الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (7)

وقد كان "للأسيتون" وقتها أهميته العسكرية في صنع المواد المتفجرة التي كانت تستعملها البحرية البريطانية

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (7)
علاء بكر
الأربعاء ٣٠ أبريل ٢٠١٤ - ١٤:١٧ م
2640

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (7)

الحركة الصهيونية والحرب العالمية الأولى

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد عمدت الحركة الصهيونية إلى كسب تأييد الدول الأوروبية لمشروعها الرامي إلى إنشاء دولة لليهود في أرض فلسطين، وكانت بريطانيا في مقدمة هذه الدول الأوروبية حيث كانت في مقدمة الدول الأوروبية الاستعمارية وقتها.

ولهذا انعقد المؤتمر الصهيوني الرابع في لندن عام 1900م للتأثير على الرأي العام البريطاني للتعاطف مع مطالب الحركة الصهيوني.

وفي عام 1908م انعقد في لاهاي مؤتمر صهيوني تقرر فيه مطالبة بريطانيا بالتدخل لدى الدولة العثمانية للسماح لليهود بالهجرة إلى أرض فلسطين، وكانت إنجلترا وقتها تخطط مع دول أوروبا الاستعمارية للسيطرة على الدول العربية الواقعة تحت السيطرة العثمانية، وإعادة تقسيمها بما يخدم مصالحها.

وفي عام 1914م بدأت الحرب العالمية الأولى بيْن دول المحور: "ألمانيا والنمسا، ومعهما تركيا", وبين دول الحلفاء: "إنجلترا وفرنسا وروسيا، ومعهم أمريكا"، وقد سعت إلي هذه الحرب وخططت لها دول أوروبا الاستعمارية لإسقاط تركيا -التي كانوا يطلقون عليها الرجل المريض- للاستيلاء على ما تحت نفوذها من الدول العربية.

ويرى البعض أيضًا أن الماسونية العالمية كانت تخطط لمثل هذه الحرب الكبرى للإطاحة بالحكم الملكي في روسيا، وجعل روسيا معقلاً للشيوعية، لتنطلق منها الشيوعية إلى أرجاء الأرض لتدمير المعتقدات الدينية والمبادئ الأخلاقية، تمشيًا مع المخططات اليهودية التي تتبناها الماسونية (راجع الماسونية في مذاهب فكرية في الميزان د.علاء بكر).

وقد سعت الحركة الصهيونية إلى المشاركة في الأحداث والاستفادة منها في تحقيق مشروعها:

ففي الجانب العسكري تم تشكيل فيلق يهودي انضم إلى فرق النقل في الجيش البريطاني، وقد تم تسريحه في عام 1916م، كما انضمت فصائل من اليهود إلى جيش اللورد اللنبي التي غزى فلسطين ودخلها في نهاية الحرب، وشاركت قوات من اليهود في غزو سوريا ولبنان مع قوات الحلفاء، ولما استولى اللورد "اللنبي" على القدس في 8 ديسمبر 1917م ثم دمشق توجه إلى قبر "صلاح الدين" -رحمه الله-، وقال متفاخرًا: "ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين!".

كما برز عدد من القادة اليهود في هذه الحرب، مثل: الكولونيل "باترسون" اليهودي الذي قاد اللواء المقاتل في "الدردنيل" عندما أراد الحلفاء فتح الطريق هناك إلى روسيا، وكانت الاستفادة من تلك المشاركات بتدريب فئات من اليهود على الأعمال القتالية واكتساب الخبرات في هذا الشأن (راجع أضواء على الكيان الفلسطيني، تأليف عبد الله  بلال ص 32-33).

كما قدمت المؤسسات المالية اليهودية -خاصة في أمريكا- المساعدات المالية لبريطانيا، وفرنسا، ضد ألمانيا أثناء الحرب.

كما كان لأعضاء من منظمة "بناي برث" -وتعني أبناء العهد- اليهودية نشاط جاسوسي كبير وراء الخطوط التركية في جبهة فلسطين، ومِن أشهر جواسيسها في تلك الأيام: "سيمي سيمون"، و"سوزي ليبرمان"، و"مدام شورسن"، و"كيمباس ليبرمان" (راجع في ذلك: مقدمة الأسرار الماسونية لجواد رفعت أتلخان ص11، وأساليب الغزو الفكري د. علي جريشة ومحمد شريف الزيبق ص 178-179، وللتوسع: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، ط. الثالثة ص530-534).

ولما ثار الروس ضد حكم القياصرة في روسيا نتيجة الظلم والاستبداد، وقامت الثورة البلشفية عام 1917م - تسلق أصحاب الفكر الشيوعي هذه الثورة، وكان أكثر قادتهم من اليهود، وقطفوا ثمارها، وحولوها إلى حركة شيوعية (راجع في ذلك الشيوعية وليدة الصهيونية لأحمد عبد الغفور عطار).

وقد توَّج اليهود مساعدتهم للحلفاء بقيام "حاييم وايزمان" بعد تعيينه رئيسًا لمعامل الأميرالية البريطانية بإنتاج مادة الأسيتون المستخدمة في صناعة المتفجرات.

حاييم وايزمان:

يهودي مِن مواليد روسيا البيضاء، ولد عام 1874م، انتقل إلى بريطانيا عام 1904م حيث استقر في مانشستر كأستاذ مساعد في جامعتها، حيث كان حاصلاً على الدكتوراه في العلوم بعد دراسة جامعية في ألمانيا وسويسرا، وعمل بعدها في جامعة جينيف.

شارك "وايزمان" في كل المؤتمرات الصهيونية، وكان ممن رفضوا مشروع "هرتزل" الداعي إلى إقامة دولة لليهود في أوغندا، مناديًا كغيره من اليهود الشرقيين إلى إقامة هذه الدولة على أرض فلسطين.

وقد سعى "وايزمان" للحصول على تعهد بريطاني بإقامة دولة يهودية في فلسطين ببناء شبكة من العلاقات السياسية في لندن مع صناع القرار البريطاني، وهو ما أسفر بعد ذلك عن وعد "بلفور" لليهود عام 1917م.

وبجهود "وايزمان" استطاع مكتب لندن الصهيوني الاتصال بالعديد من المسئولين اليهود وغير اليهود، منهم:

"هيربرت صموئيل" وهو: يهودي تسلم وزارة الداخلية البريطانية عام 1916م، ثم أصبح بعد ذلك أول مندوب سامٍ لبريطانيا في فلسطين بعد الانتداب البريطاني عليها.

"لويد جورج": أحد زعماء الحزب الليبرالي البريطاني الذي أصبح في ما بعد وزيرًا للذخائر، ثم وزيرًا للحربية، ثم تسلم رئاسة الحكومة البريطانية عام 1916م، ليصبح قائد بريطانيا في أوج الحرب العالمية الأولى، وليقود مفاوضات السلم بعد انتصار الحلفاء.

وفي ظل وجود "لويد جورج" في الحكم صدر وعد "بلفور"، وأدخل وعد "بلفور" ضمن وثيقة الانتداب البريطاني على فلسطين، ونال موافقة عصبة الأمم عليه، وتقبلته الدول الاستعمارية الكبرى الحليفة لبريطانيا، ومِن ثَمَّ أدخل حيز التنفيذ.

"آرثر بلفور": وهو الذي حمل "وعد بلفور" اسمه، وكان رئيسًا سابقًا للحكومة البريطانية، ثم صار وزيرًا للخارجية في حكومة الحرب التي رأسها "لويد جورج".

"مارك سايكس": الخبير في شئون الشرق الأوسط الذي أصبح أمينًا عامًّا لحكومة الحرب البريطانية، وكان حلقة الوصل بين المكتب الصهيوني في لندن وبين الحكومة البريطانية، وشارك في المفاوضات مع فرنسا وروسيا القيصرية التي انتهت باتفاقية "سايكس بيكو" المعروفة.

ومما ساعد على ارتفاع منزلة "حاييم وايزمان" عند الحكومة البريطانية توصله من خلال تجاربه الكيميائية إلى صنع مادة "الأسيتون" عن طريق التخمير الجرثومي.

وقد كان "للأسيتون" وقتها أهميته العسكرية في صنع المواد المتفجرة التي كانت تستعملها البحرية البريطانية، وهكذا عن طريق الأسيتون دخل "وايزمان" إلى وزارة البحرية البريطانية كمستشار -وكان وزير البحرية في حينها "ونستون تشرشل"-، وإلى وزارة الذخائر التي كان وزيرها "لويد جورج" نفسه، وهو في طريق صعوده إلى رئاسة الحكومة البريطانية.

وقد ذكر "لويد جورج" في مذكراته أن أحد أسباب دعمه للمشروع الصهيوني هي مساهمة "وايزمان" في إنتاج الأسيتون.

ولدوره الكبير أصبح "حاييم وايزمان" رئيسًا للمنظمة الصهيونية العالمية عام 1920م، ثم عين رئيسًا للوكالة اليهودية عام 1929م، ثم صار أول رئيس لدولة إسرائيل بعد إعلان قيامها عام 1949م، وحتى وفاته في عام 1952م.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة