الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (8)

قد وضعت هذه الاتفاقية التي تقرر مصير المنطقة العربية بمعزل عن العرب أصحاب الشأن في المنطقة، فلم يكن لهم الحق ...

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (8)
علاء بكر
الخميس ٠٨ مايو ٢٠١٤ - ١٩:٣٥ م
2335

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (8)

معاهدة "سايكس - بيكو" 1916م

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمعاهدة "سايكس بيكو" هي المعاهدة التي حددت مع الاتفاقيات التي تلتها مصير الشعوب العربية خلال القرن العشرين الميلادي وإلى اليوم، وحولتها إلى كيانات منفصلة عن بعضها البعض، وحالت دون قيام دولة عربية موحدة، ومهدت لفرض انتداب الدول الأوروبية الاستعمارية على تلك الكيانات بدلاً من منحها الاستقلال, ثم مكَّنت اليهود من دخول فلسطين واتخاذها وطنًا لليهود.

كانت بريطانيا بصفتها أكبر دولة أوروبية استعمارية في ذلك الوقت تسعى إلى تأمين الطريق البحري والبري إلى مستعمراتها الهندية، وإلى بسط نفوذها على المنطقة العربية؛ ولهذا وضعت يدها على شركة قناة السويس بشراء أسهم الخديوي إسماعيل عام 1875م، لتصبح هي المساهم الأكبر في شركة القناة، ثم سيطرت على مصر منذ عام 1882م، بالإضافة إلى مد نفوذها إلى الشاطئ الجنوبي من الجزيرة العربية، وحصول لندن على أول حق لها لاستخراج النفط في إيران عام 1909م.

- وكانت بريطانيا حريصة على أن يمتد نفوذها إلى العراق والشام "وخاصة فلسطين"؛ لقربها من قناة السويس التي أصبحت العصب البحري الحيوي للإمبراطورية البريطانية؛ ولموقعها المميز على البحر الأبيض المتوسط.

وخلال الحرب العالية الأولى كانت بريطانيا تتفاوض مع أطراف عديدة متناقضة المصالح والأهداف في وقت واحد، ومِن مقتضى نظرتها الاستعمارية ولتحقيق مصالحها تتفق مع كل طرف فيما يلائم مصالحها ومصالحه.

- كانت مصلحة بريطانيا القريبة هي الخروج من الحرب العالمية الأولى منتصرة، ومصلحتها التالية هي بسط نفوذها على أكبر قدر ممكن من المنطقة العربية بمناطقها وممراتها الإستراتيجية وثرواتها.

- فاوضت بريطانيا فرنسا حليفتها في الحرب، ووقَّعت معها اتفاقية "سايكس - بيكو" سرًّا، والتي بمقتضاها تتقاسم بريطانيا وفرنسا المنطقة العربية الموعودة بالاستقلال بعد هزيمة تركيا وتحرير هذه المنطقة العربية من قبضتها.

- وكانت فرنسا تعطي المنطقة العربية أهمية كبرى منذ حملة "نابليون" على مصر؛ لذا ساعدت "محمد علي" في تكوين دولته في مصر، وشقت قناة السويس، وأعطت نفسها صفة حماية الأماكن الكاثوليكية المقدسة، وحماية النصارى الشرقيين أبناء المذهب الكاثوليكي لما لها من امتيازات عند الدولة العثمانية؛ لذا كان مِن مصلحة فرنسا بسط نفوذها على الشام خاصة فلسطين بمقدساتها، إلى جانب تقاسم ثروات العرب مع البريطانيين.

فتم الاتفاق بينهما على:

- وضع البلاد السورية "سوريا ولبنان حاليًا" إضافة إلى الموصل تحت الحكم الفرنسي، وقد تركت بريطانيا الموصل لفرنسا لتجنب قيام حدود لها مشتركة مع روسيا القيصرية التي تم الاتفاق على منحها أجزاءً من شمال شرق الدولة العثمانية، ولكن بسقوط روسيا القيصرية عام 1917م، وظهور الثورة البلشفية فيها، وخروجها من الحرب مع الحلفاء - تخلت فرنسا عن الموصل لبريطانيا عام 1918م لتصبح العراق بأكملها لبريطانيا.

- وضع العراق ومنطقة شرق الأردن تحت الحكم البريطاني.

- تدويل معظم فلسطين مع وضع مرفأي: "حيفا وعكا" تحت الحكم البريطاني.

وهذا التدويل لفلسطين كان عند بريطانيا حلاً مرحليًّا لحين توافر الظروف المناسبة للسيطرة على فلسطين ككل، فبريطانيا تدرك أهمية الأماكن المقدسة في فلسطين لفرنسا، بل تعلم أيضًا أن روسيا تعتبر نفسها الحامية للأرثوذكس في الشرق، أي أن فرنسا وروسيا لن تقبلا انفراد بريطانيا بالسيطرة على فلسطين بمفردها، كما أن تدويل فلسطين يؤدي إلى إبعاد فرنسا عن منطقة قريبة من قناة السويس ولها موقعها المميز على البحر الأبيض المتوسط.

ولما خرجت روسيا من الحرب بعد انتصار الثورة البلشفية في خريف 1917م, وغيابها عن الساحة أمكن لبريطانيا الاتفاق بعد ذلك مع فرنسا على وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وتعديل اتفاق "سايكس - بيكو" بما يلائم مصالح بريطانيا في مقابل موافقة بريطانيا على فرض شروط صلح قاسية على ألمانيا في أوروبا تلائم مصالح الأمن الفرنسي.

وقد كانت هذه الشروط القاسية التي تجسدت في معاهدة "فرساي" من أسباب صعود النازية بعد ذلك في ألمانيا، حيث أقام هتلر جزءًا كبيرًا من دعوته القومية على رفض شروط معاهدة "فرساي" التي فُرضت على ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وقادت النازية ألمانيا وأوروبا إلى الحرب العالمية الثانية بعد ذلك.

وفاوضت بريطانيا "الشريف حسين" في الحجاز على أن يتحالف معها، ويشعل ثورة عربية ضد "تركيا" خلال الحرب العالمية الأولى في مقابل وعد مِن بريطانيا بإقامة دولة عربية له في الحجاز، والعراق، والشام "وفلسطين بالطبع جزء منها".

بعد وقوع الهزيمة لتركيا في الحرب وانحسار حكمها عن الأراضي العربي التي تحت يدها، وهو الوعد الذي لم توفِّ به بريطانيا بعد قيام "الشريف حسين" بثورته العربية ضد تركيا، رغم أن مساهمته العسكرية والسياسية والدينية كانت مِن أسباب هزيمة تركيا في الحرب.

كما فاوضت بريطانيا في نفس الوقت الحركة الصهيونية من خلال المكتب الصهيوني في لندن بشأن السماح بالهجرة اليهودية من كل مكان إلى أرض فلسطين؛ لإنشاء وطن قومي لليهود فيها، وهي المفاوضات التي أسفرت عن وعد "بلفور" في نوفمبر 1917م.

لقد أخلت بريطانيا بوعدها للشريف "حسين" ووفت لليهود بوعدها؛ لأنها رأت "وبنظرتها الاستعمارية" أن وجود مجتمع يهودي أوروبي قوي في فلسطين على مقربة من قناة السويس متحالف معها وخاضع لسيطرتها أضمن لمصالحها بكثير، بل وأشد ملائمة للدفاع عن مصالحها من الدولة العربية التي يسعى إليها "الشريف حسين".

وقد وُقِّعت اتفاقية "سايكس - بيكو" سرًّا في 1916م.

وقد سُميت بهذا الاسم نسبة إلى:

- المفاوض البريطاني "مارك سايكس": الذي شغل منصب الأمين العام لحكومة الحرب البريطانية، وكلفته حكومته بأن يكون حلقة اتصال بينها وبين المكتب الصهيوني في لندن، كما كلفته بالتفاوض مع فرنسا وروسيا القيصرية حول اقتسام المنطقة العربية، وذلك قبل أن تتضح نتائج الحرب بعد.

- المفاوض الفرنسي "جورج بيكو".

وقد وافقت روسيا القيصرية على هذه الاتفاقية، فلما قامت الثورة الروسية البلشفية عام 1917م وسقط الحكم القيصري فيها وُجدت هذه الاتفاقية بيْن وثائق سرية لروسيا القيصرية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى؛ فأذاعت الثورة الروسية هذه الاتفاقية وكشفت عن تفاصيلها.

لقد وضعت هذه الاتفاقية التي تقرر مصير المنطقة العربية بمعزل عن العرب أصحاب الشأن في المنطقة، فلم يكن لهم الحق في المشاركة فيها، وبقيت سرًّا محكمًا لا يعرفه أحد، حتى انكشف أمرها، بينما كانت القيادات اليهودية تشارك في الخفاء في دفع الأمور في اتجاه مشروعها الصهيوني بحكم علاقاتها داخل الدوائر البريطانية.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة