الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

قرار السعودية و"بيان الإخوان"... دروس وعبر

ومن شاهد حلقاته على قناة الناس سوف يعرف نوعية مستنداته تلك الوريقات التى كان يدسها في يده أحدهم وهو داخل إلى الاستوديو فيخرجها في الهواء

قرار السعودية و"بيان الإخوان"... دروس وعبر
عبد المنعم الشحات
الخميس ١٣ مارس ٢٠١٤ - ١٦:١٨ م
6287

قرار السعودية و"بيان الإخوان"... دروس وعبر

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد درج كثير من رموز جماعة الإخوان على اتهام السلفيين بأنهم يمثـِّلون الفكر الوهابي المتشدد في مقابل الإخوان الأكثر انفتاحًا على كل المذاهب الإسلامية، والأكثر إعمالاً لقواعد السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية، وهي فكرة دندن حولها كثير من رموز الإخوان "التقليديين" -إن صح التعبير- وعلى رأسهم الشيخان: "القرضاوي" و"الغزالي"، وإن كان الأول كان غالبًا ما يعرضها في صورة هادئة ناعمة بينما بالغ الأخير في حملته على ما أسماه: بـ"الفقه البدوي!"، وعنه حملها كثير من العالمانيين، ثم رموا بها كل الإسلاميين فيما بعد، وبعض الملاحدة يرمي بها الإسلام ذاته، وإن كان كلهم قد استفاد من طرح بعض الدعاة لها! وإلى الله المشتكى.

ثم تطور الأمر بعد الألفية الثانية، ووجود ميل لدى قطاعات عريضة من الإخوان في التطبيع مع معايير "مؤسسة راند" للاعتدال، مما جعل ما أطلقوا عليه الفكر الوهابي هدفًا مستباحًا لهم، وهو الأمر الذي أغرى بعضهم بادعاء وجود علاقة بيْن كل مَن ينتسب إلى المنهج السلفي وبين "الحكومة السعودية"؛ على الرغم مِن أن غاية ما يوجد عند كثير من السلفيين هو اعتبار دعوة "محمد بن عبد الوهاب" -رحمه الله- إحدى الدعوات التي أُسست لنهضة إسلامية في القرون المتأخرة "وهو واقع قال به عدد كبير من رموز الإخوان أنفسهم".

بالإضافة إلى وجود منزلة عالية لبعض علماء السعودية المعاصرين: كالشيخ "ابن باز"، والشيخ "العثيمين" -رحمهما الله- في قلوب السلفيين، وهو سلوك انتهجه السلفيون مع كثير من العلماء غير السعوديين كالعلامة "الألباني" -رحمه الله-.

وفي ظل تبرؤ الإخوان المتتالي مِن نمط الفقه والفكر السائد عند علماء السعودية ثم محاولة رمي غيرهم بالتبعية الفكرية، بل والسياسية "للسعودية" لم يتخيل أحد من شباب الجماعات الإسلامية أن للإخوان علاقة خاصة بالمملكة العربية السعودية، وساعد على هذا عدم العناية من الحركات الإسلامية الأخرى بدراسة تاريخ الإخوان على اعتبار أنه ماضٍ والعبرة بالحاضر، وفي ذات الوقت فإن الإخوان يستدعون التاريخ بالطريقة التي تخدم الواقع وإن تجاوزت المصداقية التاريخية!

ومن هنا جاءت التطورات الأخيرة بين المملكة العربية السعودية والإخوان صادمة للكثيرين، ولا أعني هنا قرار السعودية باعتبار الإخوان جماعة إرهابية، ولا قرارها بالاشتراك مع معظم دول التعاون الخليجي بسحب سفرائهم من دولة قطر لموقفها المساند للإخوان؛ فكل هذا كان متوقعًا في ظل شعور السعودية ومعظم دول الخليج بخطورة ترتيبات كانت تتم في المنطقة لتنفيذ مشروع الشرق أوسط الكبير "أشرنا إليها في مقالة: نظرية صدام الحضارات والمشاريع المنبثقة عنها".

وهذه الترتيبات كانت تتم برعاية أمريكية وتعاون "إيراني - تركي - قطري"، وهي الدول التي تعاون معها نظام الإخوان بشكل مباشر؛ مما جعل دول الخليج تأخذ الأمر مأخذ الجد، ومِن ثَمَّ أيدت حركة الجيش المصري الذي تربى على احترام الحدود، والمحصلة أنه قد اقتنع الجميع بخطورة مشروع التقسيم، وأسهمت سياسات الإخوان الخارجية في تقوية الهواجس الداخلية والخارجية في بناء هذا الحلف، ولكن الإخوان مغرمون دائمًا بالكلام على أخطاء الآخرين؛ فيحصرون أسباب ما تم في "3-7" في الخوف الخليجي من تصدير الثورة، وخوف المؤسسة العسكرية مِن تقليص امتيازاتها.

وفي الواقع: إن هذه المخاوف كانت موجودة قبل انتخاب د."مرسي"، ومع ذلك لم يقم هذا الحِلف؛ مما يعني أنه على مَن يريد التحليل أن يحلل تحليلاً مطابقًا للواقع بحيث يقوده إلى عرض الحلول السليمة.

إذن فقرارات السعودية الأخيرة هي قرارات متوقعة، ولكن الدهشة جاءت مِن بيان الإخوان الذي جاء مفاجئًا من عدة حيثيات:

الأولى: اللغة البالغة الهدوء في ظل خطاب إخواني متصاعد، واتهامات بالتخوين والعمالة لكل مَن خاطب السلطات في مصر بما يفوق هذا الخطاب قوة بكثير، ومنها -على سبيل المثال-: قرار اعتبار الإخوان جماعة إرهابية في مصر، والذي استنكرته "الدعوة والسلفية" واستنكره "حزب النور"، واستنكره الشيخ "ياسر برهامي" بصفة خاصة "وهو الرجل الذي حاصرت مظاهرات محسوبة على الإخوان بيته، ورددوا هتافات يندى لها الجبين! ساهم في ترديدها رجال ونساء، وشباب وفتيات"، وكان الاستنكار الذي تم بعده التأكيد من الجهات المسئولة على مبدأ شخصية الجريمة، وأنه لن يحاسَب أحد لمجرد كونه من الإخوان "وهذا التأكيد النظري مفيد في حد ذاته بغض النظر عن درجة الالتزام العملي".

الثانية: أن بيان الإخوان قد تحدث عن علاقات تاريخية وممتدة مع المملكة العربية السعودية منذ أيام الملك "عبد العزيز" مؤسس المملكة السعودية الحديثة، والأستاذ "البنا" مؤسس جماعة الإخوان.

الثالثة: أن البيان استشهد من حيث الإجمال بفتاوى علماء السعودية الذين كان ذكرهم لا يرد في الخطاب الإخواني إلا مع ما ذكرنا مِن النقد!

ثم إن موقع "إخوان أون لاين" قد نشر مقالاً أورد هذه الفتاوى مفصلة عن "ابن باز" و"ابن عثيمين" -رحمهما الله- وغيرهما من علماء السعودية، والتي دارت حول شأن اعتبار الإخوان إحدى جماعات أهل السنة بالرغم مِن بعض التحفظات عليها، وفي البيان فوائد سوف نشير إليها، ولكن قبل هذا نورد ملخص تاريخ الإخوان والسعودية.

ملخص تاريخ الإخوان والسعودية:

تناول الدكتور "ناجح إبراهيم" ملخص تاريخ الإخوان والسعودية في مقالة له بعنوان: "الإخوان والسعودية... لماذا الطلاق البائن؟!" نشرتها صحيفة "الوطن" يوم الاثنين "10-3-2014م"، وتناول فيها ملخص تاريخ الإخوان والمملكة العربية السعودية، أنقله عنه مع التأكيد أن معظم أحداثه مذكورة في كتابات الإخوان، ومنها كتاب: "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ" الذي يعتبر التأريخ شبه الرسمي لجماعة الإخوان.

يقول د."ناجح":

"وفي البداية: أود أن أطرح مختصرًا لتاريخ العلاقة بين السعودية والإخوان كالتالي:

أولاً: مرحلة الاستكشاف: وبدأت بعمل الشيخ "البنا" مدرسًا في السعودية في الثلاثينيات، ووقتها رفضت مصر الاعتراف بالمملكة السعودية الوليدة نتيجة ضغوط الإنجليز، ولما حج الشيخ "البنا" 1936م حجته الأولى استضافه الملك "عبد العزيز" ضمن كبار ضيوف الحج، فألقى كلمة أمامه وقبَّل يديه، ووقتها رحَّبت جريدة "أم القرى" السعودية الرسمية بـ"البنا" باعتباره من كبار الحجاج.

وبعدها كان "البنا" يلقي الخطب والمواعظ على الحجاج، ويستضيفه الملك "عبد العزيز"، وينزل ضيفًا على الحكومة السعودية... ومِن خلال زيارات الحج استطاع الشيخ "البنا" دعوة الجنسيات الأخرى محولاً دعوة وتنظيم الإخوان من المصرية إلى الإقليمية، ويختار مُرشدِين في: سوريا، والسودان، والأردن، وغيرها...

(أود أن أضيف هنا إلى كلام د."ناجح" شاهدًا قويًّا مِن رواية د."محمود عبد الحليم" في كتاب: "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ" حيث يحكي أن حكومة "إبراهيم عبد الهادي" عندما قررت اغتيال الأستاذ "البنا" ردًّا على قيام التنظيم الخاص في الإخوان باغتيال سلفه "النقراشي" قررت التنفيذ أثناء الحج لإبعاد الشبهة، ولكن الملك "عبد العزيز" كشف المؤامرة -وفق رواية الأستاذ محمود عبد الحليم-، وعيَّن له سيارة وحراسًا مسلحين؛ ففشلت الخطة).

ثانيًا: مرحلة التذبذب: وبدأت بعد اغتيال "البنا" بما يملكه مِن ملكات دعوية وتنظيمية، فقدِم "الهضيبي" الأب ضيفًا على السعودية، فأكرمت وفادته 1954م... ولكن العلاقة بينهما تدهورت بعد تأييد الإخوان ثورة اليمن التي كانت تعتبرها السعودية حربًا عليها من الفناء الداخلي لها.

ثالثًا: مرحلة الاحتضان في الستينيات: وفيها ساءت العلاقة بين الرئيس ناصر والسعودية... فلجأ الإخوان إلى السعودية فرحبت بهم وفتحت لهم أبوابها وجامعاتها وسهلت لهم السيطرة على مراكز الدعوة الإسلامية في أوروبا وغيرها... حيث كانت أوروبا مهتمة وقتها بمحاربة الشيوعية.

رابعًا: مرحلة التحالف في السبعينيات: وكانت نتاجًا لتوطد العلاقة وتوحد الأهداف في الستينيات، واستطاع مدير المخابرات السعودية "كمال أدهم" أن يتوسط لدى "السادات" للإفراج عن الإخوان وفتح الأبواب المغلقة أمامهم في مصر... والاستعانة بهم وبغيرهم لخلق توازن مع المد الشيوعي.

وقوى هذا التحالف اجتماع السعودية ومصر والإخوان على محاربة الاتحاد السوفيتي المحتل لأفغانستان، خصوصًا مع الإجماع الغربي الأمريكي على هذا المشروع؛ كل يحسب أيديولوجيته وأهدافه.

خامسًا: مرحلة الهواجس المشتركة: وهذه المرحلة بدأت مع حرب الخليج الثانية، فعارض الإخوان والحركات الإسلامية استقدام القوات الأمريكية الأوروبية إلى السعودية لتحرير الكويت... فرأته السعودية رضا من الإسلاميين باحتلال الكويت ثم بقية الخليج، ومغازلة من الحركات لأبنائها وشبابها ضاربة بمصالح السعودية الحائط، ثم تلا ذلك بزوغ نجم وتفجيرات "القاعدة" في السعودية، واتهام بعض المحسوبين على الإخوان في مصر والسعودية بأنهم وراء نشأة الفكر التكفيري في السعودية.

سادسًا: مرحلة الطلاق البائن: وبدأت هذه المرحلة باكتشاف تحرك تنظيمي نشط لتنظيم الإخوان في السعودية، والكويت، والإمارات بعد أشهر من حكم د."مرسي"... وانتهت بهذا القرار!".

انتهى كلام د."ناجح"، ولم يذكر مصدر معلومة وجود تحرك تنظيمي نشط للإخوان في دول الخليج بعد وصول د."مرسي" لرئاسة مصر، ولكن على أي هي أمور ذكرها جمع من الدعاة في هذه البلاد في أكثر من مناسبة.

بيان الإخوان في الرد على السعودية

يمكن تلخيص أهم ما جاء في بيان الإخوان في الرد على قرار المملكة في النقاط الآتية:

1- تميز تاريخ الجماعة مع المملكة منذ عهد الملك المؤسس، وحتى الآن.

2- أن التاريخ أثبت دائمًا أن الجماعة كانت الرائدة في نشر الفكر الإسلامي الصحيح دون غلو أو تطرف، وبشهادة الكثيرين من علماء المملكة الثقات ورجال الحكم فيها.

3- إن الجماعة تنطلق في تعاملها مع السلطات السياسية في دول عالمنا الإسلامي من منطلقات فكرية واضحة، وفي القلب منها الاعتقاد بأن مجتمعات شعوبنا مجتمعات مسلمة، وأن العلاقة بينها وبين شعوبها وبين القوى السياسية المختلفة بما فيها النظام هي علاقة نصح وليست علاقة تكفير أو تخوين، ولا تنظر الجماعة إلى الدولة على أنها كافرة أو مرتدة بما يؤدي إلى أن تقف منها موقف عداء وصدام، ومن هنا كانت علاقة الحركة بالدولة تقوم على أساس النصح والإرشاد.

4- وهي في مجال العمل السياسي تتعاون مع جميع أبناء الوطن على تحقيق الأهداف المشتركة في الحياة الحرة الكريمة، وتتحالف مع مختلف القوى والشخصيات الوطنية على اختلاف انتماءاتها السياسية والدينية والمذهبية والإثنية؛ لتحقيق هذه الأهداف مؤكدة على أنها ليست وصية على الناس باسم الإسلام، وإنما صاحبة مشروع تعرضه على الناس، وسبيلها هو الحوار مع كل التيارات الفكرية والاجتماعية والسياسية والدينية.

5- إن الجماعة وهي تواصل النصح والمعارضة لكل ما فيه خلل وخروج عن مصالح الشعوب والأوطان لا تبني مواقفها الإصلاحية أو حركتها السياسية داخل المجتمع أو كفاحها في سبيل مصالح شعوبها على أساس مجرد المعارضة والمناوأة للسلطة فقط، بل الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة بعيدًا عن أي عنف أو إيذاء.

وهذا تعليق مختصر على أهم ما جاء في هذا البيان:

النقطة الأولى: إثبات لمعلومة تاريخية كانت غائبة عن كثيرين، وهي لا تقتضي مدحًا ولا ذمًّا بذاتها؛ لولا ما كان من سلوك البعض من إلصاق هذا الأمر بغيرهم على سبيل التهمة -كما أسلفنا-.

النقطة الثانية: وهي تتعلق بالاستشهاد بمواقف علماء السعودية، وقد ذكرنا ما يتعلق بمواقف كبار العلماء المعاصرين في السعودية "ومعظمهم قد توفاهم الله قبل هذه الأحداث"، ولكن العجب يتملكنا مِن مجموعة من العلماء وطلبة العلم السعوديين الذين أصدروا عدة بيانات تتعلق بالموقف في مصر، ومنها "بيان خاص بالدعوة السلفية" نصحوا فيه "الدعوة السلفية" أن تتوب إلى الله من المشاركة في الاستفتاء على الدستور، ورأوا أن في ذلك خداعًا للناس باسم الشريعة التي أعلن الحزب أنه شارك مِن أجل الحفاظ على مرجعيتها -وقد كان بفضل توفيق الله عز وجل- إلى آخر البيان المشهور، واليوم هم يستشهدون ويستنطقون، ويطلب منهم جمع غفير من المسلمين من مختلف بلاد الأرض -ولكل مسلم حاجة في زيارة السعودية للحج والعمرة- أن يشهدوا أنهم ليسوا إرهابيين أو أنهم ليسوا كلهم يرضى عن القتل والتدمير وإن رضي به البعض "ولنا عودة مع فتوى عجيبة للدكتور "محمد عبد المقصود" تزامنت مع هذه الأحداث"، مع العلم أننا يوم أن صدر مثل هذا في بلادنا أظهرنا إنكار تعميم الأحكام على الناس بهذه الطريقة.

وبالرجوع إلى موقع "المسلم" الذي يشرف عليه الشيخ "ناصر العمر" سنجد أنه نشر خبر قرار المملكة مقتضبًا، وكأنه لا يعنيه في شيء! ولم يُشر حتى إلى بيان الإخوان في الرد عليه!

ومع هذا، فما زال في صدر الصفحة الرئيسية بيان عن أزمة مصر جاء فيه:

"سادسًا: على العلماء والدعاة والجماعات والجمعيات الإسلامية ومثقفي الأمة الصدع بالحق ورد الباغي, قال -سبحانه وتعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (آل عمران:187), كل بقدر استطاعته ومكانته, قال -سبحانه-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن:16)".

وما زال البيان الخاص عن "حزب النور" مليئًا بالاتهام بالتكفير والتخوين، وكنا قد كتبنا ردًّا على الشيخ "ناصر العمر" حول هذه التعليقات فحذفت جميعها، وكتب تحذيرًا من مثل ذلك وبيان أن مثل هذه التعليقات سوف تقوم إدارة الموقع بحذفها، ولكن التعليقات عادت وبعضها بنفس أخطائه الإملائية ولم تحذفها إدارة الموقع.

وبالطبع نحن لا نطالب أحدًا فوق ما يطيقه، ولكن نطالب الجميع بالعدل والإنصاف، وميزان الأمور كلها بميزان واحد.

النقطة الثالثة:

وهي بيت القصيد الذي كنا نتمنى أن لو اهتم الإخوان بتأصيلها بتأصيلات شرعية واضحة وعمموها على جميع أفرادهم عصمة لهم من سريان نزعات تكفير واستهانة بالدماء بدأت توجد فيهم، ثم إن هذه النقطة تتنافى مع التأكيد الدائم على الاعتزاز بالتاريخ وفيه أمور مخالفة لما ذكر هنا، وباستثناء فكر تكفير أفراد المجتمع بالعموم والذي تبرأ الإخوان منه صراحة مع انشقاق "شكري مصطفى"؛ لم يتبرأ الإخوان مِن كثير من الأفكار أو الممارسات التي حفل بها تاريخهم!

ومنها على سبيل المثال:

1- تصريح "سيد قطب" و"محمد قطب" بأن مجتمعات المسلمين المعاصرة مجتمعات جاهلية، وإن لم يسحبوا الحكم على الأفراد (راجع كتاب: "الحكم وقضية تكفير المسلم" لسالم البهنساوي، وكتاب: "البوابة السوداء" لأحمد رائف).

2- تصريح بعضهم بتكفير عبد الناصر عينًا، والقياس وارد على غيره.

صرحت بذلك الحاجة "زينب الغزالي"، كما حكاه "أحمد رائف" عن "محمد قطب".

مع الأخذ في الاعتبار أن القيادات الحالية للإخوان تتبنى أن فكر "سيد قطب" جزء أصيل من فكر الإخوان، ومِن ثَمَّ تولى د."محمود عزت"، ود."محمد مرسي" الرد على د."يوسف القرضاوي" حينما تبنى القول بأن "سيد قطب" يخالف "حسن البنا" في برنامج كان يقدمه الأستاذ "ضياء رشوان" في قناة الفراعين في عام 2009م، وتداخل معهم أيضًا عبر الهاتف د."محمد بديع".

النقطة الرابعة:

تتنافى هذه المسألة مع كتابات إخوانية كثيرة تنفي عن جماعة الإخوان أنها جماعة المسلمين، ولكنها تعود فتؤثِّم مَن لم ينضم إليها باعتبارها أكمل الجماعات، وهذا موجود في كتابات المستشار "البهنساوي"، وفي كتابات "سعيد حوى"، وغيرها من الكتابات... وهي روح تم استدعاؤها بقوة بعد 11 فبراير 2012م حيث رفع بعض السلفيين شعار: "الإخوان رجال المرحلة" ثم ازداد الأمر بعد وصول د."مرسي" إلى الحكم وتبني بعض إعلامي القنوات الإسلامية قاعدة: "يجوز للإمام وجماعته ما لا يجوز لغيرهم!".

النقطة الخامسة:

وهي مِن أهم النقاط، ويشكل عليها أن تاريخ جماعة الإخوان شهد حوادث عنف فُسِّرت بأنها حوادث فردية، ولكنها لم تأخذ حظها الكافي من النقد الشرعي؛ لا سيما وأن عددًا ممن ساهموا فيها تبوأوا مناصب قيادية كبرى داخل الجماعة، منهم: "الأستاذ مصطفى مشهور" المؤسس الحقيقي للتنظيم الدولي، وأحد أبرز مرشدي الجماعة عبر تاريخها، كما أن الأستاذ "مصطفى مشهور" قد قدَّم لكتاب "محمود الصباغ" عن التنظيم الخاص والذي يفتخر فيه بكل هذا التاريخ!

وبالإضافة للتاريخ يوجد الواقع الذي نكتفي منه هنا بأحدث ما صدر فيه، وهو كلام د."محمد عبد المقصود" -وبالطبع لا يمكن أن نسمي هذا الكلام فتوى بأي اعتبار من الاعتبارات- حيث خرج على قناة "رابعة" ليقول: "إن استهداف منازل وسيارات رجال الشرطة جائز لردعهم، وإنه لا ينافي السلمية!".

وهذا الكلام يُلزِم الإخوان مِن جهة إلقائه على قناة "رابعة"، ومن جهة أن د."عبد المقصود" يصرِّح منذ وصول د."محمد مرسي" للحكم -وحتى يومنا هذا- بأنه ولي أمر شرعي تجب طاعته؛ ولو أراد الإخوان منعه مِن مثل هذا الكلام لفعلوا (وقد نصحناهم بهذا مرارًا فلم يحرِّكوا ساكنًا! كما نصحنا الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التي كان نائبًا لرئيسها؛ فاكتفى الرئيس والأمين العام باستنكار كلامه في المجالس الخاصة!).

وكلامه مردود من عدة جهات:

الأول: أن في هذا استهانة بالغة بالدماء دونما بيان الأصل الشرعي الذي يجوِّز أن يُستهدف شخص لمجرد ارتدائه لزي الشرطة "رغم أن شقيق الشيخ عبد المقصود كان لواء شرطة؛ فهل كان يرضى بأن يستهدفه أحد أو يستهدف منزل الأسرة أو العائلة؟!".

الثاني: أن استهداف شخص في بيته لا يجوز فيما نعلم إلا في حالة الكافر الحربي أو المعاهد الذي غدر كما في قصة "كعب بن الأشرف"، ولا يجوز حتى في قتال الطائفة الممتنعة قصد الواحد غير الكافر "مع أن الإخوان لم يفعلوا في حكمهم فيما يخص الشريعة إلا ما فعله مَن سبقهم ومَن لحقهم، ولهذه القضية تفصيل في مقام آخر".

الثالث: أن استهداف البيوت وفيها النساء والأطفال لا تجوز حتى في قتال الكفار؛ فكيف في مواجهة الحكومات التي يؤكد بيان الإخوان أنهم مسلمون، وأنهم لا يجيزون استعمال العنف معهم؟!

الرابع: أن هذه الفتاوى ترتد على أصحابها فتؤخذ هذه الفتاوى؛ فيُستخرَج بها فتاوى للجنود بأن يبدأوا هم وإلا قُتلوا... وقد استنكرنا هذا عندما خرج من الشيخ "علي جمعة" وغيره، ولكن كواقع فلا شك أن مثل هذه الفتاوى كان لها أكبر الأثر فيما آلت إليه الأمور.

الخامس: ومن عجيب الأمور أن يكون التعليل هو بأن "هذا لا ينافي السلمية!"، والواجب على مَن يتصدى لبيان حكم شرعي في واقعة ما أن يُعنى بمعرفة الأحكام الشرعية، وأن يعنى بمعرفة الواقع لا أن ينشغل بما تقرره "أكاديمية التغيير في قطر" أو في غيرها مِن تعريف السلمية!

فالواجب البحث عن "الشرعية لا عن السلمية".

مع أن هذه الأفعال بلا شك "خارجة عن السلمية" وفق تعريف هذه المناهج "التي تقرر أن كل ما دون الرصاص سلمية" في التعامل مع مدرعات الشرطة، ولكن استهداف بيوت أفراد الشرطة يمثِّل ورطة قانونية؛ بالإضافة إلى الورطة الشرعية.

وفي النهاية فقد تهددنا د."محمد عبد المقصود" بمستندات تحت يده سوف يكشفها إذا فتح أحد فمه، ومَن شاهد حلقاته على قناة الناس سوف يعرف نوعية مستنداته؛ تلك الوريقات التي كان يدسها في يده أحدهم وهو داخل إلى الأستوديو فيخرجها في الهواء ممزقة متناثرة مفككة يتهجى ما فيها، وفي النهاية تجدها خبرًا عن مجهول إنترنتي! وهو سلوك يصيب بعض العقلاء، بل والصالحين إذا أصيبوا بداء التسليم المطلق لرجال المرحلة!

ومن أعجب ما يمكنك أن ترى في حياتك من مثل هذا صنيع الأستاذ "محمد أحمد الراشد"؛ فقد زعم في كتابه: "الردة عن الحرية" -(لاحظ الإسقاط في عنوان الكتاب، وقارن بينه وبين قول د."أبو بركة" من أن الخروج على الرئيس "مرسي" جريمة لا تقل عن الشرك بالله!)- أن الحكومة السعودية قد دفعت إلى "حزب النور" 150 مليون دولار -رواها بعضهم بعملات أخرى ما بين جنيه وريال ودولار؛ كل حسب جرأته وهواه!- ثمنًا لقبوله المشاركة السياسية بعد عزل د."مرسي".

ثم أسند هذه الفرية لصفحة "فيس بوك"، وهذه مصيبة من مصائب هذا الزمان؛ إلا أن الأدهى والأمَر أن هذه الصفحة لشخص مِن هؤلاء الذين يظنون أن هؤلاء مؤامرة كونية تحاك ضدهم، وهو يلقب نفسه بلقب: "القائد العام للقارة السابعة!".

وهذه أمثلة من مشاركاته في صفحته يقول في إحداها:

- "يحاصرونني، يلاحقونني في الإنترنت، يغلقون شبكاتي الإعلامية والتجارية كمصدر رزق؛ لأنه مطلوب القبض على روحي، لكن روحي تقول لكم إنها ستلقي القبض عليكم جميعًا".

- ويقول في أخرى: "نداء أخير للمسئولين الأردنيين ودعوة للمؤرخين العرب: 20000 مقاتل (ة) من رفاق وأصدقاء ومعارف ومحبي عامر العظم يستعدون لقتال المخابرات الأردنية، لا أكذب ولا أبالغ، وسترون إن تجاهلتم ندائي الأخير أنني متقدم في وعيي على الآخرين، أدعوكم حرصًا مني على الأردن وسمعته لحل قضية عامر العظم جذريًّا، وبشكل مشرف اليوم الاثنين، أنتم تعرفون رقمي وصفحتي على الفيسبوك... إن اعتداء المخابرات الأردنية على عامر العظم هو اعتداء على جميع المثقفين!".

وهذا الشخص أو بالأحرى هذه الصفحة الفيسبوكية هي التي استحل بها "الراشد" أن يتهم غيره بهذه التهم!

ثم عنه أخذ بعض الطيبين الذين تجاوزت طيبتهم حد الغفلة من الذين يظنون أن أمثال "الراشد" لا يمكن أن ينقل إلا عن مصدر موثوق، وأنه لا يمكن أن يَتهم إلا ببينة أوضح من شمس النهار!

ولم يدرِ هؤلاء أن هناك ثلاثة أوهام تسيطر على عقول البعض، متى اجتمعن في شخص أو كيان فلا تسأل عن مبررات شرعية، ولا عن أسانيد واقعية، ولا حتى عن حجج منطقية!

الأولى: تصور أنه الممثل الحصري للإسلام أو -على الأقل- الإسلام الشامل.

الثاني: توهم أنه أو أنهم في حالة حرب حتى بلوغ غاية ما: كإقامة الخلافة مثلاً.

الثالث: سوء فهم حديث: (الْحَرْبُ خَدْعَةٌ) (متفق عليه)، وتطبيقه على تلك الحرب الوهمية!

ثم إن "الراشد" في كتابه قد صبَّ جام غضبه على مَن توهم -أو أوهم قارئه- أنهم تلقوا أموالاً معرضًا تمام الإعراض عمن "توهم" أنهم قد دفعوا، وهذا موقف يعجز "الطب" عن تفسيره، ولكن قد يقول قائل: لقد شغله "التركيز" الزائد على "إسقاط" القوى الإسلامية التي تخلفت عن مشهد "رابعة" لا سيما "حزب النور"، ولكن ماذا بعد أن أخذت السعودية تلك الخطوة فإذا بجماعته التي يدين لها بالسمع والطاعة ترد بهذا الخطاب!

لا عجب فـ"الراشد" بشحمه ولحمه هو مَن انبرى مدافعًا عن "نحناح الجزائر" في مشاركته في الحياة السياسية بعد الانقلاب "المكتمل الأركان والواجبات والتحسينات"، مع فارق أن "نحناح" دخل ليدافع في الدستور عن عبارة: "الإسلام دين الدولة"، وأنه في سبيل ذلك أقر بأن جبهة الإنقاذ إرهابية، ومسئولة عن كل حوادث القتل!

ومَن تأمل النقاط الثلاث التي ذكرناها سوف يسهل عليه تصور صدور مثل هذه التناقضات من شخص واحد عاقل، رشيد دين "ولكن بهذا الفهم المغلوط للدين!"، نسأل الله لنا وله الهداية والرشاد.

إن "بيان الإخوان" في الرد على القرار السعودي يصلح بأن يكون منهاجًا لترشيد الجماعة على ألا يغفل المراجعة الفقهية الواضحة والمنضبطة لكل ما أشرنا إليه من مشكلات.

وأما من الناحية السياسية: فيحتاج الإخوان إلى درجة واقعية، ومصارحة ومكاشفة؛ بدلاً من تعليق الأمور على شماعة الآخرين، وفي هذا الصدد نختم بأسباب أوردها د."ناجح" في مقاله المشار إليه يبيِّن فيها أسباب هذا الموقف المتشدد من السعودية تجاه الإخوان بالدرجة التي جعلتْ علماء السعودية من الإخوان -والقريبين منهم: كالسروريين- عاجزين حتى عن مجرد نقده!

فقال: "وأعتقد أن أسباب هذا القرار ما يلي:

1- التقارب الكبير بين الإخوان وإيران، وهي العدو التقليدي للسعودية، خصوصًا بعد اقتراب امتلاكها للسلاح النووي، وكذلك بعد تحسن علاقتها مع أمريكا، وتكوين حلف "تركي - إيراني".

2- التحالف بين الإخوان و"القاعدة"، والأخيرة تعتبرها السعودية العدو الإستراتيجي؛ خصوصًا بعد تغولها حول السعودية في "سيناء مصر، وداعش العراق وسوريا، وفي ليبيا، وفي اليمن"، مع الوفرة المالية والتسليحية التي حازتها "القاعدة" مؤخرًا.

3- دول الخليج بتركيبتها المعقدة لا تتحمل تعدد الولاءات، وتحب أن يكون الولاء واحدًا وللدولة السعودية، وهذا ما قاله الإماراتيون للإخوان: "لا داعي للتنظيم، وخذوا كل شيء"، كما أن السعودية تحوي في منظومتها القانونية أحكام الشريعة الإسلامية؛ فما الداعي لتنظيم إسلامي يغير نظام الحكم؟!

4- التحالف الإخواني القطري الذي تعتبره السعودية مكمن خطر على الخليج كله؛ لا سيما مع التحالفات القطرية الكثيرة الأخرى... واعتقاد السعوديين أن قطر ترحب بتفكيك السعودية إلى 5 دول عن طريق "ربيع سعودي".

(يحاول البعض التهوين من شأن الحدود السياسية باعتبارها مصطنعة، ونقول لهؤلاء: إن الواجب علينا ألا نقبل قط بتجزئة المجزئ، بل يجب أن ندعو إلى وحدة إسلامية شاملة تأتي بخطوات متدرجة ومحسوبة على غرار الاتحاد الأوروبي الذي يسير نحو الوحدة -التي كانت في يوم من الأيام سمة أمتنا- مراعاة للمصالح والمفاسد).

5- الاعتقاد السعودي الجازم بأن مصر وجيشها هي الاحتياطي الإستراتيجي للسعودية والخليج في معاركه القادمة مع إيران أو غيرها... خصوصًا بعد أن خذلت أمريكا السعودية مؤخرًا.

6- صفحات "الفيس بوك" للإخوان السعوديين والمصريين وحلفائهم بعد عزل د."مرسي" تعج بالشتائم للسعودية وحكامها، وتحرِّض على العنف في مصر وتشجعه، وتهلل له! وهذا أخاف السعودية جدًّا".

انتهت الأسباب التي ذكرها د."ناجح"، والذي حاول كما حاولنا منذ بدأت الأزمات تلاحق حكم الإخوان أن يقدِّم النصائح، وبح صوته كما بحت أصواتنا، وأستبيح عرضه كما استبيحت أعراضنا.

وما زلنا ننصح آملين الإصلاح أو على أقل الأحوال أن نجد جوابًا للسؤال عند الله، ولا يعنينا كثيرًا أن يتوهم بعض الناس أننا مسئولون عن ورطات وقع فيها غيرنا وقد حاولنا منعه من الوقوع فيها، وما زلنا نحاول إخراجه منها.

والله نسأل أن يلهمنا رشدنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدًا.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي