ، وينتظر أجله .

لكنه شابٌ أدرك الداء ، وعرف الدواء ، وأبصر طريق الشفاء ، فقال : الداء الذنوب ، والدواء الاستغفار ، والشفاء بأن تتوب ، ثم لا تعود .

لكنه شابٌ أدرك أن النفس جبلٌ عظيم في الطريق إلى الله ، وكل سائرٌ في هذا الطريق لابد أن يصعد ذلك الجبل الوعر ، ويجتازه ، وهو جبلٌ كثير الأودية ، والعقبات ، والشوك ، واللصوص وقُطاع الطريق .

لكنه شابٌ عَلِمَ أن أكثر السائرين في هذا الطريق راجعون على أعقابهم ؛ لعجزهم عن قطعه واقتحام عقباته ، فالسالكون قليل فلا يستوحش الطريق ، ولا يغتر بكثرة الهالكين ، بل يمضي ولا يعجز .

إنه شابٌ أدرك أن بين العبد والسعادة والفلاح ، قوةُ عزيمهٍ ، وصبرُ ساعةٍ ، وشجاعةُ نفسٍ ، وثباتُ قلبٍ ، ويقينٌ بنصر الله .

والفضلُ بيد الله يُؤتيه من يشاء ، فلهج قلبه ولسانه بالدعاء لرب العباد .

إنه شابٌ أبصر حقيقة الطريق ، وباشر أسباب النجاة ، فنصح أبناء جلدته ، ورفقاء دربه ، وأقران سِنه ، فقال : عليكم بالسرائر اللاتي تخفى على الناس ، وهُنّ على الله بوادٍ ، ولا يغرنك كثرة ثناء الناس عليك ، فإن الناس لايعلمون منك إلا ظاهرك ، ولا يقل أحدُكم اللهم إني أتوب إليك ، ثم لا يتوب ،  فتكون كذبة ، و لكن ليقل ، اللهم تُب عَلَيَّ , فكل عملٍ ، أو توبة لا يُبتغى به وجه الله ، يضمحل فالصدق  .. الصدق يا شباب .

و مرة أخرى هو شاب مثلك ..

لكنه شابٌ هذّبَ نفسه ، و ربَّاها على الورع والخشية من الله ، وجعل من قيام الليل وكثرة الاستغفار والتقوى سُلماً للوصول ، و مركباً في الطريق إلى الله , فتنام أمه وتصحو ، فتجد ابنها اليافع مازال صافاً في محرابهِ ، غارقاً في دموعه ، يؤرقها شَدّة نَحِيبِهِ ، وكثرة تَضرُعِهِ في عتمات الليل .

وأنت ماذا ؟؟

وأنت تتعجب لماذا يبكي ؟؟ و الإجابة يسيره ، فمن لم يكن له مثل تقواهم ، لم يدرِ ما الذي أبكاهم .

وأنت كيف تقضي ليلك ؟ على صفحات النت و الفيس بوك ؟ أم صافاً أمام المواقع الإباحية ؟ و أنت غارقٌ في ماذا ؟ وغير ذلك .

لكنه شابٌ أدرك حقيقة المستقبل ، فكأنه يريد أن يقول لمن يتخفون خلف لوحات الكيبورد ، ما من شيء تقوله هنا ، أو تكتبه إلا كُتِبَ و قُرِأَ عليك هناك , فماذا نحن صانعون غداً { كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } (الفجر: 21، 22)

يا ريبع .. ألا تنام ؟!

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي



تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

ممنوع الاقتراب!
186 ١١ أكتوبر ٢٠٢٢
أحبك يا رب
124 ٢١ فبراير ٢٠٢٢
هل لك منارة؟
199 ١١ ديسمبر ٢٠٢١
اضبط البوصلة
247 ٣٠ نوفمبر ٢٠٢١
صناعة النموذج
207 ٠٦ نوفمبر ٢٠٢١
اترك أثرًا (4)
121 ٠٢ نوفمبر ٢٠٢١