الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (4)

وقد كتب السلطان وثيقة بخط يده مِن منفاه نشرت حديثًا أن الماسونيين في جمعية الاتحاد والترقي خلعوه؛ لأنه لم يوافق على التنازل عن أرض فلسطين لأطماع اليهود

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (4)
علاء بكر
الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠١٤ - ٠٦:٣٨ ص
2540

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (4)

جهود "هرتزل" لإقامة دولة يهودية

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلم يقتصر "هرتزل" على إصدار كتابه: "الدولة اليهودية" الذي يبين فيه دعوته لإنشاء وطن ليهود العالم، ويضع فيه المخطط لتنفيذ ذلك، ويقدِّم الحلول للمشاكل والعقبات التي قد تواجه اليهود عند تطبيق فكرته، لكنه منذ أن أصدر كتابه قام باتصالات ومقابلات عديدة مع مختلف السياسيين والمسئولين في العالم ممن يرتجي منهم خيرًا لمشروعه أو ممن يمكنهم أن يقدِّموا له دعمًا ومساندة.

فقابل "قيصر" ألمانيا، و"البابا" في روما، والسلطان العثماني "عبد الحميد الثاني"، ووزير خارجية بريطانيا، ووزير داخلية روسيا، وغيرهم كثير، إلى جانب علاقاته واتصالاته بزعماء الصهيونية, ورجال المال اليهود في العالم.

وقد كان "هرتزل" حريصًا على تحقيق فائدة لفكرته في كل مقابلة يقوم بها، حيث حصل على وعد من هنا، ودعم من هناك، مستخدما كل الوسائل التي تمكِّنه مِن تحقيق هدفه، شريفة كانت أو غير شريفة، بدون فتور أو يأس، تشهد لذلك مذكراته اليومية التي كتبها بنفسه وتطرق فيها إلى تفاصيل نشاطه الدءوب.

وبناءً على دعوة مِن "هرتزل" لأقطاب الجاليات اليهودية في العالم تم عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة "بال" بسويسرا في أغسطس 1897م، ثم تلته خمسة مؤتمرات سنوية صهيونية أخرى شهدها "هرتزل" قبل وفاته، وكان المؤتمر الصهيوني الثاني في أغسطس 1898م في مدينة "بال" أيضًا.

أما المؤتمر الثالث فكان في أغسطس 1899م، أما الرابع فكان في أغسطس 1900م بمدينة "لندن"، والخامس في ديسمبر 1901م بمدينة "بال"، والسادس في أغسطس 1903م، وقد توفي "هرتزل" في 3 يوليو 1904م حيث دفن في "فيينا"، لكن رفاته نقل إلى مكان مجاور لمدينة القدس عام1949م، وما زال اليهود في إسرائيل إلى الآن يحتفلون رسميًّا بوفاته في شهر يوليو من كل عام.

"هرتزل" والسلطان "عبد الحميد الثاني":

استطاع زعيم الحركة الصهيونية العالمية "تيودور هرتزل" الحصول على تأييد دول أوروبا للمسألة اليهودية، وجعلها قوة ضغط على الدولة العثمانية -التي تقع أرض فلسطين تحت يدها- لمقابلة "هرتزل" للسلطان "عبد الحميد" وطلب فلسطين منه.

ولما كانت الدولة العثمانية تعاني من مشاكل اقتصادية سيئة مكنت الدول الأوربية الدائنة من وضع بعثة مالية أوروبية في تركيا للإشراف على أوضاعها الاقتصادية ضمانًا لدينها؛ كانت هذه هي الثغرة أمام "هرتزل" كي يؤثر على سياسة السلطان العثماني تجاه اليهود.

يقول "هرتزل" في هذا المجال: "إن نحن حصلنا على فلسطين، سندفع لتركيا كثيرًا أو سنقدم عطايا كثيرة لمن يتوسط لنا، ومقابل هذا نحن مستعدون أن نسوي أوضاع تركيا المالية، سنأخذ الأراضي التي يمتلكها السلطان ضمن القانون المدني" (اليهود والدولة العثمانية د.أحمد نوري النعيمي).

قام "هرتزل" بزيارة القسطنطينية في يونيو 1896م يرافقه صديقه "نيولنسكي" رئيس تحرير "بريد الشرق"، والذي كانت له علاقة ودية مع السلطان، فنقل "نيولنسكي" عَرض "هرتزل" إلى قصر "يلدز".

وبعد حوار بينهما قام السلطان "عبد الحميد" بإرسال رسالة إلى "هرتزل" بواسطة صديقه "نيولنسكي" جاء فيها: "انصح صديقك هرتزل ألا يتخذ خطوات جديدة حول هذا الموضوع؛ لأني لا أستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة؛ لأنها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي، وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض، ورووها بدمائهم؛ فليحتفظ اليهود بملايينهم!" (المصدر السابق: ص120).

وبعد إخفاق وساطة "نيولنسكي" اتجه "هرتزل" إلى "وليم الثاني" إمبراطور ألمانيا، صديق السلطان العثماني وحليفه الوحيد في أوروبا؛ إلا أن مساعيه لم تكلل بالنجاح.

وبعد سنتين مِن الاحتكاك المباشر مع موظفي قصر "يلدز" الكبار تمكن "هرتزل" من مقابلة السلطان "عبد الحميد" لمدة ساعتين، حيث اقترح "هرتزل" قيام البنوك اليهودية الغنية في أوروبا بمساعدة الدولة العثمانية لقاء السماح بالاستيطان اليهودي في فلسطين، مع وعد بتخفيف الديون العامة للدولة العثمانية منذ 1881م.

وقد تعمد السلطان "عبد الحميد" أن يرخي لـ"هرتزل" في الكلام كي يدفعه أن يتحدث بكل ما يخطر في مخيلته من أفكار ومشروعات ومطالب، فتعرَّف منه على حقيقة الخطط اليهودية، وتعرف على مدى قوة اليهود العالمية؛ مما جعل "هرتزل" يظن أنه نجح في مهمته، وقد وعد "هرتزل" السلطان "عبد الحميد" أن يحتفظ بحواره معه سريًّا، ولكن "هرتزل" أدرك في نهاية اللقاء أنه قد أخفق في مهمته، وأنه يسير مع السلطان العثماني في طريق مسدود. (المصدر السابق: ص 141- 143).

وقد كتب السلطان "عبد الحميد" في مذكراته السياسية عن لقائه مع "هرتزل" فقال: "لن يستطيع رئيس الصهاينة هرتزل أن يقنعني بأفكاره، وقد يكون قوله: ستحل المشكلة اليهودية يوم يقوى فيها اليهودي على قيادة محراثه بيده صحيحًا في رأيه، وأنه يسعى لتأمين أرض لإخوانه اليهود، لكنه ينسى أن الذكاء ليس كافيًا لحل جميع المشاكل... لن يكتفي الصهاينة بممارسة الأعمال الزراعية في فلسطين، بل يريدون أمورًا، مثل: تشكيل حكومة، وانتخاب ممثلين، إنني أدرك أطماعهم جيدًا، لكن اليهود سطحيون في ظنهم أنني سأقبل بمحاولاتهم، وكما أنني أقدر في رعايانا اليهود خدماتهم لدى الباب العالي فإني أعادي أمانيهم وأطماعهم في فلسطين" (المصدر السابق: ص 148).

وعن القدس كتب السلطان "عبد الحميد" فقال: "لماذا نترك القدس... إنها أرضنا في كل وقت، وفي كل زمان، وستبقى كذلك، فهي من مدننا المقدسة، وتقع في أرض إسلامية، لابد أن تظل القدس لنا" (العثمانيون في التاريخ والحضارة د.محمد حرب).

أما "هرتزل" فكتب يقول: "أقر على ضوء حديثي مع السلطان عبد الحميد الثاني أنه لا يمكن الاستفادة من تركيا إلا إذا تغيرت حالتها السياسية عن طريق الزج بها في حروب تهزم فيها، أو عن طريق الزج بها في مشكلات دولية، أو بالطريقين معًا في آن واحد" (اليهود والدولة العثمانية ص143).

ويعزز ذلك بقوله: "إني أفقد الأمل في تحقيق أماني اليهود في فلسطين، وأن اليهود لن يستطيعوا دخول الأراضي الموعودة ما دام السلطان عبد الحميد قائمًا في الحكم مستمرًا فيه" (المصدر السابق: ص158).

وقد شرع السلطان عبد الحميد في توجيه أجهزة الاستخبارات الداخلية والخارجية لمتابعة اليهود، واتخذ كل التدابير اللازمة في سبيل عدم بيع الأراضي إلى اليهود في فلسطين، وفي سبيل ذلك عمل جاهدًا على عدم إعطاء أي امتياز لليهود من شأنه أن يؤدي إلى تغلب اليهود على أرض فلسطين.

وفي محاولة يهودية أخرى مع السلطان "عبد الحميد" قام اليهودي الماسوني الكبير "قرة صوه" بمقابلة السلطان "عبد الحميد"، وعرض عليه هدية مالية كبيرة بصفته نائبًا عن الجمعية الماسونية مع قرض بلا فائدة مقابل السماح لليهود ببعض الامتيازات في فلسطين، ولكن السلطان رفض بشدة، وأظهر استياءه الشديد، وقد تبيَّن بعد ذلك أن الجمعيات الماسونية هي مِن التنظيمات السرية التي تعمل لخدمة المصالح اليهودية وتحت إشرافهم (مذاهب فكرية في الميزان د.علاء بكر).

ولما يئست الصهيونية العالمية مِن استجابة السلطان "عبد الحميد" لمطالبها سعت إلى التخلص منه؛ فدعمت أعداءه من المتمردين الأرمن، ومِن القوميين في البلقان، وناصرت الحركات الانفصالية عن الدولة العثمانية.

وأنشأ الماسونيون جمعية الاتحاد والترقي "تركيا الفتاة"، وأمدوها بالمال والدعاية، وكان أعضاؤها يلتقون بزعماء المحافل الماسونية، ويتلقون منهم التوجيهات، حتى نجحت في القيام بانقلاب عسكري في اسطنبول لخلع السلطان "عبد الحميد" بحجة عدم الاستجابة للأصوات المنادية بالإصلاح، وأجبروا السلطان على التنازل عن الحكم.

وقد كتب السلطان وثيقة بخط يده مِن منفاه نشرت حديثًا أن الماسونيين في جمعية الاتحاد والترقي خلعوه؛ لأنه لم يوافق على التنازل عن أرض فلسطين لأطماع اليهود (الوجودية وواجهتها الصهيونية، د.محسن عبد الحميد).

وفي عام 1900م عقد المؤتمر الصهيوني الرابع في لندن؛ للتأثير على الرأي العام البريطاني لمساعدة اليهود الصهاينة، وقد اجتمع "هرتزل" مع وزير خارجية بريطانيا في محاولة للحصول على تأييد بريطانيا لليهود، وفي عام 1903م وافق "هرتزل" على فكرة وزير المستعمرات البريطانية باستيطان اليهود لهضبة قريبة من نيروبي عاصمة كينيا، مع وعد بالاستقلال الذاتي وتعيين حاكم يهودي.

وقد تعرض "هرتزل" للنقد الشديد في المؤتمر الصهيوني السادس في "بازل" بسبب موافقته على إقامة وطن لليهود خارج فلسطين، وقرر المؤتمر عدم قبول إنشاء وطن يهودي في إفريقيا إلا كملجأ مؤقت.

وفي 1903م فاوض "هرتزل" وزير داخلية روسيا على التصريح بهجرة اليهود الروس إلى خارج روسيا مقابل إيقاف حملة الدعاية اليهودية ضد روسيا، كما أخذ موافقة وزير روسيا على إنشاء فرع للبنك اليهودي.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة