مرحلة من تاريخ الصراع بين السلفية والإخوانية
في بعض البلاد العربية
كتبه /
وائل سرحان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ، صلى
الله عليه وسلم .. وبعد ..
فقد تحير بعض أبناء الدعوة السلفية من موقف
بعض المنسوبين إلى العلم خارج مصر من الدعوة السلفية والإخوان والأحداث المعاصرة ،
وهذا يرجع إلى عدم الانتباه إلى طبيعة التيارات الفكرية وتأثر البلاد العربية
والإسلامية بعضها ببعض .
وهذا موجز شديد جدًّا للحركة الفكرية
والمنهجية ، خاصة بين مصر والسعودية . في فترة الستينيات وما تلاها
ففي حين أن الصحوة الإسلامية في مصر في السبعينيات كانت تنحى في
بدايتها إلى النهج السلفي ، كان فكر وثقافة الإخوان المسلمين في أطوارها المتأخرة
أوشكت على إتمام اختراق الدولة السعودية سلفية المنشأ ، حتى كاد أن يكتسي الطابع
التعليمي والثقافي في الدولة السعودية بالطابع الإخواني أو بشبه الإخواني ، إن لم
يكن قد تم بالفعل .
ولقد عرفت المملكة فكر الإخوان
في مرحلة حسن البنا إلا أنه لم يحظ وقتها بانتشار واسع ، ولقد طلب البنا إيجاد فرع
لجماعته في السعودية ، إلا أن الدولة رفضت وجوده رسميًّا ، ثم وجد فكر الإخوان
في فترة الخمسينيات على يد أشخاص ذوي تأثير ، وكانت لهم صلة وثيقة بالدوائر
الحاكمة في حينها ، ثم عرفته من خلال هجرة الإخوان لها في الستينيات وما قبلها بعد
انقلاب عبد الناصر على حلفائه – أعني الإخوان – ويبدو أن هذه المرحلة كان فكر
الإخوان ما زال في طوره الأول رغم أن حمل بين طياته بذور وبدايات الطور الثاني ،
كما سيأتي .
ثم جاءت مرحلة السبعينيات بعد خروج الإخوان
من السجون وجاءت معها هجرة أخرى إلى المملكة ، لكن بأعداد فاقت الهجرة الأولى
كثيرًا ، وحملت هذه الهجرة في هذه المرة الفكر القطبي إلى المملكة السلفية التي
كان الإخوان المهاجرون في الستينيات بدءوا في اختراقها ومهدوا السبيل لمن جاء
بعدهم ، ولم تكن الدولة رسميًّا منتبهة إلى الخلاف بين منهج الإخوان ومنهج المملكة
الوهابي السلفي ، فسمحت – أو استعانت - لأفراد كثر من جماعة الإخوان إلى التواجد
في أماكن رسمية تعليمية وثقافية بالأساس ، ولو أضفنا إلى ذلك قدرة الإخوان - ومن
كان منهم يومًا ما - على التنظيم والعمل السري ، والتلون والتدسس الناعم ، لفهمنا
كيف اكتسى الطابع التعليمي والثقافي - أو كاد – في المملكة بالطابع الإخواني خاصة
في طوره الأخير .
وهجرة إخوانية ثالثة كانت
متزامنة مع الهجرتين الأخريين هي هجرة الشوام إلى المملكة ، وكان من المهاجرين
أسماء لامعة ذات تأثير بالغ في الفكر والثقافة السعودية .
أضف إلى المنتدبين – من غير المهاجرين - من
الإخوان للعمل في مجالي التعليم والثقافة بالأخص ، أو مجالات أخرى ، عمل على
انتدابهم المهاجرون القدامى من الإخوان أو بتأثير أو إيعاز منهم على الأقل .
وتلاقت هذه الفئات الإخوانية الستة وحدث
بينهم توافق أو تناغم ، أو ترتيب وتعاون ، وإن حدث بينهم خلاف إلى حد تشويه بعضهم
بعضًا ، إلا أنه لم يكن يومًا ما قويًّا أو فكريًّا ومنهجيًّا ، إنما كان خلافًا
تنظيميًّا لم يلبثوا أن تجاوزوه للأهداف المشتركة.
على أن هناك فرقًا كبيرًا بين الفكر
الإصلاحي للمدرستين ، المدرسة الوهابية (السلفية) والمدرسة الإخوانية ، فالأولى
فكرتها الإصلاحية تعتمد على الدين ومنهج السلف والتصفية والتربية (أوالتعليم
والتربية)، والثانية على الإصلاح السياسي ، والوقوف في مواجهة الغرب ، الذي تطور -
في مرحلة سيطرة فكر سيد قطب وهيمنته وانتشاره - إلى
مواجهة الأنظمة الجاهلية أو المجتمع الجاهلي ، ويعني بالجاهلية جاهلية الكفر ،
فتحول التوجه من مواجهة الغرب إلى مواجهة المجتمع المسلم .
لكن انتهى الحال لدمج الفكرتين أو محاولة
التجاور ، وبالأحرى محاولة (إضفاء مسحة سلفية) على الفكر الإخواني والقطبي ، أي
كسوتهما بثوب سلفي ، إلا أن الفكرة الإصلاحية الأولى حوصرت في الجانب العقدي
والفقهي ، والثانية كانت أوسع انتشارًا من حيث الفكر ، والثقافة ، والحركة ،
واحتلال مراكز التأثير الرسمي ، والاجتماعي ، الشبابي منه خاصة ، وكانت منتبهة في
تحديد غاياتها ، وأكثر قدرة على التنظيم والعمل المنظم وأخذ خطوات واضحة لتحقيق
هذه الغايات ، ولم تحاول أن توجد أشكالًا من النشاط يوقظ أصحاب الفكرة الأولى لها
، أو يكون غير منسجم مع مفاهيمهم ورؤاهم ، حتى أخرجت لصالحها جيلًا كاملًا من
الشباب .
أما أصحاب الفكرة الأولى (السلفية
الوهابية) فدفعهم التاعطف مع الإخوان المسلمين لما نالهم من التنكيل على يد عبد
الناصر أو على يد حافظ الأسد ، مع كونهم قد هجروا أوطانهم أو نفوا منها – والإخوان
دائمًا ما يجيدون دور الضحية أو المظلومية مع قدرتهم على شيطنة المخالفين والخصوم
- كما دفعتهم الأخوة الإيمانية (أو عقيدة الولاء) الأصيلة في الفكر السلفي ،
دفعهم ذلك إلى الغفلة عن تحركات الإخوان السرية والمنظمة ، على اختلاف أطيافهم ،
بل وفروا لهم الدعم المادي والمعنوي والحماية ، وكان لهم دورهم في تلميع رموزهم
واكتسابهم شعبية جارفة خاصة في وسط التيار الإسلامي.
وللحديث بقية إن شاء الله.
------------
(**)ملحوظة هذا مختصر من بحث أعدته (أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم) عن تاريخ السلفية
المعاصرة ولمًّا ينشر ، ولا يعدو ما جاء فيه أن يكون رأيًا لكاتبه.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com