الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

المستشار "سالم البهنساوي" يرد على "تحالف دعم الشرعية"

فكانت بعض مواقفهم من الحكام كفيلة بأن تدمغهم بتهمة الخيانة والعمالة؛

المستشار "سالم البهنساوي" يرد على "تحالف دعم الشرعية"
عبد المنعم الشحات
السبت ٠٨ مارس ٢٠١٤ - ١٨:٤٤ م
4269

المستشار "سالم البهنساوي" يرد على "تحالف دعم الشرعية"

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالمستشار "سالم البهنساوي" هو واحد مِن رموز الإخوان الذين شهدوا محنة 54، ومحنة 65، وخرج منهما وقد أدرك خطورة التسرع في التكفير والصدام؛ فوظـَّف قلمه في الرد على هاتين الظاهرتين، وقد حاول جاهدًا أن ينفي عن كل مِن الأستاذ "حسن البنا" والأستاذ "سيد قطب" أي مسئولية عن هذه الأفكار، وإن كان اضطر للرد على بعض الرموز الإخوانية سواء التي بقيت في الجماعة أو خرجت منها: كالأستاذ "سعيد حوى" والأستاذ "محمد قطب".

وكانت جماعة الإخوان بعد خروجهم من السجن في منتصف السبعينيات قد استفادت من تجارب الصدام في 49 و54 و65؛ فعادوا إلى المنهج الإصلاحي المتدرج الذي سار عليه الأستاذ "البنا" طوال ثلاثينيات القرن العشرين، وتشابه سلوك الجماعة في الفترتين: "فترة الثلاثينيات، وفترة السبعينيات والثمانينيات" في المهادنة مع الحكام التي تقترب في بعض الأحيان من حد "المداهنة" التي تستند إلى بعض التأويلات، ولكن مَن يفضِّل "الصدام" سوف يبالغ في هذه الأخطاء؛ لأنه يرفض المنهج ذاته.

وكانت "الجماعة الإسلامية" (قبل المبادرة) تتبنى نظرية "حتمية المواجهة"، وكانت ترى أن كل مَن يطالبها بغير ذلك هم جبناء ومتخاذلون! وهي التهم التي كثيرًا ما ألقوا بها في وجه "الدعوة السلفية".

وأما الإخوان: فكانت بعض مواقفهم من الحكام كفيلة بأن تدمغهم بتهمة الخيانة والعمالة؛ فانبرى لهم المستشار "البهنساوي" فكتب كتابه: "شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر".

وبعيدًا عن العنوان الذي اختاره المستشار "البهنساوي" للدفاع عنه "الفكر الإسلامي المعاصِر" في حين أنه كان يدافع عن فكر الإخوان أمام فكر آخر! وهو موضوع يمثِّل من وجهة نظري أعمق أزمة في الفكر الإخواني القديم والمعاصر - لكن ليس هذا مقام مناقشتها الآن.

وسوف أقتبس بعض ردوده بعد أن صار الإخوان والجماعة الإسلامية "بعد 30-6-2013م" في كيان واحد يُسمى: "تحالف دعم الشرعية"، وصاروا جميعًا يعزفون على "نغمة واحدة" هي: التخوين، والرمي بالعمالة، وتهييج الشباب لمحاربة "الانقلاب"؛ في حين أن المستشار "البهنساوي" كان يستنكر على الجماعة الإسلامية التهييج لمحاربة "الطواغيت".

فإليك هذه المقتطفات التي سوف أنقلها كما هي، ولن أعلِّق عليها إلا بما تقتضيه الضرورة:

1- الجماعة الإسلامية تتهم جماعة الإخوان بالخيانة:

يقول المستشار "البهنساوي": "وفي الجانب العملي وزَّع بعض الشباب أشرطة صوتية كرروا فيها طلب الخروج على الحاكم، ثم طعنوا على مَن لم يخرج عليه مِن الأفراد والجماعات الإسلامية، فمنهم مَن رموه بالكفر، ومنهم مَن رموه بالنفاق، ومنهم مَن حكموا بأنهم جواسيس داخل الحركة الإسلامية يعملون لصالح الطواغيت؛ بغرض تعطيل الدعوة إلى الحكم بشريعة الله، وفيما يلي مقتطفات من شريط بعنوان: "لا... لمبارك":

أولاً: من كلمات الأخ "ناجح إبراهيم عبد الله" ما يأتي:

"الشيخ يوسف البدري هو زعيم المنافقين بمجلس الشعب حيث بايع حسني مبارك، وزعم بتوفر شروط الإمامة الكبرى فيه، وقد نافق ومَن معه من نواب الإخوان، فقد قال الشيخ الشنقيطي: إن مَن لم يكفر الذين يحكمون بقوانين وضعية فقد ختم الله على قلبه".

ثانيًا: من كلمات الأخ "عاصم عبد الماجد" ما يأتي:

"1- إن مرشد الإخوان المسلمين عمر التلمساني طلب أن يكون عميلاً للطاغوت، فقال: أعطونا الشرعية نقضي لكم على التطرف، أي يقضي على المطالبة بتحكيم شرع الله -تعالى-؛ فهو يقول بغير استحياء أعطونا الفرصة لنكون الطابور الخامس لكم، وبهذا قَبِل الإخوان أن يلعبوا هذه اللعبة القذرة بأن يكونوا جواسيس داخل الحركة الإسلامية.

2- لقد أصبحت كل أسرة تنادي صباح مساء بتحكيم شريعة الله، وتردد قول الله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44)، وهنا بحثَ الحاكم الكافر عن طابور خامس يكون أداته ضد الإسلام والمسلمين فوجد الإخوان المسلمين؛ لأن تاريخهم يرشحهم لهذه العمالة والجاسوسية، والعمل باسم الإسلام لهدم الإسلام!

ودلل على ذلك وعلى أنهم خونة بالآتي:

(أ)- وصفُ مرشدهم الأول "حسن البنا" للملك الفاسق الفاجر بأنه الملك المسلم أو الصالح.

(ب)- قال مرشدهم "عمر التلمساني" لـ"أنور السادات": "كنا ندعو لك بطول العمر!".

(ج)- وقف أحد قادتهم يخطب ويقول في "إسماعيل صدقي" رئيس الوزراء: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد!"، وإسماعيل الذي يلمِّح به ليس هو إسماعيل الذي ورد في القرآن الكريم، بل هو جلاد الشعب.

(د)- أرسلتْ هذه الفئة برقية من داخل السجون إلى "جمال عبد الناصر" تؤيده.

(هـ)- قال مرشدهم "التلمساني": "نقبل التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية".

التعليق:

"هذا الكلام ليس في حاجة إلى تعليق، ولكن فقط نثبت أن الدكتور "ناجح إبراهيم" قاد مراجعات الجماعة الإسلامية، وما زال متمسكًا بها؛ رغم كل الضغوط التي تمارَس عليه، وتهم الخيانة والعمالة التي أصبحت توجَّه إليه؛ لأنه نصح الإخوان والجماعة الإسلامية بالتعقل والنظر في عواقب الأمور، ورغم اختلافنا معه في بعض آرائه؛ إلا أن الواقع يشهد أنه مِن أكثر الناس على الساحة أدبًا مع الجميع، وصبرًا على آذاهم".

2- رد المستشار "البهنساوي" على تهمة صلاح الملك:

قال المستشار "سالم البهنساوي" ردًّا على هذه الشبهة: "إن المستند الذي خولهم صلاحية اتهام الإمام حسن البنا وجماعة الإخوان هو نصائحه المنشورة في الصحف والموجهة إلى الملك "فاروق"؛ فكيف يعترف له بالإسلام أو الصلاح في مطالبته له تطبيق الشريعة الإسلامية؟!

وقد تجاهلوا أن فسق الملك كان في السنوات الأخيرة، أما قبلها فكان يشهد الصلوات في المساجد، واتخذ الشيخ "المراغي" إمامًا له، وكانت له مواقف ضد الإنجليز، وفساده كان بعد ذلك، وكل صبي من العلماء لا يجهل أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لا تكون بالسب والقذف، والاتهام بالكفر أو الفسق! فالله -تعالى- يقول: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (النحل:125)، ويأمر موسى وهارون -عليهما السلام- بهذه الحكمة في مخاطبة فرعون؛ فيقول -تعالى-: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:43-44).

وهذا النفر لا يجهل أنه قد نشر الأستاذ "محسن" في كتابه من قبل "حسن البنا" في مارس سنة 1987م قبل أن يردد هؤلاء اتهاماتهم للإمام "البنا"، وهذا الكتاب يحتوي على وثائق تثبت أن الملِك وحكومته هي التي دبرت اغتيال الشيخ "حسن البنا"، وأنه بعد ثورة سنة 1952م أعيد التحقيق في القضية، واعترف المقدم "محمد الجزار" أن تدبير الجريمة كان بالاشتراك مع السراي وعبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية الذي أحضر محمود عبد المجيد من جرجا ليقوم بالدور (ص598)، ثم قضت محكمة الجنايات في 2-8-1954م بمعاقبة المشتركين في المؤامرة بالأشغال الشاقة المؤبدة، وبعضهم بالأشغال الشاقة المؤقتة (ص61).

فأين العمالة للملك والحكام؟!

كما نشر أيضًا نقد جريدة الإخوان لخطاب الملك في البرلمان، وأنه بعد النقد كان يمزق طلابهم صورته في الجماعة في إضراب يوم 19-1-1948م، ويهتفون: "لا ملك إلا الله"، ويشترك في ذلك القوى الوطنية الأخرى (ص265).

التعليق:

"نحن نوافق المستشار "سالم البهنساوي" على ضرورة الرفق في الدعوة إلى الله، ولكن ما ذكره غير دقيق؛ فلم تكن كل مخاطبات الأستاذ "البنا" للملك من أجل الشريعة، ولم تكن كلها في السنوات الأولى...

والأهم مِن هذا هو: أن هتاف "لا ملك إلا الله"، وهو شبيه بما نراه اليوم من كتابة عبارات: "لا حكم إلا لله" - فيه امتهان للقضية، وإشعار بالتوظيف السياسي لها؛ فعندما يكون الملك "مهذبًا" يكون هو جلالة "الملك" المبجل المعظم وإن كان لا يحكم بالشرع وينصاع لأوامر الإنجليز -وإن أبدى مقاومة أحيانًا-! ثم إذا حدث تغير في سلوكه الشخصي أو رؤيته السياسية للجماعة توظـَّف آية على غير معناها، وفي غير سياقها!

ومعلوم أن المُلك التام لا يكون إلا لله، وهذا لا ينفي وجود ملوك في الدنيا "منهم الصالح، ومنهم الطالح"، ونحن مطالَبون بدعوة الجميع إلى إقامة الشرع والعدل".

3- رد المستشار "البهنساوي" على تهمة "إسماعيل صدقي":

قال المستشار "سالم البهنساوي" ردًّا على هذه الشبهة: "هذه التهمة يرددها العلمانيون في الانتخابات، ونشرتها جريدة الوطن كما نشرت يوم 2-12-1985م ردًّا للأستاذ "أحمد العشماوي"، وهو ما نقتبس منه في هذه المسألة: ومع هذا يردد الداعية المسلم أن دليله في عمالة الإخوان أن أحد قادة الإخوان المسلمين شبَّه "إسماعيل صدقي" بنبي الله "إسماعيل" -عليه السلام- وهذه مغالطة؛ فالذي استشهد بالآية القرآنية هو "مصطفي مؤمن" وكان طالبًا بكلية الهندسة، وكان يوجِّه نداءً إلى رئيس الوزارة بالالتزام بعهوده ووعوده في المفاوضات مع بريطانيا، حيث كانت بريطانيا ترى أن يتم الجلاء عن مصر بعد خمس سنوات ورأى "إسماعيل صدقي" أن يكون الجلاء فورًا مع تمسك مصر بالسودان، ويرفض التحالف مع بريطانيا والاستشهاد بالآية القرآنية كان بكلمات مضمونها أن يكون اسمًا على مسمى أسوة بنبي الله "إسماعيل" -عليه السلام- الذي قال الله فيه: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) (مريم:54).

وقد نشر الأستاذ "محسن محمد" أن الجمعية العمومية للإخوان اجتمعت برئاسة "حسن البنا" في اجتماع حضره خمسة آلاف يمثِّلون الشعب، وأصدروا قرارات يطلبون فيها إعلان فشل المفاوضات وبطلان معاهدة سنة 1936م، وسحب القوات البريطانية من أراضي مصر والسودان، ورفض أي معاهدة قبل أن يتم الجلاء، وأنه إن لم تتخذ الحكومة هذه الخطوات خلال شهر فإن الأمة ستعتبرها متضامنة مع الغاصبين في الاعتداء على استقلال الوطن... فأين العمالة لإسماعيل صدقي؟!".

التعليق:

"كان للمستشار "طارق البشري" رأي سيئ في الإخوان ضمَّنه صلب كتابه: "الحركة السياسية في مصر: 1945-1953م"؛ فقد كان يرى أن الإخوان اتخذوا موقفًا مداهنًا للملك ولحكومات الأقلية التي استعان بها الملك؛ لا سيما وأن معظمها كان مِن حزب "السعديين" الممالئ للإنجليز، وفي مقدمة الطبعة الثانية ذكر المستشار "طارق البشري" أنه تلقى ردودًا تتعلق من بعض الإخوان قريبة من الرد الذي ذكره المستشار "سالم البهنساوي" هنا، وأن الإخوان كانوا يرغبون في ترغيبهم في تطبيق الشريعة؛ إلا أنه ذكر أن موقفهم من "إسماعيل صدقي" كان عصيًّا على التأويل؛ لكونه كان رجل المصالح الأجنبية في مصر، ولارتباطه برأس المال الأجنبي "واليهودي على وجه الخصوص"، وأنه لم يُثر عنه قط أن تحلى أو حتى تجمَّل بأي أثر من آثار الإسلام!".

ثم يدعو المستشار "البشري" الإخوان إلى الابتعاد عن معالجة التاريخ بروح الدفاع المطلق، وهو مقصودنا من هذا التعليق؛ لأننا بعد كل هذا التاريخ لم يخبرنا الإخوان عن أي سلوك كان أفضل: هذا السلوك أم السلوك الصدامي الذي جربوه في محن الجماعة الثلاث؟!

ولعل الصواب أن يكون في اتباع سلوك وسط بين هذين السلوكين، وعلى أي ففيما يتعلق بالرد على "عاصم عبد الماجد" فلا يمكن قط أن يعتبر هذا الموقف من إسماعيل صدقي -مع كونه موقفًا خاطئًا- خيانة أو عمالة".

4- رد المستشار "البهنساوي" على تهمة "التلمساني":

قال المستشار "سالم البهنساوي" ردًّا على هذه الشبهة: "ذكر كتاب "حتمية المواجهة" والأشرطة سالفة الذكر أن الأستاذ عمر التلمساني نافق "السادات" بقوله: "كنا ندعو لك بطول العمر!"، وعرض أن يكون والإخوان عملاءً للحكومة يقومون بالقضاء على التطرف، وهو القضاء على المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية.

والمغالطة هنا تتلخص في الآتي:

(أ)- تواترت الصحافة وبعض أجهزة الإعلام الأخرى على اتهام الإخوان المسلمين بالمسئولية عن أعمال بعض الشباب والجماعات التي كانت تحاكَم في قضية خطف الشيخ "الذهبي" وقتله، وكذا السطو على محل لبيع الذهب يملكه أحد النصارى، وبعض التصرفات الأخرى.

وفي مواجهة بين مجموعة من الصحفيين والأستاذ "عمر التلمساني" -استمرت عشر ساعات ونشرتها "مجلة المصور"- ردَّ على اتهام أن هذه التصرفات تخرج من معطف الإخوان المسلمين فقال: "لا توجد شرعية للإخوان حتى يقال أن هذه خرجت من توصياتهم، ومثل هذه الإجابة لا تعني ما زعمه هؤلاء بأي حال من الأحوال، ولا يقبلها أي عقل من العقول، وقد كرر هذا المرشد الحالي الأستاذ "محمد حامد أبو النصر" في حوار له مع الأستاذ "مكرم محمد" رئيس تحرير المصور، فقد أخذ على المصور موقفها السيئ من الشريعة الإسلامية، وأوضح أن مَن سلك سبيل العنف لا يعالج بعنف مضاد من السلطة؛ فهذه خسارة للأمة والوطن وهم يثقون فيهم، والإخوان يحول بينهم وبين هذا الحوار عدم المنابر المسموح بها للحوار لتعسف الحكومة".

التعليق:

"ليس لنا مِن تعليق على كلام المستشار "البهنساوي" هنا, ولكن مِن باب المطالبة بمناقشة جميع الوقائع بنفس الدرجة من الموضوعية نذكِّر بأن "السادات" كان عضوًا في المحكمة التي حكمت بالإعدام على ستة من الإخوان، على رأسهم: المستشار "عبد القادر عودة"، ومع هذا اقتضت المصلحة مخاطبته بمثل هذا الخطاب!

والأمر الآخر هو: أن محاولة إقناع المتهورين بعدم الصدام هي مسئولية شرعية، وليست انحيازًا للظلم أو دفاعًا عنه".

5- رد المستشار "البهنساوي" على تهمة "برقية تأييد عبد الناصر":

قال المستشار "سالم البهنساوي" ردًّا على هذه الشبهة: "أما البرقية التي أرسلها بعض الإخوان من أحد السجون فكانت أثناء العدوان الثلاثي على الإسماعيلية، والسويس، وبورسعيد، وتضمنت استعدادهم للدفاع عن الوطن في كتيبة خاصة بهم، ويعودون إلى السجن بعد طرد المغتصب حتى يحكم الله في الخلاف بينهم وبين هذا الحاكم، والمتمثل في نكوثه عن عهده بالحكم بالكتاب والسنة، ومن بيْن هؤلاء قادة الجهاد في فلسطين سنة 48، والذي زعم الحكم الناصري أنهم عملاء للإنجليز واليهود، والكثرة الغالبة لم تشارك في البرقية وظلت عشرين عامًا في السجون لاعتقادهم أن السلطة تسعى للحصول على تأييد للظالمين وتصفية الإسلاميين.

أما الثانية ففي حوار بالسجن الحربي ومعتقل أبي زعبل حيث أكَّد أطراف الحوار مع السلطة أنهم لا يمانعون في الدفاع عن البلاد في هزيمة 1967م، مع أن نفرًا منهم قال: إن الحكم المصري كالحكم الإسرائيلي، وكلاهما حكم جاهلي، وكل ذلك مفصل في كتاب الحكم وقضية تكفير المسلم".

التعليق:

"يا ليت الشباب الذين صفقوا لإشاعة تحرك الأسطول الأمريكي باتجاه مصر يدركوا هذه المعاني! وإذا كان مِن الإخوان مَن همَّ بالدفاع عن مصر تحت قيادة "عبد الناصر"، وهم في سجونه... فمع غيره مِن باب أولى".

6- تعليق المستشار "سالم البهنساوي" على قضية "المواجهة":

وتحت عنوان: "المواجهة والخروج على الحاكم" قال المستشار "سالم البهنساوي": "لقد فَهِم هذا النفر من الشباب، وهم حفنة قليلة لا تعد ذات أثر في الحركة الإسلامية التي ينسبون إليها العمالة والخيانة، فَهِم هؤلاء الجهاد على أنه خروج على الحاكم؛ لأنه قد كفر كفرًا بواحًا يوجب ذلك أو للدفاع عن أنفسهم ضد حملات الاعتقال والتعذيب، واستدلوا بقول الدكتور "محمد نعيم ياسين": كل قول أو تصرف أو اعتقاد يتضمن استحقاق المخلوق للعبادة أو نفي استحقاق الخالق لأن يُعبَد بأي نوع من العبادة، كل قول أو تصرف يتضمن أحد هذين الأمرين يُدخِل صاحبه في الكفر والردة، ويكفر مَن يدعي أن له الحق في تشريع ما لم يأذن به الله (ص37).

واستدلوا بما رواه البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: دَعَانَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: (إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)، واستدلوا بآيات الجهاد والقتال كما استدلوا بالآيات القرآنية المشار إليها في بداية البحث، وقالوا إن منهجهم في حتمية المواجهة المسلحة هو موقف السلف الصالح، وحتى تزول الشبهة لدى هؤلاء الإخوة ومَن قرأ أقوالهم من الشباب وحتى لا تكون هناك فتنة... نعرض لأمور هي:

الأول: الكفر المخرج عن الملة، ومَن الذي يحدده ويحكم به؟

الثاني: شروط الخروج على الحاكم، ومَن الذي يتولى ذلك؟

الثالث: الجهاد، ومتى يكون؟ ومن الذي يعلنه؟

الرابع: مواقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة في هذه المسألة".

وفي سبيل الرد على هذه الأمور طوَّف المستشار "البهنساوي" في قضايا فقهية وواقعية، نكتفي منها بالنقول الآتية:

- قوله: "ولقد فطن الإمام حسن البنا لهذا فلم يكفر أشخاصًا بأسمائهم من الحكام أو غيرهم ممن يدخلون المساجد، وكان يدعوهم إلى تطبيق شريعة الله ويحذرهم من المخالفة، ويذكرهم بقول الله -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44).

- وقوله: "وإذا كان ذلك فكيف يبيح هذا النفر لكل مَن هب ودب أن يفتي بإباحة دماء مَن خالفهم وبالقصاص منهم وقتلهم؟! إن هذه هي الفتنة بعينها، وهي ما يسعى خصوم الإسلام إلى إلصاقه بالحركة الإسلامية؛ ليكون هذا عذر الطاغوت في قتالهم وتصفيتهم".

- وقوله: "إن الذين شرعوا في الخروج على الحاكم بغير فهم دقيق لهذه الضوابط أراقوا الدماء دون أن يستفيدوا بفشل الذين خرجوا على الأمويين والعباسيين وغيرهم بغير ضوابط".

- وقوله: "والعجيب أن هذا النفر، وفي كتابهم "المواجهة" يرون أن مَن لم يواجِه الاعتقال بالقتال فقد أصبحت مناهجه عاجزة عن حمايته، وسقطت شرعية وجوده في الحركة الإسلامية؛ لأنه يلزم إشعال البارود في مواجهة الحاكم الظالم المغتصب! ويرى جمهور أهل السنة أن مَن تغلب على الإمام الشرعي وقهره واستولى على الحكم بالقوة يكون مغتصبًا ولا شرعية له، ومع هذا يحرم الخروج على هذا المغتصب؛ لأن الخروج يؤدي عادة إلى الفتن وسفك الدماء واضطراب البلاد والعباد؛ ولأن من شروط منع المنكر ألا يؤدي ذلك إلى ما هو أنكر منه.

فإذا كانت القاعدة أن للأمة خلع الإمام وعزله بسبب يوجب ذلك: كالردة أو الفسق؛ إلا أنهم يرون ألا يعزل إذا أدى العزل إلى الفتنة حيث إن الواجب هنا هو احتمال أدنى الضررين، فمن شروط الخروج على الحاكم الفاسق توفـُّر المنعة والغلبة والشوكة لدى الخارجين، أي توفر الكثرة والقوة لديهم ليستطيعوا عزل الحاكم أو رده إلى العدل والحق، ويشترط الشافعية فضلاً عن هذا أن يكون في الخارجين إمام مطاع؛ لأن الشوكة لا تتم إلا بوجود الشخص المطاع بينهم، ولو لم يكن إمام لهم فلا شوكة لمن لا يطاع.

وتطبيق ذلك في عصرنا يجعل عزل الحاكم إما عن طريق الجيش أو عن الطريق الدستوري بمعرفة المجالس النيابية التي تختارها الأمة؛ ذلك أن قيام أفراد من الجماعات الإسلامية بإشعال البارود لمنع حفل غنائي أو للحيلولة دون اعتقال الشرطة لنفر منهم يؤدي إلى ما هو أكثر ضررًا، بل إن هذا يصبح مبررًا للسلطة الظالمة أن تصادر جميع النشاطات الإسلامية وترهب كل من التزم بالإسلام، ولهذا لجأ بعضهم إلى استخدام هذا الأسلوب واستدرجوا بعض الشباب لهذه الوسائل".

- وقوله: "لهذا وللتجارب التاريخية... وبسبب هذه الفتنة التي أدت إلى إسالة هذه الدماء وقتل هؤلاء الأبرياء يرجِّح جمهور الفقهاء عدم الخروج على الحاكم -ولو كان مغتصبًا للسلطة وطاغيًا- طالما أن الجيش والقوة العسكرية تساند هذا الحاكم وتحميه، فعزل مثل هذا الحاكم لا يكون إلا عن طريق الجيش الذي يسانده؛ فلو رأت قيادات الجيوش ذلك لكان هذا هو السبيل الذي يجنب البلاد والعباد فتنة الاقتتال وسفك دماء الشعوب".

- وقوله: "ولهذا صبر الإخوان المسلمون على اعتداءات السلطة عليهم عدة مرات، وظن بعضهم أن هذا الصبر مكَّن للظالم وهم لا يعلمون أن مِن مستشاري الحاكم مَن صرَّح أنه خلال محنة سنة 1953 وسنة 1954م كانت الخطة -إن استخدم الإخوان القوة العسكرية- هي دخول الجيش البريطاني المعسكر في القنال بالتنسيق مع أمريكا التي كانت تنسق في المفاوضات بين الحاكم والإنجليز ثم تلفق تهمة للإخوان باتفاقهم مع الإنجليز، وسنة 1966م أعلن "شمس بدران" في السجن الحربي أنه لو كانت قد أطلقت رصاصة واحدة ولو في الهواء؛ لكان كل مَن ينتمي للتيار الإسلامي مباح الدم والنساء والمال!

وقد أوضح بعض مستشاري الحاكم آنذاك أنه كان يوجد في السلطة أحد القيادات العسكرية ممن أطلقوا اللحية، وكانت النية تتجه إلى أن يقر أنه اتفق مع الإخوان على ترك ثغرة لإسرائيل لتحتل البلاد، ولكن تصفية الإخوان واعتقالهم سنة 65م وبقائهم حتى الهزيمة حال دون ذلك.

وفي عصر "السادات" اتجه المخططون له إلى أن تترك الأمور لكل متهور، وذلك ليمكن وجود جرم مادي من السلاح والخروج ضد الشرعية؛ لمنع النشاط الإسلامي كله، وهكذا يحقق المتهور للسلطة ما تسعى إليه" (ملحق جريدة الوطن الكويتية في 26-5-1988م).

وبعد هذه النقول التي واجَه بها المستشار "سالم البهنساوي" (الجماعة الإسلامية والجهاد) استمروا في مشروعهم حتى تراجع عنه البعض لاعتبارات عملية، والبعض بمراجعات؛ بينما استمر الإخوان والسلفيون في جهودهم الإصلاحية "على خلاف بينهم في كثير من التفاصيل"؛ حتى انتشرت الدعوة، وأقبل الناس عليها.

ثم جاءت "ثورة 25 يناير" لتستفيد مِن الرصيد الإصلاحي التدريجي في المجتمع، ويقدِّر الله لها من الظروف والأحوال الاستثنائية فتنجح في إزالة الظلم في واقعة تاريخية "يصعب القياس عليها!".

وانطلق الإسلاميون يحصدون ثقة الناس إلى درجة وصول د."مرسي" إلى الرئاسة، ومرت سنة مِن حكمه شهدت أحداثًا كثيرة تَدخـَّل على إثرها الجيش وعَزلَ د."مرسي".

ورغم أن كل أخطار المواجهة التي جعلت المستشار "البهنساوي" يمنع منها في كتابه موجودة الآن ويزيد عليها مخاطر تقسيم دول العالم الإسلامي إلى دويلات بدلاً من السعي إلى الوحدة - مع هذا غلَب على قيادة الإخوان روح الصدام رغم أن كل تجاربهم معه مريرة!

و"ازداد الطين بلة" بتحالفهم مع مَن ينطلقون من كتابات من نوعية: "حتمية المواجهة"، و"الفريضة الغائبة" التي يرد المستشار "سالم البهنساوي" عليها في هذا الكتاب!

وإذا كان "البهنساوي" قد توفاه الله -نسأل الله له الرحمة المغفرة، ورفع الدرجات-، فهل نأمل في أن يقرأ المعاصِرون رسالته أو يقوم غيره بأدائها؟!

 نسأل الله أن يوفِّق الجميع إلى ما يحب ويرضى.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي