الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تعليق د."ياسر برهامي" على تكفير الشيخ "عبد الرحمن عبد الخالق" لـ أ."نادر بكار"!

السؤال: قام الشيخ "عبد الرحمن عبد الخالق" بتكفير الأخ "نادر بكار"، وهذا بسبب أنه قال حديثًا ذكر فيه أن رجلاً اسمه هزَّال جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بأن زوجته زنت مع رجل، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا هَزَّالُ، لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، فذكر الشيخ "عبد الرحمن عبد الخالق" أن هذا كفر مخرج من الملة؛ لأن فيه نسبة الدياثة -والعياذ بالله- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-! والسؤال: 1- ما تعليق فضيلتك على تكفير الشيخ "عبد الرحمن عبد الخالق" للأخ "نادر" بسبب ذلك الخطأ الذي وقع فيه؟! وما درجة خطأ الشيخ "عبد الرحمن عبد الخالق" في هذا الحكم مِن أن خطأ الأخ "نادر" يستلزم تعمد الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- ونسبة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى الدياثة -والعياذ بالله-، وبالتالي كفره بناءً على ذلك؟! 2- ما حكم ما ذكره الأخ "نادر" في هذه الرواية مِن ناحية ستر الزوج على زوجته الزانية ومَن زنا بها؟ وهل يشرع ذلك في زماننا الآن؟

تعليق د."ياسر برهامي" على تكفير الشيخ "عبد الرحمن عبد الخالق" لـ أ."نادر بكار"!
الأربعاء ٢٣ أبريل ٢٠١٤ - ١٥:٢١ م
8517

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فقد تعجبتُ غاية العجب مِن تكفير الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق لـ"نادر بكار"!

وقد سمعتُ المقطعين فوجدتُ "نادرًا" قد أخطأ في دمج حديثين صحيحين، وهو وهمٌ يمكن أن يقع مِن أي إنسان.

الحديث الأول: حديث ماعز -رضي الله عنه-، وفي طرقه عند أحمد وغيره أنه زنى بجارية هزَّال "فأخطأ نادر وقال: بامرأته"، فأقنعه هزَّال بأن يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيعترف على نفسه بالزنا ليجد له الرسول -صلى الله عليه وسلم- مخرجًا، فأتي ماعز النبي -صلى الله عليه وسلم- واعترف على نفسه بالزنا صراحة أربع مرات، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- برجمه، وقال لهزَّال: (يَا هَزَّالُ، لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ، كَانَ خَيْرًا لَكَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

وفي رواية: أن هزال خدعه في ذلك، فعن نعيم بن هزَّال: أَنَّ هَزَّالاً كَانَ اسْتَأْجَرَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: فَاطِمَةُ، قَدْ أُمْلِكَتْ، وَكَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهُمْ، وَإِنَّ مَاعِزًا وَقَعَ عَلَيْهَا، فَأَخْبَرَ هَزَّالاً فَخَدَعَهُ، فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبِرْهُ عَسَى أَنْ يَنْزِلَ فِيكَ قُرْآنٌ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُجِمَ، فَلَمَّا عَضَّتْهُ مَسُّ الْحِجَارَةِ، انْطَلَقَ يَسْعَى، فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ بِلَحْيِ جَزُورٍ، أَوْ سَاقِ بَعِيرٍ، فَضَرَبَهُ بِهِ، فَصَرَعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَيْلَكَ يَا هَزَّالُ، لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ، كَانَ خَيْرًا لَكَ) (رواه أحمد بسندٍ حسن).

وهذا هو الذي استدل به نادر على أن الستر أحب إلى الله -تعالى-، وهكذا بوَّب العلماء لهذا الحديث باستحباب الستر "خاصة مع رجاء التوبة"؛ وليس في هذا تبرير للزنا -كما زعم الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق!-، وليس فيه قطعًا دياثة -كما زعم!-، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الذي رغَّب في الستر، ولا يُتصور عاقل أن هذا أمر بالستر بالثوب أثناء الزنا! ولم يقله "نادر"؛ ولا ينسبه إلى هذا القول إلا حاقد قد مُلِئ صدره بالغل، أو جاهل لا يدري حقيقة الكلام!

والحديث الثاني: هو حديث العسيف -الأجير- الذي زنا بامرأة مؤجره؛ فاختصم أبوه وزوج المرأة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا)، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُجِمَتْ. (متفق عليه).

فهذا الخلط بيْن الجارية والزوجة هو الذي أخطأ فيه "نادر" بإدخال هذا الحديث في الأول.

ثم نقول: إن الفرق بيْن الجارية والمرأة في أمر الفاحشة والدياثة غير مؤثر، بل إقرار الفحش في الزوجة أو الجارية والرضا به دياثة في الحالتين، ومحال أن يكون الأمر بالستر أمرًا بالدياثة كما زعم الشيخ "عبد الرحمن"! وهذا لازمه أنه هو الذي يتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك؛ لأن الحديث صحيح، وحاش النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون كذلك!

ولكن مِن أين أن قوله: (لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ، كَانَ خَيْرًا لَكَ) اتهام بالدياثة إلا في الفهم السقيم؟! و"نادر" لم يزد على ذلك إلا أنه أخطأ في الخلط بيْن الزوجة والجارية، وهو كما ذكرنا فرق غير مؤثر في موضوع القصة!

ثم الزعم بأن هذا الذي قاله "نادر" سب للنبي -صلى الله عليه وسلم- يستوجب الردة وإقامة الحد، وأن التوبة لا تسقِط حد القتل، وحث الناس على عدم السكوت على هذا السب... فيا عجبًا من ذلك!

هلا دعا إذن إلى قتل جميع مَن يذكر هذا الحديث ويرويه كما رواه أهل السنن والمسانيد، وتكفيرهم؟!

فهل يقول ذلك عالم "أو حتى عاقل" وهو لازم قول الشيخ -هداه الله-؟!

والخطر عظيم مِن أمر التكفير بالظن والتخمين والوهم؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) (متفق عليه)، وقال: (لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ) (متفق عليه).

ومَن سمع كلام الرجلين جزم بأنه تكفير بالوهم والظن الذي لا يغني مِن الحق شيئًا!

2- قـَبْل نزول آية اللعان كان يلزم مَن رأى زوجته في حالة الزنا أن يأتي بأربعة شهداء أو يسكت، حتى جعل الله له مخرجًا بآية اللعان، وليس في السكوت مع عدم إمساك المرأة -وفي حالة الجارية أن يبيعها- دياثة... فإن الشرع لا يأمر بالدياثة أبدًا "ولو قـَبْل نزول آية اللعان".

وإذا رأي رجلٌ رجلاً وامرأة يزنيان؛ فلا يجوز له فضحهما "ولو بالصور" حتى يأتي معه بثلاثة آخرين يشهدون معه حتى يصبحوا أربعة شهود عدول؛ وإلا للزم السكوت "وليس في هذا دياثة ولا غيرها -كما سبق بيانه-"؛ كل هذا لأن الشرع يحب الستر، وعدم إشاعة الفاحشة في المؤمنين.

 

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي