السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

كيف حافظنا على الشريعة في الدستور؟

ولابد من النظر للبدائل في حالة الرفض من حصول أنواع الأضرار بالمجتمع والدعوة الإسلامية، وخطر انهيار الدولة اقتصاديًّا وأمنيًّا وسياسيًّا

كيف حافظنا على الشريعة في الدستور؟
ياسر برهامي
الأحد ٠٥ يناير ٢٠١٤ - ١٥:٠٣ م
3712
4-ربيع أول-1435هـ   5-يناير-2014      

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- بقاء نص المادة الثانية كما هي: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية؛ ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".

وقد رفضتْ "لجنة الخمسين" مشكورة: اقتراحًا بحذف "الإسلام دين الدولة" باعتبار أنه لا دين للدولة! ورفضتْ أن يُكتب بدلاً من ذلك: "ودين غالبية مواطنيها الإسلام" الذي هو خبر مجرد يَنقل الإسلام من كونه الركن الأهم من أركان النظام العام للدولة لكونه مجرد علاقة روحية بين الإنسان وربه، ولذلك رفضت اللجنة أيضًا مشكورة الاقتراح بإضافة عبارة: "الدين لله والوطن للجميع".

كما رفضتْ "اللجنة" مشكورة: اقتراحًا بحذف "الألف واللام" لتصبح الشريعة أحد المصادر كما كانت في دستور 71 قبل التعديل، وليس المصدر الرئيسي، أي: الذي لا يجوز لأي فرعي مخالفته.

كما رفضتْ اللجنة مشكورة: اقتراحًا بمادة نصها: "تعتبر كل الحقوق والحريات الواردة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصدق عليها جزءًا لا يتجزأ من هذا الدستور". ومادة أخرى نصها: "يتمتع المواطن المصري بكل حق مستمد أو مستلهم من الأديان السماوية أو مقررًا بنص تضمنته معاهدة أو اتفاقية دولية وقعَّت عليها أو انضمت إليها مصر"؛ مما يجعل هذه الاتفاقيات بمثابة مصادر أخرى للتشريع فيما يتعلق بالحقوق والحريات.

كما رفضتْ اللجنة مشكورة :أن تتضمن الديباجة تنوع مصادر التشريع، وكذلك التزام الدستور بأن يتسق مع الشرعة الدولية، وبهذا بقيت المادة -بحمد الله- كما هي بدون تغيير، وكذلك بدون مزاحم لها في كون الإسلام دين الدولة والركن الأعظم لنظامها العام، وكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.

2- بالنسبة لتفسير "مبادئ الشريعة" والتي كانت مفسرة في المادة "219"، والتي تم حذفها ووجد بدلاً منها: "مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا"، والتي من أهمها: حكم 4 قضائية بتاريخ "21-12-1985م"، والذي تضمن أن "المادة الثانية" بعد تعديل 1980م:

1- تلزم المشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية للبحث عن بغيته فيها.

2- مع إلزامه بعدم الالتجاء إلى غيرها.

3- فإذا لم يجد في الشريعة الإسلامية حكمًا صريحًا، فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية في الشريعة الإسلامية تمكِّن المشرع من التوصل إلى الأحكام اللازمة، والتي لا تخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة.

4- كما يعني ضرورة إعادة النظر في القوانين القائمة قبل العمل بدستور سنة 1971م، وتعديلها بما يجعلها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.

5- وأن الانتقال من النظام القانوني القائم حاليًا في مصر -والذي يرجع إلى أكثر من مائة سنة- إلى النظام القانوني الإسلامي المتكامل يقتضي الأناة والتدقيق العلمي، ومن هنا فإن تقنين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تكن مألوفة أو معروفة، وكذلك ما جدَّ في عالمنا المعاصر، وما يقتضيه الوجود في المجتمع الدولي من صلات وعلاقات ومعاملات، كل ذلك يستأهل الرويّة ويتطلب جهودًا، ومِن ثَمَّ فإن تغيير النظام القانوني جميعه ينبغي أن يتاح لواضعيه والقائمين عليه الفترة الزمنية المناسبة حتى تجمع هذه القوانين متكاملة في إطار القرآن والسنة وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء.

ويلاحظ على هذا الحكم أنه:

1- ثبّت الحكم العقدي في قضية الحكم بما أنزل الله -تعالى- وعدم جواز مخالفته، وضرورة تعديل ما يخالفه إليه تثبيتًا غاية في الوضوح والبيان.

2- بنى تأخير التنفيذ في الجزء العملي من هذه القضية على أصل شرعي من التروي والتدقيق العلمي ومراعاة المصلحة، وليس على إباءٍ أو استحلال مخالفة القرآن والسنة، وبغض النظر عن كون ما حدث تدقيقًا علميًّا أو تعطيلاً؛ فهذه مهمة المجلس النيابي الذي إن وجد فيه مَن يريد تطبيق الشريعة بقوة مع تأهيل المجتمع وتربيته فسوف يتم ذلك -إن شاء الله-.

- بالنسبة لقضية حجية الإجماع كجزءٍ من مبادئ الشريعة، والذي يحتمل حكم "1996م" -المتضمن قطعي الثبوت والدلالة من الأحكام- أن يوهم عدم لزومه، خصوصًا في أمرين لم يتعرض لهما الحكم، وهما:

1- الآيات ظنية الدلالة لغة والتي انعقد الإجماع على أحد معانيها شرعًا.

2- الأحاديث الصحيحة المتلقاة بالقبول، والتي انعقد الإجماع على ما تضمنته، وكذلك ما ثبت من إجماع العلماء على مسألة من المسائل.

ومع أن الحكم في أجزائه الأخرى قد نص على لزوم اعتبار "المتفق عليه" دون المختلف فيه، إلا أن اللجنة قد وافقتْ على وضع الحكمين: "قضية 6 لسنة 9 بتاريخ 18-3-1995م" و"قضية 11 لسنة 18 قضائية بتاريخ 2-8-1997م"، وكلاهما على الاحتجاج بالإجماع، وأن إجماع فقهاء الشريعة منعقد على أن عقد الإيجار ينصب على استئجار منفعة لمدة مؤقتة يحق للمؤجر بانتهائها أن يطلب إخلاء العين من مستأجرها بما مؤداه امتناع تأبيد هذا العقد.

3- ضابط الحقوق والحريات الذي كان مذكورا في المادة "18" أصبح متضمنا في المواد الآتية:

1- المادة الثانية.

2- المادة "5" وفيها: "واحترام حقوق الإنسان وحرياته على الوجه المبين في الدستور"، وهذا القيد معناه عند جميع الدستوريين: التقيد بمقومات الدولة والمجتمع.

3- مادة "209": "الشرطة هيئة مدنية نظامية في خدمة الشعب وولاؤها له، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن، وتسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة".

4- مرجعية الأزهر: مادة "7" بدلاً عن مادة "4": "هو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية".

5- قضية: "لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون" بدلاً عن المادة "76" في السابق "إلا بنص دستوري أو قانوني": تم ضبط هذه المسألة بضم حكم الدستورية في القضية 141 لسنة 4 قضائية بتاريخ "4-4-1987م"، والذي يتضمن قبول مبدأ التجريم الشرعي لشرب الخمر باعتباره من جرائم الحدود في الشريعة الإسلامية رغم قضائها برفض دعوى عدم دستورية قانون العقوبات لاختلاف العقوبة عن الشريعة؛ لما ذكر في مسألة الأناة والتدقيق العلمي من خلال تقنين القوانين في المجلس التشريعي.

ومع المادة التي تنص على أن الدستور وحدة موضوعية واحدة، فالمادة الثانية تحقق المقصود من تقييد النص في المادة بأنه بمعنى: "لا جريمة مرتبطة بعقوبة واجبة التنفيذ في الحال"، وهذا الأمر مبدأ دستوري مقرر في شرح هذه العبارة يكادون لا يختلفون فيه.

6- قضية وجود عبارات وألفاظ تخالف الشريعة في الدستور، نحو: "مصر هبة النيل - قدَّمت آلاف الشهداء دفاعًا عن كنيسة السيد المسيح - السيادة للشعب وحده - قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاثة - بلغت الإنسانية رشدها - وغيرها... ".

الجواب:

أولاً: هذه العبارات تحتمل التأويل، ولا يلزم حملها على ما يخالف الشريعة، فهي مع "المادة الثانية" يلزم حملها على ما لا يخالف الشريعة.

- فـ "مصر هبة النيل": مجاز عن أثر النيل في نشوء الحضارة المصرية والدولة على ضفافه وبمائه.

- و"الشهداء": هم الذين قُتلوا على التوحيد على دين المسيح -عليه السلام- قبل البعثة النبوية، وقد كان "أريوس" -الذي كان يقول بأن المسيح نجا من الصلب- وأتباعه بمصر، وهم أكثر مَن قُتلوا.

- و"السيادة للشعب وحده": ليست بمعنى الربوبية ولا التشريع؛ لأن التشريع وفق الشريعة الإسلامية، بل هو وحده الذي يختار السلطات الثلاث من خلال النظام الديمقراطي، وهو بالمناسبة لا يعني في دستورنا حق التشريع للبشر، بل آليات الانتخاب لوجود "المادة الثانية".

- وأما "الأديان السماوية": فهي مقيدة بالثلاثة، وليست تنفي معرفة أرض مصر وغيرها التوحيد قبل ذلك كما هو معلوم في قدوم سيدنا إبراهيم -عليه السلام- مصر، ووجود يوسف -عليه السلام- بها.

- وأما "بلوغ الإنسانية رشدها": فهو في العلوم المادية الحديثة، ولا شك في صحة هذا المعنى.

وفي النهاية: فهذا الممكن لا المطلوب، وهو المتاح لا المرجو، والمنتج الحاصل من هذه اللجنة التي لا يمكن أن توصف يومًا بالسلفية أو الإخوانية هو إنجاز بتوفيق الله وحده، ولابد من النظر للبدائل في حالة الرفض من حصول أنواع الأضرار بالمجتمع والدعوة الإسلامية، وخطر انهيار الدولة اقتصاديًّا وأمنيًّا وسياسيًّا، وخطر الاحتراب الداخلي، وسفك الدماء؛ لعدم قبول الإخوان ومَن والاهم، ومراعاة للمصالح والمفاسد المتعارضة.

والله من وراء القصد.

وهذا جهدنا (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ(التغابن:16).


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة