الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

سلسلة العذر بالجهل و الرد على بدعة التكفير ( 1- خطورة الإسراع بالتكفير )

ولا اعتبار بلفظ تلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه .

سلسلة العذر بالجهل و الرد على بدعة التكفير ( 1- خطورة الإسراع بالتكفير )
أحمد فريد
السبت ٠٨ مارس ٢٠١٤ - ٠٢:٣٣ ص
5040

سلسلة العذر بالجهل و الرد على بدعة التكفير

1- خطورة الإسراع بالتكفير :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم تسليماً ـ  أما بعد ؛

فإن ما يعيشه المسلمون في هذه الأيام من فراغ فكري لا يجد فيه المسلمون ما يشغلون به أوقاتهم، يتيح الفرصة لأهل الأهواء والبدع لترويج بدعهم ونشر ضلالهم، وساعدهم على ذلك غياب شمس الشريعة، واختلاف المناهج الإسلامية في الدعوة إلى الله، وعاطفة الشباب التي لا تضبطها مقاييس إسلامية صحيحة مستندة إلى الكتاب والسنة الصحيحة .

كانت هذه الظروف كالعوامل المساعدة لخلف الخوارج القائلين ببدعة تكفير المسلمين بغير بينة واضحة أن يروجوا بعض آرائهم وأهوائهم، وكان عدم العذر بالجهل بمثابة الخطوة الأولى لتكفير المسلمين؛ وذلك لشيوع المخالفات في أمور التوحيد وغيره نتيجة لجهل الناس بأمور دينهم، وعدم وجود من ينبههم إلى خطورة ما وقعوا فيه من أمور الشرك العلمية .

فهذا جهل المقلَّ في مسـألة العذر بالجهل والرد على بدعة التكفير، مع بيان ما في كتاب "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد" من المخالفات والضلالات، هذا وليس لنا فيه فضل اجتهاد فلسنا أهلاُ لذلك، ووظيفتنا أن ننقل بطريقة سهلة ما قاله الأئمة في هذه المسألة، مع بيان أدلتهم من الكتاب والسنة .

والبحث يتكون من عدة مباحث في بيان معنى الإيمان والكفر، وما يثبت به عقيدة الإسلام، ثم أدلة الكتاب والسنة بتفسير سلف الأمة على ثبوت العذر بالجهل، ثم بيان أقوال العلماء في هذه المسألة، ثم الرد على أدلة المخالف، وما أورده مصنف كتاب "الجواب المفيد" من أدلة على عدم العذر بالجهل .

قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما" (رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي)، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله" (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي) .

قال النووي : اختلف في تأويل هذا الرجوع، فقيل : رجع إليه الكفر إن كان مستحلاً، وهذا بعيد عن سياق الخبر، وقيل محمول على الخوارج لأنهم يكفرون المؤمن، وقال الحافظ : والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم، وقيل : معناه رجعت عليه نقيصته ومعصية تكفيره، وهذا لا بأس به، وقيل : يخشى عليه أن يئول به ذلك إلى الكفر، كما قيل : "المعاصي بريد الكفر" ، فيخاف على من أدامها وأصر عليها سوء الخاتمة، وأرجح من الجميع أن يقال من قال ذلك لمن لا يعرف منه إلا الإسلام، ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر؛ فإنه يكفر بذلك كما سيأتي تقريره؛ فمعنى الحديث "فقد رجع عليه تكفيره"، فالراجح التكفير لا الكفر، فكأنه كفَّر نفسه؛ لكونه كفر من هو مثله .

قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ : "إن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار؛ فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن : "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بهما"، وفي لفظ آخر : "ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه" (متفق عليه)، ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر، وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير، وقد قال الله تعالى : "ولكن من شرح بالكفر صدراً" (النحل:106) .

فلابد من شرح الصدر بالكفر، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه، فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشر، لاسيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ تلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه .

وأين من يتجرأ على تكفير المسلمين من قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"؟! ومن قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله" (صحيح مسلم)، وقوله : "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" (صحيح مسلم) .

قال القرطبي في تفسيره لسورة الحجرات : وليس قوله تعالى : "أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" (الحجرات:2)، بموجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم، فكما أن الكافر لا يكون مؤمناً إلا باختياره الإيمان على الكفر، كذلك لا يكون المؤمن كافراً من حيث لا يقصد الكفر ولا يختاره بالإجماع .

 www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة