الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

قاعدة: "الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا"

السؤال: كنت تعلمت مِن حضرتك أن الإيمان إذا ذكر وحده يشمل الإسلام كله، وكذلك الإسلام إذا ذكر وحده يشمل الإيمان كله، ولكن بعد مراجعة هذه المسائل الآن والقراءة فيها ظهرت عندي بعض الإشكالات، مثل: 1- إذا كان الإسلام والإيمان بمعنى واحد عند افتراقهما؛ فلماذا نعود ونقول: "كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا"، وأن الإيمان أعلى من الإسلام؟ 2- إذا كانت الإجابة بأن الإسلام إذا اجتمع مع الإيمان سيأخذ معنى الأعمال الظاهرة دون الباطنة فسيأتي الإشكال التالي: وهو أن هذا يستلزم أني إذا قلت عن فلان: إنه مسلم فهذا معناه أني أحكم عليه أنه ليس عنده الإيمان الكامل أو الواجب، وهذا معناه كذلك رميه بعدم العدالة... أليس كذلك؟ وماذا أقول إذا سئلت عن إنسان: هل هو مؤمن أو مسلم؟ 3- وإشكال آخر في حديث صحيح، وهو عن عقبة بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- سَرِيَّةً, فَغَارَتْ عَلَى قَوْمٍ, فشذَّ مِنَ الْقَوْمِ رجلٌ, واتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ السَّرِيَّةِ -وَمَعَهُ السَّيْفُ شَاهِرَهُ-, فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ, فَلَمْ يَنْظُرْ فِيمَا قَالَ فَضَرَبُه, فَقَتَلَهُ, قَالَ: فَنُمِيَ الْحَدِيثُ إِلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فقال فِيهِ قَوْلاً شَدِيدًا, فَبَلَغَ الْقَاتِلَ, قَالَ: فَبَيْنَمَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ؛ إِذْ قَالَ الْقَاتِلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَاللَّهِ مَا قَالَ الَّذِي قَالَ إِلا تَعَوُّذاً مِنَ الْقَتْلِ! فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وعمَّن قَبْلَهُ مِنَ النَّاسِ, وَأَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ , قَالَ: ثُمَّ عَادَ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا قَالَ الَّذِي قَالَ إِلا تعوُّذاً مِنَ الْقَتْلِ! فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعمَّن قِبَلَهُ مِنَ النَّاسِ, فَلَمْ يَصْبِرْ أَنْ قَالَ الثَّالِثَةَ, فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ -تُعْرَفُ المَسَاءَةُ فِي وَجْهِهِ-, فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عليَّ أَنْ أقْتُلَ مُؤْمِنًا) (رواه أحمد وابن حبان، وقال الألباني: صحيح لغيره). والإشكال هنا أنه جعل الرجل مؤمنًا بمجرد نطق الشهادتين؟ وهذا ينصرف إلى الإيمان الكامل والدين كله؛ لأن الإيمان إذا أطلق -كما تعلمنا- شمل الدين كله؛ فما جواب هذا الإشكال؟ 4- كذلك الحديث السابق أشكل عليَّ مع قول الله: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات:14)، حيث بينتْ الآية أن حديث العهد بالإسلام لا يتحقق عنده الإيمان الكامل؟ فكيف الجمع مع الحديث؟

قاعدة: "الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا"
الأحد ٠٦ أبريل ٢٠١٤ - ٢٠:٠٨ م
9969

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فهذه القاعدة، وهي أن الإسلام والإيمان إذا افترقا في السياق اجتمعا في المعنى، وإذا اجتمعا في السياق افترقا في المعنى - فهذا في الأغلب الأعم؛ وإلا فأحيانًا يجتمعان في السياق ويجتمعان في المعنى أيضًا، مثل قوله -تعالى-: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:102).

وأما عبارة: "كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا" فهي على القاعدة العامة؛ لأنهما هنا مجتمعان فيلزم التفرقة، والأغلب أيضًا أن الإيمان أكثر استعمالاً وأعلى في المنزلة.

2- لا يلزم من الحكم بأن فلانًا مسلم أنه ليس بمؤمن الإيمان الواجب، بل إنما نحكم بما علمنا، وإذا لم يظهر منه ما يقدح فيه فيصح أن يُقال هو مؤمن في أحكام الظاهر، نحو: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ... ) (النساء:92)، ولا يلزم إلا الإيمان الظاهر.

فالواجب أن نثبت حكم الإسلام ظاهرًا عند السؤال عن شخص، ونكل علم باطنه إلى الله، ويصح أن يقال هو مؤمن في أحكام الظاهر.

3- الذي نطق الشهادتين مؤمن في أحكام الظاهر: كعصمة الدم، والمال، والسياق المذكور يدل على ذلك، وليس الإيمان الكامل الواجب.

4- مسلمة الأعراب -وليس كل حديث عهد بالإسلام- كان عندهم نقص في الإيمان الواجب، ونوع نفاق، وإن لم يكن النفاق الأكبر، فالذي نُفي هنا الإيمان الكامل الواجب، وليس أحكام الإيمان الظاهرة.

والمشكلة في كل ما ذكرتَ أنك لم تعتبر النصوص التي يُذكَر فيها الإيمان، ويقصد به أحكام الظاهر، مثل: قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى... ) (البقرة:178)، وقوله: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ... ) (النساء:92)، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ) (رواه مسلم).

 

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي